ازدادت العسكرة العالمية على منوالٍ سريع على مدار القرن الحادي والعشرين، مع إعادة توجيه واضحة تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ. بين عامي 2000 و2021، زاد الإنفاق العسكري السنوي من 1.12 تريليون دولار بالقيمة الدولارية لعام 2020 إلى 2.11 تريليون دولار. في ذلك الوقت زادت حصة الإنفاق الدفاعي العالمي في آسيا وأوقيانوسيا من 18% إلى 28%، وفقاً للبيانات التي جمعها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن المخاوف المتزايدة بشأن الصين، التي زاد إنفاقها الدفاعي بشكل مطرد لما يقرب من ثلاثة عقود، أدت إلى تأجيج سباق التسلح في جميع أنحاء المنطقة، ما أدى إلى قلب الاتفاقيات الإقليمية التي استمرت لعقود، وكشف عن العديد من بؤر التوتر المحتملة.
إنفاق عسكري ضخم.. بؤر التوتر في آسيا تغذي سباق التسلح بشكل غير مسبوق
1- تايوان
القلق الأكبر بشأن التوسع العسكري الصيني هو كيفية ارتباط هذا التوسع بخطط ضم تايوان. وصل خطر الغزو الصيني لتايوان أعلى مستوى له منذ عقود، لكن التنبؤات بوقت وقوعه تختلف.
قدم عدد من كبار القادة العسكريين الأمريكيين مؤخراً تواريخ وشيكة بشكل مثير للقلق، بما في ذلك 2023 و2025 و2027. التقييمات الأمريكية حاسمة، نظراً لأنه من المحتمل أن يساعد الجيش الأمريكي في الدفاع عن تايوان ضد الهجمات الصينية، لكن بعض المحللين يحذرون من أن هذه الأرقام العسكرية من المحتمل أن تكون مبالغة للضغط من أجل المزيد من التمويل.
وتقول المصادر إن التوقعات العامة أحبطت رئيسة تايوان، التي تحاول التأكد من أن الناس قلقون بما فيه الكفاية بشأن تهديد الصين، لدرجة أنهم يدعمون سياساتها، ولكن ليس لدرجة أنهم يفقدون الأمل.
ومع ذلك، فإن حجم التوسع العسكري الصيني يقدم للمحللين بعض الأدلة على طموحاتها لضم تايوان. وبينما لا تزال الصين تنفق حصة أصغر من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، مقارنة بالولايات المتحدة، ستزيد ميزانية الدفاع الصينية بنسبة 7.2% في عام 2023، ما يجعلها أعلى نقطة على الإطلاق.
وتقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن الإنفاق العسكري الحقيقي للصين قد يصل إلى ضعف الأرقام الرسمية. ورداً على ذلك، منح القسم الدفاعي من أحدث ميزانية أمريكية، الأولوية لزيادة الوجود العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد وافقت الولايات المتحدة هذا الشهر أيضاً على البيع المحتمل لأسلحة جديدة بقيمة 619 مليون دولار لتايوان.
لا تقل أهمية زيادة الإنفاق عن تأثيره على توازن القوة العسكرية في المنطقة. في عام 2000، كانت الصين ثاني أكبر منفق على الدفاع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأصبحت بحلول عام 2021 تنفق على الدفاع أكثر من الـ13 دولة التالية في المنطقة مجتمعة.
2- كوريا الشمالية
بعد إطلاق حوالي 90 صاروخاً باليستياً وأسلحة أخرى في عام 2022 -أكثر من أي عام آخر- يبدو أن كوريا الشمالية عازمة على تسجيل رقم قياسي جديد هذا العام. أجرت كوريا الشمالية 11 جولة من التجارب الصاروخية، بعضها اشتمل على أكثر من سلاح واحد، حتى الآن في عام 2023، بما في ذلك صاروخان باليستيان عابران للقارات، ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية أجرت كوريا الشمالية تجارب أيضاً على صواريخ كروز استراتيجية ذات قدرة نووية.
وفي إشارة إلى أن النظام في بيونغ يانغ ليس لديه نية للتخلي عن أسلحة الدمار الشامل الخاصة به، فقد كشف النقاب مؤخراً عن رؤوس حربية نووية جديدة أصغر حجماً، وتعهد بإنتاج المزيد من المواد النووية الصالحة لصنع الأسلحة. ودعا كيم جونغ أون إلى "زيادة هائلة" في ترسانة النظام النووية، نهاية العام الماضي.
وتُوجَّه استفزازات كوريا الشمالية نحو خصومها- الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. ومع اقتراب شهر مارس/آذار من نهايته، انخرطت قوات من البلدين في تدريبات بحرية مشتركة شملت حاملة الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية يو إس إس نيميتز، بعد أيام من إنهاء أكبر مناورات عسكرية مشتركة منذ خمس سنوات. وتصر الدولتان الحليفتان على أن التدريبات دفاعية بحتة بطبيعتها، لكن بيونغ يانغ تدينها باعتبارها بروفة لغزو.
