طيارو أمريكا قد يكونون سعداء بإسقاط طائرتهم.. هل حسمت معركة السوخوي الصراع بين المقاتلات والمسيرات؟

قد يكون الطيارون الأمريكيون سعداء بإسقاط مقاتلة سوخوي روسية لطائرة أمريكية مسيرة فوق البحر الأسود، فهذه المعركة بمثابة إثبات بالنسبة لهم بأن المقاتلات المأهولة لها اليد العليا في السماء، ولكن هل يستمر هذا الوضع أم نرى قريباً طائرة بدون طيار تسقط المقاتلة الأمريكية الأولى إف 35 كما توقع إيلون ماسك.

وجاء "حادث التصادم بين مقاتلة روسية من طراز سوخوي 27 الشهيرة، وطائرة تجسس مسيرة أمريكية، يوم الثلاثاء 14 مارس/آذار 2023، حسب رواية واشنطن، ليمثل تصعيداً خطيراً في حرب أوكرانيا بين القوتين العظميين، ولكنه يظهر أيضاً حدود قدرات الطائرات المسيرة، وبمثابة دعم لأصحاب وجهات النظر القائلة بأن المسيرات لن تكون قادرة يوماً على تحدى المقاتلات البشرية.

الحادث الأول من نوعه.. وأمريكا استدعت السفير الروسي

ويعد إسقاط طائرة أمريكية من طراز إم.كيو9 – ريبار (MQ-9 Reaper)، هو الحادث الأول من نوعه والأخطر بين موسكو وواشنطن منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ودفع واشنطن إلى استدعاء السفير الروسي، الذي انتقد من جانبه تحليق المسيرة الأمريكية قرب شبه جزيرة القرم التي تقول موسكو إنها أرض روسية، بينما تؤكد واشنطن كبقية دول العالم أنها مقاطعة أوكرانية.

بحسب الأمريكيين، فقط سقطت الطائرة الأمريكية (إم.كيو9) بسبب "احتكاك" مع مقاتلة سوخوي روسية (سو-27)، ما أدى إلى سقوطها في البحر الأسود، بينما نفت وزارة الدفاع الروسية أن يكون "حادث تصادم" قد وقع بين طائرة مقاتلة تابعة لها والمسيرة الأمريكية، وأشارت إلى أن سلاح الجو "لم يستخدم الأسلحة ولم يؤثر على المسيرة الأمريكية" التي سقطت في البحر الأسود. 

في المقابل، قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إن المسيّرة الأمريكية حلقت على علوّ منخفض في مناورة "خطيرة"، ثم "اصطدمت بسطح الماء". 

إليك ما نعرفه عن الطائرة "إم كيو 9"

دخلت الطائرة المسيرة الأمريكية "إم كيو 9" الخدمة عام 2007، وهي تتسم بمزايا متطورة تجعل الجيش الأمريكي يعتمد عليها في العمليات العسكرية، فسرعتها تصل إلى 370 كيلومتراً في الساعة، وتستطيع أن تحلق لمسافة تزيد عن 1520 كيلومتراً أو لمدة تصل إلى أكثر من 30 ساعة، ويمكنها أن تطير على ارتفاعات تصل إلى 15 ألف متر (50 ألف قدم)، وفقاً لسلاح الجو الأمريكي.

ويبلغ طول جناحيها 20 متراً، ووزنها يصل إلى أكثر من 2200 كيلوغرام.

وتصنّف الطائرة "إم كيو 9" بالطائرة المتعددة المهام، فهي قادرة على الرصد والمراقبة ومهاجمة أهداف على الأرض، وهي مزودة بمعدات رصد بالليزر، وقادرة على إطلاق 6 صواريخ وقنابل بدقة عالية، ويمكن تسليح هذه المسيرات بصواريخ هيلفاير وكذلك بقنابل موجهة بالليزر.

من الدول التي تم بيع الطائرة MQ-9، لها، فرنسا وإيطاليا وبلجيكا والمغرب.

