رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، يرى أن أمريكا لا يجب أن تغادر الشرق الأوسط، ويحذر السعودية من إعادة العلاقات مع إيران، مؤكداً أن التطبيع بين الرياض وتل أبيب قد ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، فماذا يريد نتنياهو؟
وفي الوقت الذي تعيش إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي، وتظاهرات غير مسبوقة، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل تمريرها، أصدر نتنياهو تصريحاته نحو واشنطن والرياض.
نتنياهو "يغازل" السعودية
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قال، الإثنين، 17 أبريل/نيسان، إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية سيمثل "قفزة هائلة" نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وأضاف نتنياهو خلال لقاء مع السناتور الجمهوري ليندسي غراهام "نريد التطبيع والسلام مع السعودية. نعتبر أن ذلك قد يكون قفزة هائلة نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي". وتابع قائلاً "يمكن أن يكون لهذا الاتفاق تبعات عظيمة وتاريخية لكل من إسرائيل والسعودية والمنطقة والعالم"، بحسب رويترز.
كان نتنياهو قد تعرّض لخيبة أمل كبيرة الشهر الماضي عندما أدى اتفاق بوساطة الصين إلى عودة العلاقات بين السعودية وإيران، خصم إسرائيل الرئيسي في المنطقة. وأعادت إيران فتح سفارتها في الرياض، الأربعاء، 12 أبريل/نيسان لأول مرة منذ 7 سنوات.
كانت السعودية وإيران قد أعلنتا استئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت 6 سنوات، وهددت الاستقرار والأمن في الخليج، وساعدت في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا. وجاء الإعلان عن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بعد محادثات لم يعلن عنها من قبل، استمرت 4 أيام في بكين، بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين.
لكن تصريحات نتنياهو، التي "يغازل" فيها السعودية ويلوح بأن التطبيع بين الرياض وتل أبيب سيكون "قفزة هائلة" على طريق إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، تثير الشك بطبيعة الحال في نوايا السياسي الإسرائيلي المخضرم، والذي يواجه مآزق تهدد استمرار الائتلاف الحكومي الذي يترأسه.
فتوقيت تلك التصريحات الصادرة من تل أبيب بشأن السعودية، عن نتنياهو ووزير الخارجية في أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً، تزامن مع زيارات فلسطينية، من جانب قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس والسلطة الفلسطينية، إلى الرياض وجدة، وإعادة تأكيد السعودية على دعمها للقضية الفلسطينية.
كان رئيس السلطة الفلسطينية قد زار المملكة العربية السعودية والتقى مع الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة، في جدة، بالتزامن مع وجود وفد رفيع المستوى من حركة حماس بقيادة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة الفلسطينية، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ عام 2015.
وعلى الرغم من تكرار السعودية لموقفها الخاص برفض التطبيع مع إسرائيل، على غرار ما أقدمت عليه الإمارات والبحرين والمغرب والسودان عام 2020، فإن نتنياهو تحدّث باستفاضة في تصريحاته عن المملكة ومدى أهميتها في المنطقة، كما وجه تحذيراً قوياً للرياض بشأن اتفاق عودة العلاقات مع إيران.
فبعد يومين من تصريحاته خلال وجود ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري الذي كان التقى مع ولي العهد السعودي الأسبوع الماضي، وجه نتنياهو "نصيحة" إلى السعودية، قائلاً إن المملكة "قد تندم على التقارب بينها وبين طهران"، زاعماً أن إيران سبب معظم مشاكل الشرق الأوسط.
تصريحات نتنياهو، مساء الأربعاء، 19 أبريل/نيسان، خلال مقابلة أجرتها معه قناة CNBC الأمريكية، جاء فيها أيضاً قوله إن "95% من المشاكل في الشرق الأوسط تنبع من إيران".
وقال نتنياهو للشبكة الأمريكية: "أعتقد أن السعودية، وقيادتها، ليس لديهم أوهام حول مسألة من هم أعداؤهم، ومن هم أصدقاؤهم في الشرق الأوسط"، على حد وصفه، مضيفاً أنهم "يفهمون أن إسرائيل شريك ضروريّ… نود بشدةٍ التوصل إلى سلام مع السعودية"، عادّاً أن ذلك "سيؤدي، إلى حد كبير إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي".
وفي اليوم نفسه، لم يستبعد وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، زيارته للسعودية في المستقبل، وقال إن دولة عربية أخرى على الأقل ستطبّع علاقاتها مع إسرائيل هذا العام، إذ قال كوهين لإذاعة الجيش الإسرائيلي خلال زيارة لأذربيجان "إن (زيارة السعودية) مطروحة على الطاولة، لا يوجد موعد حتى الآن".
لم تكتم إسرائيل رغبتها في تعزيز العلاقات مع السعودية التي لا تعترف رسمياً بإسرائيل، في ظل غياب أي قرار بشأن هدف إقامة دولة فلسطينية. لكن كوهين قال إن دولة واحدة أخرى على الأقل ستنضم إلى اتفاقات أبراهام هذا العام، دون أن يذكر تفاصيل.
وأضاف كوهين أن قضية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية طُرحت خلال اجتماع السناتور الأمريكي الجمهوري ليندسي غراهام مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هذا الأسبوع، وقال: "ليست إسرائيل هي عدو السعودية بكل تأكيد.. عدوها هو إيران".
نتنياهو يدعو أمريكا "للعودة" إلى الشرق الأوسط
نتنياهو لم يتوقف عند "مغازلته" للسعودية، بل دعا واشنطن إلى العدول عن سياسة الانسحاب من المنطقة، والعودة بقوة للانخراط في ملفات الشرق الأوسط، قائلاً للشبكة الأمريكية: "أنا أعتقد أن كثيراً من دول المنطقة، وليست إسرائيل فقط، ترغب في أن تعود الولايات المتحدة للعب دور أكبر، وليس فقط المشاركة التقليدية في شؤون الشرق الأوسط".
وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي: "أعتقد أنه من المهم جداً أن تكون الولايات المتحدة واضحة جداً بشأن التزاماتها وارتباطاتها في الشرق الأوسط"، فيما يبدو انتقاداً مبطناً لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي أبعدت الشرق الأوسط عن أجندة أولويات السياسة الخارجية لصالح التركيز على المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا.
ومن المعلوم أن العلاقات بين نتنياهو وبايدن تتسم بالبرود على أقل تقدير، على عكس العلاقة التي كانت تجمع بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فالرئيس الديمقراطي الحالي لم يوجه الدعوة إلى رئيس وزراء إسرائيل لزيارة البيت الأبيض، رغم أن نتنياهو عاد للمنصب منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي منذ أكثر من 4 أشهر.
وعلى الرغم من ارتباط إسرائيل وأمريكا بعلاقات تحالف استراتيجية وقوية للغاية، فإن الخلافات بين تل أبيب وواشنطن وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من التدني. صحيح أن علاقة بنيامين نتنياهو مع جو بايدن لم تكن جيدة بشكل عام، لكن أن تصل الأمور إلى حد اتهامات بالتواطؤ ورسائل مبطنة، مفادها "لا تأتِ لزيارتنا"، فهذه قد تكون سوابق تاريخية في العلاقات بين البلدين.
لكن الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة هذه المرة تبدو أكثر عمقاً، وهي ليست مقتصرة على ملف التعديلات القضائية، التي اضطر نتنياهو لتأجيلها تحت وطأة المعارضة الشرسة والاحتجاجات والإضرابات، فتعاملات إسرائيل مع الصين وملف العقوبات على روسيا، وأيضاً ملف إيران، كلها تحمل علامات على التباين في المواقف بين الحليفين.
هل تنجح "رسائل" نتنياهو الخارجية في إنقاذه داخلياً؟
يرى كثير من المحللين الإسرائيليين أن "فورة" التصريحات التي تركز على ملفات السياسة الخارجية في هذا التوقيت هي على الأرجح إحدى حيل نتنياهو للتغطية على المأزق الداخلي المتفاقم والخاص بالتعديلات القضائية، خصوصاً بعد أن فشلت خطوة رئيس الوزراء بتأجيل تمرير تلك التعديلات لمدة شهر في إقناع المعارضين بالكف عن اللجوء إلى الشارع.
فربما يكون قرار تأجيل التعديلات القضائية قد أعطى رئيس وزراء إسرائيل المحنك، وصاحب الخبرة الطويلة هدنة لالتقاط الأنفاس، لكن خيارات نتنياهو ليست متعددة، فإما التراجع نهائياً وتهديد بقاء الائتلاف الحاكم في السلطة أو المضي قدماً والمخاطرة باندلاع حرب أهلية.
فمئات آلاف الإسرائيليين الذين يشاركون في المسيرات الداعمة للديمقراطية، أثبتوا أنَّه بالرغم من إعلان بنيامين نتنياهو "تعليق" خطط حكومته لإصلاح القضاء، لا يصدق المحتجون أنَّ رئيس الوزراء وشركاءه بالحكومة الائتلافية تخلوا نهائياً عن فكرة تمرير التعديلات القضائية، التي يصفها المعارضون بأنها "انقلاب قضائي" يهدف إلى إضعاف المحكمة العليا.
وهناك جانب كبير من المراقبين والمحللين يرون أن أزمة الدولة العبرية الكبرى الآن يمكن تلخيصها في فقدان جميع أطراف العملية السياسية تقريباً الثقة في بنيامين نتنياهو ووعوده، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz بعنوان "لماذا تتواصل الاحتجاجات في إسرائيل؟ لأنَّ أحداً لم يعد يثق بنتنياهو".
وفي هذا السياق، يبدو أن نتنياهو يحاول التركيز على ملفات السياسة الخارجية، وبخاصة ملف التطبيع مع الدول العربية، وهي اللعبة التي يجيدها أطول رؤساء الوزارة بقاء في المنصب في إسرائيل، إذ تم توقيع اتفاقات "أبراهام" كما سمتها إدارة ترامب خلال وجود نتنياهو في منصبه، فهل يتمنى أن تكون السعودية "درة التاج" في اتفاقيات التطبيع؟ وأن يتم ذلك في وقت قريب أو هذا العام؟
يبدو أن هذا ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه، بغض النظر عما إذا كان الأمر سيحدث فعلاً خلال العام الجاري أو لا، فمجرد التلميح والحديث عن زيارة "مستقبلية" لوزير الخارجية الإسرائيلي إلى الرياض، كلها أمور تصبّ في صالح موقف نتنياهو، لكن إلى أي مدى قد ينقذه ذلك مما ينتظره داخلياً؟ لا أحد يمكنه الإجابة بطبيعة الحال.
إذ إن مهلة تمرير التعديلات القضائية أوشكت على الانتهاء، ولا توجد مؤشرات على أن أياً من الطرفين على استعداد للتراجع عن موقفه، كما لا يبدو أيضاً أن الملفات الأخرى، ولا حتى الملف الأمني الذي كان نتنياهو يجيد توظيفه عندما يتعرض لمأزق داخلي، قد ينجح في التغطية على ملف الانقلاب القضائي، وبالتالي فإن مغازلة السعودية ودعوة أمريكا للعودة إلى المنطقة وتوظيف ورقة إيران لا تبدو كأنها قد تسعفه أيضاً.