أقوى امرأة في سوريا.. كيف تحولت أسماء الأسد من وجه النظام البريء إلى ماكينته الاقتصادية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/04/04 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/04 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
رئيس النظام السوري بشار الاسد وزوجته أسماء/رويترز

ينظر دوماً إلى أسماء الأسد، زوجة بشار الأسد، على أنها الوجه الجميل والبريء للنظام، وساعدت عوامل عدة على الترويج لهذه النظرة، بدءاً من أناقتها ذات الطابع الغربي لانتمائها للمذهب السني، وصولاً لتعاطف حتى خصوم النظام مع مرضها، ولكن الواقع أن أسماء أصبحت الرأس الاقتصادي المدبر للنظام، وسط تقارير عن تورطها في مصادرات واسعة لأموال رجال الأعمال بالبلاد.

عندما زار بشار الأسد أبوظبي في 19 مارس/آذار، اعتبرت الزيارة على أنها أحدث إشارة على أن الديكتاتور السوري يُعاد تأهيله رويداً رويداً عن طريق نظرائه في المنطقة.

لكن هناك جانب آخر تجدر ملاحظته في الزيارة، وهي اصطحاب بشار زوجته أسماء الأسد. خرجت سيدة سوريا الأولى المبهمة، مرتديةً ثياباً بيضاء من أعلى إلى أسفل، في أول رحلة خارجية منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل أكثر من عقد من الزمن.

سلط حضور أسماء الضوء على شيء قلّما يُستوعب خارج حدود سوريا: كيف لامرأةٍ هُمشت في البداية بوصفها شابة عنيدة متزوجة حديثاً وذات مثلٍ غربيةٍ ساميةٍ، أن تبرز لتصير واحدةً من الأشخاص الأكثر نفوذاً في البلاد، وتتربع على قمة الأسرة الحاكمة القاسية في سوريا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.

أسماء الأسد تصور على أنها "أم البلاد الحنون"

وتنحدر أسماء من مدينة حمص التي باتت رمزا للانتفاضة والتي تعرضت لهجوم عنيف بشكل خاص شنته الدبابات السورية حولها الى أنقاض خلال الثورة السورية.

في العلن، تصور أسماء الأسد نفسها بأنها "أم البلاد"، فتشع برعاية الأمومة عندما تولي اهتمامها إلى عائلات أفراد الجيش السوري، والأطفال المصابين بالسرطان، والناجين من زلزال 6 فبراير/شباط. فتضع شريطة في شعرها، وتضع على جسدها الصغير ثياباً حيكت بأيادي أرامل الرجال الذين قُتلوا في حرب زوجها.

غير أنها سراً ناورت لتضع نفسها في موقعٍ ذي نفوذٍ ملحوظ، وذلك وفقاً لمقابلات أُجريت مع 18 شخصاً على دراية بعمليات النظام، ومن بينهم رؤساء شركات وعمال إغاثة ومسؤولون سابقون في الحكومة. إنها تسيطر الآن على أذرع رئيسية في اقتصاد سوريا المتداعي، بوصفها صانعة سياسة وأيضاً منتفعة، لتساعد بذلك في إحكام قبضة عائلتها على بلد في حالة خرابٍ غارقٍ في الدماء.

كانت تعمل مصرفية في لندن، والآن تدير مجلساً اقتصادياً سرياً يتحكم باقتصاد البلاد

تقود أسماء، التي كانت مصرفية سابقة في بنك جي بي مورغان، مجلساً اقتصادياً رئاسياً سرياً، ويعاونها المساعدون الموثوقون للزوجين وشركاء العمل. ساعدت منظماتها غير الحكومية في بناء شبكة محسوبية ضخمة، والسيطرة في الوقت ذاته على أماكن تدفق المساعدات الدولية في البلاد.

يقول جويل رايبورن، الذي شغل منصب المبعوث الخاص إلى سوريا في وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إن أسماء كانت تتحول في عام 2020 إلى "أنبوبٍ رئيسي للقوة الاقتصادية في سوريا".

