صراع محاور خطير قد تتجه له آسيا، ظهرت نذره واضحة في إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات قبيل ساعات من انعقاد قمة تاريخية بين اليابان وكوريا الجنوبية، تهدف لتدشين محور ثلاثي بقيادة أمريكا لمواجهة الصين وبيونغ يانغ، كما تزامنت القمة مع اشتباكات بين سفن يابانية وصينية في المياه المتنازع عليها.
والتقى رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، بنظيره الياباني في طوكيو يوم الخميس في قمة إصلاح العلاقات، وهي أول زيارة من نوعها منذ 12 عاماً؛ حيث تسعى الجارتان لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية وصعود الصين.
ويمكن للقمة اليابانية الكورية الجنوبية، أن تعيد تشكيل الخريطة الاستراتيجية لشمال شرق آسيا، وفقاً للرغبة الأمريكية لتجميع حلفائها ضد خصومها، وتشكيل محور ثلاثي يضم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية يطلق عليه باللغة الإنجليزية "trilateral".
ويقول تقرير لوكالة أسوشيتد برس "AP" الأمريكية إن البلدين الحليفين للولايات المتحدة، اللذين لطالما كانا على خلاف حول تاريخهما، يسعيان إلى تشكيل جبهة موحدة، مدفوعة بمخاوف مشتركة بشأن كوريا الشمالية المضطربة وتصاعد نفوذ الصين.
كوريا الشمالية ترد على القمة والمناورات الأمريكية
وسقط الصاروخ الذي يُعد رابع صاروخ باليستي عابر للقارات تطبقه كوريا الشمالية في أقل من عام واحد في المياه بين شبه الجزيرة الكورية واليابان، وقالت اليابان إن الصاروخ سقط خارج منطقتها الاقتصادية الخالصة، وأنه لم ترد تقارير عن أضرار للسفن والطائرات.
وجاء إطلاق كوريا الشمالية إطلاق الصاروخ باليستي العابر للقارات رداً على ما يبدو ليس فقط على القمة بين اليابان وكوريا الجنوبية بل أيضاًَ رداً على المناورات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة التي نفذت مؤخرا
وتعتبر بيونغ يانغ التدريبات الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة بروفة لغزوها.
وأدان رئيس مجلس الوزراء الياباني، عملية الإطلاق الأخيرة، ووصفها بأنها "عمل طائش" "يهدد سلام وأمن بلدنا والمنطقة والمجتمع الدولي".
أمريكا تريد تدشين محور ثلاثي يضمها مع اليابان وكوريا الجنوبية
تمثل القمة خطوة ذات دلالة كبيرة؛ لأن البلدين رغم أنهما حليفان لأمريكا، فإن بينهما خلافات تاريخية مريرة، ورغم أنهما يشتركان في القلق، من كوريا الشمالية والصين فإن هذا القلق متفاوت في الدرجة والأولوية، حيث تركز سيول على بيونغ يانغ ولكنها ليست مهووسة بالخطر الصيني مثل اليابان وأمريكا، وهي المخاوف التي وصلت ذروتها بالمساعي الأمريكية لمحاصرة بكين تكنولوجياً عبر ما يُعرف بحرب الرقائق التي تريد من خلالها واشنطن فرض اليابان وكوريا قيوداً على تصدير التكنولوجيا للصين.
ولذا بالنسبة لواشنطن، فإن القمة بين اليابان وكوريا الجنوبية هي خطوة حاسمة لإصلاح العلاقات المتوترة بعد عقود من الخلافات، وانعدام الثقة التي تؤثر على قدرة الولايات المتحدة على توظيف الحليفين لخدمة أهدافها السياسية في آسيا.
وقال رئيس الوزراء الياباني في كلمته الافتتاحية إن الاجتماع سيمثل استئناف الزيارات المنتظمة بين الزعيمين المتوقفة منذ أكثر من عقد.
وحتى قبل الخطوة المحورية لتسوية النزاع التاريخي، أبدت سيول وطوكيو استعدادهما لوضع الماضي وراءهما وتعزيز علاقات أوثق.
