يعد السودان ثالث أكبر دولة في إفريقيا منتجة للذهب، ولكن لا يشعر السودانيون بمردود لكنز بلادهم الثمين هذا، بل ما يصلهم منه أسلحة تقتلهم بأموالهم، وأطفالهم يدفنون تحت الرمال وهم ينقبون عن المعدن الأصفر، في هذا التقرير نرصد رحلة الذهب السوداني.. مَن يمتلكه ومَن يموت وهو يبحث عنه، وكيف يصل للأسواق الدولية سراً، ومَن يسرقه في منتصف الطريق، وإلى أين تؤول عائداته؟
في ديسمبر/كانون الأول 2021، انهار منجم ذهب سوداني في دارفور، ما أسفر عن مقتل 38 شخصاً، وهو الحادث الثاني للمنجم نفسه في ذلك العام، كما أظهرت صور قدمتها الشرط الدولية "الإنتربول" في سبتمبر/أيلول 2018، في منجم ذهب يخضع لسيطرة الميليشيات، استخدام الأطفال منتجات كيميائية مثل الزئبق والسيانيد في عمليات استخراج الذهب.
ويعتمد أكثر من ثلاثة ملايين شخص في السودان على استخراج المعدن الثمين، الذي ارتفع سعره منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Le Monde الفرنسية.
الكل يبحث عن الذهب السوداني.. ولكن البقاء للأقوى
الركض وراء الذهب السوداني ظاهرة ليست جديدة، حيث اعتبر الفراعنة بلاد النوبة أرض الذهب، وكان أحد أبرز أسباب حملة الوالي محمد علي، مؤسس مصر الحديثة، على السودان وضمه لإمبراطوريته، البحث عن الذهب.
ولكن طفرة الذهب في السودان جاءت بانفصال جنوب السودان عام 2011 عن الخرطوم، حيث وجدت البلاد نفسها مجردة من ثلثي احتياطياتها النفطية، التي كانت تقع في الجنوب، وجعل نظام عمر البشير من تعدين الذهب حجر الزاوية لاقتصاد البلاد، حسب Raphaëlle Chevrillon-Guibert ، الباحثة في معهد البحوث من أجل التنمية ومقره مرسيليا بفرنسا.
وعلى مدى العقد الماضي، أصبح السودان ثالث أكبر منتج للذهب في القارة الإفريقية بعد جنوب إفريقيا وغانا.
طفرة هائلة بعد سقوط البشير وتقارير عن رقم مذهل يتهم تهريبه
في عام 2021، تم استخراج أكثر من 93 طناً من الذهب السوداني، 80 % منها جاءت من مناجم صغيرة، وفقاً لصحيفة Le Mondek، مقارنة بـ30 طناً قبل بضع سنوات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
شكَّلت هذه الزيادة طفرة منجمية حقيقية، جعلت من الذهب السوداني كنز البلاد الذي يمكن أن ينتشلها من الفقر.
وأعلنت الشركة السودانية للثروة المعدنية عن إنتاج أكثر من 18 طناً من الذهب عام 2022، ولكن باقي الإنتاج يأتي من شركات صغيرة أو غير حكومية وأحياناً لا يتم تسجيله.
وصل إنتاج الذهب في السودان المسجل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 107 أطنان في عام 2017.
حسب تحقيق لشبكة CNN الأمريكية، فإن أجزاء من تقارير رسمية صورت خفية تفيد بأن الإنتاج الرسمي للذهب في السودان 49.7 طن، وهناك 32 طناً غير محسوبة من قِبل البنك المركزي السوداني، بينما قالت مصادر للشبكة إن الرقم الحقيقي يدور حول 220 طناً، أي إن 13 بليون دولار في العام تُسرق من السودان عبر استخراج وتهريب الذهب بشكل غير رسمي.
وبدأت ظاهرة تهريب الذهب واستخراجه بشكل غير رسمي في ظل نظام الرئيس عمر البشير، حيث تعامل العديد من عمال المناجم الحرفيين والعاملين في مجال التعدين مع أمراء الحرب أو المسؤولين الفاسدين بدلاً من دفع الضرائب والإتاوات المحلية.
