قصة الدول التي تشبه المستعمرات وتخضع لسيطرة أمريكا، ولماذا لجأت للتلويح بالقوة لإبقاء هيمنتها عليها؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/04/18 الساعة 21:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/18 الساعة 22:09 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مع قادة دول جزر المحيط الهادئ التي ترتبط بـ"اتقاقات الارتباط الحر " مع واشنطن وتعتبر تابعة لها وذلك في مقر وزارة الخارجية الأمريكية في 29 سبتمبر/أيلول 2022- رويترز

لوَّح مسؤولون أمريكيون ضمنياً مؤخراً، بالحرب ضد الصين لحماية دول تابعة لواشنطن يمكن وصفها بأنها مستعمرات أمريكية في ظل مخاوف من تسلل النفوذ الصيني لها، فما هي قصة دول الارتباط الحر الأعضاء بالأمم المتحدة ولكن المكبلة باتفاقات تجعلها شبه مستعمرات أمريكية، ولماذا تفكر واشنطن في ضمها بشكل كامل لها؟

لعبت الولايات المتحدة دوراً مهيمناً داخل جزر المحيط الهادئ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالأخص مع ثلاث دول جزرية تربطها مع واشنطن اتفاقات عسكرية تعرف باسم مواثيق الارتباط الحر، ورغم اسم الاتفاقات البراق فيبدو أنها مواثيق تنقص من سيادة هذه البلدان وحرياتها في مجال السياسة الخارجية، بما يجعلها أشبه بمستعمرات ضمن الإمبراطورية الأمريكية.

ويُعيد المسؤولون الأمريكيون حالياً التفاوض على مواثيق الارتباط الحر، التي تتضمن بعض البنود التي ستنتهي صلاحيتها خلال العام الجاري في جزر مارشال وولايات ميكرونيسيا المتحدة-وفي العام المقبل بالنسبة لبالاو، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

تنافس أمريكي صيني على جزر المحيط الهادئ

ويأتي ذلك في وقت تخوض الولايات المتحدة في هدوء معركةً اقتصادية من أجل إبقاء السيطرة على دول "الارتباط الحر"، الثلاث التي تواجه ضغوطاً متزايدة للانحياز إلى الصين أو الولايات المتحدة، وذلك ضمن سياق المنافسة الجيوسياسية المتنامية بين واشنطن وبكين داخل المحيط الهادئ.

فمع تحرُّك الصين لتأسيس وجودٍ لها في جزر المحيط الهادئ، المنطقة الضخمة في منتصف المحيط الهادئ؛ تتحرك الولايات المتحدة هي الأخرى لتقوية سيطرتها العسكرية والاقتصادية على تلك الدول، التي تتألف من جزرٍ، خاصة الدول التي ظلت خاضعةً للنفوذ العسكري الأمريكي المباشر منذ الحرب العالمية الثانية.

ولذا تحولت دول جزر المحيط الهادئ من منطقة منسية ومهملة معرضة للخراب جراء التغيرات المناخية، إلى نقطة تنافس شبه ساخنة بين الولايات المتحدة والصين.

ورداً على محاولة الصين عقد اتفاقية أمنية مع دول المنطقة، استضافت الولايات المتحدة الأمريكية يومي 28 و29 سبتمبر/أيلول 2022 قمة موسعة وغير مسبوقة مع دول جزر المحيط الهادئ، صدر عنها، أول وثيقة استراتيجية على الإطلاق للشراكة الأمريكية مع دول جزر المحيط الهادئ، وذلك بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن مع 14 من قادة جزر المحيط الهادئ

والدول العشر المشكلة للمنطقة هي فيجي (عدد سكانها نحو 850 ألف نسمة)، جزر سليمان (553 ألفاً)، فانواتو (251 ألفاً)، ميكرونيزيا (103 آلاف)، تونغا (103 آلاف)، كيريباتي (103 آلاف)، جزر المارشال (53 ألفاً)، بالاو (نحو 21 ألفاً)،  ناورو (نحو 11 ألفاً)، وتوفالو (11 ألفاً). 

وثلاث من هذه الدول فقط لديها "اتفاقيات الارتباط الحر" مع واشنطن، وهي "بالاو" و"جزر مارشال" و"ميكرونيزيا"، والتي تسمح للجيش الأمريكي بالوصول إلى المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية مقابل المساعدات الاقتصادية.