 أبرز الحوادث المشابهة

وفقدت القوات الأمريكية عدداً من مسيرات إم كيو 9 ريبار MQ-9 Reaper في السنوات الأخيرة، بما فيها أحداث سقطت فيها الطائرة بنيران معادية، حيث خسر الجيش الأمريكي طائرة بدون طيار من الطراز ذاته عندما جرى إسقاطها في 2019 فوق اليمن بصاروخ أرض-جو أطلقه الحوثيون.

كما أسقطت إيران عام 2019، طائرة بدون طيار تستخدمها البحرية الأمريكية للمراقبة، وهي نسخة من RQ-4 Global Hawk التابعة للقوات الجوية، في مضيق هرمز.

ودفعت الواقعة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب إلى التفكير في توجيه ضربة انتقامية، ثم تراجع بعد إصداره قراراً بتوجيه ضربة لإيران.

أول معركة بين مقاتلة عادية وبين طائرة مسيرة وقعت بين دولة عربية وأمريكا

تجدر الإشارة إلى أن أول معركة بين مقاتلة عادية وطائرة بدون طيار كانت بين العراق والولايات المتحدة.

ففي 23 ديسمبر/كانون الأول 2002، أسقطت مقاتلة اعتراضية عراقية من طراز MiG-25 الشهيرة السوفييتية الصنع طائرة بدون طيار تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز MQ-1 Predator، والتي كانت تقوم باستطلاع مسلح فوق العراق. 

كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تشارك فيها طائرة بدون طيار في القتال. كانت الطائرة بريداتور مسلحة بصواريخ AIM-92 Stinger جو-جو، وكان يتم استخدامها "كطعم" للطائرات المقاتلة العراقية، ثم تفرّ لكي تقوم طائرات أمريكية أخرى بإسقاط الطائرات الأمريكية. 

لكن في هذه الحادثة لم تنطلق طائرة بريداتور، وأطلقت بدلاً من ذلك إحدى طائرات ستينجر التي أخطأت، بينما نجح صاروخ الميج 25 الروسي الصنع في إسقاط الطائرة المسيرة. بالطبع لم تكن الطائرة المسيرة الأمريكية متطورة كالمسيرات الموجودة حالياً، ولم تكن تعتمد على الذكاء الصناعي بنفس المقدار الموجود حالياً، ولكنها رغم سقوطها نالت شرف أن تكون أول طائرة مسيرة تواجه طائرة مقاتلة شهيرة كانت من أيقونات الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.

الطائرات المسيرة توشك أن تحيل المقاتلات للتقاعد في مجال القصف الجوي

أسرع مما توقع الخبراء وقادة الجيوش، بدأت الطائرات المسيرة تحل محل المقاتلات والقاذفات في مهام القصف الجوي للأهداف البرية.

وأظهرت الطائرة التركية المسيرة بيرقدار تي بي 2، أنها بديل فعال للطائرات المأهولة بعمليات القصف البري في حروب منخفضة ومتوسطة الكثافة أمام جيوش صغيرة، مثل أرمينيا في حرب القوقاز مع أذربيجان عام 2020، أو جيوش كبيرة ولكن ذات قدرات متأخرة مثل جيش النظام السوري عندما استخدمها الجيش التركي في حرب إدلب 2020، أو ميلشيات كالتي يقودها أمير الحرب الليبي خليفة حفتر، عندما نجحت البيرقدار التي استخدمتها حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً في طرد قواته من العاصمة طرابلس.

ولكن الطائرات المسيرة فاجأت المراقبين والقادة العسكريين على السواء في حرب أوكرانيا، حيث خاضت أول حرب ضد جيش متطور وكبير، بل هو ثاني أقوى جيش في العالم، وألا هو الجيش الروسي.