بعد سقوط البشير لم يعد البنك المركزي يحتكر تصدير الذهب
حتى يناير/كانون الثاني 2020 ، ، عندما فتح السودان سوق الذهب لزيادة الإيرادات، كان البنك المركزي في الخرطوم هو الكيان الوحيد المسموح له بشراء وتصدير الذهب، وأنشأ مراكز تجارية محلية لشراء الذهب من العاملين في المجال.
ولكن بعد عزل البشير، تغير الأمر وباتت شركة الجنيد وعائلة حميدتي تسيطر على الذهب السوداني بشكل أكبر، حسبما يقول الخبراء، كما تتحدث تقارير غربية عن دور روسي كبير.
وتعمل شركته العائلية "الجنيد" في تعدين وتجارة الذهب، و يملكها شقيق حميدتي عبد الرحيم دقلو، واثنان من أبناء عبد الرحيم.
وينفي حميدتي علاقته بالشركة، ولكن تم إدراج اسمه كمدير (عضو مجلس إدارة)، وفقاً لوثائق اطلعت عليها منظمة Global Witness غير الحكومية.
ويصدر 16 مليار دولار من الذهب السوداني إلى الإمارات كل عام، حسب تقرير لموقع the Africa Report نُشر في عام 2021.
جزء من ثروة حميدتي وقوته الأساسية جاء من استيلائه في عام 2017 على منجم الذهب في جبل مرة في دارفور، وهو أكبر منجم في البلاد وواحد من أكبر المناجم في إفريقيا.
كما تم الاستيلاء على ثلاثة مناجم أخرى، حسبما ورد في تقرير لموقع the Africa report.
واستخدم حميدتي العائدات لشراء أسلحة جديدة وأسطول من آلاف الشاحنات الصغيرة المموهة التي تثبت عليها الأسلحة.
إضافة لدور حميدتي، كانت المئات من مناجم الذهب الأخرى في جميع أنحاء البلاد تحت سيطرة شركات غامضة لها صلات بالأجهزة الأمنية وأجنحة مختلفة للسلطة في ظل نظام البشير.
إذ كانت هناك صفقات إشكالية للغاية في عهد نظام البشير، وعلى سبيل المثال، الشركات الروسية التي ليس لها خلفية في التعدين، نالت في يوم واحد فقط 50 ترخيصاً من حكومة البشير، دون "إتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة"، حسب the Africa Report.
فاغنر تساعد حميدتي على تصدير الذهب وتقدم له الأسلحة كمقابل
تعمل الشركات التي يسيطر عليها يفغيني بريغوجين، الحليف الرئيسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومالك شركة فاغنر، على التنقيب عن الذهب في السودان منذ عدة سنوات، وفقاً للحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومسؤولين سودانيين.
ويقول مسؤولون سودانيون ودبلوماسيون في المنطقة إن الشركات الروسية تعتمد على مقاتلي الدعم السريع لحماية المواقع في شرق وغرب السودان.
ونشر مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، وهو شبكة عالمية من الصحفيين الاستقصائيين، تقريراً في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 يوضح بالتفصيل تدخل مجموعة فاغنر في صناعة تعدين الذهب في السودان.
استناداً إلى وثائق مسربة، أظهرت تقارير لـOCCRP، أن شركة M Invest الروسية المملوكة لبريغوجين (المشهور بلقب طباخ بوتين)، دفعت ملايين الدولارات لشركة تديرها المخابرات العسكرية السودانية مقابل تصاريح إقامة وأسلحة لموظفيها الروس في السودان.
كما ساعدت مجموعة فاغنر التابعة لبريغوجين، وهي الوكيل الأول لروسيا في إفريقيا، في المقام الأول الجنرال محمد "حميدتي" حمدان دقلو، الذي تولى منصب نائب رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ويحاول إقصاءه حالياً.
