دخلت تونس لحظةً صعبة في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بعد إلقاء القبض على مسؤول نقابي بسبب تنظيمه إضراباً، وشنت الحكومة سلسلة لا هوادة فيها من الاعتقالات ضد المعارضين السياسيين، واتهم الرئيس المعتقلين بـ"التآمر" ضد أمن الدولة، ووصفهم بـ"الإرهابيين" دون تقديم أدلة كافية في معظم الحالات على التهم الموجهة إليهم.
وقد أعطى هذا الزخم لحركة احتجاجية نظمها الاتحاد النقابي في تونس، وهو الاتحاد التونسي للشغل. وفي 4 مارس/آذار، ورد أن الاتحاد حشد أكبر عدد من الناس في أي احتجاجات ضد الرئيس التونسي، قيس سعيد، منذ توليه منصبه، مع احتجاجات كبيرة مماثلة نظمها تحالف الأحزاب السياسية، جبهة الإنقاذ الوطني.
مجلة National Interest الأمريكية توقعت في عدد من السيناريوهات ما يمكن أن يقع في تونس خلال الأشهر القادمة.
4 سيناريوهات يمكن أن يقع أحدها
السيناريو الأول: رحيل قيس سعيد
بحسب المجلة الأمريكية، فإن السيناريو الأول يقوم على إمكانية تنحي الرئيس التونسي، قيس سعيد، طواعية في مواجهة المعارضة المتصاعدة، لكن في نفس الوقت تستبعد ترجحه للغاية في هذه المرحلة.
في حالات أخرى من استقالة بعض القادة في الشرق الأوسط تحت الضغط الشعبي، مثل حسني مبارك في مصر (2011) أو عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر (2019)، كان أصحاب المصلحة المهمون الذين اعتمد هؤلاء الحكام على دعمهم قد أثروا في قراراتهم.
على سبيل المثال، حثَّ الجيش المصري (والولايات المتحدة) مبارك على التنحي، وحثت العشائر الحاكمة القوية في الجزائر بوتفليقة على مغادرة منصبه.
في المقابل، وخاصة منذ أن بدأ توطيد سيطرته على مؤسسات الدولة في يوليو/تموز 2021، بدا سعيد معزولاً وغير قابل للخضوع للتأثير. بافتراض أنه يتصرف باتساق مع سلوكه السابق، فإنه يستمر في إلقاء اللوم فقط، بغض النظر عن أية أصوات تحاول الوصول إلى أسماعه أو ظروف الشارع.
السيناريو الثاني: الحوار الوطني
بحسب السيناريو الثاني للمجلة الأمريكية، فإنه يمكن لسعيد الموافقة على الحوار الوطني، كما يطالب الاتحاد العام التونسي للشغل كما حدث من قبل عام 2013، بعد اغتيالين سياسيين، وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، نظم المجتمع المدني التونسي، بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، حواراً وطنياً للأحزاب السياسية المنقسمة، للتغلب على خلافاتهم في صياغة دستور جديد.
من خلال هذه الآلية، وافق الحزب المسؤول عن الحكومة الائتلافية آنذاك، حزب حركة النهضة الإسلامية على تسليم السلطة إلى حكومة تصريف أعمال مكلفة بقيادة البلاد إلى انتخابات جديدة.
لسوء الحظ، هناك عدة أسباب للشك في أن سيناريو مماثلاً قد يتكشف اليوم. كان السياق في عام 2013 فريداً من نوعه، إذ كانت البلاد لا تزال تسودها الحماسة الثورية بعد الإطاحة بالرئيس السابق بن علي، وكان هناك مطلب شعبي كبير لتحقيق الاستقرار في الأوضاع الأمنية -وهو الأمر الذي أُلقِيَ باللوم فيه على النهضة إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقلاب العسكري في مصر في صيف العام نفسه قد أثَّر بشدة على أذهان قيادة النهضة، التي لم تكن تريد أن تعاني من نفس المصير.
علاوة على ذلك، كان هناك هدف واضح يُنظَّم الحوار حوله، ألا وهو وضع اللمسات الأخيرة على دستور جديد أُطلِقَت عملية صياغته بناءً على توافق من خلال التعبئة الشعبية.