إذ تألقت طائرات البيرقدار التركية في يد الأوكرانيين في المراحل الأولى للحرب، فيما لجأت روسيا المنتج العملاق للمقاتلات لإيران الدولة النامية لشراء طائرات مسيرة لاستخدامها لقصف أوكرانيا، بعد أن منعت الدفاعات الجوية لكييف المقاتلات الروسية الشهيرة من التحليق بحرية في سماء البلاد.

ولذا يعتقد بعض محللي الدفاع أن الطائرات المسيرة قد تحل محل الطائرات القتالية منخفضة التكلفة في مجال القصف البري تحديداً، كما الأكيد أنها تكاد تكون قد حلت محل المروحيات في هذه المهمة.

ولكن هل تستطيع طائرة بدون طيار هزيمة مقاتلة في معركة جوية؟

غير أن السؤال الأكثر إشكالية هل تستطيع الطائرات المسيرة هزيمة المقاتلات؟ وهل نرى قريباً طائرة بدون طيار مسيرة عن بعد تسقط مقاتلة سوخوي 35 أو إف 35 يقودها طيار بشري مرموق بذلته مزينة بالنياشين.

إنها واقعة لم تحدث بعد، رغم أن الطائرات المسيرة باتت تحمل صواريخ جو-جو.

وذات مرة، سأل اللفتنانت جنرال جون طومسون، رئيس مركز أنظمة الفضاء والصواريخ إيلون ماسك مؤسس شركتي  SpaceX وتيسلا، بشأن ما إذا ستصبح في المستقبل جميع المقاتلات بلا طيار.

وبعدها، أشعل إيلون ماسك الإنترنت في فبراير/شباط 2022 بدعوته إلى صنع طائرة بدون طيار متقدمة يمكنها منافسة المقاتلة الأمريكية الشبحية F-35 التي تعد أكبر مشروع عسكري في التاريخ من حيث التكلفة، توقع أن هذه المسيرة يمكن أن تهزمها تماماً.

نقاط ضعف الطائرات المسيرة

حتى الآن مشكلة أي طائرة بدون طيار أنها تفتقر إلى مهارات اتخاذ القرار السريع التي يمتلكها الطيار البشري، والتحكم في هذه المنصات من مسافات بعيدة يؤدي إلى تأخير إرسال الرسائل واستلامها بواسطة الطائرة بدون طيار.

يجادل مارك جانزينجر، مدير الأسلحة المتقدمة والتقييمات المستقبلية في معهد ميتشل لأبحاث الفضاء في مقال نشرته شركة Breaking Defense، بأنه ليس من المنطقي محاولة ترقية الطائرات بدون طيار إلى مستوى الطائرات القتالية. 

لن يؤدي ذلك إلى رفع تكلفة بناء الطائرات المسيرة فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تعقيد عملياتها بلا داع، حسب قوله في النهاية، بينما تكمن جاذبية الطائرات بدون طيار في تكلفتها الرخيصة نسبياً، ومداها الكبير، وحجمها الذي يسمح بالطيران دون مدرج.

كما يعتبر الطيار المقاتل الحديث من أصعب المهن العسكرية لإتقانها، إذ يحتاج إلى سنوات عديدة من التدريب والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة وردود الفعل التي لا تشوبها شائبة على الفور. بغض النظر عن مدى الكمال في الذكاء الاصطناعي، فإنه لا يمكن أن يحل محل العقل البشري المرن، كما أن مسيري الطائرات بدون طيار عن بعد لا يخضعون لنفس مستوى التدريب، ولا يتعايشون مع الواقع مثل الطيارين.

العدو يمكنه اعتراضها، بل حتى الاستيلاء عليها وتوجيهها نحو مشغليها

ولكن، حتى لو كان الذكاء الاصطناعي قادراً في النهاية على خوض قتال جوي بمفرده، لن يعني ذلك أن يتم حل مشكلة أخرى قد تكون أكبر وهي إمكانية اعتراض الطائرات دون طيار. فتقريباً كل جيش في العالم لديه وسائل اعتراض للمسيرات.

