ربما تكون واحدة من أخطر التسريبات الأمريكية الأخيرة، تلك التي تكشف عن نقطة ضعف قاتلة لدى أوكرانيا، وهي أن الذخائر المضادة للطائرات أوشكت على النفاد، فهل تفقد كييف السيطرة على أجوائها فتخسر الحرب لصالح روسيا؟
كانت عشرات الوثائق الأمريكية التي تحمل معلومات حساسة للغاية ومختومة بشعار سري، وسري للغاية، قد تم تسريبها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، منذ الخميس 6 أبريل/نيسان، ما أطلق تحقيقاً فورياً في مصدر التسريب.
التسريبات هي الأكبر منذ تسريبات ويكيليكس عام 2013، ويُنظر إليه على أنه من أخطر الخروقات الأمنية، وبعد الكشف عن التسريب، راجعت رويترز أكثر من 50 وثيقة بعنوان "سري" و"سري للغاية"، ظهرت لأول مرة الشهر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من منصتي ديسكورد وفور تشان. ورغم أن بعض تلك الوثائق جرى نشرها قبل أسابيع، فقد كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من أورد نبأً عنها يوم الجمعة.
وسرعان ما بدأت خطورة الموقف تتضح أكثر، مع نشر عشرات الوثائق الخطيرة للغاية، والتي لا تتعلق فقط بأوكرانيا والحرب فيها، أو بروسيا والصراع معها، بل شملت تلك التسريبات وثائق استخباراتية وعسكرية تخص عشرات الدول حول العالم، حلفاء لأمريكا وليس فقط خصوماً.
موقف خطير للغاية في أوكرانيا
بعد أن انفجرت قنبلة التسريبات الأمريكية تناثرت شظاياها في جميع الاتجاهات حول العالم. ورغم أن بدايتها كانت تركز على حرب أوكرانيا، فإنه سرعان ما طغت على المشهد التسريبات بشأن ملفات أخرى، منها ما يتعلق بالشرق الأوسط، ومنها ما يتعلق بتجسس أمريكا على أقرب حلفائها.
لكن تقريراً لصحيفة The Times البريطانية أعاد التركيز مرة أخرى على الحرب في أوكرانيا، والتي تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، إذ كشف التقرير عن نقطة ضعف خطيرة للغاية تعاني منها أوكرانيا.
فقد كشفت وثائق البنتاغون بالغة السرية، التي سرّبها طيار أمريكي على الإنترنت مؤخراً، نقاط ضعف في الجيش الأوكراني، ودقت ناقوس الخطر. فهي تُظهر، من بين أمور أخرى، أن أوكرانيا تعاني نقصاً في الذخائر المضادة للطائرات، لدرجة أنها قد تفقد السيطرة على أجوائها، في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لهجوم بري لاستعادة الأراضي التي خسرتها العام الماضي.
ولم يكن هذا مفاجئاً للجنود المتمركزين على الخط الممتد من سفاتوف إلى كريمينا، الذي تحاول القوات الروسية اختراقه كل يوم، بعد إجبارها على الانسحاب من الجزء الأكبر من خاركيف، في سبتمبر/أيلول 2022. وكان اهتمام الكرملين منصباً على أماكن أخرى حينذاك: الجبهة الجنوبية في خيرسون وبلدة باخموت في إقليم دونباس التي قُتل فيها آلاف الجنود من الجانبين.
كانت الانتصارات الأوكرانية في ساحة الحرب خلال ذلك الهجوم المضاد في الخريف الماضي قد نقلت الأزمة الأوكرانية إلى مرحلة أكثر خطورة، حيث اعتبر أليكساندر دوغين، الملقب بأنه عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن "الحرب العالمية الثالثة قد بدأت.
وانطلق دوغين في مقاله ذاك من الانتصارات التي حققتها القوات الأوكرانية في ساحة المعركة في منطقة خيرسون، وإجبار القوات الروسية على الانسحاب، معتبراً أنها "نقطة التحول"، التي تعني "أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة في تاريخ العملية العسكرية الخاصة بأكمله".
