“العيدية التزام اجتماعي وواجب على الرجال رغم الظروف الصعبة”.. كيف تحتفل غزة بالعيد؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/22 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/22 الساعة 09:15 بتوقيت غرينتش
احتفالات ما بعد صلاة عيد الفطر في قطاع غزة 21 إبريل 2023/ رويترز

في صباح عيد الفطر يبدأ الفلسطيني عرفات حلس اليوم بالصلاة في المسجد، احتفالاً بنهاية رمضان، ويتناول فطوراً يتكون من الأجبان المالحة، ليُهيِّئ معدته لما هو قادم، ثُمَّ ينطلق هو وأشقاؤه الثلاثة ووالده في رحلة في أرجاء مدينة غزة.

ويقول عرفات لمراسلة صحيفة The New York Times الأمريكية، وهو يصف أجواء العيد في غزة، إنه وأشقاؤه يبدأون بزيارة والدتهم وينتهون بزيارة نحو 15 من أخواتهم وعماتهم وخالاتهم وبنات إخوتهم، ويُوزِّعون الدنانير والشيكلات عليهم كجزء من تقليد فلسطيني يحتفل فيه الرجال بالعيد، من خلال تقديم "عيدية" للأطفال والنساء.

غزة تحتفل بالعيد.. عيدية للمرأة وواجب على الرجال

تتبع الزيارات روتيناً نمطياً تقريباً، ففي كل بيت يُقدَّم للضيوف قهوة وحلوى. وبعد ما يزيد على الربع ساعة بقليل تنتهي الزيارات، وهو أمر نادر في مجتمع قد تستمر الزيارات فيه لساعات، وغالباً ما تنتهي بدعوة للبقاء من أجل تناول العشاء، كما تقول رجاء عبد الرحيم، مراسلة نيويورك تايمز في الأراضي الفلسطينية.

قال حلس (48 عاماً)، وهو أستاذ في الخدمة الاجتماعية بجامعة القدس المفتوحة في غزة: "هذه هي زيارة العيدية، وهي واحدة من تقاليدنا المهمة".

لطالما كان تقديم العيدية عادةً بين المسلمين- وإن كان لا يوجد أساس ديني لها- ويعتقد البعض أنَّها تعود إلى ألف عام إلى عهد الحكم الفاطمي، وقيام الأمراء بتقديم العملات الذهبية أو الهدايا خلال الأعياد.

لكن في معظم الثقافات الإسلامية يُقدِّم البالغون عيدية للأطفال، أحياناً بمبالغ رمزية بسيطة. يعطي الفلسطينيون العيدية للقريبات الصغار والبالغات، وهو ما يجعل هذا التقليد أكثر تكلفة بكثير، ويمكن أن تتراوح المبالغ من 20 إلى 365 شيكل (من 6 إلى 100 دولار تقريباً).

ويُعَد تدبير المال من أجل تقديم العيديات في هذه الأيام مرهقاً للغاية، فقد تسبَّب الحصار المفروض منذ 16 عاماً على غزة من جانب إسرائيل ومصر، في تقويض الظروف المعيشية لأكثر من مليوني فلسطيني، وأدَّى إلى معدل بطالة يبلغ نحو 50%، وهو من بين الأعلى في العالم.

وقد يستدين بعض الرجال من أجل تقديم العيدية، وينتظر آخرون حصول زوجاتهم على العيدية من أقاربهن، قبل أن يستخدموا ذلك المال لتقديم العيدية لقريباتهم.

"لا نتخلّى عن العيدية"

قال والد عرفات، حميد العبد حلس (74 عاماً): "مهما كان الوضع المالي سيئاً، يتعين علينا الذهاب وتقديم العيدية. هذا تقليد لن نتخلَّى عنه".

تأتي هذه العادة في نهاية شهر من النفقات الإضافية أصلاً خلال رمضان، في ظل تقديم وجبات إفطار كبيرة بعد الصيام اليوميّ، وتزيين المنازل وشراء الملابس الجديدة من أجل ارتدائها في العيد. وكانت مناطق التسوق في غزة مكتظة في الأسابيع السابقة على العطلة.

وفي منزل كل قريبة من القريبات يُقدَّم لعرفات حلس وأشقائه ووالدهم قهوة وكعك التمر والشيكولاتة، وهو جزء من ضيافة العيد. يتناول الرجال ما يكفي فقط لمراعاة قواعد الأدب، ويكونون واعين أيضاً بأنَّهم سيُضيَّفون بنفس الضيافة في زيارتهم التالية، وسيحضهم أهل البيت على تناولها.

قال عرفات، الوالد لستة أبناء: "بحلول نهاية الجولة نكون قد أُصِبنا بآلام المعدة، فنضع كل الشيكولاتة في جيوبنا، ونخبرهم بأنَّنا سنتناولها لاحقاً".

