في تصعيد خطير للقمع في تونس، في ظل حكم الرئيس التونسي قيس سعيد، قامت السلطات بـ"اعتقال راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي"، والذي دعم وصول قيس سعيد للرئاسة، ويُعد من الشخصيات الرئيسية في تاريخ البلاد الحديث، منذ أن كان معارضاً ضد الأنظمة المختلفة، وصولاً لدوره في العملية السياسية، بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي.
وقال الغنوشي، البالغ من العمر 81 عاماً، في أول تعليق له على سجنه: أنا مستبشر بالمستقبل.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، استأثر الرئيس التونسي قيس سعيد بالسلطات، وحل البرلمان بالمخالفة للدستور، وأقال رئيس الوزراء، ثم أجرى تعديلات دستورية لإنشاء نظام رئاسي وأسس لبرلمان جديد لا يتمتع بصلاحيات فعلية. كما قام باعتقال و/ أو توجيه تهم تتعلق بالتآمر والإرهاب لمعارضيه السياسيين بشكل متزايد.
وأوقف سعيد منذ بداية فبراير/شباط 2023، ما لا يقل عن 10 شخصيات بارزة، غالبيتها من المعارضين المنتمين إلى حركة النهضة وحلفائها، واعتبر سعيد الموقوفين "إرهابيين"، واتهمهم "بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي". في حين رأت منظمة العفو الدولية غير الحكومية أن حملة الاعتقالات "لها اعتبارات سياسية"، وهي "محاولة متعمّدة للتضييق على المعارضة، ولا سيما الانتقادات الموجهة للرئيس".
أسباب اعتقال راشد الغنوشي.. حذّر من الإقصاء
وأفاد رئيس جبهة الخلاص المعارضة في تونس، أحمد نجيب الشابي، بنقل رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية عقب ساعات من اعتقاله، في حين تحدّث الرئيس التونسي عن حرب "تحرير وطني" تخوضها الدولة.
وقالت المحامية، منية بوعلي، إن قاضي تحقيق تونسي أمر بسجن زعيم حزب النهضة المعارض راشد الغنوشي، للاشتباه في تآمره على أمن الدولة الداخلي بعد ساعات من التحقيق معه، فيما صدرت اليوم مذكرة إيداع بالسجن في حق راشد الغنوشي.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، مَثُل الغنوشي أمام المحكمة على خلفية مزاعم بأن حزب النهضة ساعد الجهاديين على السفر للقتال في سوريا. وتم التحقيق معه أيضاً بتهم غسل الأموال في ما يتعلق بحصول منظمات وجمعيات خيرية مرتبطة بالحزب على تمويل أجنبي.
وجاء اعتقال الغنوشي بعد تصريحات خلال محادثة جمعت بينه وبين قيادات من جبهة الخلاص الوطني قال فيها إن "إعاقة فكرية وأيدولوجية في تونس، تؤسس في الحقيقة لحرب أهلية.. لأن تصور تونس دون هذا الطرف أو ذاك.. تونس دون نهضة.. تونس دون إسلام سياسي.. تونس دون يسار.. تونس دون أي مكون من المكونات، هو مشروع حرب أهلية".
وقال مسؤول بوزارة الداخلية إن إحضار الغنوشي للاستجواب وتفتيش منزله جاء بأوامر من النيابة العامة للتحقيق في "تصريحات تحريضية".
وأفادت وسائل إعلام بأن السلطات التونسية منعت الاجتماعات بكل مقرات حزب النهضة، وأغلقت مقر اجتماعات جبهة الخلاص المعارضة.
ويُعد الغنوشي من أبرز المعارضين للرئيس قيس سعيّد، الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ العام 2021. وكان زعيم النهضة رئيساً للبرلمان الذي حلّه سعيّد في 2022، بعد أن كان قد تم انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، رئيساً للبرلمان التونسي بعد حصول على 123 صوتاً من أصل 210.