في 1 مارس/آذار 2022، في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى 104 لحركة الاحتجاج في كوريا الجنوبية ضد الاحتلال الاستعماري الياباني، قال الرئيس الكوري الجنوبي إن اليابان "تحولت من معتدٍ عسكري في الماضي إلى شريك" "يشترك في نفس القيم العالمية".
منذ توليهما المنصب، شرع الزعيمان الكوري والياباني في سلسلة من الأنشطة الدبلوماسية من أجل إصلاح العلاقات الثنائية – وتعميق تعاونهما المشترك مع واشنطن.
في سبتمبر/أيلول 2022، عقد يون وكيشيدا أول قمة بين البلدين منذ 2019 في نيويورك، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اتفقا على تحسين العلاقات.
كما عقد الرئيس الأمريكي، جو بايدن،اجتماعاً على هامش قمة الناتو في إسبانيا، 29 يونيو/حزيران 2022، مع رئيس كوريا الجنوبي يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا.
وقال جويل أتكينسون، الأستاذ المتخصص في السياسة الدولية لشمال شرق آسيا في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية في سيول، في ظل حكم سلف يون، مون جاي إن، كانت علاقة كوريا الجنوبية مع اليابان "صراعاً علنياً"، حسبما نقلت عنه شبكة "CNN" الأمريكية.
وأضاف أتكينسون: "لذا فإن هذه الزيارة مهمة، وترسل إشارة قوية بأنه في ظل إدارة يون، يعمل الجانبان الآن بشكل أكثر تعاوناً".
هل تم حل الخلافات التاريخية المريرة بين اليابان وكوريا الجنوبية؟
الجارتان لديهما تاريخ طويل من الخصومة، يعود إلى الاحتلال الاستعماري الياباني لشبه الجزيرة الكورية قبل قرن من الزمان.
وشدد رئيس الوزراء الياباني، والرئيس الكوري الجنوبي، على أهمية تحسين العلاقات مع افتتاح القمة يوم الخميس.
وفي السنوات الأخيرة، قوضت العلاقات المشحونة بين اليابان في كثير من الأحيان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتشكيل جبهة موحدة بين البلدين ضد كوريا الشمالية والصين.
وقال مسؤولون ومحللون إن رغبة كوريا الجنوبية في حل النزاعات التاريخية باسم تحسين العلاقات مع اليابان مدفوعة إلى حدٍّ كبير بمخاوف بشأن تنامي قدرات كوريا الشمالية وإدارة أي منافسة مع الصين، حسبما ورد في تقرير لوكالة "REUTERS".
ويسعى الجانبان للتغلب على النزاعات التاريخية التي يعود تاريخها إلى الاحتلال الياباني لكوريا من عام 1910 إلى عام 1945.
والقضايا الخلافية بين اليابان وكوريا الجنوبية تضمنت تقليدياً الخلافات الإقليمية والحدودية، والقضايا المتعلقة بالتاريخ، ومشاكل المصالحة، ولكنها توسعت مؤخراً لتشمل القضايا القانونية والاقتصادية والأمنية، وفقاً لمؤسسة Rand الأمريكية البحثية.
وتم تطبيع العلاقات بين اليابان وكوريا في عام 1965، ولكن الخلافات التاريخية لم يتم حلها بل استمرت في التفاقم، ولا سيما حول استخدام اليابان لمصطلحات استعمارية للجرائم التي ارتكبتها بحق الكوريين خلال فترة احتلالها لشبه الجزيرة الكورية، مثل وصف النساء المستعبدات لغرض ممارسة الجنس القسري بـ"نساء المتعة" أو نساء الراحة.
وتظهر استطلاعات الرأي في كوريا أن الكثيرين لا يعتقدون أن طوكيو قد اتخذت الخطوات اللازمة للتكفير عن القضايا الاستعمارية.
ولكن يسعى يون جاهداً لتحسين العلاقات – حتى لو كان ذلك يعني مواجهة الضغط العام المحلي بشأن القضايا المثيرة للجدل والعاطفية للغاية مثل خطة التعويضات.
والآن، يبدو أن أهم حليفين للولايات المتحدة في المنطقة على استعداد لطيّ صفحة جديدة، حسب وصف وسائل الإعلام الغربية.