الروس ساعدوا حميدتي على زيادة إنتاج الذهب ونقله لموسكو عبر الإمارات
ساعدت الاستثمارات الروسية في زيادة إنتاج السودان السنوي من الذهب إلى حوالي 100 طن في عام 2021 من أقل من 30 طناً قبل خمس سنوات، وفقاً لبيانات وزارة المالية السودانية.
ويقول المسؤولون في البنك المركزي السوداني وشركة التعدين الحكومية إنهم يقدرون بأن حوالي 70% من ذهب البلاد يتم تصديره إلى روسيا، غالباً عن طريق وسطاء في الإمارات العربية المتحدة. وبلدان أخرى، حسبما نقلت عنهم صحيفة Wall Street Journal.
وأظهرت مستندات وفواتير التصدير اطلعت عليها وكالة رويترز، تغطي فترة أربعة أسابيع من نهاية 2018، أن شركة الجنيد تتعامل مع طرف مقابل في دبي، وهي شركة تسمى روزيلا.
وأجريت 16 رحلة لتهريب الذهب من قِبل فاغنر خلال عام 2021، والنصف الأول من 2022، حسب ما ذكرت العديد من المصادر السودانية الرسمية لشبكة CNN الأمريكية.
وتقول شبكة CNN في تحقيق مصور ومكتوب نشرته الصيف الماضي، إن المقابلات المتعددة مع مسؤولين سودانيين وأمريكيين رفيعي المستوى ومجموعة من الوثائق التي راجعتها تظهر ما وصفته بـ"صورة لمخطط روسي مفصل" لنهب ثروات السودان، في محاولة لتحصين موسكو ضد العقوبات الغربية القوية بشكل متزايد ودعم جهود موسكو الحربية في أوكرانيا.
وتشير الأدلة أيضاً إلى أن روسيا تواطأت مع القيادة العسكرية المحاصرة في السودان، مما أتاح مليارات الدولارات من الذهب أن تتجاوز الدولة السودانية وبالتالي حرمان الدولة المنكوبة بالفقر، من مئات الملايين من عائدات الدولة.
في مقابل الذهب السوداني، يقول مسؤولون أمريكيون سابقون وحاليون لشبكة CNN إن روسيا دعمت بنشاط الانقلاب العسكري في السودان عام 2021 الذي أطاح بحكومة مدنية انتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، مما وجه ضربة مدمرة للحركة السودانية المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير قبل عامين.
وأفادت صحيفة Wall Street Journal مؤخراً بأن مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية عرضت أسلحة ثقيلة على قوات الدعم السريع، وقال شخص مقرب من الجنرال إنه رفض العرض في الوقت الحالي.
وفي الأشهر الأخيرة، شجعت الولايات المتحدة مصر على الضغط على الجنرال عبد الفتاح البرهان للتوقف عن العمل مع بريغوجين، وفقاً لمسؤولين أمنيين غربيين حاليين وسابقين.
وقبل أسابيع من اندلاع القتال، ألقت السلطات السودانية القبض على العشرات من عمال المناجم الروس للاشتباه في قيامهم بتهريب الذهب.
الذهب ينقل أحياناً عبر إفريقيا الوسطى وبعض طائرات التهريب تأتي من سوريا
في السودان، المؤسسة الرئيسية لبريغوجين هي شركة خاضعة لعقوبات أمريكية تسمى Meroe Gold – وهي شركة تابعة لشركة M-Invest المملوكة لشركة لبريغوجين – والتي تستخرج الذهب مقابل توفير الأسلحة والتدريب للجيش والقوات شبه العسكرية في البلاد، وفقاً للفواتير التي اطلعت عليها CNN.
وتقول شبكة CNN إنها، بالتعاون مع مركز الملفات في لندن، والذي يتتبع النشاط الإجرامي لمختلف الأشخاص المرتبطين بالكرملين، كشفت أن أحد عملاء فاغنر رفيع المستوى -وهو ألكسندر سيرجيفيتش كوزنتسوف- قد أشرف على العمليات في مواقع تعدين الذهب الرئيسية ومعالجته وعبوره في السودان في السنوات الأخيرة.