وقال الفيلسوف الروسي: "نحن على شفا حرب عالمية ثالثة يدفعنا إليها الغرب بهوسٍ شديد، وهذا لم يعد تخوفاً أو توقعاً، هذه حقيقة. روسيا في حالة حرب مع الغرب الجماعي، مع الناتو وحلفائهم (وإن لم يكن مع الجميع- تركيا واليونان لديهما موقف خاص بهما، وعدد من الدول الأوروبية، في المقام الأول فرنسا وإيطاليا- وليس فقط فرنسا وإيطاليا- لا ترغب في المشاركة بشكل فاعلٍ في الحرب مع روسيا). ومع ذلك، فإن خطر نشوب حرب عالمية ثالثة يقترب".
ووصف "عقل بوتين" الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية في خاركيف بأنه "ضربة مباشرة من الغرب ضد روسيا": "يعلم الجميع أن هذا الهجوم تم تنظيمه وإعداده وتجهيزه من قِبل القيادة العسكرية للولايات المتحدة والناتو، وتم تحت إشرافهما المباشر. ولم يتم ذلك فقط من خلال استخدام المعدات العسكرية للناتو، ولكن أيضاً عبر المشاركة المباشرة لمخابرات الفضاء العسكرية الغربية والمرتزقة والمدربين".
هل تستغل روسيا ضعف الدفاعات الجوية؟
على أية حال، لاحظت روسيا بالفعل تناقص إمدادات الدفاع الجوي الأوكرانية. وربما لم ينجح هجوم الشتاء في تدمير البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، لكنه أدى إلى تركيز الدفاعات الجوية فوق المدن والمنشآت الرئيسية، ولم يتبق سوى القليل منها لتغطية الخطوط الأمامية.
ويتساءل المخططون العسكريون الأوكرانيون الآن كيف يمكن توفير غطاء جوي للقوات البرية خلال الهجوم الروسي الوشيك، والحلفاء لم يردوا بعد على طلب منحهم طائرات إف -16.
وكرر أوليكسي ريزنيكوف، وزير الدفاع الأوكراني، طلبه في اجتماع لوزراء الدفاع الغربيين في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، الجمعة 21 أبريل/نيسان، بعد يوم من زيارة ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، كييف لأول مرة. وقال الرئيس زيلينسكي إنه طلب منه "مساعدتنا في التغلب على تحفظ شركائنا في توفير بعض الأسلحة، وتحديداً الأسلحة بعيدة المدى والطيران الحديث والمدفعية والعربات المدرعة".
وفي قاعدة لعمليات الطائرات المسيرة داخل منزل مهجور على بعد أميال قليلة من الخنادق الروسية، أوضح الجنود تأثير مخزونهم المتناقص من الذخيرة. وعرضت شاشة كبيرة لقطات طائرة مسيرة أوكرانية تحوم بالقرب من الخطوط الروسية، وتظهر تقدّم عدد من الرجال. وقال أحد جنود القاعدة الملقب بـ "كات": "لو أنهم أقل من عشرة، فهذا إهدار لقذيفة هاون، فنحن نحتاجها لقصف مدفعيتهم".
وتعد الطائرة المسيرة المجهزة بكاميرات الرؤية الليلية التي تبلغ تكلفتها 6000 دولار واحدة من أغلى الطائرات التي تستخدمها هذه الوحدة. والنماذج التجارية الأخرى تكلف حوالي 3000 دولار.
لكن الروس يحسّنون قدراتهم في التشويش، باستخدام أنظمة يرى جنود القاعدة أنها وصلتهم مؤخراً من الصين، بحسب الصحيفة البريطانية، علماً أن بكين تنفي التقارير الغربية بأنها تزود موسكو بأسلحة.
أما الطائرة المسيرة الأكثر شعبية التي يستخدمها الأوكرانيون فهي نموذج تجاري صيني، وقد أثار نجاح روسيا المتزايد في التشويش عليها تكهنات في الجانب الأوكراني بأن بكين تساعدهم في ذلك.