ما هي دول الارتباط الحر، وهل هي جزء من أمريكا أم بلدان ذات سيادة؟

على مدى عقود، أدارت الولايات المتحدة مواثيق الارتباط الحر مع بالاو وجزر مارشال وولايات ميكرونيزيا الموحدة. 

ولقد استولت الولايات المتحدة على هذه الجزر بعد هزيمة الإمبراطورية اليابانية خلال حرب المحيط الهادئ، وأصبحت ولايات ميكرونيزيا الموحدة وجزر مارشال وبالاو (Palau) دولاً مستقلة، عبر ميثاق الارتباط الحر مع الولايات المتحدة، بينما أصبحت جزر ماريانا الشمالية تحت الولاية القضائية الأمريكية، باعتبارها منطقة غير مدمجة وكومنولث تابعاً لأمريكا.

ومنذ ثمانينات القرن الماضي، حافظت الولايات المتحدة على علاقاتها الوطيدة مع بالاو وجزر مارشال وولايات ميكرونيزيا المتحدة، وهي الدول الثلاث التي برزت من منطقة الوصاية الأمريكية. واحتفظت الولايات المتحدة بسيطرتها العسكرية على الجزر مقابل الدعم الاقتصادي، وذلك بموجب علاقةٍ خاصة مع كل دولة منها تحت راية "اتفاق الارتباط الحر".

كل دول من دول الارتباط الحر أو الدول  المدمجة (compact states ) هي عضو في الأمم المتحدة. تشير عضويتها إلى أنها دول ذات سيادة، لكنها تحترم بشدة الولايات المتحدة.

تخلق الاتفاقات علاقة غريبة بين الولايات المتحدة ودول جزر المحيط الهادئ الثلاث، إذ تقدم الولايات المتحدة للجزر مساعدة اقتصادية مقابل امتيازات وضوابط عسكرية، حسبما ورد في تقرير لموقع Foreign Policy in Focus الأمريكي.

دول الارتباط الحر
خريطة إقليم الوصاية لجزر المحيط الهادئ التابع للولايات المتحدة عام (1961)- ويكيبيديا

في ظل هذه الضوابط العسكرية، امتنعت الدول الموقعة عن الانضمام إلى المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ ، والتي نفذتها دول جزر المحيط الهادئ في الثمانينيات بهدف إبقاء الأسلحة النووية خارج المنطقة. 

في قاعدة عسكرية بجزر مارشال، تختبر الولايات المتحدة صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت وصواريخ باليستية عابرة للقارات. 

في السنوات الأخيرة، بدأ الجيش الأمريكي في تطوير خطط لإنشاء محطة رادار في بالاو ومنشآت عسكرية في ولايات ميكرونيزيا الموحدة.

ويشير تقرير صادر عن مؤسسة RAND الأمريكية في عام 2019 إلى أن "هذه الاتفاقات تحرم خصوم الولايات المتحدة المحتملين من التواجد في قسم هائل ومهم استراتيجياً من غرب المحيط الهادئ، بينما تُمكِّن الوجود الأمريكي وتوفر لها وسائل إيصال قوتها التدميرية في المنطقة".

بدأوا يعتبرون أنفسهم جزءاً من الولايات المتحدة الأمريكية!

وتتضمن برقية دبلوماسية عام 2009 نشرتها ويكيليكس رسالة من قادة بالاو مفادها أن بلادهم "لن تغير ولاءها أبداً" للولايات المتحدة. أخبر دبلوماسيي بالاو المسؤولين الأمريكيين أن "جزءاً كبيراً من سيادة بالاو قد تم منحه للولايات المتحدة".

وفقاً لقادة هذه الدول، بدأ المسؤولون الأمريكيون في وصف الجزر بأنها أجزاء من الوطن الأمريكي. خلال عام 2021، قال رئيس بالاو سورانجيل ويبس ورئيس ولايات ميكرونيزيا الموحدة ديفيد بانويلو المنتهية ولايته إن الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين الأمريكيين كانوا يتحدثون عن الدول المدمجة كما لو كانت مندمجة في الولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل الأمنية.

وخلال السنوات الماضية، قال الدبلوماسيون والقادة العسكريون الأمريكيون لقادة بالاو وولايات ميكرونيزيا الموحدة (FSM) بأن بلادهم جزء من الوطن الأمريكي، على الرغم من حقيقة أن هذه الدول من الناحية القانونية ليست دولاً ولا أراضي تابعة للولايات المتحدة.

