في تهديدٍ قد يفجّر المنطقة بأكملها، خرجت وزيرة إسرائيلية تدعو إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وتزعم أنها جزء من أراضي إسرائيل، فهل يستطيع الجيش الإسرائيلي احتلال غزة حقاً، وماذا سيحدث إن نفذ هذا التهديد، وكيف استعدت المقاومة الفلسطينية لهذا السيناريو.
وبينما تتكرر التهديدات الإسرائيلية لقطاع غزة، بما في ذلك التهديد بإسقاط حكم حماس، أو عملية عسكرية تتوغل داخل القطاع لتدمير بنية المقاومة، ولكن نادراً ما يتم توجيه تهديد بإعادة احتلال قطاع غزة باعتباره جزءاً من أرض إسرائيل المزعومة، والتلويح بإعادة احتلال غزة بشكل دائم وضمها لإسرائيل.
إذ قالت وزيرة الاستيطان والمهام الوطنية أوريت ستروك، للقناة السابعة الإسرائيلية، من داخل مستوطنة "حوميش"، شمالي الضفة الغربية المحتلة، إن المستوطنات التي انسحبت منها تل أبيب في قطاع غزة عام 2005، "جزء من أرض إسرائيل، وسيأتي اليوم الذي نعود فيه إليه".
وقالت ستروك، وهي من حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف الذي ينتمي إليه إيتمار بن غفير، إن "المرحلة المهمة اليوم هي العودة إلى شمال السامرة (التسمية الإسرائيلية المتطرفة للضفة)، وأعتقد أن خطيئة فك الارتباط ككل سيتم تصحيحها في نهاية المطاف".
وعن غزة، قالت: "نحن بصدد رؤية وطنية مختلفة، لا أعرف كم سنة سيستغرق الأمر، لكن لسوء الحظ، فالعودة إلى غزة ستشمل أيضاً تضحيات كثيرة، تماماً كما انطوت مغادرتها على عديد التضحيات"، حسب وصفها.
واستدركت: "لكن لا شك في أنه في نهاية الأمر، فإن الحديث يدور عن جزء من أرض إسرائيل، سيأتي يوم نعود إليه"، حسب تعبيرها.
تأتي هذه التصريحات بعد إنكار وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش وجود شعب فلسطيني، وقوله إنه "اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة، إضافة لعرضه خريطة تُظهر الأردن كأنها جزء من إسرائيل.
ومع تزايد سيطرة المتطرفين على الحكومة الإسرائيلية أمام ضعف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتزايد والراغب في استخدامها لإضعاف استقلال القضاء، يثار تساؤل: هل يمكن حقاً لإسرائيل احتلال غزة وفرض السيطرة عليها؟.
إسرائيل هربت من غزة
في مواجهة شراسة المقاومة في غزة مع قلة موارد الإقليم صغير المساحة المكتظ بالسكان، قرر أقوى وأعنف شخصية في تاريخ إسرائيل، رئيس وزراء إسرائيل الراحل أرئيل شارون الانسحاب من القطاع بعد أن كان يقول إن مستوطنات غزة بمثل أهمية تل أبيب.
في عام 2005، بدأت إسرائيل إخلاء مستوطناتها من قطاع غزة، في حدث تاريخي، حيث لم يسبق لها أن أخلت أرضاً تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948، ونفذت خطة الانسحاب من قطاع غزة التي كان هذا الجنرال الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل هو صاحب فكرتها.
ثم شنّت خمس حروب عليها
ومنذ انسحابها من قطاع غزة عام 2005، وتنفذ إسرائيل عمليات عسكرية في القطاع من حين لآخر، بعضها تحول إلى حروب استمرت أسابيع وخلفت آلاف الشهداء.
وبعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، إثر خلافها مع حركة فتح واتهامها لها بأنها تعرقل عمل الحكومة التي شكلتها الحركة الإسلامية بعد فوزها بالانتخابات، أعلنت إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2007 غزة "كياناً معادياً"، وفي أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها فرضت عليها حصاراً شاملاً.
ومنذ ذلك الحين نفذت إسرائيل نحو خمس عمليات عسكرية كبرى ضد غزة يمكن وصفها بالحروب، آخرها حارس الأسوار بالتسمية الإسرائيلية في عام 2021، بعد الانتهاكات بحق الأقصى والقدس والتي سمتها المقاومة الفلسطينية سيف القدس إضافة للعمليات الأصغر، والتي تضمنت اغتيال عدد كبير من قيادات المقاومة، ولكن عادة ترد المقاومة الفلسطينية على مثل هذه العمليات.
