في السنوات الماضية شرعت الولايات المتحدة في زيادة التشديد بشأن قوانين نظام الهجرة، مما تسبب في نقص العمالة الماهرة الأجنبية في قطاع التقنية بأمريكا، وذهاب بعضها إلى دول أخرى، قد تكون منافسة لواشنطن.
موقع Business Insider الأمريكي يرصد بعضاً من هذه الحالات التي باتت غير قادرة على الاستفادة من سوق العمل الأمريكي بسبب القوانين الجديدة للهجرة.
بحسب الموقع الأمريكي، كان فارون نيغاندي يطمح للانضمام إلى صفوف مؤسسي الشركات الناشئة التقنية العظيمة من المهاجرين في الولايات المتحدة.
لكن بعد مسيرةٍ مهنية امتدت لسبع سنوات كمهندس برمجيات، في صناعة السيارات الأسطورية بديترويت، وجد نيغاندي أن تأشيرة عمله لا تُتيح له تأسيس شركته الخاصة. بينما تستمر قائمة الانتظار لفترةٍ تصل إلى عقدٍ كامل، وذلك في ما يتعلق بطلبات الإقامة الدائمة من خلال البطاقة الخضراء الشهيرة.
رحلة الذهاب إلى البلد البديل
لهذا بدأ البحث عن بلدٍ جديد يوفر شروط تأشيرة أكثر ودية من أجل الاستقرار مع عائلته، وقد عثر على ذلك البلد قرب الوطن.
وأوضح نيغاندي: "نظراً لوجودي في ديترويت على الحدود الأمريكية الكندية، شاهدت أصدقائي وهم ينتقلون إلى كندا أثناء عملهم مع شركاتهم بموجب تأشيرة العمل H-1B. ثم بدأت أفكر في أن بإمكاني الذهاب إلى كندا، والعمل مع شركتي، حيث سأتمتع بالحرية الكافية لبدء مشروع جانبي".
ولا شك أن قصة نيغاندي تلخص الاتجاه الذي يجب أن يُقلق الولايات المتحدة وصناعة التقنية العتيدة فيها. إذ يتجه العمال الأجانب بمعدلات متزايدة إلى دول مثل كندا، والمملكة المتحدة، وسنغافورة، وأستراليا. حيث يحصلون هناك على حريةٍ أكبر للعثور على الوظائف وتأسيس شركاتهم الخاصة، دون الحاجة للتعامل مع نظام الهجرة الأمريكي الذي يعتبره كثيرون كابوسياً وقديم الطراز.
وبالتزامن مع بحث أولئك العاملين في التقنية بأماكن أخرى، سيعني هذا أن الولايات المتحدة لن تحصل على المواهب التي تحتاجها بشدة لمواكبة الصين والهند وغيرها من الدول، التي بدأت قطاعاتها التقنية تزدهر، وتتحول إلى مصادر منافسة قوية لوادي السيليكون.
بينما يرى الخبراء أن غياب التغيير السريع قد يعني خسارة قطاع التقنية الأمريكي لجيلٍ كامل من المواهب التقنية.
وقال جيسون فينكلمان، محامي الهجرة المتخصص في تأشيرات العمل: "لدينا نقصٌ في العمالة ذات المهارات العالية. لهذا يتطرق برنامج تأشيرات H-1B وغيره من البرامج إلى هذه المشكلة، لأن هناك الكثير من الشركات الأمريكية التي تعاني من أجل العثور على المواهب اللازمة للحفاظ على تنافسيتها في الأسواق العالمية".
ولا شك أن مصائب أمريكا تُعَدُّ من الفوائد في الدول الأخرى، التي تطارد العمالة التقنية المتسربة من بين شقوق نظام الهجرة الأمريكي تحديداً.
حيث قالت هبة أنفر، محامية الهجرة لدى مكتب المحاماة Erickson Immigration Group، في حديثها إلى موقع Business Insider الأمريكي: "اكتشفت الدول الأجنبية عدة طرق لاستهداف أفضل المواهب التقنية بشراسةٍ أكبر. ولم تعد الولايات المتحدة الوجهة الأولى بفارقٍ كبير عن أقرب منافسيها، كما كان الحال في السنوات الماضية".
الولايات المتحدة عليها التحرك سريعاً.. أو المخاطرة بالتخلُّف عن الركب
يقول الخبراء إنه يجب على الولايات المتحدة إجراء تغييرات على نظامها، إذا كانت تريد أن تظل الوجهة الأولى للمواهب التقنية، حتى لا تخاطر بالتخلف عن الركب.
يُذكر أن منظومة الهجرة الأمريكية معروفة بصعوبتها وتراكم الطلبات فيها لسنوات. لهذا اعتمدت شركات التقنية على تأشيرات العمل والدراسة، من أجل الاستمرار في توظيف أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم. لكن عدد تأشيرات العمل H-1B، المفضلة لدى صناعة التقنية، لا يمكن أن يتجاوز الـ85,000 تأشيرة سنوياً. ولم يتغير ذلك الرقم منذ التسعينيات، على الرغم من نضج وادي السيليكون وتحوُّله إلى قوة عظمى عالمية.
