جنود الاحتياط في إسرائيل يتمردون على نتنياهو.. ما عددهم وما القطاعات الحساسة التي يعملون بها؟

تم النشر: 2023/03/24 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/24 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
جنود من وحدة "ناحال" الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أرشيفية/ wikimedia commons

تمر دولة الاحتلال الإسرائيلي حالياً بأخطر أزمة دستورية وسياسية منذ إنشائها قبل 75 عاماً. في الأسابيع الأخيرة، اتخذت أزمة التعديلات الدستورية التي يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرف، أبعاداً استراتيجية تدريجياً، حيث تواجه تل أبيب أزمتين خطيرتين مترابطتين: العصيان داخل الجيش وانخفاض عدد الملتحقين بالخدمة، واحتمال أن يرى خصوم دولة الاحتلال في الاضطرابات الداخلية فرصة للهجوم والانتقام.

جنود الاحتياط في إسرائيل في قلب الاحتجاجات ضد نتنياهو

خلال الأسبوعين الأخيرين أعلن مئات الضباط وجنود الاحتياط في سلاح الجو والوحدات الخاصة والاستخبارات الإسرائيلية، أنهم لن يخدموا في وحداتهم حال تمرير خطة نتنياهو المثيرة للجدل التي تضعف سلطات القضاء إلى حد بعيد.

ومنذ نحو 12 أسبوعاً، يتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين ضد خطة "الإصلاح القضائي"، فيما تحذر جهات محلية عدة، من بينها الرئيس إسحاق هرتسوغ والمعارضة، من أن ازدياد وتيرة التظاهرات قد يؤدي إلى حرب أهلية.

يوم الخميس 23 مارس/آذار، أبلغ مئات من جنود الاحتياط من وحدات مختلفة وحساسة بالجيش الإسرائيلي قياداتهم بأنهم لن يستجيبوا لاستدعاء الخدمة؛ اعتراضاً على مُضي حكومة بنيامين نتنياهو قدماً في خطط تعديل النظام القضائي، بحسب صحيفة The Times Of Israel الإسرائيلية.

جنود احتياط وقدامى محاربين ونشطاء إسرائيليون يتظاهرون أمام المحكمة العليا في القدس، ضد الإصلاح القضائي الذي تخطط له حكومة نتنياهو/ timesofisrael

وأفاد تقرير في صحيفة "Haaretz" بأن الجيش الإسرائيلي قد لاحظ انخفاضاً كبيراً في عدد القوات البرية التي تلتحق بخدمة الاحتياط. وفي وحدة النخبة لواء المظليين 551، التحق فقط 57% من جنود الاحتياط بالخدمة هذا الأسبوع – مقارنة بنسبة الإقبال المعتادة التي تبلغ 90%. 

وتوقعت وحدة النخبة نسبة إقبال تبلغ 78% بين 700 من جنود الاحتياط التابعين لها وسط معارضة جهود الحكومة لتقييد سلطة المحكمة العليا بشكل جذري، لكن المسؤولين العسكريين "شعروا بالفزع" عندما علموا أن نطاق الاحتجاج قد ذهب إلى أبعد مما توقعوا.

وقال مصدر عسكري لصحيفة Haaretz إن "انخفاض نسبة المشاركة على هذا النحو دليل على ما ينتظرنا في المستقبل إذا أصرَّت الحكومة على المضي قدماً في خطة التعديل القضائي، فما حدث يفوق جميع تصوراتنا عن مآل الأمر، ويصعب القبول به".

ما أهمية قوات الاحتياط بالنسبة لإسرائيل؟

يبلغ عدد أفراد الجيش الإسرائيلي 635 ألف جندي بينهم 170 ألف جندي فاعل و465 ألف جندي في قوات الاحتياط، حيث تجند إسرائيل معظم مواطنيها في الجيش لمدة عامين إلى ثلاث سنوات، وبعضهم يستمر في الاحتياط حتى منتصف العمر. وبينما ساعد جنود الاحتياط إسرائيل على "الانتصار" في بعض الحروب، يعتمد الجيش في السنوات الأخيرة على قوات دائمة.