كوزنتسوف هو خاطف مُدان حارب في ليبيا المجاورة، وقاد أول شركة هجوم واستطلاع تابعة لفاغنر في عام 2014. وهو حائز على جائزة وسام الشجاعة الروسية تم تصويره جنباً إلى جنب مع بوتين في عام 2017.
نتج عن الروابط المتنامية بين الحكام العسكريين في السودان وموسكو شبكة معقدة لتهريب الذهب. وفقاً لمصادر رسمية سودانية وكذلك بيانات الرحلات التي استعرضتها CNN بالتعاون مع حساب تعقب الرحلات على تويتر "جرجون"، فإن 16 رحلة على الأقل من الرحلات التي رصدها مسؤولون سودانيون في عام 2021 كانت تشغلها طائرة عسكرية قادمة من وإلى مدينة اللاذقية الساحلية السورية؛ حيث يوجد لروسيا قاعدة جوية رئيسية.
تتبع شحنات الذهب أيضاً طريقاً برياً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث دعم فاغنر نظاماً قمعياً ويقال إنه طبق بعضاً من أقسى تكتيكاته على سكان البلاد، وفقاً لعدة مصادر رسمية سودانية ومركز الملفات.
مدنية الذهب السودانية
ويقع مركز عملية استخراج الذهب من قبل الروس في أعماق صحراء شمال شرق السودان، وهي منطقة فسيحة تتخللها فجوات متداخلة؛ حيث يكدح عمال المناجم في حرارة شديدة ، مع وجود خيام فقط مصنوعة من قصاصات من القماش المشمع وأكياس الرمل.
ويتحرك العمال العاملون في مناجم تلك المنطقة إلى العبيدية – المعروفة باسم "مدينة الذهب" – كل صباح، حاملين أكياساً من الذهب في عربات تجرها الحمير على طول طرق البلدة غير المعبدة، حيث يلتقون مع التجار.
يقول الكثير منهم إن أعلى مزايدين على سلعهم هم من التجار الذين يتم إرسالهم من مصنع معالجة قريب يعرفه السكان المحليون باسم "الشركة الروسية".
حوالي 85% من الذهب في السودان يباع بهذه الطريقة، بحسب الإحصائيات الرسمية، علماً بأن معظم المعاملات غير مسجلة في الدفاتر، وتهيمن روسيا على هذه السوق، وفقاً لما نقلته الشبكة الأمريكية عن مصادر متعددة.
ونظراً لأن روسيا استفادت من النقاط العمياء الحكومية الكبيرة، فمن الصعب التأكد من كمية الذهب التي تهربها من السودان.
لكن CNN تنقل عن سبعة مصادر على الأقل مطلعة على الأحداث تتهم روسيا بأنها تقود نصيب الأسد من عمليات تهريب الذهب في السودان، حيث انتهى الأمر بمعظم الذهب السوداني في السنوات الأخيرة إلى أيدى الروس، وفقاً للإحصاءات الرسمية.
وتقول الشبكة الأمريكية لقد خلص الخبراء إلى أن Meroe Gold جزء من مخطط لنقل الذهب بمليارات الدولارات من السودان الهش اقتصادياً إلى روسيا.
لا تشارك Meroe Gold أياً من أرباحها مع السودان، في انتهاك للوائح الدولة، والتي تنص على أن جميع الشركات الأجنبية يجب أن تمنح السودان 30% من أرباح استخراج الذهب، وذلك ووفقاً لما أظهرته وثائق مسربة تم فحصها من قبل مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) ، وهو شبكة عالمية من الصحفيين الاستقصائيين.
وقال شون ماكفيت، خبير الحرب والعلاقات الدولية في مدرسة ماكسويل بجامعة سيراكيوزالأمريكية، إن مشاركة فاغنر يمكن أن تعزز الجنرال دقلو في معركة السودان.