أدت التوترات المتصاعدة في شبه الجزيرة الكورية إلى رد فعل متشدد من رئيس كوريا الجنوبية المحافظ، يون سوك يول، الذي حذر من أن سيول لن تقدم "فلساً واحداً" للشمال، ما دامت تواصل تطوير أسلحة نووية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لأولئك الذين يتوقون إلى تخفيف حدة التوترات، هو أن نقاشاً جاداً يدور حول ما إذا كان ينبغي على سيول الحصول على رادعها النووي، وهي خطوة يؤيدها غالبية الكوريين الجنوبيين، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
3- اليابان
في اليابان، عزّز القلق بشأن كوريا الشمالية، وتزايُد الحزم في الصين قضية توجيه البلاد بعيداً عن "السلام" بعد الحرب. في أواخر العام الماضي، أعلنت حكومة رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، أن اليابان ستضاعف الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 2027، متخلية عن سقفها الذي فرضته على نفسها، وهو 1% من الناتج المحلي الإجمالي.
كانت البيئة الأمنية غير المستقرة على نحو متزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي العامل المحفز لذوبان الجليد، الذي طال انتظاره، في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، وكلتاهما حليفة للولايات المتحدة، ويتمركز على أراضيهما عشرات الآلاف من القوات الأمريكية.
4- بحر الصين الجنوبي
يعد بحر الصين الجنوبي أحد أكثر الممرات المائية أهمية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية في العالم، إنه أحد أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم، وهو غني بالحياة البحرية، ويُعتقد أنه يحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، وهو محل خلاف كبير.
تطالب الصين بكل ما يقرب من بحر الصين الجنوبي، رغم رفض محكمة دولية في لاهاي ذلك. وللفلبين أيضاً، وكذلك فيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان، مطالبات متداخلة. الولايات المتحدة، رغم أنها ليست طرفاً في الأمر، تعتبر المياه ضرورية لمصالحها الوطنية.
في عهد الرئيس فرديناند ماركوس، اتخذت الفلبين موقفاً أكثر صرامة بشأن النزاع، حيث اتهمت مانيلا السفن الصينية بارتكاب "أعمال عدوانية" في بحر الصين الجنوبي.
تعهد ماركوس بأن البلاد "لن تفقد شبراً واحداً" من أراضيها، وأشرف على تحول هائل في السياسة الخارجية، وعزز العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي مارس/آذار، وسّعت الفلبين وصول الولايات المتحدة إلى قواعدها العسكرية، ما عزز بصمة واشنطن في المنطقة، ومكَّنها من مراقبة النشاط الصيني بسهولة أكبر في بحر الصين الجنوبي بالقرب من تايوان. وعززت الفلبين كذلك العلاقات العسكرية مع اليابان وأستراليا، الحليفتين للولايات المتحدة.
5- جزر المحيط الهادئ
أكد قادة المحيط الهادئ مراراً أنهم لا يريدون الانجرار إلى منافسة جيوستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وقاوموا فكرة اختيار جانب منهما على الآخر. وقالوا مراراً إن أزمة المناخ هي أكبر تهديد أمني لهم.
ومع ذلك، تنشط الصين بشكل متزايد في السعي وراء النفوذ بين دول جزر المحيط الهادئ، بما في ذلك في مجال الأمن والشرطة. دفعت هذه الجهود حسابات متعددة في أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، التي تحركت جميعاً لتكثيف جهودها الدبلوماسية.
تجلّى تقدم بكين في المنطقة بحدة من خلال توقيع اتفاقية أمنية مع جزر سليمان منذ ما يقرب من عام.
واقترحت مسودة مسربة أن الاتفاقية ستسمح للصين بالاستجابة لطلبات الشرطة والقوات المسلحة لتنفيذ مجموعة من المهام، مثل الحفاظ على النظام الاجتماعي وحماية "سلامة الموظفين الصينيين، والمشاريع الكبرى في جزر سليمان".
أثار المسؤولون الأستراليون بشكل خاص مخاوف من أن الصفقة قد تمهد الطريق لوجود بحري صيني في المستقبل، على بعد حوالي 1700 كيلومتر من ساحل البلاد، رغم أن رئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوغافاري، أكد مراراً لأستراليا ودول أخرى أنه لن تكون هناك أبداً قاعدة عسكرية أجنبية في بلاده.
سعت الصين أيضاً إلى اتفاق أمني إقليمي شامل مع 10 دول في المحيط الهادئ، العام الماضي، لكن قادة المحيط الهادئ رفضوا ذلك، بسبب مخاوف من أن بكين كانت تحاول تجاوز الهياكل القائمة مثل منتدى جزر المحيط الهادئ.