جاء انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي كشريك للحوار ليمثل واحداً من سلسلة القرارات والخطوات التي تعزز العلاقات السعودية الصينية بطريقة تقلق واشنطن.
ونُظر لقرار المملكة بالانضمام إلى المنظمة التي تقودها الصين كشريك في الحوار يوم الثلاثاء باعتباره تطوراً مهماً لنفوذ بكين المتزايد في المنطقة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي كشريك يأتي بعد قبولها لإيران
ووافق مجلس الوزراء السعودي، الأربعاء 29 مارس/آذار 2023، على قرار الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، في الوقت الذي تبني فيه الرياض شراكة طويلة الأجل مع الصين، على الرغم من المخاوف الأمنية الأمريكية.
ووُضِعَ قرار انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي للتعاون في إطار دفع الاقتصاد، لكن الآثار الجيوسياسية للاتفاقية لا لبس فيها، حسب الموقع البريطاني.
ومنظمة شنغهاي للتعاون هي اتحاد سياسي وأمني لدول تمتد عبر معظم دول أوراسيا، بما في ذلك الصين والهند وروسيا، وهي مصممة لتكون بمثابة ثقل موازن للنفوذ الغربي في آسيا.
وتأسست المنظمة عام 2001 بين روسيا والصين ودول الاتحاد السوفييتي السابقة في وسط آسيا، وتوسعت لتضم الهند وباكستان، متطلعة للعب دور أكبر في مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة.
وتقدمت إيران بطلب للحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2008 وهي واحدة من أربع دول مراقبة في المنظمة. وفي العام الماضي، وافق الاتحاد الأمني على طلب إيران الانضمام، متغلباً على المخاوف بشأن السماح لدولة تحت عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالانضمام إلى المجموعة.
ووقَّعت الصين اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 25 عاماً مع إيران العام الماضي في محاولة لتعميق وتوسيع العلاقات الثنائية بين البلدين.
وسبق أن قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده تهدف إلى نيل عضوية منظمة شنغهاي للتعاون، وذلك في ختام مشاركته بقمة المنظمة بمدينة سمرقند الأوزبكية في سبتمبر/أيلول 2022.
وساطة الصين بين السعودية وإيران شكلت نقلة نوعية لنفوذها بالمنطقة
ويأتي قرار انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي كشريك بعد إعلان شركة أرامكو السعودية، أمس الثلاثاء، أنها زادت استثماراتها في الصين بعدة مليارات الدولارات من خلال إتمام مشروع مشترك كان مخططاً له في شمال شرق الصين، والاستحواذ على حصة في مجموعة بتروكيماوية خاصة.
وبالإضافة إلى احتفاظ المملكة السعودية بمكانتها الأولى كأكبر مصدر للنفط إلى الصين في عام 2022، ساعدت بكين أيضاً في التوسط في تحسين العلاقات بين الرياض وطهران في مارس/آذار.
ويبدو أن الصفقة السعودية الإيرانية، التي فاجأت الكثير من المحللين الإقليميين، تؤكد فقط على نفوذ الصين المتنامي في المنطقة وقدرتها على تشكيل والتوسط بين خصوم ألداء.
هل تعزز الرياض علاقتها مع بكين على حساب واشنطن؟
وقالت نجاح العتيبي، المحللة السياسية السعودية المقيمة في لندن: "الرياض تدرك أن اختيار علاقة مع طرف على حساب الآخر سيكون له تكلفة باهظة".
وأضافت في حديثها لموقع Middle East Eye البريطاني أن "المملكة السعودية حريصة على تطوير علاقتها مع الصين، أكبر شريك تجاري لها، مع الحفاظ على العلاقات مع شريكتها الأمنية، الولايات المتحدة".
منظمة شنغهاي للتعاون هي اتحاد سياسي وأمني لدول تمتد عبر معظم دول أوراسيا، بما في ذلك الصين والهند وروسيا، وهي مصممة لتكون بمثابة ثقل موازن للنفوذ الغربي في آسيا.
وقالت العتيبي: "مع بروز الصين كقوة دولية صاعدة، لا تريد الرياض أن تقتصر علاقات الصين في المنطقة على العلاقات الإستراتيجية مع إيران فحسب". وأضافت أن "السعودية تهدف إلى تعزيز الثقل الخليجي والعربي في دائرة علاقات الصين مع المنطقة".