وقال ماكفيت: "لطالما كان حميدتي طموحاً للغاية، ويمكن لبريغوجين أن يلعب دور صانع الملوك". في المقابل، سيوفر لروسيا ميناء البحر الأحمر الذي تتوق إليه.
حميدتي استولى على أكبر منجم ذهب في السودان بعدما هزم سكان الجبل الأصليين
سيطر حميدتي وميليشياته بشكل كامل على مناجم جبل عامر في عام 2017، بعد أن استولى عليه من سكانه الأصليين (العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان). وواجه عقبات قليلة عندما وسّع عملياته من دارفور إلى جنوب كردفان ومناطق أخرى من البلاد.
ومنجم جبل عامر يُنتج نحو 50 مليون طن، أي نحو نصف ذهب السودان.
وقال مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون ومصادر في صناعة الذهب، إنه في 2018 مع انهيار الاقتصاد السوداني أطلق البشير العنان لحميدتي، لبيع أغلى مورد طبيعي في السودان، من خلال شركة الجنيد العائلية.
في فبراير/شباط 2021، أعلن أن المؤسسات الحكومية سوف تتولى التعدين من جبل عامر بدلاً من شركة الجنيد، من خلال الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية والشركة السودانية للموارد المعدنية عقب تنازل رسمي من مالكها الفريق محمد حمدان دقلو عن الامتياز لصالح الحكومة في اتفاق سياسي بين الجانبين؛ ولكن هناك شكوك حول جدية هذا الأمر.
وشركته تجاوزت قيود البنك المركزي
ونقل تقرير لوكالة Reuters عن ستة مصادر أن مجموعة الجنيد تجاوزت في بعض الأحيان قيود البنك المركزي على صادرات الذهب، وفي أحيان أخرى باعتها للبنك المركزي بسعر تفضيلي.
وقال مسؤولون حكوميون إنه بموجب الاتفاق مع البشير، ستسلم الجنيد بعض عائدات صادراتها للدولة لدفع مشتريات الحكومة من الوقود والقمح.
وفي عام 2019، قال رئيس اتحاد مصدري الذهب السوداني، عبد المنعم الصديق، إنه حتى عندما باعت الجنيد ذهبها للبنك المركزي، كما كان من المفترض فإنها حصلت على سعر تفضيلي، وهو ادعاء رفضه مدير عام الجنيد بكري، ووصفه بأنه "خبر كاذب".
صراع بين شركة الجنيد والسكان بسبب التلوث الذي يسببه التنقيب عن المعدن الأصفر
وتعمل شركة الجنيد الآن بشكل جيد خارج دارفور. فبالإضافة إلى مكتب الجنيد في الخرطوم، يظهر سجل التعدين أن الشركة نشطة في جنوب كردفان، بينما تشير المقابلات مع التجار إلى وجودهم في أسواق الذهب في شمال السودان في أبو حمد والعبيدية.
تتاجر مجموعة الجنيد مع عمال المناجم الحرفيين الفقراء، الذين يستخدمون الزئبق السام لاستخراج الذهب، ما يعرضهم لخطر جسيم على صحتهم.
ويتم نقل التربة المتبقية، المعروفة محلياً باسم "الكرتة"، بالشاحنات إلى مصانع مجموعة الجنيد، حيث تمت معالجتها بالسيانيد لحصاد الخام المتبقي.
أدت هذه الممارسات أحياناً إلى اندلاع صراع بين مجموعة الجنيد مع السكان المحليين. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، أضرم أهالي بلدة تلودي بجنوب إقليم كردفان المجاور لدارفور النار في مصنع الجنيد، واتهموا الشركة بنهب ذهبهم وتلويث تربتهم.
وأدت حملة عالمية ضد استخدام الزئبق في تعدين الذهب والصناعات الأخرى، إلى إبرام معاهدة للأمم المتحدة، وهي اتفاقية "ميناماتا" بشأن الزئبق، والتي تحظر تصنيع واستيراد وتصدير المنتجات المحتوية على الزئبق، بدءاً من عام 2020. وقال السودان إنه سوف يلتزم بالمعاهدة، ومع ذلك لا تمتد الاتفاقية لتشمل السيانيد.