من غير الواضح أي نوع من خارطة الطريق المتفق عليها على نطاق واسع يمكن لحوار جديد أن ينشرها في ظل الظروف الحالية. الاتفاق على دستور جديد أو معدل، أو إجراء انتخابات تشريعية جديدة، لن يكون منطقياً بالنظر إلى أن هذا كان تتويجاً لخارطة الطريق الأحادية التي أعلنها سعيد في ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي تفتقر إلى الشرعية الشعبية، رغم أن سعيد لا يزال يحتفظ إلى حد ما بقاعدة دعم كبيرة.
السيناريو الثالث: الانقلاب العسكري
يستند السيناريو الثالث، بحسب المجلة الأمريكية على الاستيلاء العسكري على السلطة محتمل. سيكون هذا خروجاً واضحاً عن التقاليد في تونس، التي قام رئيسها الأول بعد الاستقلال، الحبيب بورقيبة، بتنمية جيش صغير غير سياسي عن عمد. في عام 2011، ضمن الجيش مكانته كمؤسسة محبوبة عندما رفض، حسبما ورد، إطلاق النار على المتظاهرين، مما دفع بن علي إلى الفرار. منذ ذلك الحين، استمرت القوات المسلحة في التمتع بسمعة طيبة في الوقت الذي تلعب فيه أيضاً دوراً رئيسياً في إعادة إرساء الأمن بعد تصاعد النشاط الإرهابي بين عامي 2011 و2015.
وفي ظل حكم سعيد، وسَّع الجيش من هيبته ودوره في السياسة. الرئيس، الذي انتُخِبَ بدون قاعدة دعم واضحة، كان في حاجة إليه دائماً كحليف. في يوليو/تموز 2021، عندما منعت الدبابات والقوات النواب من دخول مبنى البرلمان بعد حل سعيد للمجلس، تزايد قلق المراقبين من تخلي الجيش عن دوره التقليدي غير السياسي. كل هذا يجعل من الغموض للغاية كيف سيرد الجيش في حالة الاضطرابات المتزايدة.
في حالة حدوث انقلاب عسكري، من غير الواضح أيضاً كيف سيتقدم أولئك الذين يتولون زمام الأمور. من شبه المؤكد أن القوات المسلحة سوف تريد في هذه الحالة تسليم السلطة إلى حكومة مدنية جديدة في أسرع وقت ممكن، لكن إيجاد حكومة انتقالية محايدة سيكون أمراً صعباً نظراً للمشهد السياسي شديد الانقسام. حتى في عام 2013، عندما تشكَّلت حكومة انتقالية فعالة بقيادة التكنوقراط مهدي جمعة، كانت عملية الاختيار محمومة.
وفي حال تدخل الجيش لمنع العنف من الخروج عن نطاق السيطرة، من غير المرجح أن يكون مستعداً للعب مثل هذا الدور.
السيناريو الرابع: الجمود سيد الموقف
السيناريو الرابع هو حالة الجمود التي طال أمدها، والتي تخمد فيها الاعتقالات والاحتجاجات في نهاية المطاف، ويبقى سعيد في السلطة. هذا هو الاحتمال الأرجح، لا سيما بالنظر إلى أن اندلاع العنف على نطاق واسع، على الأقل في هذه المرحلة، لا يبدو وشيكاً. لسوء الحظ، في ظل هذا السيناريو، نظراً لأن سعيد فشل في تحقيق أي تغيير ذي مغزى، فسيهتم بشكل متزايد بحماية سلطته، ستستمر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في التفاقم والانحدار.
بالنظر إلى هذه الآفاق، يجب أن تكون واشنطن مستعدة لدعم تونس اقتصادياً، خاصةً إذا لم يأتِ مقرضون آخرون. يجب أن تستفيد من هذا الدعم الاقتصادي لدفع الرئيس ليكون أكثر شمولاً ويوسع قاعدة الإجماع. يوفر الحوار الوطني الذي يسفر عن نتائج فورية الأمل الأكبر في تهدئة الاحتجاجات والسماح بوضع خطط طويلة الأجل موضع التنفيذ.
لا تمثل الأزمة الحالية في تونس سوى قمة جبل الجليد، حيث تنزلق منطقة شمال إفريقيا/الساحل بأكملها بسرعة إلى حالة من عدم الاستقرار العميق. يجب على الولايات المتحدة العمل مع الشركاء الأوروبيين لتطوير خطة إقليمية أوسع للمصالحة السياسية، وإنفاذ حقوق الإنسان، والتعاون الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.