اتهموا ماكرون بازدراء الشعب وأشعلوا النار في دمية تمثله.. لماذا تعد احتجاجات التقاعد بفرنسا غير مسبوقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/18 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/18 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
متظاهرون يحرقون دمى تمثل ماكرون ووزرائه في مدينة ديجون الفرنسية احتجاجاً على قانون التقاعد الجديد/ twitter

حين أشعل المحتجون الغاضبون في مدينة ديجون الفرنسية النار في دمية تمثل إيمانويل ماكرون، وخرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع في مدن مثل باريس ورين ومرسيليا الأسبوع الماضي؛ احتجاجاً على رفع الحكومة سن التقاعد دون تصويت برلماني، قال وزير الداخلية إن "هذه الفوضى أحيت ذكريات أليمة".

وهذا صحيح، فبعد أربع سنوات من حركة السترات الصفراء المناهضة للحكومة التي شهدت احتجاجات في بلدات صغيرة ومناطق ريفية، اتهم العديد من ناخبي الطبقة العاملة ماكرون مرة أخرى بازدراء الشعب. ومرة أخرى، طالب ساسة من حزبه بحماية الشرطة خوفاً من أعمال انتقامية عنيفة، في احتجاجات غير مسبوقة في البلاد.

احتجاجات فرنسا قد تغير ملامح البلاد وسنوات الحكم المتبقية لماكرون

قرر ماكرون، يوم الثلاثاء 14 مارس/آذار، استخدام السلطات التنفيذية الواردة في المادة 49.3 من الدستور الفرنسي لتجاوز البرلمان والمضيّ قدماً في خطته لرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً دون تصويت.

وقال دفاعاً عن قراره إنه لم يكن لديه خيار آخر؛ لأن التصويت ضد القانون سيضعف الأسواق ويضر بالاقتصاد. ويركز دستور فرنسا المعمول به منذ 65 عاماً السلطة في يد الرئيس على حساب النواب، وهذا يمكّنه من تجاوز البرلمان المنقسم في ظروف معينة.

لكن هذه الخطوة قد تحدد ملامح البلاد وبرنامجه المحلي والسنوات الأربع المتبقية له في منصب الرئيس. إذ اتهم منتقدون المصرفي السابق الذي تعهد يوماً بالتوفيق بين الشعب الفرنسي وطبقته السياسية التي تراجعت ثقته بها، وتعزيز راحة الشعب والحد من التصويت لليمين المتطرف، بمفاقمة استياء الشعب من السياسة، وربما تعزيز موقف اليمين المتطرف في المستقبل، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.

والسؤال المطروح الآن: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ فقد تنجو الحكومة من التصويت بحجب الثقة الذي ستتعرض له في البرلمان يوم الإثنين 20 مارس/آذار. وسيصعب على أحزاب المعارضة الحصول على الأغلبية المطلقة المطلوبة دون الجمهوريين اليمينيين، الذين ترفض قيادتهم دعمها. لكن المحللين يقولون إنه لا شيء مؤكداً.

فحتى لو نجت الحكومة، ستتهاوى قدرة ماكرون على تنفيذ برنامجه المحلي. فقد اهتز موقفه بشدة منذ فشل حزبه الوسطي في الفوز بأغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي وسط مكاسب لليمين المتطرف واليسار الراديكالي. وبيّن الخلاف على تعديلات سن التقاعد كيف لا يمكن الاعتماد على اليمين لمساعدة ماكرون في تمرير قانونه.

"هذا اليوم الذي ماتت فيه الماكرونية"

من جهته، قال الصحفي السياسي توماس ليغراند في صحيفة Libération اليومية اليسارية إن هذا كان "اليوم الذي ماتت فيه الماكرونية"، في إشارة إلى أن الرئيس سيواجه صعوبات بالغة في تمرير أي سياسة داخلية أخرى.

وحين تغلب ماكرون على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان وفاز بفترة ولاية ثانية الربيع الماضي، تعهد بتعزيز الإجماع، قائلاً إن الشعب الفرنسي "سئم التعديلات التي تفرض عليه من السلطة". واعتبرت النقابات العمالية هذه الخطابات جوفاء.

وتُمثل تعديلات نظام المعاشات نقطة توتر سياسية لكل رئيس فرنسي؛ لأنها تُعتبر حجر الزاوية لنموذج فرنسا النفيس في الحماية الاجتماعية. لكن تعديلات ماكرون اعتُبرت غير منصفة، وهذا جزئياً بسبب التشوش الذي رافق محاولات الوزراء شرحها للجمهور.

وقالت النقابات العمالية إن عمال المهن اليدوية ذوي الدخل المنخفض سيعانون أكثر من غيرهم جراء رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 لأنهم بدأوا حياتهم العملية في وقت مبكر. أما أصحاب الدخول المرتفعة، الذين يدخلون سوق العمل متاخراً بسبب دراستهم الجامعية، فلن يتأثروا كثيراً لأن كثيرين منهم يتقاعدون في سن 67 للحصول على معاش تقاعدي كامل.

احتجاجات قانون التقاعد أقوى بأضعاف من احتجاجات السترات الصفرات

وفي حين بلغت أعداد المحتجين في حركة السترات الصفراء 200 ألف محتج في أول مظاهرات شعبية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018، حشدت النقابات العمالية في الشهرين الماضيين حوالي 1.28 مليون شخص في مسيرات على مستوى فرنسا خلال شهرين من الإضرابات المتواصلة. وهي تستعد لإضرابات أخرى في الأيام المقبلة ومشاعر الغضب لا تزال متنامية.

يقول فيليب مارتينيز، رئيس نقابة الكونفيدرالية العامة للشغل CGT اليسارية، إنه لو استخدم ماكرون سلطاته التنفيذية لفرض تعديلات قانون المعاش التقاعدي دون تصويت برلماني، فسيعطي "مفاتيح الرئاسة" للوبان عام 2027.

ورغم أن اليسار الراديكالي كان من أبرز الأصوات المعارضة في البرلمان والاحتجاجات، التزم حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه لوبان الصمت، أملاً في تعزيز رصيده، لكنه اتهم ماكرون الأسبوع الماضي بـ "الاستمتاع" بإثارة الفوضى في البلاد.

وتقول صحيفة The Economist البريطانية إن ماكرون لم يكن أضعف من الآن في أي وقت مضى، حيث لم يكن يحلم قط بمثل هذه التكتيكات المُعادية للديمقراطية على نحو صارخ، إذا كان يعتقد أن إصلاحاته غير الشعبية لديها أي فرصة لتمريرها في الجمعية الوطنية. لقد تُرِكَ في مواجهة اقتراحات محتملة بحجب الثقة، ما قد يجبر رئيسة وزرائه وحليفته المقرّبة إليزابيث بورن وحكومتها على الاستقالة. 

ولطالما منتقدو ماكرون بأنه "رئيس نخبة الأثرياء"، وقد منحهم مزيداً من الأدلة التي تعزز هذا الوصف لتهربه من الديمقراطية. ولابد أن ازدراء الجمعية العامة سوف يؤدي إلى اندلاع موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات في جميع أنحاء فرنسا، قد تغير وجه البلاد.

تحميل المزيد