يمكن تقفي آثار أصابعها عبر عديد من القطاعات في اقتصاد سوريا، التي تضم العقارات والقطاع المصرفي والاتصالات، مع أنها محجوبة عن طريق الشركات الوهمية والمناطق الحرة والحسابات الخارجية التي يملكها المساعدون المقربون.

بشار وأسماء وماهر ينهبون طبقة التجار السورية الشهيرة

يتأرجح الاقتصاد على حافة الانهيار. لكن جانباً كبيراً من المتبقي منه يُقسم بين بشار، وأخيه الصغير ماهر، وأسماء.

يقول رجال الأعمال والمحللون السوريون إن ثلاثتهم مجتمعين امتصوا دماء طبقة التجار التقليديين في سوريا، وأسسوا طرقاً جديدة للتربح من الحرب.

وقد صار اسمها، على وجه الخصوص، اختصاراً لعصر تعزيز الأوضاع المالية عن طريق الزوجين ودائرتهما المقربة. فوفقاً لما ورد على لسان رجل أعمال سوري: "كل سوريا الآن مِلك أسماء". 

والدها كان من منتقدي النظام

ولدت أسماء الأخرس، 47 عاماً، في غرب لندن ونشأت فيه. يتذكر الأشخاص الذين عرفوها آنذاك تلك المرأة الشابة الطموحة الفاتنة الماهرة، التي كانت تشعر براحة في تحدث اللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية. 

أثار زواجها من بشار الأسد في عام 2000 استغراباً، نظراً إلى أن أباها كان معروفاً بانتقاده النظام. يقول رجل أعمال عرفها عندما كانت في لندن: "لكن أسماء كانت بكل وضوح متعطشة للسلطة. والآن، من الواضح أن نرى أنها تتغذى عليها".

أسماء الأسد مع زوجها بشار خلال الاستفتاء على دستور 2012/رويترز، أرشيفية

بعد بداية مضطربة في دمشق -أعاقتها فيها حماتها القوية أنيسة مخلوف، التي سعت لتقييد دورها على الأمومة فحسب- كرست أسماء نفسها للمبادرات غير المثيرة للجدل السياسي في مجالات السياحة والثقافة والتعليم.

وفي عام 2007، أسست الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة غير حكومية ساعدت في تحسين صورتها وصارت أداة ضرورية للنظام خلال الحرب. وفي مطلع عام 2011، عندما كان الربيع العربي قد وصل لتوه إلى سوريا، نشرت مجلة Vogue الأمريكية لمحة عنها، ووصفتها فيها بـ "زهرة في الصحراء"، ليكون هذا تتويجاً لجهود بذلها الزوجان واستمرت لعقد من الزمان من أجل التودد إلى الصحافة الغربية.

البعض توقع أن تهدأ من عنفه مع الاحتجاجات

يقول أندرو تابلر، المسؤول الحكومي الأمريكي السابق والزميل الباحث الكبير في السياسة العربية لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن نخبة دمشق والدبلوماسيين الغربيين اعتقدوا قبل الحرب أن أسماء شخصية قادرة على "التحدث بمنطقية إلى بشار، الذي لم يُظهِر أي منطقية". ظن كثيرون أنها ستمارس تأثيرها لتهدئة ردة فعل زوجها تجاه الاحتجاجات.

لكن تلك الفرضية وُضعت في غير محلها. فخلال أسوأ أوقات الصراع، اختفت أسماء عن الأنظار، وعذب نظام زوجها مئات الآلاف من الأشخاص وقتلهم، وأجبر ملايين السوريين على النزوح من منازلهم.

كسبت قلوب العلويين بالأعمال الخيرية ومعركتها مع سرطان الثدي زادت شعبيتها

وبحلول عام 2016، عندما سيطرت قوات الأسد على غالبية مناطق سوريا، خرجت أسماء بكل قوتها. لم يكن التوقيت من قبيل المصادفة: فقد توفيت حماتها في ذلك العام. كسبت أسماء حب الشعب في معقل العلويين عبر أعمالها الخيرية. ساعدت معركتها مع سرطان الثدي في 2018، التي حظيت باهتمام واسع وسُلطت عليها الأضواء، في تقريب آل الأسد، وبعد وقت قصير عهد بشار إلى زوجته بأجزاء من الحقائب الاقتصادية للدولة.