لكن يُنظر إلى جنود الاحتياط على أن لهم قيمة خاصة للقوات المسلحة؛ نظراً لمهاراتهم المكتسبة في الوحدات الخاصة والقطاعات الحساسة. ويمكن معاقبتهم لتجاهل الاستدعاء، وإن كان ذلك نادراً ما يحدث.

ويقول قادة بالحكومة إن رفض الخدمة العسكرية خط أحمر. وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي يوم الخميس 23 مارس 2023: "لا مكان لرفض الخدمة، الرفض يهدد أمننا القومي والأمن الشخصي لكل واحد منا".

ويُلزم القانون العسكري الإسرائيلي الضباط والجنود برفض الأوامر التي تعتبرها المحاكم غير قانونية، ويحذر خبراء عسكريون من أن تعديلات النظام القضائي قد تضع الضباط أصحاب الرتب العليا في "مواقف صعبة".

ويقول تقرير لمجلة foreign policy الأمريكية إن الأعداد المتزايدة من جنود الاحتياط الذين يعلنون أنهم قد يرفضون التدريب أو الخدمة تؤكد على الانقسامات العميقة التي فتحتها خطط تعديل النظام القضائي في إسرائيل حيث يحتل الجيش مكانة هامة في المجتمع.

إسرائيل جندي إسرائيلي
مجند في الجيش الإسرائيلي – صورة توضيحية – Getty images

أزمة الجنود الاحتياط تتفاقم وتصل إلى الطيارين ووحدات حساسة

منذ بداية الاحتجاجات، كانت هناك أكثر من 20 مبادرة أو فعالية احتجاجية من قبل جنود الاحتياط، أو حتى المحاربين القدامى الذين لم يعودوا في الخدمة الفعلية، ضد ما يصفونه بمحاولة نتنياهو إحداث تغيير شامل للنظام، وأعلنوا أنهم قرروا الانسحاب من الجيش، ويهدد آخرون بفعل ذلك بمجرد إقرار الكنيست للقوانين الأولى، التي يفترض أن تكون الأسبوع المقبل.

ويوم الجمعة 24 مارس 2023 أعلن نحو 200 طيار حربي نشطين في الاحتياط أنهم قرروا تجميد خدمتهم في الاحتياط، و150 ضابطاً وجندياً في الوحدة 8200 المسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي.

وذكرت القناة 12 أن الطيارين الذين أعلنوا عن تجميد خدمتهم في الاحتياط، هم طيارون حربيون كبار ويقودون غارات جوية "لا تعترف إسرائيل علناً أنها هاجمتها"، مثل سوريا، ويعتبرون "طيارين نشطين جداً ويشاركون في تدريبات وعمليات عسكرية أسبوعياً".

وأضافت القناة أن هؤلاء الطيارين قرروا تجميد خدمتهم العسكرية في الاحتياط في أعقاب خطاب نتنياهو الأخير، الذي قال خلاله إن الخطة القضائية ستستمر، وإن قانون لجنة تعيين القضاة سيصادق عليه الأسبوع المقبل.

وجمَّد الطيارون خدمتهم لأسبوعين، وبعدها سيبحثون استمرار تجميد الخدمة. وقالوا إن "نتنياهو لا يعتزم وقف تشريعات الخطة، وإنه يقود إسرائيل إلى نظام ديكتاتوري ولذلك لا يمكنهم الاستمرار في الخدمة العسكرية".

جنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي يحتجون على الإصلاحات القضائية للحكومة الإسرائيلية، i24

وإعلان 200 طيار إسرائيلي رفضهم للخدمة أمر خطير، بحسب تقديرات إسرائيلية، لأن سلاح الجو هو في قلب القدرات العسكرية لإسرائيل، ولأن العدد الفعلي للطيارين النشطين صغير نوعاً ما. كما أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الطيارين الاحتياطيين، الذين عادة ما يكونون أكثر خبرة ويعملون في الغالب كقادة للبعثات في أسرابهم.