 كما أن الطائرات دون طيار معرضة بشدة لفقدان الاتصالات والتدابير الإلكترونية المضادة، والتأثر حتى بالتضاريس الوعرة. 

ولا يزال العالم غير مستعد لمنح تحكم كامل لجهاز كمبيوتر لطائرة بدون طيار مستقلة. وهناك أيضاً خوف حقيقي من السماح للكمبيوتر باتخاذ قرار إطلاق النار بهدف القتل.

إن تهديد الهجمات الإلكترونية اليوم أقوى من قدرة القاعدة التي تشغل الطائرة المسيرة. قد يكون التأخير في التوجيه أمراً حاسماً إن لم يكن مميتاً. 

علاوة على ذلك، لا يمكن للعدو فقط السيطرة على الطائرة المسيرة والهبوط بها، ولكن أيضاً يمكنه تعطيل تشغيل برامجها، حسبما ورد في تقرير لموقع financialexpress.

بل قد يمكن قرصنتها وإعادة توجيهها لضرب مشغليها!

تفتقد للوعي البشري وبطء رد الفعل.. والأخطر يمكن خداعها

وإحدى الحجج ضد الطائرة بدون طيار هي الافتقار إلى الوعي بالظروف المحيطة بساحة المعركة واتخاذ القرار على الفور.

يقول المارشال الجوي فينود باتيرني، نائب رئيس الأركان الجوية، بسلاح الجو الهندي: "تتمتع الطائرات بدون طيار بمستقبل عظيم، ولكن لا يمكن لأي آلة أن تستنسخ الهبة البشرية المتمثلة في الاكتشاف والوعي بالظروف". 

التكنولوجيا الحالية غير كافية للسماح للطائرات بدون طيار بإصدار أحكام مستقلة ومعقدة في بيئة غير معروفة، وبالتالي يجب ربطها بالحكم البشري، كما يمكن خداع روابط البيانات. 

كما تتمتع الطائرات المقاتلة بمزايا تحديد المواقع والسرعة وفرصة أفضل للقتل جواً. معدل حوادث الطائرات بدون طيار التابع لسلاح الجو الأمريكي عند 0.9 لكل 10000 ساعة هو أسوأ بكثير من 0.2 لكل 10000 ساعة للطائرات المأهولة، حسب موقع sps-aviation.

وتتطلب أي طائرة بدون طيار أيضاً عدداً كبيراً من العاملين لعملياتها. ثمن Global Hawk يبلغ نحو 75 مليون دولار، وهي طائرة بدون طيار أمريكية تعد أكثر تكلفة من العديد من المقاتلات الحديثة.

كما لا تزال الأضرار الجانبية الناجمة عن هجمات الطائرات من دون طيار مرتفعة بنسبة 32%. كادت واشنطن أن تدخل في مشكلة مع باكستان عندما قتل عدد كبير من المدنيين في هجمات لطائرات مسيرة أمريكية.

ولكن هناك مميزات للطائرات المسيرة أمام المقاتلات لا يجب تجاهلها 

 تعد الطائرات بدون طيار هي الأفضل لتنفيذ ضربات على هدف يتم الدفاع عنه بكثافة، كما أنها متفوقة على المقاتلات المأهولة في المهام "المملة والقذرة والخطيرة"، فقدرة التحمل الطويل وعدم وجود طيار بشري، تعني مثلاً أنها تستطيع أخذ العينات الكيميائية والنووية التي تهدد حياة الإنسان.

كما أنه من الناحية النظرية، يمكن أن تصميم أي طائرة من دون طيار منذ البداية لأن تكون أكثر قدرة على المناورة لأنها لا تخضع لقيود القدرات البشرية وغير مثقلة بحمولة وزن الطيار. 

كما أنها قد تكون أقدر على تنفيذ مناورات أخطر من المقاتلات التي يقودها طيارون لأنه يجب الحفاظ على حياتهم، بينما لا خوف على من يسير أي طائرة بدون طيار القابع في قاعدة على بعد آلاف الكيلومترات.