صحيحٌ أن أسماء تعافت، لكن البلاد كانت في حالة يُرثى لها. فقد كان الاقتصاد يتجه نحو الحضيض.

المطالب المعقدة أجبرت النظام على اتخاذ إجراءات صارمة رسخت قبضة بشار وأسماء شبه الكلية على الاقتصاد، وذلك وفقاً للخبراء السوريين ورجال الأعمال والأشخاص المطلعين على عمليات النظام. 

وتقول صحيفة The Financial Times البريطانية إن جهودها للتواصل مع الحكومة للحصول على تعليق لم تنجح.

رجال بشار وأسماء حققوا مكاسب كبيرة من التجارة مع داعش والأكراد

في ذلك الوقت شرع القصر الرئاسي في ترقية المساعدين المقربين ليكونوا بمثابة واجهات للعائلة الأولى لمساعدتها في اكتناز ثروة شخصية أكبر. تربح كثير من هؤلاء الأشخاص من الحرب، وعملوا في العقارات باستخدام الأراضي المُصادَرة، أو إدارة نقاط التفتيش، أو تجارة النفط مع مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو الميليشيات الكردية التي تحكم شمال شرق سوريا.

لم تجمع هؤلاء علاقات بالنخبة التجارية السورية الموالية لحافظ الأسد. يقول رجل الأعمال السوري: "هذه أسماء لم يكن أيٌ منا قد سمع بها حتى. فغالبيتهم كانوا شبيحة، أو أشخاصاً لا ينحدرون من عائلات معروفة". وأوضح أن غالبيتهم سوف يخضعون لعقوبات أمريكية في نهاية المطاف بسبب "التواطؤ في تدمير اقتصاد سوريا".

وجلبوا الأموال للنظام عبر تهريب النفط والأسلحة والكبتاغون

يقول الخبير الاقتصادي السوري جهاد اليازجي، إن افتقارهم إلى العلاقات مع دوائر المؤسسة كانت تعني أنهم معتمدون كلياً تقريباً على علاقاتهم مع النظام، وقوات الأمن أيضاً، وعلى رأسهم ماهر الأسد، الأخ الأصغر للرئيس بشار الأسد، الذي يقود الفرقة الرابعة بالجيش السوري، المعروفة بوحشيتها.

يقول الخبراء إن هذه العلاقة خلقت مصادر دخل جديدة غير مشروعة للنظام، مما ساعد في المحافظة على استقراره، وسيطر على جانب كبير منها ماهر الأسد، واشتملت هذه المصادر على: الأسلحة، وتهريب النفط، والكحول، ومبيعات الكبتاغون غير المشروعة.

لكنها لم تكفِ فلجأوا لاعتقال رجال الأعمال ثم أطلقوا سراحهم مقابل 200 مليون دولار

لكنها لم تكن كافية.. ومن ثم طبق نظام الأسد ما وصفه رجال الأعمال السوريون والخبراء بـ حملة "تشبه المافيا" لابتزاز نخبة رجال الأعمال -بما في ذلك الأشخاص الذين دعموا آل الأسد خلال الحرب- لا تزال تتواصل حتى اليوم.

بدأت عمليات الابتزاز في سبتمبر/أيلول 2019، عندما استُدعي عشرات من رجال الأعمال إلى فندق شيراتون في دمشق، وطُلب منهم إيداع دولارات في البنك المركزي للمساعدة في استقرار الليرة السورية، أو لن يُطلق سراحهم. وفقاً لبعض الروايات، كانت القيمة الإجمالية للإيداعات "تقترب من مئتي مليون دولار".

