هل يستطيع بايدن وقف جموح حكومة نتنياهو مع الفلسطينيين والقضاء الإسرائيلي أم يكتفي بالقلق؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/23 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/24 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - رويترز، أرشيفية

"كأنه مراهق مدلل وخطير، ولكن والدته سيدة ذات نفوذ"، بهذه الطريقة تتعامل إدارة بايدن مع تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين، الذين أشعلوا سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية.

فوسط تحذيرات الرئيس الإسرائيلي من اندلاع حرب أهلية، تشهد إسرائيل احتجاجات ضخمة في الشوارع، وتمرد نخبة ضباط الاحتياط العسكريين، والغضب من الدبلوماسيين والأكاديميين والمسؤولين السابقين.

فنتنياهو، الذي يُحاكَم بتهمة الفساد، يريد إخضاع القضاة للسياسيين، وتسهيل الأمر لأعضاء الكنيست أو البرلمان لإلغاء قرارات المحاكم، لحماية نفسه من العزل أو المحاكمة.

مقابل مساعدة الوزراء المتطرفين مثل إيتمار بن غفير له في تحقيق هذا الهدف، فإنه يطلق أيديهم لتنفيذ مجموعة من أشد وأخطر السياسات خطورة ضد الفلسطينيين، والآن تجاوزاتهم مسّت الأردن، خالقاً مشكلتين للإدارة الأمريكية، فهل تستطيع وقفه، وإلى أي مدى تؤثر ممارسات نتنياهو على الدعم الأمريكي لإسرائيل.

ألغى خطة فك الارتباط التي أُبرمت بضمانة أمريكية

من بين مظاهر الاستفزازات إلغاء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة إقرار الكنيست مؤخراً تشريعاً جديداً، ألغى أقساماً رئيسية من قانون فك الارتباط الإسرائيلي لعام 2005، ما يسمح بإنشاء مستوطنات إسرائيلية في مناطق من الضفة الغربية المحتلة، تم إخلاؤها من قِبل رئيس الوزراء آنذاك أرئيل شارون. هذا العمل انتهك بشكل مباشر الالتزامات التي قطعها شارون للرئيس جورج دبليو بوش، وكذلك الوعود الأخيرة التي قدمتها حكومة نتنياهو لإدارة بايدن والمسؤولين الفلسطينيين ومصر والأردن.

وتقول واشنطن إن القرار ينتهك الوعود الإسرائيلية لواشنطن، لأن الاخيرة هي الضامن في هذا الاتفاق، الذي أُبرم في الأصل في مفاوضات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لتحقيق انسحاب إسرائيلي أحادي من غزة. 

نتنياهو
الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو/رويترز

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "منزعج للغاية" من التصويت على إعادة إضفاء الشرعية على 4 مستوطنات في الضفة الغربية. 

 كما استنكرت وزارة الخارجية الأمريكية تصريح وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، لإنكاره وجود الأمة الفلسطينية، ووصفت تصريحاته بأنها "خطيرة".

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل للصحفيين، واصفاً تصريحات بتسلئيل سموتريتش، الأحد، في باريس، بأنها "هجومية": "وجدنا أن هذه التعليقات ليست فقط غير دقيقة، ولكنها أيضاً مقلقة وخطيرة للغاية".

ومؤخراً صادقت لجنة خاصة في الكنيست تُصادق مبدئياً على مشروع قانون لحماية رؤساء الوزراء من التنحي القسري (بهدف حماية نتنياهو من احتمال التنحية من قبل القضاء)، باستثناء القضايا الصحية، من أجل القراءات النهائية للكنيست.

 تمت الموافقة على مشروع القانون بأغلبية 9-6 أصوات، وسوف ينتقل الآن إلى القراءة الثانية والثالثة للجلسة العامة، وبعد ذلك سيتم تمريره ليصبح قانوناً.

الخارجية الأمريكية تستدعي سفير إسرائيل

 بالإضافة إلى الإدانة الشديدة لهذا التشريع، ردت الإدارة باستدعاء سفير إسرائيل للقاء مع نائبة وزيرة الخارجية ويندي شيرمان. نقل نائب وزير الخارجية رسمياً قلق الولايات المتحدة وخيبة أملها، وحذّر من المزيد من الأعمال التحريضية ضد الفلسطينيين.

تعبير أمريكا العلني والواضح للإحباط والقلق الأمريكي أمر نادر الحدوث.