تجدر الإشارة إلى أن الفصل الـ80 بالدستور التونسي، الذي استند إليه الرئيس قيس سعيد لتنفيذه قراراته يمنع حل البرلمان في حال تفعيل هذا الفصل، كما يشترط قيام الرئيس بتحركاته بالتشاور مع رئيسي البرلمان والحكومة.
تاريخ راشد الغنوشي
راشد الغنوشي مفكر وسياسي إسلامي تونسي، من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى حركة النهضة.
حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي زمن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. عاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي، حسبما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة.نت"
وُلد راشد الغنوشي، واسمه الحقيقي راشد الخريجي، في 22 يونيو/حزيران 1941 بمدينة الحامة من ولاية قابس (جنوب شرق)، في عائلة متواضعة تعمل في الزراعة.
تلقى الغنوشي تعليمه الابتدائي في قرية الحامة، ودرس المرحلة الإعدادية والثانوية في مدينة قابس، وبعد أن حصل على شهادة من مدرسة قرآنية انتقل إلى تونس العاصمة لمواصلة دراساته في جامعة الزيتونة، حيث حصل على شهادة في أصول الدين.
سافر عام 1964 إلى مصر لإتمام دراسته في الزراعة بجامعة القاهرة، لكن الصراع بين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف أحد قادة الاستقلال التونسي، جعل السفارة التونسية في القاهرة تمنع الطلبة التونسيين من البقاء في مصر، فانتقل بعدها إلى دمشق، وحصل فيها على الإجازة (البكالوريوس) في الفلسفة عام 1968.
ذهب بعدها في رحلة مدتها 6 أشهر إلى أوروبا، فزار تركيا وبلغاريا ويوغسلافيا والنمسا وألمانيا وفرنسا، ولم يتيسر له استكمال دراسته في جامعة السوربون، فعاد إلى تونس.
بدأ الغنوشي نشاطه الإسلامي في فرنسا وسط الطلبة العرب والمسلمين.
قرأ كتب سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي ومحمد إقبال ومالك بن نبي وأبو حامد الغزالي وابن تيمية، وتعرّف على جماعة الدعوة والتبليغ، ونشط معها في أوساط العمال من شمال إفريقيا.
اشتغل الغنوشي في التدريس مدة من الزمن، وشارك في تأسيس عدد من الهيئات، مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي (1971).
وساهم في تأسيس حلقة الأصالة والتقدم المهتمة بالحوار الإسلامي المسيحي، وهو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
من القومية العربية إلى دور محوري في الحركة الإسلامية
أعجب الغنوشي في الستينيات بتجربة عبد الناصر القومية، وسبق أن قال إنه كان ناصرياً، مؤمناً بمبادئ الزعيم العربي الراحل، جمال عبد الناصر، في شبابه، في فترة الستينيات، ومنتمياً إلى الحزب الاشتراكي الناصري.
وأشار رئيس حركة النهضة الإسلامية، إلى أن النقاشات التي كانت تدور بين التيار البعثي والقومي في جامعة دمشق أفضت إلى اهتزاز الفكر القومي في نفسه، ملاحظاً أن الفرق بين التيارين يكمن في ترتيب الشعارات لا غير (وحدة، اشتراكية ـ تقدم)، وأكّد أنه بدأ يفكر بعد خروجه من التيار القومي في الالتحاق بالتيار الإسلامي، وذلك بحضور عدة نقاشات للتيارات الاسلامية والسلفية والصوفية وغيرها، وأنه تفرّغ للدراسة والبحث في مختلف التيارات الاسلامية.. قائلاً "وجدت في التيار الإسلامي بجامعة دمشق ما فقدته في جامعة الزيتونة".
ظل مؤمناً بالحوار بين الإسلاميين والقوميين وطالما غازل الليبراليين
ولكن حتى مع تحول الغنوشي للفكر الإسلامي، فإنه ظل مؤمناً بالعروبة، ومؤيداً للحوار وتوثيق العلاقة بين الإسلاميين والقوميين، وكذلك الليبراليين والمؤتمر القومي الإسلامي الذي يجمع بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي.