صارت المصادرات شائعة.. في بعض الحالات، استخدمت ذريعة قانونية لإرسال محاسبي النظام إلى شركة ما بصورة عشوائية على ما يبدو، للعثور على مخالفات لاستخدامها من أجل فرض غرامات باهظة. يتضمن هذا ضرائب متأخرة جرى التغاضي عنها، أو مخالفات على صعيد الجمارك والعملة بالنسبة للسلع المستوردة، أو أحكاماً ضريبية جديدة طُبقت بأثر رجعي، وذلك حسبما أفاد خمسة رجال أعمال وثلاثة محللين.

وفي كثير من الحالات، اعتُقل المسؤولون التنفيذيون بالشركة وجُمدت أصولهم إلى أن تدفع عائلاتهم الغرامات، التي تكون ما بين 400 و600 ألف دولار.

أسماء وبشار خلال زيارة مستشفي في حلب عقب الزلزال/ رويترز

يصف رجل أعمال سوري بارز كيف أُوقف في شوارع دمشق في الصيف الماضي عن طريق قوات الأمن، الذين طلبوا منه بأدبٍ أن يصحبهم إلى مكتب قريب. ووُضع في حبس انفرادي بهدوء لمدة 14 يوماً، ومُنح خياراً: إما دفع مبلغ كبير كفالة استناداً إلى تقديرات ثروته، أو البقاء في السجن إلى أجل غير مسمى. 

الأموال التي تُجمع بهذه الطريقة تتجاوز حسابات تحصيل الضرائب وتُرسل بدلاً من ذلك إلى الصناديق الخيرية أو الحسابات البنكية التي يسيطر عليها القصر الرئاسي سيطرة مباشرة، والتي يقول عنها أشخاص مطلعون على تفكير النظام إن جزءاً كبيراً منها يستخدم لرعاية الأسد وإثرائه الشخصي.

مصادرات أصول رجال الأعمال دبرت من خلال المجلس الاقتصادي الذي ترأسه أسماء

يقول خبراء سوريون ومصادر مطلعة على تفكير النظام، إن مصادرات الأصول الممنهجة هذه يُقال إنها دُبرت خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي السري الخاص بالقصر الرئاسي، الذي ترأسه أسماء.

على النقيض من اللجنة الاقتصادية الرسمية للحكومة، لا يُعرف الكثير عن هذا المجلس خارج جدران القصر، وهو ينفذ مصادرات الأصول الأكثر سرية التي يفرضها النظام.

يعتقد بعض الأشخاص أن الزوجين يعملان جنباً إلى جنب على صعيد الاقتصاد. لكن آخرين يقولون إنه المشروع الشخصي لأسماء؛ بالنظر إلى خلفيتها في مجال التمويل. ويقول رجل أعمال مخضرم يعرف عائلة الأخرس جيداً: "إنها مؤثرة للغاية [عليه]".

أقارب بشار ساخطون من صعود هذه المرأة السنية، وأبرز ضحاياها ابن خاله رامي مخلوف

كان رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، أحد أبرز ضحايا عمليات الابتزاز. تسيطر أسماء الآن على الجمعية الخيرية الخاصة بمخلوف، وعلى شبكة المحسوبية العلوية المرتبطة بها، مما يوسع من دائرة سيطرتها على قطاع المساعدات.

يقول خبراء سوريون ورجال أعمال إن إبعاده كان توجيهاً واضحاً من أسماء. لم يلق هذا قبولاً بين أبناء النخبة العلوية. قال أحد الأقارب الساخطين: "لم نمر بكل هذا كي نضع سوريا في أيدي امرأة سُنِّية" (في إشارة لأسماء الأسد).

صحيحٌ أنه اعتقد في سابق الأيام أنه لا يُمسّ بسبب القرابة بينه وبين الرئيس، لكن إذلاله العلني أظهر للسوريين أن لا أحد سيفلت من أيدي النظام.

ابن خالة أسماء يمتلك  30% من نظام البطاقة الذكية في سوريا

ينتشر المقربون من آل الأسد في كل مكان، ومن بينهم أقارب أسماء وما لا يقل عن واحد من أشقائها، الذين يديرون عديداً من الأعمال المقربة منها. يملك ابنة خالتها مهند الدباغ 30% من نظام البطاقة الذكية في سوريا، وهو عبارة عن خطة حكومية للغذاء المدعم. يقول قريب الأسد: "في أي عمل تجاري جديد يُنفذ اليوم، تحصل أسماء [وأهلها] على حصة".