وبناءً عليه، تجاوزت طلبات تلك التأشيرة الحد الأقصى، لتزيد على 300,000 طلب في عامي 2021 و2022. ولا تزال تراكمات الطلبات من فترة الجائحة قائمةً حتى اليوم، مما يزيد فترات الانتظار أكثر. ويمكن القول إن موجة تسريح الموظفين، التي عصفت بقطاع التقنية، قد حوّلت نقص المواهب إلى مشكلةٍ مُلحّة. وإذا فقد شخص يحمل تأشيرة العمل H-1B وظيفته، فعليه أن يعثر على وظيفة جديدة في غضون 60 يوماً حتى لا يخاطر بترحيله.
ويقول المنتقدون إنه من الصعب للغاية على الطلاب الدوليين أن يعثروا على وسيلةٍ للبقاء داخل الولايات المتحدة بعد التخرج، مما يحرم البلاد من احتمالات أن يؤسس أحدهم شركة التقنية الكبرى الجديدة.
وأوضح يوجيني مالوبرودسكي، الشريك في مؤسسة الاستثمار المخاطر One Way Ventures: "لقد جعلنا مهمة تنفيذ الطلاب الدوليين لشيء داخل الولايات المتحدة أمراً شبه مستحيل. ولهذا جرى طردهم من البلاد، وإعادتهم إلى أرض الوطن، ثم أسسوا شركات أصبحت أحادية القرن. وكان بإمكاننا أن نمتلك تلك الشركات أحادية القرن داخل الولايات المتحدة. لكننا نواصل وضع العقبات في طريق أفضل المواهب في العالم".
مصائب أمريكا عند الدول الأخرى فوائد
في الوقت ذاته، تُسهل الدول الأخرى على الطلاب والعاملين في التقنية أن يهاجروا إليها. إذ تسمح كندا للعمالة المهاجرة الماهرة أن تحصل على إقامة دائمة، حيث يتمتعون بالحرية لتغيير وظائفهم دون قيود زمنية. ولا تُلزمك كندا سوى بالإقامة الدائمة لثلاث سنوات فقط قبل أن تتمكن من تقديم طلب الجنسية، أي أسرع بكثير من العقد الذي قد يستغرقه الحصول على الجنسية الأمريكية. فضلاً عن أن فترات انتظار الجنسية الأمريكية قد تطول عن ذلك بالنسبة للمهاجرين من الهند والصين، نظراً لفرض قيود على عدد الطلبات المقبولة من البلدين.
وخفضت اليابان مثلاً فترات الانتظار للحصول على الإقامة الدائمة إلى عامٍ واحد للباحثين والمهندسين. بينما قدمت سنغافورة تأشيرةً تستهدف العاملين في التقنية. في ما تضمن المملكة المتحدة التأشيرات لخريجي أكبر الجامعات بغضّ النظر عن الجنسية (ومنها الكثير من الجامعات الأمريكية).
مما يجعل تلك الدول أكثر جاذبية لرواد الأعمال والعاملين الأكثر براعة في مجال التقنية. كما يحفز هذا الأمر شركات التقنية الأمريكية على السعي للتوظيف في المناصب الجديدة داخل تلك الدول، التي لديها سياسات هجرة أكثر مرونة، لأن تلك الشركات تستطيع توظيف المواهب من حول العالم في مكاتبها الخارجية بحسب هبة.
يستطيع المهاجر الذي يغادر الولايات المتحدة أن يعثر على جودة حياة أفضل خارجها
رغم الجائحة، وتراكم الطلبات على مدار السنوات الماضية، لا يزال عدد طلبات تأشيرات العمل H-1B مرتفعاً بشدة كالمعتاد، مما يُشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال الخيار الأول بالنسبة للكثيرين.
لكن في الوقت ذاته، سنجد أن من اختاروا المغادرة إلى دول مثل كندا ليسوا متحمسين للعودة بالضرورة.
وهذه هي حالة أديتيا جوشي، الذي هاجر من الهند إلى الولايات المتحدة بعد حصوله على تأشيرة العمل L-1. وبعد عامين قضاهما في وظيفته، قررت شركته أن تنقله عائداً إلى فرع الهند مرةً أخرى.
وكان جوشي يُدرك أن نظام الهجرة الأمريكي معقد، لهذا تقدم مسبقاً للحصول على إقامة داخل كندا. ثم انتقل مع عائلته إلى هناك عام 2021، بعد حصوله على وظيفة في شركة Meta التي سمحت له بالعمل عن بُعد. وسمح له النظام الكندي الأكثر مرونة بالبقاء في البلاد دون تاريخ صلاحية محدد، مما منحه راحة البال هو وأسرته.
وقال جوشي إن تكلفة المعيشة أقل بكثير في كندا، وإن العقارات أرخص، وإن سياسة تنظيم العمالة المهاجرة ليست مشحونة سياسياً بالدرجة نفسها. وتساوره المشاعر المتضاربة حول العودة إلى الولايات المتحدة. إذ ربما تمنحه كندا المزيد من الاستقرار، لكنه يشعر بأن تطوير مسيرته المهنية سيكون أصعب وهو خارج حدود وادي السيليكون.
ومع ذلك، ما يزال جوشي سعيداً بوجوده في كندا خلال الوقت الراهن.