وكان من المعروف أنه أدار حوارات ونقاشات مع المثقف العلماني القومي منصف المرزوقي خلال فترة المنفى، وكان من دعاة الحوار بين الإخوان المسلمين ومعارضيهم في مصر قبل 30 يونيو/حزيران 2013.
كيف بدأ نشاطه السياسي في تونس؟
عاد الغنوشي إلى تونس في نهاية عام 1960، ووجد الرئيس الحبيب بورقيبة يتخذ تدابير متعددة لعلمنة المجتمع التونسي، مع دعم الدراسة الدينية في النظام التعليمي لمواجهة التوجهات الماركسية.
وكان بورقيبة، قد قام بتشريعات مضادة للشريعة الإسلامية، منها منع تعدد الزوجات.
بعد عودته، بدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية.
شارك في جمعية المحافظة على القرآن برفقة عبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر وحبيب المكني وصالح كركر، الذين أسسوا فيما بعد الجماعة الإسلامية في أبريل/نيسان 1972 في مدينة المرناق جنوب غرب تونس، التي غيّرت اسمها في 1981 الى "حركة الاتجاه الإسلامي" ثم إلى "حركة النهضة" في 1989.
بدأت الحركة الإسلامية التي أسسها في التواصل مع المجتمع والنخبة من خلال صحيفة المعرفة (التي صدرت عام 1974) التي اتهم الغنوشي من خلالها الرئيس الحبيب بورقيبة بمحاولة تركيز العلمانية في تونس بمحاربته الإسلام.
وأسهم بخطبه ودروسه ومقالاته وكتبه ومحاضراته في دعم الخط المعتدل والوسطي في الحركة الإسلامية داخل تونس وخارجها، وساهم في زعزعة عدد من القناعات التقليدية حول قضايا دينية وفكرية وسياسية وتصحيحها، كحقوق المواطنة والحريات العامة والديمقراطية والعلمانية وغيرها.
وبحسب الغنوشي، ركزت الحركة في عملها على الدروس الوعظية والحلقات في المساجد وتكثيف المحاضرات في المعاهد الثانوية والجامعات، كما ركزت الدعوة في أوساط النساء لإقناعهن بارتداء الحجاب وتبني الفكر الإسلامي.
وعن جذور عداء اليسار التونسي للإسلاميين يقول الغنوشي في مقال نشره بموقع "الجزيرة.نت" "إن اتحاد الشغل في خضم معركته مع السلطة في نهاية السبعينيات -وكان زعيمه التاريخي المرحوم الحبيب عاشور في غياهب السجون- ولكن استطاعت السلطة أن تنسج مع قيادته اليسارية خيوط تحالف لمواجهة العدو الجديد (الإسلاميين)، أخذت حراب السلطة تتجه نحوه، فتشكل زواج شاذ بالإعلان عن جبهة انتخابية بينهما، بينما كانت الاعتقالات والمحاكمات في صفوف الإسلاميين على أشدها".
تعرّض للاعتقال مرات عديدة وشدد على رفض العنف
واعتُقل الغنوشي وحوكم مرات عديدة،، فلقد بدأ يثير قلق السلطات زمن حكم الحبيب بورقيبة، التي اتهمته بتأجيج اضطرابات، وحكمت عليه نهاية 1981 بالسجن 11 عاماً قضى منها 3 سنوات وأُطلق سراحه عام 1984، حيث خرج بعفو عام، فعاد للاحتجاجات والنشاط السياسي، فأُعيد القبض عليه، وحُكم عليه للمرة الثانية بالأعمال الشاقة والسجن المؤبد عام 1987، وهو ما اعتبره بورقيبة غير كافٍ، وطالب بمعاقبته بالإعدام.
ومن المفارقات أن بن علي الذي تسلم السلطة في 1987 أصدر عفواً عنه في مايو/أيار 1988، في أجواء من الانفراج السياسي أعقبت التغيير الذي حصل في رأس النظام.