يلاحظ أن وتيرة رد فصائل المقاومة الفلسطينية على إسرائيل وشدة الرد أقوى من ردود إيران وحلفائها على هجمات تل أبيب التي تصاعدت مؤخراً لتشمل مهاجمة أهداف حيوية على الداخل الإسرائيلي.
المقاومة انتقلت للخنجر والصاروخ ثم الطائرة المسيّرة
ولم تؤد العمليات العسكرية ضد قطاع غزة إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية، بل جعلتها أقوى، فلقد بدأت المقاومة الفلسطينية في غزة بإلقاء الحجارة وعمليات الطعن بالسكاكين والخناجر.
وفي عام 1987، تأسس جناح حركة حماس العسكري (كتائب عز الدين القسام) لدعم استراتيجية الحركة الجهادية والسياسية في فلسطين المحتلة، شكّل هذا التأسيس بداية انضواء مقاومي الحركة تحت ما يشبه الجيش شبه المنظم الذي تديره قيادة عسكرية هيكلية هدفها تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
بدأت الحركة المسلحة مواجهتها مع إسرائيل بالرصاص والقنابل يدوية الصنع، ثم تحولت وهي حركة الجهاد الإسلامي للعمليات الاستشهادية التي استطاعت إسرائيل توقيفها عبر الإجراءات الأمنية الصارمة.
لكن سرعان ما توجهت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى المجال الذي لطالما حاولت إسرائيل منعه، ألا وهو "صناعة الصواريخ".
كانت الصواريخ بدائية في البداية حتى إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يصفها بالكارتونية، ولكنها اليوم تطال تل أبيب وحتى حيفا، وتؤدي أحياناً لإغلاق مطارات إسرائيل، وصنعت إسرائيل من أجلها نظاماً صاروخياً متطوراً يُدعى القبة الحديدية يعتبر من الوحيد من نوعه على مستوى العالم، ومع ذلك تستطيع المقاومة أن تخترقها أحياناً؛ حيث طورت المقاومة الفلسطينية تكتيكات لخداع القبة الحديدية أو إمطار بالصواريخ، بحيث تسقط القبة جزءاً كبيراً منها بينما يصل الباقي لأهدافه.
واليوم طوّرت فصائل المقاومة الفلسطينية طائرات مسيّرة (يعتقد أنه بدعم فني إيراني)، ولدى حماس قوات كوماندوز بما فيها كوماندوز بحرية.
واليوم، تشكّل طائرات حماس بدون طيار تهديداً لإسرائيل، لأنها قادرة على المناورة والتحليق على ارتفاع منخفض، لكنها لا تزال مزيجاً بين جوانب الطائرات بدون طيارٍ الإسرائيلية القديمة من طراز V-1 من الثمانينيات وصواريخ كروز.
وحتى الآن، يبدو أن نظام الدفاع الإسرائيلي قادر على صدِّ طائرات شهاب التابعة لـ"حماس" بشكل كافٍ، ومنعها من إحداث خسائر كبيرة، حسبما قال دوغلاس باري، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ولكن باري يرى أن الأمر قد يكون مجرد مسألة وقت قبل أن تخترق طائرة فلسطينية انتحاريةٌ الدفاعات الإسرائيلية.
إسرائيل تصف قوة حماس بأنها تعادل دولة أوروبية صغيرة، ولهذه الأسباب تقلق من غزو القطاع
وتصف مصادر عسكرية إسرائيلية قوة حماس العسكرية بأنها تعادل القوة النيرانية لدولة أوروبية صغيرة.
قد يبدو كل ذلك دافعاً لإسرائيل للقيام بغزو قطاع غزة سواء من منطلق تنفيذ الأساطير التي يروّجها المتطرفون أو لأسباب تتعلق بالقضاء على المقاومة الفلسطينية التي باتت قوتها تتزايد.
ولكن الأمور ليست بهذه البساطة، فالقطاع يعد أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم؛ حيث يقطنه نحو مليوني فلسطيني.
