مع اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش القومي السوداني وقوات الدعم السريع بعد فشل كلا الطرفين في الذهاب لتنفيذ الاتفاق السياسي الإطاري الذي تم عقده في 5 ديسمبر 2022 مع أغلب القوى السياسية السودانية من جهة، والعسكرية من جهة أخرى لنقل السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية.
إن أبرز النقاط التي أشار إليها الاتفاق، وأصبحت نقطة الخلاف الرئيسية بين الجيش السوداني، والدعم السريع هي وحدة الجيش الذي يتم بموجبه دمج قوات الدعم السريع في المنظومة العسكرية للسودان وتكوين جيشاً واحداً.
لكن مع وضع خارطة تنفيذ الاتفاق الإطاري السوداني تفجرت الأزمة من جديد وسرعان ما تحولت إلى صراع مسلح بين الجيش، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"؛ حيث انتشرت قوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم، ولأول مرة في تاريخ النزاعات المسلحة السودانية تدخل المواجهات المسلحة إلى العاصمة السودانية، حيث مقرات الدولة المركزية.
إن المتابع للوضع السوداني منذ أزمة "دارفور" وبروز قوات الجنجويد في ساحة دارفور، وحسمها التمرد هناك أيام حكم عمر البشير، وبروز نجم محمد حمدان دقلو "حميدتي" مع ضعف الحكومة المركزية، وفقدانها السيطرة على الأوضاع في كثير من المناطق حيث تقاسمت الحكم والثروة مع لاعبين جدد، قد شكلوا في مفاصل الدولة موقعاً للضغط، وشراكة ونسجوا علاقات دولية وإقليمية بعيداً عن الحكم المركزي؛ مما جعلهم سلطة تنفيذية ومؤثرة داخل السلطة المركزية بالسودان.
الصراع على السلطة في السودان بين حميدتي والبرهان
لكن مع اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2019، ومطالبة الشعب السوداني رحيل نظام "البشير"، وقد تم وضع تحالف موضوعي ومرحلي بين قيادة الجيش بقيادة قائد الأركان الفريق الأول "عبدالفتاح البرهان"، وقائد الدعم السريع الفريق الأول "محمد حمدان دقلو" للاطاحة بـ "البشير"، والتخلي عنه وتقاسم السلطة الانتقالية بعده في السودان فتشكل من الطرفين مجلساً سيادياً يتولى "البرهان" رئاسته، و"حميدتي" نائباً للرئيس.
لكن ظل كل طرف يتربص بالآخر ويهادن وينتظر الفرصة لينقض على الآخر حتى جاءت قضية دمج قوات الدعم السريع في المنظومة العسكرية للسودان في صورة جيش واحد.
لكن مع الوضع الداخلي للسودان، وفي ظل حالة الانقسام التي تكونت بسببه مصالح خارجية تستفيد منه دول إقليمية ودولية حيث ثروات السودان التي لا تنضب، وقد تشعبت مع الوقت هذه المصالح وصارت حيوية للأطراف الإقليمية والدولية منذ عام 2019.
نتيجة لما سبق تعقدت الأوضاع السودانية بتضارب مصالح الدول الإقليمية والدولية في السودان؛ مما جعل قرار كل طرف محكوم بمصالح الدول الخارجية، خاصة العربية، حتى وصل النزاع بين الأطراف المتصارعة في السودان إلى نقطة اللاعودة، فالجيش يريد حسم الأمر مع الدعم السريع والعكس صحيح.
الدول العربية وصراع حميدتي والبرهان
لكن الغريب في صراع السودان أن تجد فيه دولاً عربية وإقليمية متحالفة مع بعضها في بعض الأزمات مثل أزمة اليمن وليبيا ومنها الإمارات ومصر والسعودية ومتضاربة مصالحها في السودان وتقف شبه "متناقضة ومعارضة" لبعضها البعض.
الدولة المصرية تعتبر السودان عمقاً أمنياً لها في مواجهة التهديدات الإثيوبية، وما يدلل على ذلك تصريح عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية الأسبق، ووزير الخارجية المصري الأسبق قائلاً: "بعض المصالح العربية قد تتعارض مع المصالح المصرية الأكثر عمقاً في السودان، وكذلك الحال في إفريقيا، هنا يتوقع من مصر وقفة صريحة وجريئة؛ إذ إن مصالحنا الحيوية في تلك المنطقة بأسرها أصبحت مهددة وعلى المحك احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة لنا".
قد أشار عمرو موسى إلى أن انفجار وانهيار السودان يهدد المصالح والاستقرار في كل من القرن الإفريقي ويدخل السودان إلى نفق مظلم، مما يعيد للأذهان الأوضاع في ليبيا وجعلها متطابقة لما يحدث في السودان، حيث يتعرض الأمن القومي المصري لأخطار كبيرة من جهتين السودانية جنوباً وليبيا غرباً، في توقيت تعاني فيه مصر من أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية غير مستقرة.
لا يتضح حتى الساعة آفاق انفراجة في صراع السودان؛ مما يجعل من الصعب العودة للوضع الطبيعي، السابق للاقتتال، ويعرقل استئناف العلاقات السياسية والعسكرية بين الأطراف المتصارعة ضمن ما يعرف بـ "الاتفاق الإطاري".
لقد دخل السودان ضمن الصراع على مناطق النفوذ للدول الكبرى والتي منها روسيا والولايات المتحدة وصلاً لدول إقليمية أخرى كالإمارات والسعودية، وتدخل كيان دولة الاحتلال الاسرائيلي في الصراع يجعل من الأزمة السودانية تهديداً كبيراً للمنطقة العربية ومنطقة القرن الإفريقي.
كل المؤشرات تفيد بأن النزاع السوداني جاء يخلط الأوراق نحو إعادة ترتيب القضايا الساخنة في المنطقة العربية، والتي منها الأزمة اليمنية والعلاقات السعودية الإيرانية وكذلك قضية عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بالإضافة لتسريع وتيرة الخلافات في المنطقة والتي منها قضية سد النهضة بإثيوبيا، والانتخابات المرتقبة بليبيا.
إن النزاع السوداني جوهره الثروة وتقسيم السلطة، لكن الحكم في السودان لا يقبل القسمة على اثنين؛ حيث يعتقد الجيش السوداني أنه هو الوحيد الذي لديه القدرة في إدارة السودان كمؤسسة شرعية وشعبية ومركز أساسي للدولة الوطنية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.