علاوة على ذلك، تعد المسيرات أقل تكلفة من كثير من المقاتلات. بالإضافة إلى ذلك، لا يحتاج مسيرو الطائرة من دون طيار إلى تدريب مكثف ومكلف مثل طياري المقاتلات. 

تركيا تركز على المقاتلات الشبحية المسيرة

رغم الميزات المشار إليها في الطائرة المسيرة للعمل كمقاتلات، مازال هناك القليل من مشروعات لتطوير مقاتلات مسيرة مخصصة للقتال الجوي ومواجهة المقاتلات الأسرع من الصوت عالية المناورة. 

ففي الوقت الحالي، أحرزت دول قليلة أخرى نجاحات في اختبارات تطوير مقاتلات مسيرة باستثناء الصين وأستراليا (عبر فرع بوينغ لديها)، وهناك مشروعات أمريكية وصينية يحيط بها الغموض يعتقد أنها تستهدف تطوير مقاتلات مسيرة ذات سرعات عالية.

ولكن تركيا التي تعد دولة رائدة في الطائرات مسيرة، حققت تقدماً في إنتاج مقاتلات مسيرة في ظل الصعوبات التي تواجهها في شراء مقاتلة حديثة بسبب مشكلاتها مع واشنطن التي استبعدتها من مشروع إنتاج وشراء الطائرة الشبحية إف 35.

واختبرت أنقرة في نوفمبر/تشرين الأول 2022، أول طائرة مسيرة مقاتلة محلية الصنع، وهي الطائرة "بيرقدار قزل إلما" التي تتميز بقدرات شبحية، وينتظر أن تطير بسرعة الصوت، وأن تزود بقدرات قتالية تضاهي المقاتلات الشبحية البشرية، حسبما يقول مسؤولو الشركة التركية المنتجة للمسيرة ومحللون دوليون.

وعلى عكس الطائرات المسيرة الشائعة، فإن المقاتلة التركية المسيرة "بيرقدار قزل إلما" تستطيع إجراء مناورات حادة، وتنفيذ مهام قتالية جو-جو مثلها مثل المقاتلات التقليدية، بحيث تمكن تركيا من تغيير الموازين الحربية الجوية، حسب وكالة الأناضول.

وتصميم الطائرة كما أظهرته الفيديوهات والصور، له عدد من الخصائص المطلوبة في المهام القتالية الجوية التي تقوم بها الطائرات المقاتلة المأهولة الشبحية، حسب ما ذكر الكاتب المتخصص في الدفاع توماس نيدويك، في تقرير نشر بموقع the drive الأمريكي.

ومن المخطط لـ"بيرقدار قزل إلما" أن يصل وزنها إلى 6 أطنان، وتكون قادرة على حمل 1500 كيلوغرام من الصواريخ والذخائر.

كما ستكون المقاتلة التركية المسيرة قادرة على الإقلاع والهبوط على حاملات الطائرات قصيرة المدرج.

الحل قد يكون في تحويل المقاتلات البشرية لطائرات مسيرة

"تحويل الطائرات القديمة لمسيّرات، قد يصبح أحدث تقنيات الحروب الجديدة"، وهي مقاربة بدأ تطبيقها بالفعل في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أفادت تقارير بأن كييف حولت طائرات سوفيتية قديمة لطائرات مسيرة، ونفذت بها هجمات داخل الأراضي الروسية.

فيما تجري الصين تجارب بشأن تحويل طائراتها القديمة لمسيرات منذ سنوات، بطريقة تقلق الولايات المتحدة التي تخشى تعرض حليفتها تايوان لموجة من الغارات بواسطة الطائرات الصينية القديمة المحولة لمسيرات.

إذ يزعم مراقبون غربيون أن الصين حولت بعض مقاتلاتها القديمة من دون طيار (J-6 وJ-7 وJ-8) إلى طائرات مسيرة كجزء من الموجة الأولية من الهجمات لاختراق الدفاعات الجوية التايوانية، حسب ما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.

