لم يعد تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا مقصوراً فقط على أوروبا، بل تعدت آثار هذه العملية العسكرية باقي النقاط الساخنة في العالم ووصلت إلى أبرزها على الإطلاق في شبه القارة الكورية.
فالخلاف العلني بين اليابان والصين كان حاضراً في الزيارات الأخيرة لكل من الزعيمين رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الذي حط رحاله في زيارة هي الأولى له إلى أوكرانيا، وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يزور هو الآخر النقطة الساخنة في الطرف الآخر وهي روسيا.
كيشيدا في أوكرانيا لأول مرة
يوم الثلاثاء 21 مارس/آذار، وضع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إكليلاً من الزهور تكريماً لمن فقدوا حياتهم، وذلك خارج كنيسة في مدينة بوتشا الأوكرانية التي تعرضت للقصف، وفي هذه الأثناء في موسكو التي تبعد حوالي 800 كيلومتر، لقي الرئيس الصيني شي جين بينغ ترحيباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانضمام إلى غداء رسمي فخم، وهما صورتان تسلطان الضوء على الانقسام في آسيا حول الغزو الروسي.
صار كيشيدا أول قائد ياباني منذ الحرب العالمية الثانية يزور بلداً يشهد صراعاً، وتجوّل في مدينة بوتشا، التي صارت مرادفاً للوحشية الروسية، والتي قال عمدتها إن أكثر من 400 مدني قُتلوا فيها.
قال كيشيدا: "ذهل العالم من رؤية قتل الأبرياء المدنيين في بوتشا قبل عام. أشعر حقاً بغضب شديد بسبب الفظائع عند زيارة هذا المكان هنا"، وذلك بعد لحظة صمت وانحناء للتعبير عن التقدير، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وتابع: "أود أن أقدم التعازي إلى جميع الضحايا والجرحى نيابة عن المواطنين اليابانيين. سوف تواصل اليابان مساعدة أوكرانيا بأقصى جهد من أجل استعادة السلام".
شهدت أوكرانيا تدفق الدعم الشعبي في اليابان، وسط مخاوف عميقة في طوكيو وبين عموم اليابانيين حول ما قد يحدث لليابان إذا غزت الصين تايوان. أجرت روسيا والصين تدريبات عسكرية مشتركة بالقرب من سواحل اليابان.
فيما انضمت طوكيو إلى بلاد الغرب في فرض عقوبات على موسكو. ووصف كيشيدا غزو روسيا بـ"العار الذي يُقوِّض أسس النظام القانوني الدولي".
احتفاء ياباني بالزيارة
جعلت جميع الصحف المحلية اليابانية زيارة كيشيدا موضوعها الرئيسي. قالت صحيفة Asahi Shimbun إنها "تصفق" لكيشيدا على هذه الزيارة، رغم التحديات الأمنية الواضحة، مضيفة أن اليابان ينبغي لها أن تستمر في تقديم الدعم غير الفتاك إلى أوكرانيا "بوصفها أمةً مُحبةً للسلام".
كذلك امتدح كينتا إيزومي، زعيم حزب المعارضة الرئيسي الياباني، الحزب الدستوري الديمقراطي الياباني، زيارة كيشيدا -التي تشكلت التكهنات حولها منذ أشهر- لكنه قال إن عليه أن يرفع تقاريره إلى البرلمان قريباً، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء اليابانية Kyodo.
يتوجب على الوزراء عادةً الحصول على موافقة برلمانية من أجل الخروج في زيارات خارجية عندما يكون المجلس التشريعي في حالة انعقاد، لكن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، الذي ينتمي إليه كيشيدا، قال إن الموافقة المسبقة لم تكن ضرورية هذه المرة بالنظر إلى الشواغل الأمنية.
تلقى الدعم الياباني اعترافاً حاراً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي نشر لقطة له يحيِّي فيها كيشيدا، الذي وصفه الرئيس الأوكراني بـ"المدافع القوي بحق عن النظام الدولي، وصديق أوكرانيا منذ أمد طويل".
وفي تحرك بدا رداً على رحلة كيشيدا، قال وزير الدفاع الروسي، أمس الثلاثاء، إن اثنتين من القاذفات الاستراتيجية الروسية حلقت فوق بحر اليابان.
الرئيس الصيني في موسكو
على الجانب الآخر، وفي اليوم نفسه، قرع بوتين وشي كؤوس النبيذ داخل غرفة الأوجه التاريخية الشهيرة بالكرملين، التي تعود إلى القرن الخامس عشر.
أثنى بوتين على "صحة صديقنا العظيم شي، وتعميق الشراكة الروسية الصينية"، قبل إنهاء خطابه بعبارة ganbei، وهي كلمة صينية تعني "نخبك". وكان في انتظارهم غداء رسمي فخم، حضره قادة كبرى الشركات الروسية.
وفي اليوم السابق، دُعي شي لتناول غداء فخم آخر. ومكث في فندق سولوكس من فئة 5 نجوم المملوك للصين، مرت سيارته على طول الطريق عبر سلسلة من اللوحات الإعلانية المخصصة للترحيب به.
ادعى شي، الذي يسعى جاهداً لأن يُعترف به كصانع سلام عالمي، أنه وسيط محايد في الصراع، وتقدم مرة أخرى بمقترح سلام مكون من 12 نقطة، لا تطالب أي منها بانسحاب القوات الروسية، ورفضته بالفعل كييف والغرب لأنه يساعد فحسب في التصديق على غزو موسكو للأراضي، ويمنحها وقتاً للتخطيط لتجديد الهجوم.