لكن شهر العسل لم يدم طويلاً، فبعد حصول حركة النهضة على نحو 17% من الأصوات في الانتخابات التشريعية لسنة 1989، بدأت السلطة تصطدم معها.
وندد الغنوشي بالعنف، وأكد أن الإسلاميين لن يخترقوا الجيش والشرطة واعترف بقانونية مجلة الأحوال الشخصية، واعتبرها في المجمل "إطاراً نقياً ينظم العلاقات العائلية"، وقدّم في بداية 1989 طلب الترخيص القانوني لحركة الاتجاه الإسلامي، لكنه قوبل بالرفض.
ساءت العلاقة مع النظام الجديد حينها، فغادر تونس في 11 أبريل/نيسان 1989 إلى الجزائر بعدما حكمت عليه المحكمة العسكرية مع قيادات أخرى بالسجن المؤبد بتهمة "التآمر" ضد رئيس الدولة، وانتقل بعدها إلى السودان؛ حيث حصل على جواز سفر سوداني دبلوماسي.
وأصبح رئيساً لحركة النهضة عام 1991 بعد استقراره في مدينة أكتون بضواحي العاصمة البريطانية لندن؛ حيث حصل في أغسطس/آب 1993 على حق اللجوء السياسي.
وأعيد انتخابه عام 2007 رئيساً لحركة النهضة.
عاد لبلاده بعد 21 عاماً من المنفى وأسس دستوراً أُشيد به دولياً
بعد 21 عاماً في المنفى، عاد الغنوشي إلى تونس يوم 30 يناير/كانون الثاني 2011 بعد ثورة التونسيين وإسقاط بن علي، ووجد في استقباله عشرات الآلاف من أنصار الحركة في مطار تونس قرطاج الدولي.
بعد فوز "النهضة" في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بتسعين مقعداً في المجلس التأسيسي من أصل 217 مقعداً، رفض أن يتولى أو يترشح لأي منصب، وتمَّ ترشيح القيادي بالحركة، حمادي الجبالي، لرئاسة الحكومة التونسية الجديدة.
قاد الغنوشي وحزب النهضة الحكومة الائتلافية بعد العام 2011، وساهما في صياغة دستور العام 2014، الذي حظيَ بثناء المجتمع الدولي. علاوةً على ذلك، توصّل الغنوشي إلى تسويات براغماتية مع ممثلين عن النظام السابق، وأرسوا نوعاً من السياسة القائمة على الصفقات في تونس، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
وقال المركز "صحيحٌ أن ذلك ساهم في الحفاظ على التجربة الديمقراطية، إلا أن التسويات تسببت بتغذية الغضب الاجتماعي ضدّ فساد الطبقة السياسية وتبدُّد آمال الشعب بإحداث أي تغيير اجتماعي واقتصادي".
ساهم الغنوشي بعلاقاته وحواراته مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة بعض الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية، من قبيل مسألة تطبيق الشريعة، وكونها مصدراً للتشريع أثناء كتابة الدستور الجديد وغيرها.
وفي الانتخابات التشريعية التي نظمت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، حل حزب حركة النهضة في المركز الثاني بعد حزب حركة نداء تونس، الذي تصدّر المشهد السياسي.
ويوم 22 مايو/أيار 2016 أعاد المؤتمر العاشر لحركة النهضة انتخاب راشد الغنوشي مجدداً رئيساً للحركة، وأعلن رئيس المؤتمر، علي العريض، فوز الغنوشي متقدماً على منافسَين اثنين بفارق كبير.
وقال العريض إن الغنوشي حصل على 800 صوت، في حين حصل فتحي العيادي على 229 صوتاً، وحصل محمد العكروت على 29 صوتاً.
الغنوشي له مؤلفات كثيرة وفكره يركز على الحوار والديمقراطية
كتب الغنوشي عشرات المقالات الفكرية والسياسية، وألف كتباً عديدة دعمت خط الاعتدال والانفتاح في صفوف الحركة الإسلامية، ورفع اللبس عند كثير من خصومها بخصوص عدد من القضايا من قبيل الديمقراطية، وحقوق المواطنة وغيرها.