السعودية تسعى عبر علاقتها مع الصين لجذب الاستثمارات والتكنولوجيا
وعقب الاتفاق مع المملكة السعودية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ: "نحن على استعداد لتعزيز التعاون مع الجانب السعودي في إطار منظمة شنغهاي للتعاون لتقديم مساهمات أكبر للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين وتعزيز التنمية المشتركة".
من جانبها، تخوض الرياض في برنامج إصلاح طموح يسمى "رؤية 2030″، وهو ركيزة أساسية في حملة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحديث المملكة.
وأوضحت العتيبي أن "العلاقة مع الصين توفر العديد من الفرص الاقتصادية التي تخدم توجهات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى لتنويع اقتصاد المملكة وجذب استثمارات أجنبية كبيرة في مجالات البنية التحتية والتصنيع والتكنولوجيا".
بينما الصين تسعى إلى إقامة النظام ما بعد الأمريكي بالمنطقة
يُعتقد أيضاً أن الحكومة الصينية تتطلع بشكل متزايد إلى إرساء أسس نظام ما بعد الأمريكي، وعلى نطاق أوسع ما بعد الغربي، في المنطقة، وهي استراتيجية يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها ضربة كبرى لعقيدة كارتر الأمريكية، التي تعتبر منطقة الخليج العربي مجال نفوذها الحصري.
قال جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات المخاطر الجيوسياسية في شركة غولف ستيت أناليتيكس الاستشارية، المختصة في تقييم المخاطر الجيوسياسية، ومقرها واشنطن: "على مدى سنوات عديدة، تعمّقت علاقة المملكة السعودية بالصين في سياق بيئة متعددة الأقطاب".
ولكن قال لموقع Middle East Eye: "من الصعب المبالغة في أهمية بكين في قرارات السياسة الخارجية للرياض"، مضيفاً أن المملكة السعودية لا تزال على بُعد سنوات من أن تصبح عضواً كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون.
وأضاف كافيرو أنه في حين لا ينبغي المبالغة في نفوذ وتأثير منظمة شنغهاي للتعاون وعدم استعدادها لاستبدال الدور الأمني للولايات المتحدة في المنطقة، فإن الصين تتطلع إلى إبراز نفسها كوسيطٍ أمني.
وقال كافيرو: "لا توجد طريقة يمكن من خلالها مقارنة منظمة شنغهاي للتعاون بحلف شمال الأطلسي. إنه ليس تحالفاً عسكرياً. بل هو اتحاد اقتصادي سياسي".
ومع اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن العلاقات الاقتصادية المتنامية بين المنطقة وبكين هي العامل الذي يعمل على تليين العلاقات الآخذة في الاتساع.
راقبت الولايات المتحدة إلى حد كبير نهوض المملكة السعودية ودول الخليج الأخرى بمحور جيو-اقتصادي نحو الشرق.
ووفقاً لكافيرو، فإن مصدري النفط السعوديين والخليجيين يصدِّرون على نحو متزايد من نفطهم إلى الشرق أكثر مما يفعلون إلى الغرب. وأضاف: "هذا واقع في العالم الذي نعيش فيه، وكان من المفهوم لماذا رأت المملكة السعودية أنه من مصلحتها اتخاذ هذه الخطوة نحو الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون".
وقال كافيرو: "ترى السعودية علاقتها مع الصين في غاية الأهمية لمستقبل المملكة".
السعوديون لا يحرقون الجسور مع الغرب
تختار دول الخليج والمملكة السعودية بشكل متزايد، على عكس الماضي، تنويع علاقاتها. وأشار كافيرو إلى أن السعوديين لا يحاولون حرق جسورهم مع الغرب بينما يقتربون من الصين.
وأضاف: "السعوديون يحاولون أن يكون لديهم المزيد من السياسة الخارجية غير المنحازة التي لديهم فيها علاقات جيدة مع الدول الغربية وكذلك علاقات جيدة مع الدول الشرقية. في الرياض، التفكير هو أنه لا ينبغي تبني عقلية المحصل الصفري".