وإذا رفض هؤلاء الطيارون التدريب لمدة أسبوعين (عادة ما يتم استدعاء جنود الاحتياط ليوم واحد كل أسبوع)، فإن مستوى الاستعداد للمهام التشغيلية سينخفض ​​تدريجياً. لا بد أن يكون لهذا تأثير سلبي على القوة الجوية وحتى على الجيش ككل.

ويوم الأربعاء، أبلغ قرابة 100 ضابط وضابطة في وحدات الاستخبارات والمراقبة ومشغلي طائرات بدون طيار وطيارين في سلاح الجو الإسرائيلي عن تجميد تطوعهم في الاحتياط بسبب استمرار تشريعات الخطة القضائية. كذلك أعلن جنود في الخدمة الدائمة في قوات العمليات الخاصة أنهم يعتزمون إلغاء عقود الخدمة الدائمة معهم إذا استمرت تشريعات الخطة القضائية.

وذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان"، الجمعة، أن 150 ضابطاً وجندياً في الاحتياط في وحدة التجسس الإلكتروني 8200 وقعوا على عريضة أعلنوا من خلالها أنهم لن يتطوعوا في الاحتياط بدءاً من يوم الأحد، وأرسلوا العريضة إلى وزير الأمن، يوآف غالانت، بعد عدم الرد على رسالة مشابهة سابقة.

ويوم الخميس، أفادت القناة 12 أن 700 جندي احتياط في لواء "ناحل" بعثوا برسالة إلى وزير الدفاع غالانت ورئيس الأركان هرتسي هليفي يحثوهما فيها على بذل كل ما في وسعهما لوقف خطة الإصلاح القضائي. وكتب الجنود: "هذا انتهاك للعقد الاجتماعي. ليست هذه هي طريقة دولة إسرائيل".

في المقابل، كتب 100 من ضباط القوات المدرعة الذين تم تسريحهم مؤخرا رسالتهم الخاصة إلى قادة الأمن يحذرون فيها من أن "بعضنا سيتوقف عن الالتحاق بخدمة الاحتياط إذا مر الانقلاب".

إسرائيل احتجاجات نتنياهو الرئيس الإسرائيلي
احتجاجات ضد حكومة نتنياهو بسبب الاصلاحات القضائية/رويترز

"فوضى كاملة تقوي خصوم إسرائيل"

وقدم غالانت ورئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، ورئيس الشاباك، رونين بار، في اليومين الماضيين، معطيات لنتنياهو حول الغليان في الشارع الإسرائيلي وداخل الجيش وأجهزة الأمن.

ونقلت قناة "كان" عن مصادر قولها إن التخوفات ليست من احتجاجات عناصر الاحتياط، وإنما من حالة الغليان المتصاعدة في أوساط الذين يخدمون في أجهزة الأمن. والرسالة التي جرى نقلها إلى نتنياهو تفيد بأن الاحتجاجات ستتصاعد، وأن الجيش الإسرائيلي يتخوف من المس بقدراته.

في غضون ذلك، يحذر خبراء إسرائيليون من أن "الفوضى تسلي أعداء إسرائيل في المنطقة"، حيث تواجه إسرائيل الآن تهديداً داخلياً شبه وجودي، قد يدفع خصومها لاستغلال ذلك ضدها وخصوصاً في جبهة الجنوب والشمال، حيث تستنفر تل أبيب قواتها في الجبهة الشمالية مؤخراً بعد الحديث عن تسلل شخص قام بتفجير قنبلة داخل إسرائيل الأسبوع الماضي. 

في أماكن أخرى، والأهم من ذلك بكثير، تقوم إيران بتوسيع برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم إلى مستويات 84%، وهو ما تراه إسرائيل خطراً متفاقماً عليها. 

وتقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية إنه من الواضح أن خصوم إسرائيل يراقبون الأزمة الداخلية وهي تتكشف – ويستخلصون استنتاجاتهم الخاصة حول قدرة الدولة واستعدادها للانخراط في المعركة، إذا لزم الأمر، في ظل الظروف الجديدة. وكما يعلم الإسرائيليون من التجربة، غالباً ما تندلع الحرب في الشرق الأوسط عندما لا يخطط أحد لبدئها.

تحميل المزيد