سلاح النفط الذي لا يخسر الرهان.. كيف ستواجه السعودية قانون “نوبك” الأمريكي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/20 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/21 الساعة 02:23 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أرشيفية/ Getty

عادت واشنطن للتلويح بتمرير قانون "نوبك" لفرض عقوبات على شركات النفط، كورقة ضغط لإنجاح آلية وضع سقف لأسعار النفط الروسي، لكن رد السعودية جاء صارماً، فما القصة؟

كانت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، قد أعلنت مطلع شهر مارس/آذار الجاري، إعادة تقديم مشروع قانون نوبك NOPEC، أو ما يعرف بقانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" إلى اللجنة القضائية للكونغرس، والذي يسمح للسلطات الأمريكية -في حال تمريره- برفع دعاوى قضائية ضد شركات النفط التابعة لأعضاء "أوبك بلس" بتهمة التلاعب بأسعار النفط.

موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي تناول قصة صراع النفط في تحليل يلقي الضوء على أدوات طرفيها، السعودية والولايات المتحدة، وفرص كل طرف في تحقيق مراده من هذا الصراع.

ما قصة "نوبك" المستمرة منذ أكثر من 20 عاماً؟

هذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها الكونغرس إلى تمرير مشروع قانون "نوبك"، الذي يرجع منشؤه إلى أكثر من 20 عاماً. وفي ظل رفض منظمة أوبك+ للدول المنتجة للنفط ضغوط إدارة جو بايدن بزيادة الإنتاج، أقرت لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي مشروع القانون خلال مايو/أيار 2022، لكن القانون لم يطرح للمناقشة العامة في الكونغرس.

وفي هذا السياق، يجري التلويح بمشروع قانون "نوبك" بين الحين والآخر للضغط على السعودية لزيادة إنتاج النفط للحد من ارتفاع أسعار الوقود أو لدفع الرياض لاتخاذ مواقف سياسية تتماشى مع السياسة الأمريكية.

لكن التلويح بالقانون نفسه في أروقة الكونغرس أمر ممتد منذ مطلع القرن الجاري، فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمان كانت نسخ مختلفة من مشروع قانون "نوبك" تفشل في الحصول على مباركة الأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب.

والسبب الأساسي وراء فشل تمرير القانون طوال السنوات الماضية مرتبط بالمصالح السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة، وعلاقاتها الاستراتيجية مع كبار منتجي النفط، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية.

الكونغرس
الكونغرس الأمريكي – رويترز

وتدرك واشنطن أن خطوة مثل تمرير قانون "نوبك" لن تكون أضرارها مقتصرة على الشراكة الاستراتيجية مع الرياض فحسب، ولكنها قد تأتي بنتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكي نفسه.

إذ إن استهداف السعودية ومنتجي النفط من أعضاء "أوبك بلس" قد يعرض شركات النفط الأمريكية لعقوبات انتقامية في جميع أنحاء العالم، مما سيؤدي إلى زعزعة استقرار سوق النفط لفترة طويلة، مع أضرار كبيرة على اقتصادات كبار مستهلكي النفط مثل الولايات المتحدة.

نتيجة لهذه الحسابات، يرفض الكونغرس محاولات تمرير القانون منذ تقديم نسخته الأولى في عام 2000، كما أن "نوبك" لم يحظَ قط بدعم حقيقي من البيت الأبيض، رغم صدور بعض التصريحات التحذيرية من آن لآخر.

سقف أسعار النفط الروسي

آلية وضع سقف لأسعار النفط الروسي هي واحدة من الأدوات التي استخدمتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون لمعاقبة موسكو، كجزء من العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا بعد الهجوم على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وهو الهجوم الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر".

لكن السعودية أعلنت رفضها لهذه الآلية منذ البداية، وينبع الرفض السعودي من سببين رئيسيين: الأول هو الدور الحيوي لروسيا في تحالف "أوبك بلس" ورغبة الرياض في بقاء التحالف كجبهة موحدة وقوية قادرة على ضبط أسعار أسواق النفط العالمية وتحقيق المصالح السعودية.

فروسيا أحد كبار المنتجين للنفط في العالم وأي اضطراب في وصول النفط الروسي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهو ما حدث بالفعل منذ بدأت حرب أوكرانيا وبدأ معها حظر بعض الدول الغربية لواردات النفط والغاز من روسيا. وعلى الرغم من أن ارتفاع الأسعار يصب في صالح السعودية بطبيعة الحال، فإن اضطراب الأسواق يأتي غالباً بتداعيات اقتصادية وسياسية تعاني منها جميع الأطراف.