لكن اسمي الزوجين لا يوضعان على أية وثائق. يقول  إياد حامد، الباحث لدى البرنامج السوري للتطوير القانوني: "عليك أن تتذكر أنك لا تتحدث عن نظام رأسمالي طبيعي، حيث يكون لديك تقارير ربع سنوية وشفافية. وغموض النظام متعمد".

ومع ذلك، بدأ المسؤولون الأمريكيون في رؤية نماذج واضحة، وأدركوا أنها قد يُعاقب بموجبها المقربون من قلب النظام. يقول رايبورن، المسؤول الأمريكي السابق: "لم يكن من الصعب جمع الخيوط. الفاعلون الرئيسيون معروفون للغاية، كان من السهل استهدافهم".

يأتي على رأس هؤلاء ياسر إبراهيم. لم يكن يُعرف عنه شيء خارج دمشق قبل فرض الولايات المتحدة عقوبات ضده في 2020، والآن صار اسمه هو الوحيد المهم، وذلك وفقاً لـ 12 رجل أعمال ومحللين وأشخاص مطلعين على الدائرة الداخلية لآل الأسد.

يشغل إبراهيم رسمياً منصب مستشار الرئيس في الاقتصاد، لكنه أيضاً يحتل مقعداً ضمن المجلس الاقتصادي السري الذي ترأسه أسماء. وبصورة غير رسمية، يتولى إدارة كثير من الشركات التي أُجبر أصحابها على بيعها، وهو ما أوضحه 4 رجال أعمال في المنطقة، ومصدران مطلعان على عمليات النظام.

كذلك يظهر اسمه في الوثائق الخاصة بعشرات الشركات المسجلة في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى شركات أخرى مسجلة في جزر كايمان. يقول كرم شعار، الباحث الكبير لدى مؤسسة New Lines Institute، الذي تعقب أنشطة إبراهيم، إن هذه الشركات تضم شركات اتصالات وسياحة وإنشاءات وعقارات وأمن خاص وشركات نفط، بالإضافة إلى شركات أخرى.

شركة الهواتف الذكية تحمل اسم التدليل الإنجليزي لأسماء الأسد

بعض من هؤلاء المقربين كانت بداياتهم في مكتب السيدة الأولى، ومن بينهم لينا الكناية، التي ترأست في الماضي مكتب أسماء، لكنها الآن مستشارة وزارية. تقول ثلاثة مصادر مطلعة إنها واحدة من قنوات الاتصال بالقطاع الخاص التي يملكها القصر الرئاسي. عندما فُرضت عليها عقوبات في 2020، ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أنها "أجرت سلسلة من الأنشطة الشخصية والتجارية نيابة عن [أسماء الأسد]".

ثمة شخص آخر مقرب من أسماء، وهو خضر علي طاهر، مالك أكبر شركة هواتف ذكية، "إيماتيل"، وأحد أعضاء المجلس الاقتصادي الخاص بالقصر. يعتقد كثيرون أنه يدير الشركة التي تأسست في 2019 نيابة عنها. وتجدر الإشارة إلى أن اسم "إيما"، كان الاسم الإنجليزي الذي تُدلل به أسماء في طفولتها في لندن.

خبرتها بإدارة المنظمات غير الحكومية مكنتها من تشكيل نظام مساعدات إنسانية فاسد 

تضطلع الأمانة السورية للتنمية بدور كبير بوصفها قاعدة قوة رئيسية بالنسبة لأسماء، ومصدراً رئيسياً لمحسوبيتها. يدير الأمانة فارس كلاس، كبير مساعديها سابقاً الذي يحتل الآن مقعداً في المجلس الاقتصادي الخاص بالقصر.

ويقول المحللون وخبراء المساعدات إن خبرتها في إدارة المنظمات غير الحكومية قبل الحرب سمحت لها بتشكيل نظام مساعدات إنسانية فاسد بصورة منهجية داخل البلاد، حيث تحتل شبكتها قلب هذا النظام. 