ولدى الصين طائرة محلية الصنع قديمة يمكن تحويلها إلى طائرة بدون طيار فائقة السرعة لاعتراض القاذفات الأمريكية، وهي المقاتلة الاعتراضية J-8، التي لا تقوم بمهام القتال الجوي التلاحمي، ولكن لديها سرعة عالية تزيد على ضعف سرعة الصوت ورادار أفضل نسبياً لملاحقة القاذفات وطائرات الاستطلاع الأمريكية.

كما قامت الولايات المتحدة بالفعل بتعديل بعض طائراتها من طرازي F-4 و F-16 ليتم تسييرها عن بعد لدخول مناطق خطرة. 

وتحويل الطائرات القديمة لمسيرات غير مكلف كونها مستهلكة، وله فوائد متعددة أخرى مثل الاحتفاظ بجزء كبير من قدراتها القتالية الأصلية وخصائص طيرانها؛ مع تقليل الخسائر البشرية بسبب كونها غير مأهولة، لا يقيدها التعب البشري. وبالمثل، من خلال كونها غير مأهولة، تكون تكلفة صيانتها منخفضة، ولا تحتاج إلى إجراء تدريبات مستمرة للطيارين للحفاظ على مستوى تدريبهم.

كما أن أغلب هذه الطائرات القديمة أسرع كثيراً من الطائرات المسيرة الحالية وأعلى قدرة على المناورة.

كما أن تحويل الطائرات القديمة لمسيرات إحدى مميزاته الاستفادة من هذه الأصول المعطلة، سواء المخزنة أم تلك الموجودة في الخطوط الخلفية، لأنه لا يمكن لها لو كانت مأهولة خوض قتال ضد طائرات وأنظمة دفاعية حديثة، وكثير من الدول في مقدمتها الصين تمتلك أسطولاً ضخماً من الطائرات القديمة التي عفا عليها الزمن.

أو التغيير في تكتيكات القتال عبر خوض حرب عصابات جوية

 يمكن أن يكون التغيير في تكتيكات القتال وسيلة رخيصة لزيادة قوة الطائرات المسيرة أمام المقاتلات.

إذا تتفوق الطائرات المسيرة في رخص الثمن، وبالتالي إمكانية استخدام عدد وحدات أكبر، إضافة إلى القدرة على البقاء فترات أطول في الجو، والأهم عدم القلق من الخسائر البشرية.

كما يمكن أن تستخدم المسيرات في قصف المطارات التي تؤوي الطائرات المقاتلة أي محاولة لتحقيق الهيمنة الجوية عبر قصفها وهي ساكنة على الأرض، في ظل استحالة مواجهة المسيرات للمقاتلات في الجو حتى الآن.

إضافة لذلك يمكن أن يتم تطوير تكتيكات تؤدي لفرض السيطرة الجوية للطائرات المسيرة، باستخدام ميزة طول مداها وطول فترة قدرتها على التحليق عبر استنزاف المقاتلات في معارك طويلة الأمد والمسافات، وباستخدام أساليب الكر والفر، ولكن هذا يتطلب أن يتم توجيه المسيرات عبر الأقمار الصناعية، لأن محطات التوجيه الأرضية قصيرة المدى.

التعاون بين المسيرات والمقاتلات

حتى الآن، لا توجد منصة طائرات من دون طيار متقدمة بما يكفي للعمل مثل المقاتلات المأهولة أو حتى العمل بمرافقة المقاتلات، ولكن قد لا يكون هذا هو الحال دائماً.

في مقال نشرته شركة Breaking Defense، يجادل مارك جانزينجر، مدير الأسلحة المتقدمة والتقييمات المستقبلية في معهد ميتشل لأبحاث الفضاء، بأن الطائرات من دون طيار ليست بديلاً عن الطائرات المقاتلة. 