وقالت الحركة المؤيدة لإسرائيل والمؤيدة للسلام والديمقراطية "JST"، ندرك أنه حتى الخلاف العام الواضح لن يكون كافياً لردع المتطرفين القوميين المتطرفين المؤيدين للاستيطان، والذين يسيطرون الآن على حكومة نتنياهو.

قال بايدن خلال مكالمة هاتفية مع نتنياهو، الأحد الماضي، إنه سيدعم التوصل إلى حل وسط بشأن الإصلاح القضائي، وشجع الضوابط والتوازنات وبناء اتفاق واسع، وفقاً للبيت الأبيض.

 ويبدو أن ضغوط واشنطن قد تثمر فيما يتعلق بالملف القضائي، فنتنياهو يخفف الإصلاح القضائي للحكومة، بعد دعوة بايدن، حسبما ورد في تقرير NBC news.

فلقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الإثنين، عن تخفيف لخطة الإصلاح القضائي للحكومة اليمينية المتشددة، في محاولة على ما يبدو لتهدئة أكثر من شهرين من الاحتجاجات والمخاوف التي عبر عنها الحلفاء الغربيون.

وجاء الإعلان بعد دعوة الرئيس جو بايدن لنتنياهو إلى السعي للتوصل إلى حل وسط، وتوافق في الأزمة الدستورية. 

وخلال الاتصال قال بايدن لنتنياهو إنه لم ير مثل هذا القلق من قبل بشأن الوضع السياسي في إسرائيل.

وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المتطرف إتمار بن غفير/رويترز

وتراجع الشيكل المهتز بالفعل بنسبة 0.4% مقابل الدولار، وانخفضت أسهم تل أبيب بنسبة 0.3%. ووصف بعض المشرعين في ائتلاف نتنياهو التنقيحات بأنها "استسلام".

كانت مكالمة يوم الأحد هي المرة الأولى التي يناقش فيها بايدن بشكل مباشر خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل مع نتنياهو، ومن النادر أن يتدخل رئيس للولايات المتحدة في القضايا الداخلية لأحد أقرب الحلفاء للبلاد بهذا السفور.

 بحصوله على أغلبية برلمانية، بدا نتنياهو على استعداد للتصديق على حزمة الإصلاحات بحلول عطلة الكنيست، في 2 أبريل/نيسان 2023، لكن معظمها سيتم تأجيلها الآن إلى أن يجتمع الكنيست مرة أخرى في 30 أبريل/نيسان، كما قال هو وشركاؤه في الائتلاف الديني القومي.

التشريع الذي لا يزال من المقرر المصادقة عليه في الأسبوعين المقبلين، من شأنه أن يغير طريقة إسرائيل في اختيار القضاة، وهي قضية في قلب الجدل، حيث يتهم المنتقدون نتنياهو بمحاولة الحد من استقلال المحاكم.

 نتنياهو صاحب أطول فترة حكم في إسرائيل- والخاضع للمحاكمة بتهم فساد- يصر على أنه لا علاقة بين أزمته وبين الإصلاحات، وأنه يسعى لتحقيق التوازن بين فروع السلطة عبر تقليل صلاحيات القضاء على الحكومة.

واستخدم بيان الائتلاف الحاكم، الإثنين الماضي، لغة حذرة أكثر من مشروع القانون الأصلي الذي تم تقديمه في 4 يناير/كانون الثاني، لكنه قال إنه سيواصل التحقق من سلطة القضاة في لجنة الاختيار، لاستخدام ما يعتبره "حق النقض" على الترشيحات لمنصة المحكمة.

 وأشار البيان كذلك إلى التعديلات التي تم إجراؤها على مشروع القانون في جلسة مراجعة للكنيست، يوم الأحد، حيث سيتم توسيع لجنة اختيار القضاء مع تركيبة تمنح الحكومة نفوذاً أقل احتمالاً مما كان مخططاً أصلاً.

 وسبق أن أعربت إدارة بايدن عن مخاوفها بشأن ما ستعنيه الخطة للديمقراطية الإسرائيلية.

خلف الكواليس، خلال مكالمة يوم الأحد، حثّ بايدن نتنياهو على التوصل إلى حل وسط، والحصول على إجماع واسع بشأن الإصلاحات القضائية، وفقاً لمسؤول أمريكي، حسبما ورد في تقرير لموقع Axios الأمريكي.