يقول رجل الأعمال المخضرم إن المنظمات غير الحكومية منذ بداية الحرب، "لم تكن قادرة على العمل بدون أن يكون لديها اتصالات معها". وتقول بعض المصادر السورية وعمال الإغاثة إن العلاقة كانت صارخة لدرجة أن أسماء كانت تستضيف اجتماعات في مكتبها بالقصر الرئاسي للتفاوض على العقود الدولية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية.

انصاعت مجموعات المساعدات على مدار السنوات وبصفةٍ روتينيةٍ لمطالب نظام الأسد، خشية أن تفقد قدرتها على الوصول إلى المناطق وتحت وطأة الضغط من أجل مواصلة تدفق المساعدات الإنسانية.

ويقيد النظام بصفة روتينية الوصول إلى المناطق المحتاجة، ويحول مسار المساعدات نحو المجتمعات المفضلة بالنسبة له، ويصر على تعيين أقارب المسؤولين.

تضم الأمانة السورية للتنمية 14 من الشركات الفرعية والبرامج، التي تضم جامعة ومبادرة تمويل بالغ الصغر وذراع تراث ثقافي. لكن عملها في المجال الإنساني دق ناقوس الخطر أكثر من مرة. تقدم الأمانة السورية مساعدات قانونية ونفسية وتدير المراكز المجتمعية المرتبطة بالأمم المتحدة من أجل النازحين بسبب الحرب. لم ترد الأمانة على طلب للتعليق.

يقول الموقع الرسمي للأمانة السورية إنها أدرت "دخلاً غير متوقع"، عبر شركة "دياري" للإنشاءات التي تملكها.

ويعتقد أنها تستغل الأمم المتحدة

وجه تقرير مراجعة حسابات يخص المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، صدر في 2018، انتقاداتٍ إلى شريك غير مسمى للأمم المتحدة، تعاقد مع شركة "مملوكة له بالكامل" لإعادة تأهيل ملاجئ مقابل حوالي 400 ألف دولار. يقول مصدران إن الشريك هو الأمانة السورية للتنمية والشركة هي دياري.

ورداً على طلب للتعليق من صحيفة The Financial Times، قالت الأمم المتحدة إن شراكتها مع الأمانة السورية صارت "محدودة بصورة أكبر" وتكون ضرورية في كثير من الأحيان بسبب "دورها المؤسسي". 

لكن الأمم المتحدة تدفع أيضاً ملايين الدولارات إلى موظفيها للبقاء في فندق فورسيزونز دمشق. بموجب الوثائق، فإن غالبية الفندق مملوكة لرجل أعمال يدعى سامر فوز، عاقبته الولايات المتحدة بسبب علاقاته المالية مع النظام. لكن 4 رجال أعمال، وخبيرين وأحد أقارب فوز، يشيرون إلى أن نسبة من الأرباح تؤول إلى أسماء في نهاية المطاف.

ترتدي فستاناً بقيمة 4500 دولار وتحتفظ بجواز سفرها البريطاني، ووالدها يعيش بلندن

وحتى في ظل العقوبات التي تتراكم ضد عائلتها ومساعديها، تبدو أسماء غير منزعجة. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التُقطت صورة لها وهي ترتدي فستاناً موديل 2021 من تصميم دار أزياء فالنتينو يقدر ثمنه بـ 4500 دولار، وهو ما يعادل 200 ضعف متوسط الرواتب السورية الآن، على أقل تقدير.

لا تزال أسماء تحتفظ بجواز سفرها البريطاني. وقد برزت تقارير في 2021 تشير إلى أن بريطانيا كانت تتطلع لتجريدها من جنسيتها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يحدث بعد. خضعت أسماء نفسها لعقوبات في 2020، بالإضافة إلى أبويها وشقيقيها وابنها الأكبر بسبب جمع "ثروات غير مشروعة على حساب الشعب السوري". لا يزال أبواها يعيشان في لندن، في حين أن شقيقيها يعيشان الآن في دمشق.

تحميل المزيد