وأثبتت التجارب على مدار التاريخ أن حروب المدن أصعب على أقوى الجيوش، وظهر ذلك بدءاً من معجزة ستالينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية إلى مدينة السويس المصرية التي تصدت للجيش الإسرائيلي خلال حرب 1973، وصولاً للفلوجة والموصل العراقيتين وماريوبول الأوكرانية.
فإذا قررت مدينة مقاومة جيش، فإنها تستطيع أن تلحق به خسائر فادحة مهما كانت قوته.
إليك ما أعدته فصائل المقاومة لإسرائيل إذا ما حاولت احتلال غزة
وفي غزة، سيواجه جيش الاحتلال أعداداً كبيرة من أعضاء الفصائل الفلسطينية المسلحة التي طالما نحّت خلافاتها في مواجهة إسرائيل؛ فصائل تتنوع بين بقايا فتح وبعض القوى السلفية وحركة الجهاد.
وفي عام 2021، قال قائد كبير في الجيش الإسرائيلي إن حماس لديها 30 ألف رجل و 7 آلاف صاروخ وعشرات الطائرات بدون طيار، حسبما نقل عنه موقع the Times of Israel
ولدى حماس 300 صاروخ مضاد للدبابات و 100 صاروخ مضاد للطائرات، حسب القائد الإسرائيلي الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.
وجيشها البالغ قوامه حوالي 30 ألف رجل، من بينهم 400 كوماندوز بحري تلقوا تدريبات ومعدات متطورة لتنفيذ عمليات بحرية، حسب المصدر الإسرائيلي.
ويعتقد أن حماس لديها قوات كوماندوز وقوات عسكرية أساسية وقوات شرطة، إضافة لقوات احتياطية من المتطوعين والشباب، وقد تكون الأخيرة أكبر حجماً من التقديرات السابقة.
وقال القائد الإسرائيلي إن حركة الجهاد الإسلامي الأصغر، والتي غالباً ما تعمل بشكل مستقل عن حماس، تمتلك ترسانة مماثلة. ويشمل ذلك 6000 صاروخ وعشرات الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات ونحو 400 من القوات البحرية.
وفقًا لمزاعم وردت في بيان صادر عن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت في عام 2000، فقد سعت حماس إلى القدرة على شن هجمات بمواد كيميائية سامة.
وسبق أن وجه قائد حماس في غزة يحيي السنوار في خطاب باسم كل الفصائل المسلحة، ما يشبه رسالة تحذير لإسرائيل إن حاولت احتلال غزة، قائلاً إن "عدد المقاتلين في القطاع يقدر بحوالى 70 ألفاً من الشباب، سيخرجون من باطن الأرض بمضادات دروع، وسيطلقون صواريخ ستحيل مدن إسرائيل إلى مدن أشباح"، وأنّهم يملكون مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، وآلاف الكمائن، وجميعها صنعت في غزة.
كما هدّد السنوار إسرائيل، بقدرة المقاومة على ضرب تل أبيب مدة ستة أشهر متواصلة، برشقات صاروخية متتالية، تفوق أعدادها عشرات المرات، لما تعرضت له من قصف خلال عام 2014.
وعلى إسرائيل البحث عن المقاتلين في مترو حماس
ولكن هناك ما هو أسوأ بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وهو ما يعرف بـ"مترو حماس" أو مترو غزة، وهي شبكة واسعة من الأنفاق تحت غزة، وتوصف بأنها مدينة كاملة تحت أرض القطاع، وهي معدة لحماية أنشطة المقاومة من الطيران الإسرائيلي، وكذلك قد تُستخدم لشن هجمات مباغتة على قوات الاحتلال في حال تنفيذها توغلاً أو غزواً للقطاع.
تعبير "مترو حماس" أول من استخدمه رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي في الأيام الأولى لجولة القتال مع غزة في عام 2021، وتحديداً بعد ارتكاب الطائرات الحربية مجزرة شمالي قطاع غزة -عبر بناء ما يعرف "بحزام ناري" مكثف- تم عبر قصف الطائرات الحربية بـ200 غارة جوية في أقل من نصف ساعة لمنطقة شرقي مدينة غزة، بالتزامن مع تسريب الجيش الإسرائيلي أخباراً مضللة لوسائل إعلام محلية إسرائيلية ودولية عن استعداد الجيش لدخول غزة برياً.