يراقب الرجال ساعاتهم في كل زيارة، وبعد مرور 15 دقيقة يبدأون بالاستعداد للمغادرة، فيستدعون نساء المنزل لتلقّي العيدية. بدورهن، ترفض النساء بدافع الأدب، فيقلن: "لا داعي لهذا حقاً"، وتضع بعضهن أيديهن خلف ظهورهن كي لا يضع الرجال المال في أيديهن.

وللتخفيف من حرج وضع المال في اليد، تطرح المتاجر في أنحاء غزة الآن بطاقات عيديات وصناديق صغيرة لوضع المال فيها، لكي يبدو هذا التقليد أشبه بهدية وتقليل الطابع المادي له.

"العيدية التزام اجتماعي"

تقول بسيمة حلس، زوجة حلس، لشقيقها كل عام ألا يُقدِّم لها عيدية، لأنَّها تعلم أنَّ وضعه المالي محفوف بالمخاطر، وأنَّها واحدة من ستة شقيقات. وتضيف: "نقول (نسامحكم، نعذركم)، لكنَّه لا يريد القدوم فارغ اليدين، إنَّه يعتبر ذلك التزاماً اجتماعياً".

في اليوم التالي، حين تذهب النساء لزيارة عائلاتهن للتهنئة بالعيد، تُعيد بسيمة المال من خلال تقديم عيدية لأطفاله.

مع تدهور الوضع الاقتصادي في غزة في السنوات الأخيرة، توقف الرجال العاجزون عن تقديم العيديات عن زيارة قريباتهم تماماً خلال العيد لتجنُّب الحرج.

لكنَّ الشيوخ يحثون الرجال على عدم التخلي عن إلزام ديني أكبر وأهم، وهو صلة الرحم، بسبب التزام ثقافي؛ العيدية، لكن لا يُلتَفَت لتلك الرسالة دوماً.

يقول عبد المعطي مطر (31 عاماً): "من الأفضل ألا تذهب إن لم تكن معك عيدية، لأنَّهن معتادات على الاعتقاد، بأنَّ بيديك مال حين تُقدِم على تحيتهن ومصافحتهن. لكن إن كانت اليد فارغة… فإنَّ (الرجل) يُلوِّح بيده الفارغة في الهواء للتأكيد على ذلك".

اعتاد مطر على تقديم 50 شيكل (13.65 دولار تقريباً) لكلٍّ من زوجته ووالدته وأخواته الأربع وخالاته وعمَّاته الثمانية، حين كان يدير متجر الملابس الذي يعود للعائلة، لكنَّه اضطر لإغلاق متجر الملابس قبل ثلاث سنوات.

ولم يعمل منذ ذلك الحين إلا بشكل متقطع، لكنَّه لا يزال غير راغب في التخلي عن هذا التقليد. فتمنحه والدته، وهي مُعلِّمة، المال حتى يمكنه على الأقل أن يذهب ليرى شقيقاته ويمنحهن العيدية، ولم يعد يزور خالاته وعمَّاته في العيد.

ماذا تفعل النساء بالعيدية؟

بالنسبة للنساء، يمكن أن تكون العيدية دفعة مالية إضافية. فالعام الماضي، قدَّم والد تهاني طواحينة عيدية لأخواتها الثلاث ووالدتها واستثناها. وأخبرها بأنَّ ذلك لأنَّها تملك مشروعاً منزلياً لإعداد المخبوزات وتجني مالها الخاص.

قالت تهاني (34 عاماً)، الأسبوع الماضي، حين كانت تُعِدُّ كعك العيد في منزل تفوح منه رائحة السمن ودقيق السميد: "العيدية مهمة حتى لو كنتُ أعمل". وقالت إنَّ الأمر ليس مسألة مال وحسب، بل مسألة مبدأ وجزء من تقليد قديم. وأضافت ضاحكةً: "قلتُ له (لا تفعل ذلك مجدداً)".

بالنسبة للنساء، الأمر متعلِّق بالمال، وهن يخطِّطن جيداً مسبقاً لما سيفعلنه بعيديتهن، بما في ذلك شراء أغراض منزلية أو ملابس لأطفالهن.

كانت أخت هنادي، شروق (28 عاماً)، قد أعدَّت بالفعل خططاً مع أصدقائها لأخذ عيدياتهن وإنفاقها في الممشى والمطاعم بمدينة غزة. قالت هنادي طواحينه وهي تضحك مجدداً: "تصبح النساء ثريات في العيد". وافقت والدتها، أشجان (50 عاماً)، على ذلك، وقالت: "لكنَّهن يجعلن الرجال فقراء".  

تحميل المزيد