ففي أحدث بادرة على حسن النية قبل القمة، اتفقت اليابان وكوريا الجنوبية يوم الخميس على إسقاط الخلاف التجاري الذي تسبب في توتر العلاقات منذ سنوات.
كما سترفع اليابان ضوابط التصدير على المواد عالية التقنية المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات ولوحات العرض إلى كوريا الجنوبية، بينما ستسحب سيول شكواها بشأن تلك القيود إلى منظمة التجارة العالمية.
وكانت طوكيو قد فرضت هذه القيود في عام 2019، وسط تصاعد التوترات مع سيول؛ بسبب خلاف مستمر منذ عقود حول العمل القسري في زمن الحرب.
في الأسبوع الماضي، أحرزت كوريا الجنوبية تقدماً في حل هذا النزاع من خلال الإعلان عن خطة تعويض لا تتطلب تدخلاً مباشراً من اليابان؛ حيث أعلنت سيول أنها ستعوض ضحايا العمل الجبري تحت الاحتلال الياباني من عام 1910 إلى عام 1945، من خلال مؤسسة عامة تمولها الشركات الكورية الخاصة، بدلاً من مطالبة الشركات اليابانية بالمساهمة في التعويضات.
ورحبت اليابان بهذه الخطوة وأشاد بها البيت الأبيض.
لكن التقدم الملموس بين البلدين قد يكون بشأن كوريا الشمالية وغيرها من التنسيق الأمني، فضلاً عن التعاون الاقتصادي لدعم سلاسل التوريد.
ويُنظر إلى الخلافات بين كوريا الجنوبية واليابان على أنها لا تقوض فقط الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتقديم جبهة موحدة ضد النفوذ الصيني المتزايد، ولكن أيضاً تمنع الحليفين للولايات المتحدة من فعل المزيد لتأمين سلاسل التوريد عالية التقنية المعزولة عن الصين.
وقال يون إن التعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة في سلاسل التوريد بين اليابان وكوريا الجنوبية سيُسهم بشكل كبير في الأمن الاقتصادي.
كيف ستتعاملان مع كوريا الشمالية؟
يرجع جزء كبير من التقارب بين الجارتين إلى تعميق المخاوف الأمنية بشأن الاختبارات الصاروخية المتكررة لبيونغ يانغ.
يشير المحلل الياباني أكوتسو هيروياسو إلى ما يصفه بالتهديد الوجودي المتزايد الذي تشكله كوريا الشمالية على اليابان في ظل الزيادة السريعة في عدد وأنواع ونطاقات الصواريخ الباليستية التي تمتلكها، فضلاً عن ترسانة النظام النووية المتنامية والمتنوعة. كما بات الجيش الكوري الشمالي يستخدم الأدوات الإلكترونية والقدرات العسكرية التقليدية التي تزيد من قوته بطرق تثير قلق الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
وقال رئيس كوريا الجنوبية قبيل القمة بيوم "هناك حاجة متزايدة لدى كوريا واليابان للتعاون في هذا الوقت في ظل أزمات متعددة مثل تصاعد التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية وتعطيل سلاسل التوريد العالمية".
هل بدأ إنشاء حلف الناتو الآسيوي؟
سبق أن اتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بمحاولة تأسيس حلف "الناتو الآسيوي" بالتعاون مع كوريا الجنوبية واليابان، وأنها تريد نقل تجربة التوتر من أوروبا لشرق آسيا.
ورغم نفي رئيس كوريا الجنوبية أن يكون تعزيز علاقة بلاده مع اليابان هو تحالف.
ولكن هناك مؤشرات على عمليات تنسيق عسكرية عالية المستوى، يمكن اعتقادها شكل من أشكال التحالف.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اتفقت كوريا الجنوبية واليابان على تبادل المعلومات الاستخبارية في الوقت الفعلي حول إطلاق الصواريخ في كوريا الشمالية، والتي يقول الخبراء إنها ستساعد كلا البلدين على تتبع التهديدات المحتملة بشكل أفضل.
وتتمتع أجهزة الاستشعار في كوريا الجنوبية عادة برؤية أفضل لوقت انطلاق الصاروخ، بينما يمكن لليابان في كثير من الأحيان تتبع مكان هبوطه بشكل أفضل.
وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع اليابانية إن مسؤولين من الدول الثلاث سيجرون محادثات في واشنطن الشهر المقبل لمناقشة تفاصيل تبادل المعلومات العسكرية.
وقال رئيس كوريا الجنوبية: "لردع التهديدات النووية والصاروخية الأكثر تطوراً لكوريا الشمالية، يتعين علينا زيادة تعزيز التعاون الأمني بين جمهورية كوريا والولايات المتحدة واليابان".
الولايات المتحدة واليابان تحاولان جر كوريا إلى نزاعهما مع الصين
السؤال الأصعب في هذا التحالف هو الصين؛ لأن الجانب الأهم بالنسبة لواشنطن هو حشد حلفائها الآسيويين ضد تحدي بكين، وهو أمر بدأت تستجيب له اليابان التي لديها تاريخ من النزاعات مع بكين، وارتكبت بحق الشعب الصيني خلال الحرب العالمية وقبلها فظائع مماثلة لما فعلته بالكوريين.
ولكن تاريخياً كوريا الجنوبية أقرب ثقافياً للصين، وليس لديها نفس المرارة تجاهها، كما أنه لا تريد التورط في القيود الأمريكية على التجارة مع الصين لاسيما في مجال أشباه الموصلات؛ لأنها قد تضرها تجارياً.
وقال رئيس وزراء اليابان إن البلدين اتفقتا على استئناف الحوار الدفاعي والمحادثات الاستراتيجية بين نواب الوزراء، مع استئناف عملية الاتصالات الثلاثية بين اليابان وكوريا الجنوبية والصين.
وقال جويل أتكينسون، الأستاذ المتخصص في السياسة الدولية لشمال شرق آسيا في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية في سيول، إنه بصرف النظر عن التهديد النووي الكوري الشمالي المتزايد، يبدو أن الصين كانت عاملاً كبيراً في استعداد يون لمواجهة رد الفعل المحلي العنيف على صفقة التعويضات اليابانية.
وأضاف: "إن إدارة الرئيس الكوري تقول لشعبها إن الأمر لا يتعلق باليابان فقط، بل يتعلق بالانخراط مع تحالف أوسع من الديمقراطيات الليبرالية"، حسب تعبيره.
ويزعم أتكينسون أن ما مهد الطريق لتغيير الموقف الشعبي في سيول تجاه بكين ما يصفه بأنه تنمر ومعاملة متعجرفة يشعر بهما الكوريون الجنوبيون من جانب الصين لبلدهم، فضلاً عن سحقها لاحتجاجات هونغ كونغ والتهديدات الموجهة لتايوان.
ولا يمكن التأكد من أن ذلك هو السبب، فقد تكون الدعاية الغربية المكثفة المشيطنة لبكين ساهمت في تغيّر موقف الرأي العام بكوريا إذا افترضنا أنه تغيَّر أصلاً.
أمريكا تطير فرحاً وهكذا خططت لهذه القمة.. وهكذا تنظر بكين لها
تعد العلاقات الدافئة بين اليابان وكوريا الجنوبية أنباء سارة لواشنطن، التي تدفع باتجاه المحور الثلاثي الآسيوي، ولكنها بمثابة تطور مثير للقلق بالنسبة للصين، التي اتهمت واشنطن بقيادة حملة لاحتواء تطورها وقمعها.
وقال رام إيمانويل، سفير الولايات المتحدة لدى اليابان، لشبكة CNN الأمريكية، الخميس، إن عملنا معاً ليس فقط على الجبهة السياسية، ولكن على الجبهة الاستراتيجية، على جبهة الردع، وهذا ما يخيف كوريا الشمالية، ولا تريد الصين حدوثه، حسب تعبيره.
وضغطت واشنطن من أجل المصالحة، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية قال إن الترتيبات الأخيرة كانت نتيجة مناقشات ثنائية بين اليابان وكوريا الجنوبية.