المسارات المختلفة التي تتخذها اليابان والصين سوف تبرز مرة أخرى في مايو/أيار، عندما يستضيف كيشيدا قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في مدينة هيروشيما اليابانية. قال زيلينسكي، الذي تحدث خلال إحاطة إعلامية مشتركة، إنه سوف ينضم إلى قمة هيروشيما عبر الإنترنت.
ويقول كيشيدا إن القمة يجب أن تُظهر الرغبة القوية للمحافظة على النظام الدولي وحكم القانون رداً على حرب أوكرانيا.
فيما دعا شي نفسه بوتين شخصياً لزيارة الصين، لمناقشة زيادة التعاون الاقتصادي، وهو شيء واضح بالفعل منذ فرض العقوبات الدولية على روسيا. ارتفع حجم التجارة بين الصين وروسيا في العام الماضي بنسبة 30% بما يعادل 185 مليار دولار، ويتوقع أن يصل إلى 200 مليار دولار هذا العام.
تحدث رام ايمانويل، السفير الأمريكي لدى اليابان، عن "شراكتين مختلفتين للغاية بين أوروبا والمحيط الهادئ" تكشَّفت أمس الثلاثاء. وسلط الضوء على مذكرة الاعتقال الصادرة ضد بوتين عن طريق المحكمة الجنائية الدولية، وكتب: "يقف كيشيدا مع الحرية، ويقف شي مع مجرم حرب".
توحي مشاهد استقبال شي في روسيا بجانبٍ آخر من الصورة، سلطت عليه صحيفة The Guardian الضوء في مقال آخر.
تفاخرت وسائل الإعلام الروسية بأن فندق سولوكس يقع بجوار منتزه يمتد على مساحة 13 فداناً، ويضم أشجاراً ونباتات من جميع أنحاء الصين، في حين أن غرفه صُممت استناداً إلى "مبادئ فلسفة فينج شوي" الصينية.
بعد ساعات قليلة من وصول شي، التقى بوتين بالرئيس الصيني، وجلسا بجوار منضدة صغيرة تفصل بينهما بعد أن تصافحا. وامتدح بوتين نظيره الصيني ووصفه بـ"القفزة الهائلة إلى الأمام" بالنسبة للصين، ودعاه "صديقي العزيز" شي.
وفي مساء الإثنين 20 مارس/آذار، تحدث بوتين وشي لأكثر من 4 ساعات. وفي خطوة نادرة، رافق بوتين شي إلى سيارته بعد المحادثات، وشوهد الزعيمان يبتسمان لبعضهما.
ومما لا يدعو إلى الدهشة، أن شي سَلِمَ من دبلوماسية الطاولة الطويلة المخصصة للمبعوثين الغربيين الذين سافروا إلى موسكو في محاولات غير مجدية لمنع الحرب في أوكرانيا.
روسيا تحتفي بتشي
وبدلاً من ذلك، بسط بوتين يوم الثلاثاء عدداً لا نهائياً من السجاد الأحمر من أجل نظيره الصيني، بينما دخل شي القاعة الكبرى بالكرملين من جانب، ودخل بوتين من الجانب الآخر.
وفي مراسم مصممة بإحكام تملؤها مظاهر الفخامة الإمبريالية، سار شي وبوتين نحو بعضهما، والتقى كل منهما بالآخر في المنتصف، وابتسما أثناء تصافحهما.
كان هناك الكثير من الأبهة في اليوم الثاني لزيارة شي، وهو دليل واضح على أن روسيا كانت حريصة على تكريم القائد الصيني.
وحتى سكان موسكو، فقد استطاعوا بالكاد تجاهل زيارة شي. إذ إن حركة المرور العسيرة بالفعل في العاصمة، عُرقلت بدرجة أكبر لأن الشرطة أغلقت غالبية الطرق في وسط المدينة.
وفي القنوات التلفزيونية الحكومية، قوبل الروس بسلسلة من الاقتباسات المسجلة للرئيس شي، التي تتحدث عن أهمية الكد والعمل الجاد. يقول مراقبو لغة الجسد للزعيمين، إن شي ظهر أكثر ارتياحاً وقياديةً من بوتين.
قالت كارين ليونج، المديرة الإدارية في مركز Influence Solutions الذي تقع مقاره في سنغافورة، إن شي استبق بوتين بجزء من الثانية في الوصول إليه عند تصافح الأيدي. وأوضحت في حديثها مع وكالة Reuters أن هذه الحركة تشير إلى أنه "رغم أن شي هو الذي يزور موسكو، فإنه الشخص الذي سيأخذ زمام المبادرة في العلاقة".
وقال بافيل بريانيكوف، المدون الروسي البارز، إنه "منذ الدقائق الأولى للزيارة، بدا أن شي شعر أنه هو القائد".
على الجانب الآخر، قال سيرجي ماركوف، المعلق السياسي والمستشار السابق للكرملين: "روسيا والصين شريكان متساويان وشبه حليفين".
وأوضح: "ومن ثم إذا قرأت من شخص عن الحقيقة التي تقول إن الصين تُخضع روسيا، فيجب أن تعلم أن هذا يبثه الغرب".