وأضاف البيت الأبيض في بيانه أن بايدن "شدد على إيمانه بأن القيم الديمقراطية كانت دائماً، ويجب أن تظل سمة مميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن المجتمعات الديمقراطية تعززها ضوابط وتوازنات حقيقية، وأنه ينبغي متابعة التغييرات الأساسية، بأوسع قاعدة ممكنة من الدعم الشعبي".

 وقال البيان: "عرض الرئيس دعمه للجهود الجارية للتوصل إلى حل وسط بشأن الإصلاحات القضائية المقترحة، بما يتفق مع تلك المبادئ الأساسية".

دعوات لوقوف أمريكا بحزم أمام نتنياهو

ويؤكد الكثيرون في الولايات المتحدة، بما فيهم يهود ليبراليون أو مؤيدون للسلام ولإسرائيل، أنه في الوقت الذي تُواصل فيه حكومة نتنياهو المضي قدماً في أعمال الضم وتعميق الاحتلال، بالإضافة إلى هجومها المناهض للديمقراطية على القضاء الإسرائيلي المستقل وسيادة القانون، تحتاج الولايات المتحدة إلى الوقوف بحزم من أجل المصالح المشتركة والديمقراطية. وهي بحاجة إلى إظهار الدعم القاطع لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين وحقوقهم، والقانون الدولي، والآمال طويلة الأجل لحل سلمي للصراع على أساس وجود دولتين.

بينما هناك انتقادات لمجمل سياسات نتنياهو، ولكن من الواضح أن القلق الأساسي في الولايات المتحدة أثير بشكل أساسي بسبب خطة تغيير تركيبة القضاء.

فمصير الديمقراطية الإسرائيلية أهم من التصدي للاحتلال والعنصرية، حتى بين الديمقراطيين الأمريكيين.

وأدى ذلك إلى انتقادات لنتنياهو من بعض أشد المنظمات الليبرالية المؤيدة لإسرائيل، بما في ذلك منظمات يهودية، يشمل الانتقاد الآن مجموعات وقادة أكثر محافظة، مثل الرئيس السابق لرابطة مكافحة التشهير أبراهام فوكسمان، وعمدة مدينة نيويورك السابق مايكل آر بلومبرغ، والمحامي آلان ديرشوفيتز، وأعضاء بارزين في الكونغرس، حسبما ورد في تقرير لموقع Los Angeles Times.

قلق في أوساط الديمقراطيين وحتى اليهود الأمريكيين الليبراليين

يشعر الكثير من الديمقراطيين، بما فيهم يهود، بالقلق من مجمل ممارسات حكومة نتنياهو، بدءاً من توسيع المستوطنات اليهودية، ورفض الدولة الفلسطينية، وسلب حقوق المثليين وبعض الأقليات.

وكثير من يهود أمريكا يُغضبهم تفضيل اليهود الأرثوذكس المتطرفين على الفروع الإصلاحية والمحافظة في اليهودية، التي تشكل غالبية يهود الولايات المتحدة، وفقاً لموقع Los Angeles Times.

وقاد النائبان جيرولد نادلر (ديمقراطي من نيويورك)، وبراد شنايدر (ديمقراطي من ولاية نيويورك)، مجموعةً من 16 عضواً يهودياً في الكونغرس، في تقديم رسالة إلى نتنياهو وهيرتسوغ وزعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، للتعبير عن "القلق العميق بشأن التغييرات المقترحة على مؤسسات الحكم والنظام القانوني في إسرائيل"، التي يمكن أن "تقوض الديمقراطية الإسرائيلية والحقوق المدنية والحريات الدينية التي تحميها"، كما حثت الرسالة الحكومة الإسرائيلية على "تعليق جهودها لتمرير مشاريع القوانين"، التي يمكن أن "تغير بشكل جذري الطبيعة الديمقراطية لدولة إسرائيل".

احتجاجات في العاصمة الأمريكية على الزيارة الغير رسمية لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش/رويترز

 في رسالة أخرى إلى الرئيس بايدن، حث 91 عضواً يهودياً وغير يهودي في الكونغرس، الإدارةَ على اتخاذ إجراءات أكثر قوة، لتخفيف التوترات المتصاعدة في إسرائيل. كما أشاروا إلى خطط الحكومة الجديدة لتوسيع المستوطنات على الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون، والجهود المبذولة لعرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة كعناصر إضافية قابلة للاحتراق في المنطقة.