ونظرياً، يُحظر استخدام المسيرات في أوكرانيا أو روسيا لأن شركة DJI المصنعة لها ومقرها شنجن، قالت إنها لا تريد استخدامها هناك. لكن متبرعين يشترونها بأعداد كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة ويرسلونها إلى أوكرانيا.
إلى أين تتجه حرب السماء في أوكرانيا؟
وفي هذا السياق، يخشى الأوكرانيون أن يؤدي التقدم الروسي في التشويش على هذه المسيرات الثمينة إلى تعطيلها، دون إمكانية إيجاد بدائل. ورغم الإشادة بالطائرات المسيرة منذ بداية الحرب واعتبارها واحدة من أكثر المعدات فاعلية، وأقلها تكلفة في أوكرانيا، فقد أصبحت الآن، إن وجدت، أكثر أهمية نظراً لتراجع حجم الذخيرة، وهذا يجعل الاستهداف الدقيق أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على مخزونها.
وقال كات للصحيفة البريطانية: "كل يوم نفقد طائرة مسيرة. وفي يوم عصيب قد يصل العدد إلى ثلاثة أو أربعة. والحفاظ عليها محلقة في الجو معركة يومية".
وهذه المسيرات، التي يوفرها الاتحاد الأوروبي تتطلب تراخيص تصدير خاصة، وهذا يبطئ إمداداتها. على أن الروس لا يواجهون هذه المشكلة، لأنهم يشترون مسيرات رخيصة من الصين. وقال جندي ملقب بـ"كوالا": "الطائرات المسيرة بالغة الأهمية لكلا الجانبين، والجانبان يستخدمانها 24 ساعة".
والجنود أيضاً مهمون بالقدر نفسه، يقول الجندي الذي يحمل لقب كايوس: "أكبر مشكلة نواجهها أننا نحتاج إلى مزيد من الرجال". إذ أدى عام من القتال إلى استنزاف أعدادهم بسبب الإصابات واعتلال الصحة والوفيات، وتساءل كثيرون، خاصة بعد معركة باخموت، عن الحكمة من التضحية بهذا العدد الكبير من المقاتلين المدربين تدريباً عالياً وذوي الخبرة فيما أصبح حمام دم، لكن الجزء الأكبر من خسائر روسيا هناك كان من قوة فاغنر شبه العسكرية، والسجناء الذين أُطلق سراحهم مقابل القتال ستة أشهر.
وكانت القوات الروسية قد كثفت من هجومها منذ مطلع العام الجاري بغرض حسم معركة باخموت في إقليم دونباس، وهو ما يمثل أول انتصار عسكري كبير على القوات الأوكرانية، في ظل رغبة فلاديمير بوتين في تحقيق هذا الانتصار بأي ثمن. وواصلت القوات الروسية شن هجمات بلا هوادة على باخموت، في محاولة لتطويق المدينة الصغيرة الواقعة في شرق أوكرانيا، وإعلان أول انتصار كبير لها منذ أكثر من ستة أشهر بعد عدد من المعارك الأكثر دموية في الحرب.
ورغم أن القوات الأوكرانية ظلت تتحصن في قلب المدينة، فإن التقارير الواردة من ساحة المعركة "الأصعب" أشارت إلى أن موسكو تدفع بموجات متتالية من القوات التابعة لشركة فاغنر الأمنية، بهدف تطويق باخموت بشكل كامل وإجبار القوات المدافعة عنها على الاستسلام، وسط مطالبات غربية لكييف بسحب قواتها من المعركة الخاسرة.
أما في خاركيف، فقد بدأ الأوكرانيون يشاهدون مقاتلين من شركات عسكرية خاصة منافسة، من ضمنها الشركة التي يديرها وزير دفاع الرئيس بوتين، سيرغي شويغو، المنافس اللدود لمالك فاغنر يفغيني بريغوجين.