روسيا النفط
النفط الروسي – توضيحية / Getty Images

أما السبب الثاني وراء الرفض السعودي لتحديد سقف لأسعار النفط الروسي فهو نابع من تخوفات الرياض من أن نجاح أداة فرص سقف لأسعار النفط الروسي قد يشجع أمريكا والمستوردين الدوليين على استخدام نفس الآلية مع السعودية أو دول مجموعة "أوبك بلس".

لكن التعقيدات الجيوسياسية الدولية الراهنة، ومرحلة إعادة التقييم التي تمر بها العلاقات السعودية- الأمريكية، تجعل من غير المرجح أن تلجأ واشنطن إلى قرار غير ضروري من هذا النوع، لأنه سيدمر مساعي تجديد الشراكة وسيدفع الرياض بعيدا نحو حلفاء دوليين آخرين مثل الصين وروسيا.

النفط السعودي.. سلاح لا يخسر الرهان أبداً

بالرغم من أن فرص تمرير مشروع قانون "نوبك" تظل دائماً ضئيلة، لكن الرياض دائماً ما ترد بقوة لإبراز انزعاجها من محاولات تمرير القانون، وذلك عبر رسائلها المباشرة إلى واشنطن، وهو ما أبرزتها تصريحات وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان.

كان الأمير عبد العزيز بن سلمان قد صرح، في لقاء مع موقع Energyintel الثلاثاء 14 مارس/آذار 2023، بأنه في حال فرض سقف أسعار على صادرات النفط السعودية، ستخفض الرياض إنتاجها اليومي وكذلك لن تبيع النفط إلى أية دولة تشارك في قرار سقف الأسعار. وهي التصريحات التي جاءت كرد مباشر على سؤال حول إعادة تقديم الكونغرس الأمريكي لمشروع قانون "نوبك"، وكذلك تحديد سقف أسعار للنفط الروسي.

تعكس هذه التصريحات مناخ الثقة الذي يخيم على الرياض عندما يتعلق الأمر بالنفط، استناداً إلى دورها المحوري في سوق الطاقة العالمية في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا.

كما تمتلك السعودية أيضاً ورقة ضغط أخرى يمكن وصفها بأنها مرعبة للأمريكيين، وهي التهديد أحياناً بإحداث تغييرات جذرية في سوق النفط، مثل التلويح بورقة تسعير النفط السعودي باليوان الصيني كبديل عن الدولار الأمريكي. وتمثل هذه النقطة خطراً داهماً يتهدد رمز الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي وهو الدولار.

وتعتمد السعودية على نهج متوازن فيما يتعلق بإنتاج وتصدير النفط في أعقاب اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث تستند الرياض في غالبية قراراتها إلى منطق وديناميكية السوق بجانب الحسابات الجيوسياسية. وهو الأمر الذي يؤكده أن الدوافع وراء قرار السعودية و"أوبك بلس" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتخفيض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً لم يكن فقط بسبب توتر العلاقات بين السعودية وواشنطن، بحسب تقدير "أسباب".

أوبك
منظمة "أوبك+" خفضت إنتاج النفط على الرغم من اعتراضات أمريكا – رويترز

لكنه استند أيضاً إلى أسباب فنية مع توقعات بانخفاض ملحوظ في أسعار النفط مع بداية عام 2023؛ وهو ما تحقق بالفعل بعد أن تراجعت أسعار النفط منذ ذلك الحين حتى وصلت في منتصف الشهر الجاري إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل بعد الإعلان عن إفلاس مجموعة من البنوك الأمريكية.

فعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي مارستها الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن على السعودية لزيادة إنتاج النفط، بغرض تعويض غياب جزء كبير من النفط الروسي بسبب العقوبات، فإن الرياض تمسكت بموقفها النابع من مصلحتها كأكبر مصدر للنفط في العالم وقررت تخفيض الإنتاج.

ورداً على التصريحات الغاضبة الصادرة من واشنطن والدعوات لتمرير قانون "نوبك" واتخاذ إجراءات عقابية أخرى بحق الرياض، جاءت التصريحات السعودية هادئة تماماً وتعكس الثقة في قوة موقف المملكة؛ حيث أكد وزير الطاقة وقتها أن المملكة تتخذ قراراتها من منطلق المصلحة الوطنية كما تفعل باقي الدول.

الخلاصة هنا هي أن النفط لا يزال السلاح الأكثر فتكاً والقادر على كسب الرهان دائماً في أي خلافات سياسية كانت أو اقتصادية، وهو ما يجعل موقف السعودية قوياً للغاية في مواجهة الضغوط الأمريكية، ومنها بطبيعة الحال التلويح الذي لا ينتهي بتمرير قانون "نوبك".

تحميل المزيد