وقال رئيس ولايات ميكرونيزيا الموحدة، بانويلو المنتهية ولايته، خلال خطابٍ في جامعة جورج تاون الأمريكية العام الماضي إن "الولايات المتحدة تعتبر بلادنا جزءاً من أرض الوطن، ونحن أيضاً نعتبر أنفسنا جزءاً من أرض الوطن".

وأضاف أن الولايات المتحدة ستتعامل مع أي هجوم على ولايات ميكرونيزيا الموحدة كما لو كان هجوماً على الولايات المتحدة. "هذا يعني أننا جزء من أمريكا مثل إحدى ولايات أو أقاليم الولايات المتحدة".

وعندما التقى قادة الدول الثلاث مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن في واشنطن في 29 سبتمبر/أيلول 2022، كرر ويبس وبانويلو هذه المزاعم، ونسباها إلى وزارة الدفاع الأمريكية.

وطور العديد من سكان الجزر علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة من خلال الخدمة في الجيش الأمريكي، وغالباً ما يتباهى قادة الجزر بأن مواطنيهم يخدمون في الجيش الأمريكي بمعدلات أعلى من مواطني الولايات المتحدة.

وقال لامبرت إن الدول الثلاث "لديها تقاليد عريقة ومعدل خدمة مرتفع من قبل مواطنيها في الخدمة في القوات المسلحة الأمريكية".

ولكن لا يزال سكان الجزر يكافحون مع الصعوبات الاقتصادية. بالمقارنة مع الولايات المتحدة والأقاليم التابعة لها.

إذ تظل الدول المدمجة فقيرة ومتخلفة. على مدى السنوات العديدة الماضية، كان سكان الجزر يفرون من منازلهم بأعداد كبيرة، وغالباً ما ينتقلون إلى الولايات المتحدة والأقاليم الأمريكية (مناطق تعد جزءاً من الأراضي الأمريكية ولكنها ليست ولايات وأغلبها جزر خارج الولايات المتحدة القارية).

وفقاً لتقرير صادر عن مكتب مساءلة الحكومة الأمريكية، زاد عدد المهاجرين الذين ينتقلون إلى الولايات المتحدة وأراضيها بنسبة 70% تقريباً من عام 2009 إلى عام 2018، حيث فرّ سكان الجزر من الفقر والإكراه الاقتصادي والتهديدات البيئية.

بينما يركز المسؤولون الأمريكيون على كيفية استخدام الجزر لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية، يظل قادة الجزر أكثر قلقاً بشأن تغير المناخ. في عام 2018، حدد منتدى جزر المحيط الهادئ تغير المناخ باعتباره "أكبر تهديد منفرد لسبل عيش وأمن ورفاهية شعوب المحيط الهادئ".

في الآونة الأخيرة، بذلت إدارة بايدن بعض الجهود للاعتراف بالتهديد الذي يمثله تغير المناخ على جزر المحيط الهادئ. وشدد البيت الأبيض، في استراتيجية شراكة المحيط الهادئ واستراتيجية الأمن القومي، على أهمية معالجة تغير المناخ.

نائب بالكونغرس يلوح بالحرب للحفاظ على سيادة أمريكا على هذه الجزر

ولكن يبدو أن الأمريكيين بدأوا يلوحون ضمناً بإمكانية اللجوء للقوة العسكرية للحفاظ على السيادة الأمريكية على هذه الجزر التي تبدو أقرب لمستعمرات منها لحلفاء.

إذ قال النائب الديمقراطي براد شيرمان خلال جلسة استماع أمام الكونغرس الشهر الماضي: "لقد حاربنا من أجل هذه الجزر في الماضي"، في إشارةٍ إلى حملات الجيش الأمريكي ضد اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية. ثم أردف: "وهانحن نحارب مجدداً اليوم، وأتمنى أن تكون حرباً غير مميتة، لهذا علينا الانتباه للأمر".

وفي جلسة استماع الشهر الماضي، شدّدت النائبة الجمهورية يونغ كيم على "أهمية تجديد اتفاقيات الارتباط الحر". وأوضحت: "تُعَدُّ منشآتنا العسكرية في تلك الدول بمثابة مراكز لوجستية ضرورية من أجل عملياتنا في المحيط الهادئ".