ويرى أن الطائرات من دون طيار هي إضافة مهمة للطائرات المأهولة. وبحسب قوله، فأي قوات جوية تحتاج إلى مزيج من المركبات الجوية والمأهولة وغير المأهولة من الجيل القادم، فتعاون المقاتلات والمسيرات سيكون مفيداً أكثر من المنافسة والمواجهة بينها. 

الجنرال نورتون شوارتز، الرئيس السابق للقوات الجوية الأمريكية، يرى أن الطائرات من دون طيار المستقبلية ستعمل مستقبلاً تحت سيطرة الطائرات المأهولة. 

ذلك اليوم ليس بعيداً، حيث ستكون هناك تشكيلات مختلطة مأهولة وغير مأهولة، مع طاقم جوي في الهواء يتحكم في سرب من الطائرات من دون طيار ويعطيهم توجيهات واضحة، بما في ذلك التحكم في هجومهم وإطلاق السلاح، حسب ما نقل عنه موقع sps-aviation.

وهذا توجه موجود في فلسفة الجيل السادس من المقاتلات التي لم تخرج بعد للنور في أي دولة.

فهناك مشروع NGAD الأمريكية الذي يوصف بأنه "عائلة من الأنظمة"، حيث تشكل "المقاتلة الشبحية من الجيل السادس" محور النظام، ومن المحتمل أن تكون أجزاء أخرى من النظام طائرات مسيرة مرافقة، لتحمل ذخائر إضافية وأداء مهام أخرى.

وشكلت البحرية الأمريكية مؤخراً أول سرب من القوات المختلطة مع طائرة هليكوبتر مأهولة وطائرات مسيرة من طراز فاير سكاوت.

كما بدأت تركيا في مشروع لإنتاج طائرة مسيرة أسرع من الصوت، من بين مهامها أن تكون معاونة لطائرة القتال الوطنية التركية (MMU)، التي تسعى أنقرة لإنتاجها بحيث تكون الطائرة المسيرة التركية الأسرع من الصوت قادرة على الطيران جنباً إلى جنب مع طائرة القتال التركية (MMU)، وتنفيذ عمليات مشتركة معها، بل سيتمكن الطيار في (MMU) من التحكم وإدارة الطائرات المسيرة الأسرع من الصوت من حوله. 

وقد تصبح الصين أول دولة في العالم تطلق طائرة مسيرة يتم التحكم فيها من المقاتلات التي يقودها الطيارون.

إذ يستعد الجيل الخامس من الطائرات الشبحية الصينية J-20 "Mighty Dragon" ليتم تزويده بقدرات لإدارة وقيادة طائرات من دون طيار.

المستقبل للطائرات المصممة لأن تكون مسيرة أو مأهولة في الوقت ذاته

يُعتقد أن واحدة من السمات الأساسية المنتظرة لطائرات ومقاتلات الجيل السادس الرئيسية ستكون إمكانية أن تعمل من دون طيار، أو يتحكم الطيار أو الملاح الذي يقودها بطائرات مسيرة.

وفي حين أن طائرة أول جيل سادس في العالم يجرى تطويرها وهي القاذفة الأمريكية B-21 ستكون قادرة على الطيران دون طيار، قالت القوات الجوية الأمريكية إن الطائرة معدة لهذا السيناريو، ولكن ليس هناك قرار بعد أن بأن تحلق دون طاقم.

وتطور شركة داسو الفرنسية للطيران Neuron، وهي قاذفة خفيّة أسرع من الصوت من دون طيار، مع إمكانية العمل دون طيار.

مثل هذه الطائرات ذات الاستخدام المزدوج ستساعد على تقليل تكاليف التطوير بشكل كبير وزيادة المرونة التشغيلية، كما قد تكون مرحلة انتقالية بين الطائرات المأهولة والمسيرة، بحيث يمكن توقع أن تكون مقاتلات الجيل السابع التالي مسيرة بالكامل، وقد تعتمد أيضاً على الذكاء الاصطناعي.