وقال أنور الحاج، رئيس مجموعة السودان للديمقراطية أولاً: "السيانيد أكثر خطورة لأنه يتسرب إلى الأرض، ويمكن أن ينتقل عبر المطر، ويقتل الكثير من الحيوانات، ويتسرب إلى مياه الشرب، ويؤثر على الغطاء النباتي في المنطقة".
في الآونة الأخيرة، وفقاً لراديو "دبنقا" الإعلامي السوداني، أدت احتجاجات السكان المحليين في بلدة تلودي بجنوب كردفان ضد الاستخدام المفرط للتلوث الزئبقي حول مواقع منجم شزكة الجنيد إلى رد فعل عنيف من قِبل قوات الدعم السريع، مما أدى إلى إصابة متظاهرين مدنيين في الاشتباكات التي تلت ذلك.
باختصار، استحوذت قوات الدعم السريع وشركة الجنيد متصلة بها على مساحة كبيرة من صناعة الذهب في البلاد، وليس دارفور فقط بل في إقليم كردفان الشاسع المساحة، إضافة لشمال البلاد؛ ومن المؤكد أن تستخدم هذه العائدات لتمويل عملياتها العسكرية.
كم تقدر ثروة حميدتي ونصيبه من ذهب السودان؟
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أفادت وكالة رويترز بأن شركة الجنيد قامت خلال فترة أربعة أسابيع فقط بتصدير حوالي 30 مليون دولار من سبائك الذهب إلى دبي بحوالي طن من الوزن.
كانت قوات الدعم السريع غنية بما يكفي لكي يعلن حميدتي أنه وضع أكثر من مليار دولار لدى البنك المركزي السوداني في أعقاب الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس البشير في أبريل/نيسان 2019، وقال آنذاك إن قوات الدعم السريع "دعمت الدولة في بداية الأزمة من خلال شراء الموارد الأساسية: البنزين والقمح والأدوية".
وتابع: "يسأل الناس من أين نحصل [قوات الدعم السريع] على هذه الأموال؟ لدينا رواتب جنودنا الذين يقاتلون في الخارج واستثماراتنا في الذهب واستثمارات أخرى".
من الصعب معرفة حجم ثروة رجل مثل حميدتي أغلب أنشطته خفية وذات طابع استخباراتي وميليشياتي، ومتهم بالتهريب، ويزعم الصحفي السوداني أحمد القرشي أن ثروة حميدتي تضخمت لتصل إلى 17 مليار دولار، وأن عدد أفراد قوات الدعم السريع" ارتفع إلى 160 ألف جندي.
ولكن ما هو واضح أن الرقم المعلن عن إنتاج الذهب الذي يدور حول مئة طن هو غير دقيق (وقابل للزيادة)، فعلى الأرجح هناك كميات أكبر بكثير تستخرج وتهرب بشكل غير رسمي، وقد يصل الرقم إلى 220 طناً بقيمة 13 بليون دولار، كما يقول تقرير لشبكة CNN.
ومن الواضح أن هذا الجزء غير الرسمي من الذهب يتم تصديره بشكل أساسي عبر شركة حميدتي وقوات الدعم السريع (إضافة إلى جزء من الذهب الرسمي).
وبالطبع لا يعرف كيف يتقاسم حميدتي وشركة فاغنر الروسية هذه المبالغ، ولكن الأرجح أن حميدتي بات مخضرماً بعدما أصبح لاعباً دولياً، وبالتالي يأخذ مقابلاً جيداً من الروس، فلو افترضنا أنه يأخذ 40 % من هذا المبلغ (13 بليون دولار)، فنحن نتحدث عن دخل سنوي يقدر ببضعة مليارات دولار، قد تصل إلى 5 أو 6 مليارات فقط من بيع الذهب الذي يستخرجه أطفال السودان بأيديهم، إضافة للأموال الناتجة عن توريد المقاتلين وأنشطة التهريب التي تتهم مصادر غربية حميدتي بالتورط فيها.