ويتفق المسؤولون في واشنطن بنسبةٍ كبيرة مع الرأي القائل إن دول الارتباط الحر مهمة للغاية، وذلك بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة داخل منطقة المحيط الهادئ. إذ تلعب الجزر دور المراكز اللوجستية لتمنح الجيش الأمريكي إمكانية الوصول إلى الأراضي، والمجال الجوي، والمسارات البحرية. ويُفضِّل المسؤولون الأمريكيون هذه الجزر بفضل قربها من المواقع العسكرية الأمريكية الأخرى في المنطقة، وخاصةً القواعد العسكرية الأمريكية في جزيرة غوام الأمريكية.

وخلال جلسة الاستماع الشهر الماضي، قال مسؤول وزارة الداخلية كيونا ناكوا للكونغرس إن دول الارتباط الحر تحتل موقعاً مهماً من الناحية الاستراتيجية، حيث تُسهّل تنفيذ العمليات الأمريكية في جميع أنحاء المحيط الهادئ.

 دول الارتباط الحر
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع قادة عدد من دول جزر المحيط الهادئ شاركوا في قمة دول جزر المحيط الهادئ الأمريكية في البيت الأبيض سبتمبر/أيلول 2022 (كثير منهم دول مستقلة بالكامل أي غير موقعة لمعاهدات الارتباط الحر ولكن وانشطن تعتبرها مناطق نفوذ لها بالمنطقة) -رويترز

وأوضح ناكوا: "عند النظر إليها معاً، تمثل جزر المحيط الهادئ جسراً جيوسياسياً بين الشرق والغرب بدايةً من آسيا ووصولاً إلى الأمريكتين، وبدايةً من أستراليا في الجنوب ووصولاً إلى ميكرونيزيا الاستوائية والجزر الأليوطية في شمال المحيط الهادئ".

بينما جادل مسؤولون آخرون بأن السيطرة الأمريكية على دول الارتباط الحر مهمةٌ من أجل طرد القوى العسكرية الأخرى من المنطقة. ويُشدّد هؤلاء المسؤولون على أهمية ما يصفونه بـ"المنع الاستراتيجي"، وهو الحق الأمريكي المزعوم في طرد أي قوات عسكرية أخرى بالقوة من المياه المحيطة بدول الارتباط الحر.

وشرحت النائبة الجمهورية آن فاغنر ذلك قائلة: "تحول الاتفاقيات دون استغلال خصومنا لقطاعات شاسعة من المحيط الهادئ، وتضمن للولايات المتحدة موطئ قدم يُتيح لها حماية مصالحها".

أمريكا تلوح بالرد على أي وجود عسكري صيني بدول المنطقة

وكما سبق الإشارة فقد رحّب بعض زعماء الجزر بالسلطات العسكرية الأمريكية، ووصل الأمر ببعضهم إلى التأكيد على أن دولهم تُعتبر جزءاً من أرض الوطن الأمريكي.

ومع ذلك، سنجد أن ما يثير قلق المسؤولين الأمريكيين تحديداً هو احتمالية خسارة النفوذ في أراضي المنطقة لصالح الصين. حيث دقت أجراس الإنذار في واشنطن العام الماضي إثر تسرب أنباء عن توقيع الصين وجزر سليمان القريبة من دول الارتباط الحر لاتفاق أمني سري، مما قد يؤدي إلى وجود قوات الجيش الصيني داخل البلاد.

وعلّق مسؤول وزارة الخارجية دانيال كريتنبرينك على الصفقة قائلاً: "لقد أخبرنا قيادة جزر سليمان بأن الولايات المتحدة سترد في حال اتخاذ أي خطوات لتأسيس وجود عسكري دائم، أو قدرات لاستعراض القوة، أو منشآت عسكرية داخل جزر سليمان بحكم الأمر الواقع".

رئيس ميكرونيزيا المنتهية ولايته يهاجم الصين ويغري دولته بسحب الاعتراف منها مقابل أموال تايوان

وفي الشهر الماضي، زاد ديفيد بانويلو، رئيس ميكرونيزيا المنتهية ولايته من حدة التوترات بخطابٍ أرسله إلى كونغرس ميكرونيزيا، واتهم خلاله الصين بشن الحروب السياسية وعمليات المنطقة الرمادية ضد ولايات ميكرونيزيا المتحدة. كما اتهم الصين بارتكاب أنشطة التجسس، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والسعي للسيطرة الاقتصادية، ورشوة مسؤولي ميكرونيزيا، ودعم الحركات الانفصالية، وتتبع تحركاته الشخصية، والمخاطرة باندلاع حربٍ مع تايوان.