من كتبه: "حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية"، و"الحريات العامة في الدولة الإسلامية"، و"المرأة بين القرآن وواقع المسلمين"، و"مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني"، و"الحركة الإسلامية ومسألة التغيير". وترجمت بعض كتبه إلى لغات أجنبية عديدة أبرزها الإنجليزية والفرنسية.
وحصل الشيخ راشد الغنوشي مع الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، على جائزة شاثام هاوس الملكية البريطانية لحرية الفكر والتعبير عام 2012.
السمة الرئيسية لفكر الغنوشي، هو تركيزه على الديمقراطية والحوار مع القوى السياسية، ودعوته لفقه معتدل ملائم للعصر ويتعايش مع الطبيعة المنفتحة للمجتمع التونسي الذي تعرّض لموجة تغريبية وعلمانية قسرية خلال حكم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
فلقد قبلت الحركة عدم التنصيص على الشريعة الإسلامية في الدستور التونسي الجديد الذي تم إقراره في 2014.
واجهت حكومة الترويكا التي قادتها النهضة، أزمة حادة إثر اغتيال المحامي المعارض للاسلاميين، شكري بلعيد، في 6 فبراير/شباط 2013، ما دفع حمادي الجبالي (الأمين العام السابق لحركة النهضة)، الى الاستقالة من رئاسة الحكومة، ليخلفه في هذا المنصب القيادي علي العريض.
جعلت هذه المواقف الغنوشي يتعرض لانتقادات من بعض الإسلاميين المحافظين وكثير من المتدينين بصفة عامة، وفي المقابل، فإن اعتداله لم يشفع له كثيراً عند العلمانيين، الذين ظلوا يتربصون بالرجل.
وتحمل المعارضة راشد الغنوشي المسؤولية عن صعود تيار السلفية الجهادية في تونس، خصوصاً بعدما أدلى بتصريح صحفي في 2012 قال فيه إن "معظم السلفيين يبشرون بثقافة، ولا يهددون الأمن" قبل أن يعلن لاحقاً أن "هؤلاء الناس يمثلون خطراً ليس على حركة النهضة فقط، بل على الحريات العامة".
أيّد قيس سعيد في الجولة الثانية للانتخابات
خلال الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الأخيرة، أيد حزب النهضة برئاسة الغنوشي الرئيس الحالي قيس سعيد، باعتباره أقرب للثورة، وتبنى خطاباً عروبياً محافظاً، مقابل رجل الأعمال نبيل القروي، المتهم بأنه امتداد للنظام السابق.
وبسبب الخلافات بين كتل البرلمان، وافقت النهضة بقيادة الغنوشي على اختيار قيس سعيد لرئيس الوزراء هشام المشيشي، ثم انقلب سعيد على البرلمان، وأقال المشيشي ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
واعتبر تقرير مركز كارنيغي أن اعتقال الغنوشي رسالة إلى التيارات الإسلامية الأخرى، مفادها أن الخروج من الإسلام السياسي مستحيل، وأن الاعتدال واستراتيجيات الاندماج في الأنظمة السياسية قد يكون مصيرها الفشل الذريع. وتتأكد هذه المقولة أكثر فأكثر في ضوء أن الغنوشي كان زعيماً إسلامياً بارزاً أظهر درجةً عاليةً من المرونة. وقد تمكّن من بناء جسور مع العلمانيين وإدارة الانتقال الديمقراطي الذي كان محطّ ثناء من المجتمع الدولي.
ويقول التقرير "سيرتبط المصير الشخصي للغنوشي ارتباطاً وثيقاً بمستقبل الإسلام السياسي في المنطقة، سواءً سارت الأمور نحو الأفضل أم الأسوأ".
ومما يؤكد على هذه الرسالة ضعف ردة فعل القوى السياسية التونسية المعارضة على اعتقاله، خاصة اليسارية التي طالما كان الغنوشي يدعوها للحوار، لدرجة اعتبره البعض معجباً بها.