ومنذ تنصيب الرئيس الكوري الجنوبي في مايو/أيار من العام الماضي، حددت إدارة بايدن وتيرة شبه ثابتة للاجتماعات الثلاثية رفيعة المستوى، حسبما قال كريستوفر جونستون، رئيس برنامج اليابان في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي التابع للرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقال: "لقد ساعد هذا الإيقاع في تعزيز الشعور القوي بالمصالح والقيم المشتركة التي تمتد إلى ما هو أبعد من معالجة التهديد الكوري الشمالي"، مشيراً إلى المحادثات الثلاثية الأخيرة حول الأمن الاقتصادي والتعاون في التقنيات الحيوية.
وقال مسؤول بوزارة الدفاع اليابانية إن المسؤولين الأمريكيين يريدون من كوريا الجنوبية واليابان التعامل بشكل أفضل مع التهديد الكوري الشمالي ومساعدة واشنطن في التركيز على الأولويات الأخرى.
بعض الكوريين غير راضين عن هذا التوجه
وتحاول الولايات المتحدة واليابان توريط كوريا الجنوبية بشكل أكبر في خلافاتهما مع بكين بالتركيز على انتقاد المناورات العسكرية الصينية حول تايوان، متجاهلين أن المناورات الأخيرة سببها زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية السابقة نانسي بيلوسي المثيرة للجدل لتايبيه، وهي الزيارة التي قال الجيش الأمريكي إنها تؤثر على أمن المنطقة، حسب بايدن نفسه.
كما يتم التركيز على المخاطر الصينية المزعومة، على مضيق تايوان وأهميته لكوريا واليابان، دون الإشارة إلى أن الغرب يتخلى تدريجياً -دون إعلان رسمي- عن سياسة الصين الواحدة، ويدعم استقلال تايوان، حتى لو لم يقل ذلك.
هدف أمريكا على ما يبدو خلق تحالف آسيوي واسع يجمع كل حلفائها ضد كل خصومها؛ بل أكثر تحالف عابر للقارات يضم آسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا، تختلط فيه القضايا، فيقاطع فيه حلفاؤها الآسيويون روسيا، بينما يشارك حلفاؤها الأوروبيون في الحرب التجارية ضد الصين ومحاولة احتواء أنشطتها العسكرية في المحيط الهادئ.
ولكن هذا التوجه الأمريكي يقابل باستجابات مختلفة الدرجات بين طوكيو وسيول.
إذ يتهم بعض النقاد الرئيسَ الكوري الجنوبي بتبني عقلية الحرب الباردة التي تقودها الولايات المتحدة تجاه الصين وروسيا وكوريا الشمالية، والتي قد تؤدي إلى انجرار كوريا الجنوبية إلى صراعات إقليمية.
وقال كيم جون هيونج، المستشار السابق للأكاديمية الدبلوماسية الكورية الوطنية: "إن كوريا الجنوبية تنحاز بالفعل وتدخل الحرب الباردة.. يمكن أن تكون هذه مشكلة أكبر، لأنه في حدوث أزمة في تايوان، ستكون كوريا الجنوبية متورطة".
وقال الرئيس الكوري الجنوبي إنه إذا كانت هناك حرب في تايوان، فإن أولوية كوريا الجنوبية ستكون الحماية من كوريا الشمالية التي تستغل الوضع.
يعلم الكوريون أنهم أكثر المتضررين من المحور الثلاثي المقترح، ليس فقط بسبب احتمال تأثر علاقتهم التجارية بالصين، ولكن لأن هذا يعني استبدالهم لعدو واحد صغير الحجم حتى لو مدجج بالسلاح (كوريا الشمالية) بعدوين؛ أحدهما عملاق اقتصادي وعسكري.
وفي أحسن السيناريوهات، فإن استعداء الصين قد يعني أنها بدلاً من دورها حالياً، كحليف كوريا الشمالية يهدئ سلوكها لسلوكها، إلى حليف محرض.
ومع استمرار التحريض الأمريكي ضد الصين، قد تستغل الأخيرة بوينغ يانغ كورقة ضد المحور الثلاثي الذي تؤسسه واشنطن، وقد تكون كوريا الجنوبية هي الساحة التي سترسل عبرها بكين الرسائل لواشنطن ومحورها، وفي الأغلب بواسطة الصواريخ الكورية الشمالية.