وكتب بانويلو: "أصبحت ولايات ميكرونيزيا المتحدة رغماً عنها هدفاً للحرب السياسية وأنشطة المنطقة الرمادية التي ترعاها جمهورية الصين الشعبية".

وفي أعقاب نشر خطاب بانويلو، الذي نقلته مجلة The Diplomat الأمريكية في البداية، وصف النائب شيرمان الخطاب بأنه "من الخطابات الأكثر استثنائية التي رأيتها تحمل توقيع رئيس دولة. يجب أن يصل هذا الخطاب إلى كل رؤساء الدول حول العالم، حتى يعرفوا طبيعة ما يواجهونه".

لكن بانويلو كان يُنفّذ مناورةً سياسية محسوبة، ولم يكتف بالتحذير من الصين فحسب. فبعد توجيه اتهاماته إلى الصين، اختتم بانويلو خطابه بمطالبة خلفائه في الحكومة أن يحوّلوا اعتراف بلادهم الدبلوماسي من الصين إلى تايوان. وفي الخطوة التي يمكن اعتبارها بأنها الأكثر استثنائية، أشار بانويلو إلى أن تايوان ستدفع لميكرونيزيا نحو 50 مليون دولار في مقابل الاعتراف الدبلوماسي بها (وبالتالي سحب الاعتراف بالصين)، وهو الترتيب الذي يُنسب الفضل فيه إلى بانويلو.

وشدّد بانويلو على تلك النقطة قائلاً: "نستطيع تسلم هذا المبلغ وسوف نحصل عليه على مدار فترة تمتد لثلاث سنوات، وذلك في حال -وبمجرد- تأسيس علاقاتنا الدبلوماسية مع تايوان".

إدارة بايدن تخطط لتخصيص 7 مليارات لهذه الدول

وأثناء دراسة دول الارتباط الحر للخيارات المطروحة أمامها، استغل مسؤولو الولايات المتحدة الفرصة لتنفيذ مناوراتهم الخاصة، من خلال تقديم عروض مساعدات اقتصادية مشابهة في المقام الأول. ووفقاً لتصريحات مسؤولي بايدن خلال جلسة الاستماع الشهر الماضي، فإن إدارة بايدن تخطط لمنح دول الارتباط الحر مساعدات اقتصادية بقيمة 7.1 مليار دولار، وذلك على مدار العقدين المقبلين.

وأفاد مسؤولو الإدارة بأن المساعدة الاقتصادية الأمريكية بالغة الأهمية من أجل التصدي للصين، وتأمين الوجود الأمريكي في المنطقة.

إذ قال كريغ هارت، مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أمام الكونغرس: "من المهم للغاية أن نعزز وجودنا في المنطقة".

 دول الارتباط الحر
خريطة القوى البحرية في المحيط الهادئ عام 1939، حيث استولت واشنطن على المستعمرات الأمريكية في المحيط خلال الحرب العالمية الثانية/ويكيبيديا

ويأمل العديد من المسؤولين الأمريكيين أن يكون تدفق المساعدات الاقتصادية كافياً، من أجل إبقاء دول الارتباط الحر داخل دائرة النفوذ الأمريكي. ويؤمنون بأن الاستثمارات الاقتصادية الكبرى الجديدة ستعزز وجود الولايات المتحدة في المنطقة؛ مما سيؤدي لتجنب الدخول في مواجهة مباشرةٍ أكثر مع الصين.

ومن هذا المنطلق، تخوض الولايات المتحدة معركةً من أجل السيطرة على دول الارتباط الحر، وذلك باستخدام المساعدات والدبلوماسية متى سنحت الظروف، مع الاستعداد للمواجهة العسكرية مع الصين إذا دعت الحاجة.

حيث قال النائب شيرمان: "ستكون هذه المعركة أرخص بمراحل من المعارك الأخرى، بشرط أن نتعامل معها على مستوى المساعدات والدبلوماسية".

تحميل المزيد