 كتب أعضاء الكونغرس: "نحثّكم على استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمنع حكومة إسرائيل الحالية من إلحاق المزيد من الضرر بالمؤسسات الديمقراطية في البلاد، وتقويض إمكانية قيام دولتين لشعبين".

 لكن حتى الآن، أظهر مسؤولو إدارة بايدن انزعاجاً من تصرفات نتنياهو وحكومته، ولكن ردودهم كانت حذرة وغير قوية، ولم يلوحوا مثلاً بأية عقوبات.

في البداية فضّلت الإدارة الأمريكية الانتظار والترقب، ولكن مع تزايُد الاحتجاجات، وتلميح البعض في إسرائيل لحاجتهم لتدخل أمريكي، علقت واشنطن، ولكن تمت صياغة الانتقادات في الغالب بلغة دبلوماسية عالية، وحثت على البحث عن إجماع مع الإعراب عن الدعم الواسع لإسرائيل.

 أثار إحجام إدارة بايدن عن توجيه نقد أكثر حدة لسياسات الحكومة الإسرائيلية المثيرة للجدل حيرة العديد من الإسرائيليين واليهود الأمريكيين، الذين يقولون إنه من بين القوى العالمية، يمكن للولايات المتحدة وحدها التأثير على إسرائيل، حسب موقع Los Angeles Times.

وقال جيريمي بن عامي، الذي يرأس مجموعة الدعوة الليبرالية J Street، ومقرها واشنطن، والتي تروج للقضايا المتعلقة بإسرائيل: "السعي وراء حل بهدوء شديد من وراء الكواليس لا يلبي طموحات اللحظة".

 يتجلى القلق في جميع أنحاء الجالية اليهودية الأمريكية في أعمدة الصحف، في ندوات المؤسسات الفكرية، وفي الندوات عبر الإنترنت في المعابد اليهودية، حيث يخشى الكثيرون من خيبة الأمل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أو الإضرار المحتمل بسمعة إسرائيل في العالم.

وقال بن عامي من جي ستريت إن "دعم إسرائيل بالنسبة لمعظم اليهود الأمريكيين هو جزء مهم من هويتهم".

هذه ليست مجرد أزمة سياسية، قال الحاخام نوح فاركاس، رئيس الاتحاد اليهودي في لوس أنجلوس الكبرى، بعد ساعات من عودته من رحلة عاجلة إلى إسرائيل مؤخراً، إن هذه أزمة وجودية.

لكن على الجانب الآخر، فإن بعض المواقع والقوى الجمهورية المحافظة تهاجم الديمقراطيين لأنهم ينتقدون نتنياهو، وتقول إنهم يساوون بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، مثلما قال موقع cotton الأمريكي المحافظ، الذي يقول إن نتنياهو أحد أفضل أصدقاء أمريكا. ومرة أخرى، أثبت هؤلاء الديمقراطيون ميلهم إلى تدليل أعدائنا وإدانة أصدقائنا.

تدريجياً تزداد أهمية دعم إسرائيل ونتنياهو بين الجمهوريين، بينما تصبح مسألة قابلة للنقد بين الديمقراطيين.

ولكن الجمهوريين يحاولون تصوير أي انتقاد لإسرائيل أو نتنياهو على أنه انتقاد لإسرائيل وإساءة لليهود، وفي الوقت ذاته فإنهم لا يرون في ممارسات نتنياهو خطراً على الديمقراطية، لأن صعود التيار الشعبوبي في أوساط الجمهوريين، والذي يقوده ترامب، جعل هناك تعاطفاً حتى مع ممارسات نتنياهو المعادية للديمقراطية، بل قد يكون ترامب يحسد نتنياهو على ذلك، وهو الذي سبق أن عبر عن إعجابه بتغيير الرئيس الصيني للدستور للتمديد لنفسه مدى الحياة.

في ضوء هذا الانقسام، وفي ضوء طبيعة حكومة بايدن التي يمكن وصفها بيمين الديمقراطيين، فإنها قد تضغط على نتنياهو لتخفيف تطرف حلفائه في القضية الفلسطينية، وتقليل فجاجة إجراءاته ضد القضاء، ولكن لن تكون عقوبة صارمة على إسرائيل أو ضغوط لتغيير جذري.

ولكن على الجانب الآخر يشارك نتنياهو بإصرار في تآكل صورة إسرائيل الديمقراطية، المدعية المثالية في الولايات المتحدة، ويدفع لتحويل دعم إسرائيل من قضية مسلّم بها أمريكياً إلى مسألة خلافية.

تحميل المزيد