كان الهدف من ذلك وفقاً لما كشفته صحيفة معاريف الإسرائيلية، استدراج أفراد الفصائل الفلسطينية المتمركزين في مواقعهم فوق وتحت الأرض للانقضاض عليهم، ضمن خطة استعداد تدرب عليها الجيش منذ ثلاث سنوات، وهي الفترة التي تولى فيها كوخافي رئاسة الأركان.
الصحيفة ذاتها اعترفت بهذا الفشل وفقاً لمصادرها في الجيش؛ إذ كان الهدف من هذه الخطة وفق الادعاء الإسرائيلي، قتل وإصابة ما بين 300-400 فرد من فصائل المقاومة.
ولن تواجه حماس وفصائل المقاومة فحسب
والمرات القليلة التي توغل فيها جنود الاحتلال داخل قطاع غزة أدت لكوارث للطرفين، يعلق الجنود الإسرائيليون وسط قتال المدن، فيحاول جيش الاحتلال تغطيتهم بقصف عشوائي بالمدفعية أو الطائرات يصيب المدنيين الفلسطينيين قبل مقاتلي المقاومة مثلما حدث في مجرزة حي الشجاعية عام 2014، التي راح ضحيتها نحو 74 شهيداً فلسطينياً.
ولا يعني محاولة احتلال غزة خوض إسرائيل معارك مع حماس والفصائل الفلسطينية بما فيها المحسوبة على فتح فقط، بل قد تشهد انضمام قطاعات من الشعب الفلسطيني غير المسيس للمعركة، وسينتج خسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي وخسائر أكبر للمدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي سيطلق ضغوطاً كبيرة من قبل الرأي العام الإسرائيلي بسبب خسائر تل أبيب وكذلك صغوط من الرأي العام العربي والدولي جراء المجازر المتوقعة من قبل جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.
في المقابل، حتى لو نجحت إسرائيل في احتلال غزة بعد دفعها تكلفة كبيرة، ففي الأغلب. ستستمر أعمال المقاومة بشكل أكثر شراسة مثلما حدث بعد الغزو الأمريكي للعراق.
وقد يؤدي محاولة إسقاط حركة حماس، لظهور بديل أكثر تشدداً، سواء تشدد وطني فلسطيني او تشدد ديني، وقد يكون البديل سلفياً أو داعشياً.
فرغم أن حماس أثبتت أنها واحدة من أكثر الأعداء لإسرائيل، ذكاءً وقدرة على بناء القدرات من الصفر، كما أنها مفاوض صعب المراس (عبر الوساطة) ولكنها أيضاً حركة قوية ومنضبطة يمكن الوصول معها لتفاهمات عبر وسيط.
فحماس لديها تمييز واضح بين أهدافها المعلنة بعيدة المدى لتحرير فلسطين من البحر والنهر، وبين الأهداف السياسية قصيرة ومتوسطة المدى، والتي تتركز على فك الحصار على غزة، ووقف الانتهاكات بحق الأقصى والمقدسيين وإنهاء الممارسات القمعية بحق أهل الضفة ووقف وتفكيك الاستيطان وإطلاق الأسرى، وألمحت الحركة مراراً لاستعدادها للمشاركة في هدنة مع إسرائيل دون اعتراف بها، مع التلميح إلى أنه يمكن أن تشمل هذه الهدنة إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة 1967، (بالنسبة للحركة هي دولة مرحلية تمهد لدولة على أرض فلسطين بأكملها).
وبحسب مسؤولين ميدانيين، فإن حركة "حماس" باتت الأكثر اعتدالاً بين الفصائل المسلحة في وجهة نظرها المتعلقة بالاشتباك مع إسرائيل، وهي تلتزم بالتفاهمات التي تبرم عبر الوسيط المصري، وهي الوحيدة القادرة على ضبط القطاع الذي يعج بالسلاح.
يجعل هذا من حماس بالنسبة لإسرائيل عدواً عاقلاً، فيما يبدو أن مشكلة إسرائيل الكبرى في تطرفها الداخلي، الذي يعاني من إحساس بالقوة يؤدي للبحث عن معارك وهمية مع المحيط.
ويتناسى متطرفو إسرائيل أنه رغم قوة جيشها الهائلة، فإن الإسرائيليين باتوا يعيشون في رفاهية مثل الغرب، بينما الغزاويون محاصرون منذ عقود، وقد يعني محاولة احتلال قطاعهم منحهم فرصة للتنفيس عن غضبهم في وجه من يحاصرهم، ويمنع عنهم أبسط حقوقهم الإنسانية.