كلنا نتابع عن كثب ما يدور في السودان الشقيق البلد قليل الحظ الذي عانى من حرب أهلية استمرت 22 عاماً؛ حيث اشتعلت حرب الجنوب الثانية في مايو 1983، واستمرّت الحرب الأهلية لمدة 22 عاماً.
وقّعت العديد من معاهدات وقف إطلاق النار، والاتفاقيات، ومحادثات السلام خلال التسعينيات، إلّا أنّها لم تثمر سوى القليل. وفي نهاية المطاف، وقّعت الحكومة السودانية والمتمردون، بعد ضغوطاتٍ من القوى الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقاً في يناير 2005، والمعروف باسم اتفاق السلام الشامل، منهياً الحرب الأهلية الطويلة في البلاد.
نصّ اتفاق السلام الشامل على وضع دستورٍ جديد، فضلاً عن تحديد تدابير جديدة لتقاسم السلطة وتوزيع الثروة، وتوفير الأمن. كما سمح بإدارة منفصلة لجنوب السودان، ونصّ على إجراء استفتاءٍ شعبي حول استقلال هذه المنطقة في غضون ستّ سنوات، أدت إلى انفصال جنوب السودان في 7 فبراير عام 2011، وهي المنطقة الغنية بالنفط والمعادن.
الان في السودان تدور رحى الحرب تحت شعارات متعددة تارة نسمع فرض الديمقراطية وتارة حكومة مدنية وهكذا.
حيث يشهد السودان اشتباكات دامية بين قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، وبين الجيش الذي يتزعمه عبد الفتاح البرهان، وذلك بعد خلافات بينهما تتعلق بتنفيذ الاتفاق الإطاري الذي جرى توقيعه في كانون الأول/ديسمبر 2022.
العجيب في تلك الحرب أنها ليست بين فصيل متمرد والدولة بجيشها النظامي، ولكن بين فصيل صنعته الدولة في عهد الرئيس الأسبق عمر حسن البشير بطريقة سياسية للحفاظ على منصبه ومكتسبات انتهاء بحرب الجنوب.
لعل كلمة السر في الأمر هي إقليم دارفور ذلك الإقليم المتنوع الثقافات، والأصول والكثير الكنوز، والذي أراد يوماً من الأيام أن يكون مثل الجنوب مستقلاً لنفس الأسباب، ومن أهمها مركزية الخدمات في العاصمة الخرطوم والظلم في المناصب الحكومية والخدمية وغيرها من الأسباب التي دفعتهم يوماً إلى طلب الاستقلال والتمرد.
هنا كانت النجدة لنظام البشير واستعان بمحمد حمدان دقلو "حميدتي" رئيس إحدى حركات التمرد (الجنجويد) لمحاولة ضمه، والاستفادة من حركته للبقاء على باقي الحركات المتمردة هناك وكانت الخطة، وهنا نرى الدولة ترعى فصيلاً متمرداً وتمده بكل ما يحتاج، بل تنشئ له وحدة خاصة تحت اسم قوات الدعم السريع ولم يدُر ببال البشير أن جميع الحركات التي صنعتها الأنظمة عبر التاريخ لم تلبس إلا وساهمت في إسقاط تلك الأنظمة التي صنعتها.
الخلاف بين حميدتي والبرهان
لقد نشب الخلاف بين الجيش السوداني وبين قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش؛ إذ يطالب الجيش بعملية دمج تستغرق عامين، أي مع نهاية الفترة الانتقالية، بينما يطالب "الدعم السريع" بأكثر من 10 سنوات.
حيث إن مطلب الدعم السريع يمنح حميدتي تأثيراً على العملية الانتخابية المقبلة في نهاية الفترة الانتقالية، كما أنه يخشى التخلص منه إذا حدثت عملية الدمج قبل عملية الانتقال، لا سيما أنه مطلوب للجنائية الدولية.
ما يدل على ما سبق، فقد صرح عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي السوداني، في 17 شباط/ فبراير الماضي، بأنه يدعم الاتفاق الإطاري؛ "لأن فيه بنداً مهماً جداً، وهو دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة". وعلى ما يبدو، فإن البرهان يسعى للتخلص من نفوذ حميدتي بسيطرته على قوات الدعم السريع، بعيداً عن قوة الجيش النظامية التي يسيطر عليها، ما يمنحه قوة داخلية وخارجية.
بجانب فترة الدمج، تبرز قضية رتب ضباط "الدعم السريع" كإحدى نقاط الخلاف بين الجانبين، حيث يرى الجيش أن تتم مراجعة رتب ضباط "الدعم السريع"، بينما يطالب الأخير بأن يتم استيعاب ضباطه في الجيش برتبهم الحالية.
حميدتي وإسقاط نظام عمر البشير
بالفعل عندما قامت الثورة وانقلب الجيش على البشير أعلنت قوات الدعم السريع دعم الانقلاب بالكامل، وأصبح الجيش يرى قوة أخرى على الأرض مسلحة تشاركه في حكم السودان، وكعادة العسكريين لا يحبون دائماً الشركاء، وفي تلك الفترة تم استخدام السياسيين لإخفاء أي خلاف داخلي بين القوتين حتى تنتهي المرحلة الانتقالية.
لكن حميدتي بكل قوته هذه انتبه لهذا المأزق الذي يؤدي به حتماً إلى المحاكمة وحل قواته، فكانت الحرب التي نراها حالياً، والآن حميدتي يمسك بشعارات الديمقراطية والمدنية، ومع الدعم المعنوي القوي له من دول إقليمية ودولية، فأنا أتوقع أن يستمر الأمر، بالإضافة إلى سيطرته على أكبر مناجم الذهب بجبل عامر بولاية شمال دارفور، ولعلنا نذكر كيف استطاع الذهب حل مشكلة وضع السودان في لائحة الإرهاب، وبقيمة بعض هذا الذهب تم دفع تعويضات لضحايا عمليات إرهابية تمت على أرض السودان، وتم رفع السودان من تلك اللائحة في عهد حكومة الدكتور عبد الله حمدوك.
ختاماً.. فالوقت الآن ليس للجيش السوداني ولا قوات الدعم السريع، بل حان الوقت لتجمع مدني عام للمطالبة بوقف كل هذا والاتجاه مباشرة إلى تشكيل حكومة مدنية تسير الأمور لفترة ثم الانتخابات النيابية والرئاسية، وما تم ويتم الآن يتم توثيقه من قِبل الجهات المسؤولة لقياس حجم الأضرار، ويتحمل كل طرف من القوتين هذه الأضرار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.