كيف تحولت السعودية إلى ساحة جديدة لمعركة الاستثمارات التقنية بين أمريكا والصين؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/15 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/15 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش
مؤتم "هاك" للتقنية والأمن السيبراني في السعودية، 2021/ واس

أحدثت الابتكارات التقنية تحولات كبيرة في ديناميات الجغرافيا السياسية العالمية على مدار العقد المنصرم. إذ نشهد منافسةً تقنية بين القوتين العظميين الصين والولايات المتحدة حالياً، مع تداعيات ستؤثر على العالم بأسره. وكما هو حال كل حربٍ تحتاج إلى ساحة معركة، سنجد أن معركة التقنية الناشئة تحتاج إلى منصةٍ هي الأخرى أيضاً، حتى تتمكن القوى التقنية من استعراض نقاط قوتها وتحقيق انتصاراتها.

وقد فتحت السعودية ذراعيها لاحتضان هذه الوضع، كما يقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، إذ وضعت الرياض رؤية 2030 التي تسعى لتنويع الاقتصاد بزيادة التركيز على الابتكار، وجعلت التحول الرقمي من أهدافها الرئيسية. لكن الواقع الجيوسياسي المعاصر يفرض على الرياض اعتناق الدبلوماسية، والاستقلال الاستراتيجي، مع منظور متعدد الأقطاب. وهناك ما يكفي من الأسباب لإقناع الجميع بأن السعوديين أصبحوا مستعدين لذلك.

السعودية أصبحت ساحة المنافسة الجديدة على الابتكارات والاستثمارات التقنية

تنظم المملكة مجموعة من أكبر المنتديات والمنصات العالمية في مجال التقنية، ومنها المنتدى الدولي للأمن السيبراني، ومؤتمر ليب على سبيل المثال. لكن الرياض رتبت أوراقها الداخلية بالاعتماد على أُطر العمل السياسية والاستراتيجية القوية، قبل أن تتحول إلى مركزٍ للاهتمام العالمي بالتقنية. وانعكس ذلك في تصنيفها بالمركز الثاني على مؤشر الأمن السيبراني العالمي من الاتحاد الدولي للاتصالات.

وبعد إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني عام 2017، أنشأت الرياض الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في 2019. ثم أطلقت برنامج "سايبرك CyberIC" في 2022، لتطوير قطاع أمنها السيبراني بتوطين هذه التقنية وتشجيع الشركات الناشئة المحلية في هذا المجال.

مؤتمر تقني في السعودية تشارك به شركة هواوي الصينية/ تويتر

واختُتِم مؤتمر ليب 2023 مؤخراً، بعد أن أعطانا لمحةً عن حجم المصالح والتقدم الذي أحرزته الصين داخل واحة التقنية السعودية. إذ عرضت هواوي أحدث حلولها المبتكرة تحت شعار "إطلاق العنان الرقمي"، واستعرضت ابتكاراتها في العلاقة بين الطرفين والتطبيقات الصناعية بمجموعةٍ من مجالات التركيز الأساسية للرياض، ويشمل ذلك قطاعات النفط والغاز والحوكمة. كما أعلنت سحابة هواوي Huawei Cloud عن خططها لاستثمار 400 مليون دولار في إنشاء البنية التحتية بالبلاد، على مدار السنوات الخمس المقبلة.

وتُمثّل السعودية منصةً لهواوي من أجل تقديم أحدث التطورات التي حققتها في المجال السحابي والذكاء الاصطناعي. ويتجلى ذلك من خلال افتتاح ثاني متاجر هواوي داخل السعودية في مطلع فبراير/شباط من العام الجاري. علاوةً على ذلك، جرى إطلاق جمعية رواد الأعمال السعودية الصينية لتقوية الشراكة بين البلدين أكثر. حيث تضم الجمعية أكثر من 100 شركة، وهيئة حكومية، ومؤسسة أكاديمية، ومنظمة أهلية من السعودية والصين.

ووصفت وسائل الإعلام الصينية جمعية رواد الأعمال بأنها ستلعب دوراً محورياً في دفع النمو المتواصل للتحول الرقمي، سواءً داخل السعودية أو الصين. بينما يُنظر إلى الجمعية في السعودية باعتبارها خطوةً حاسمة نحو الشراكة الاستراتيجية السعودية الصينية، وذلك على صعيد التقنية والابتكار.

هل نشهد عودةً أمريكية للخليج العربي؟

تقول مجلة "ناشونال إنترست" إن الولايات المتحدة حوّلت انتباهها إلى منطقة المحيطين الهندي-الهادئ في العقد الماضي، نظراً لتراجع اعتمادها على الشرق الأوسط في تلبية احتياجات الطاقة. لكن واشنطن بدأت تُعيد إحياء شراكاتها الاستراتيجية الإقليمية، في ضوء انفصالها المتسارع عن الصين. ويتجلى ذلك من خلال الإعلانات الأخيرة عن مجموعة "آي 2 يو 2" مثلاً، وتوسيع نطاق "اتفاقات أبراهام" لتشمل التعاون السيبراني.

وفي مايو/أيار عام 2022، التقى وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي بنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للشؤون السيبرانية والتقنيات الناشئة، وذلك من أجل مراجعة جهود تعزيز الشراكة وتطوير التعاون الثنائي على صعيد الأمن السيبراني والتقنيات الناشئة. وفي يوليو/تموز، وقعت السعودية والولايات المتحدة على "بيان جدة"، الذي يُحدد أوجه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين خلال العقود المقبلة. وأشار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى أن السعودية ستستثمر في التقنيات الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة، من أجل تطوير شبكات اعتمادية وآمنة للجيلين الخامس والسادس، سواءً داخل المملكة أو في الدول النامية، وذلك بالتنسيق مع مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي.

ويُنظر إلى هذه الاتفاقيات باعتبارها دفعةً لجهود الاحتواء الأمريكية، في مواجهة الانتشار المتسارع للتقنيات الصينية داخل المنطقة.

هل هناك قطب تقني ثالث؟

اتسعت العلاقات الهندية-السعودية على الجبهات السياسية، والدبلوماسية، والتقنية في السنوات الأخيرة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، ذكر المنسق الوطني للأمن السيبراني في الهند، الفريق راجيش بانت، أن السعودية والهند ستوقعان على مذكرة تفاهم قريباً، من أجل تعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني. وأوضح أن المحادثات الثنائية بين البلدين تتقدم بثبات. وتتمتع العديد من الشركات الهندية الكبرى بوجود قوي في السعودية، ومنها Tata وWipro وTCS، وتصطف العديد من الشركات الأخرى الآن للاستفادة ببعض عروض الاستثمار في الرياض. وتجلى ذلك خلال مؤتمر ليب 2023، الذي شهد مشاركة أكثر من 45 شركة هندية، مع وفدٍ من اتحاد الصناعات الهندية.

كما التقى وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي بنظيره الهندي على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، مطلع العام الجاري. حيث ناقش الثنائي تقوية الشراكة الاستراتيجية الهندية-السعودية في مجالات التقنية، والابتكار، وريادة الأعمال الرقمية. وفي مؤتمر ليب الذي اختُتِمَ مؤخراً، أكّدت شركة Tech Mahindra الهندية على نتائج اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي بتوقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، من أجل إنشاء "مركز تميز للبيانات، والذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية" في الرياض. بينما أعلنت Zoho Corp عن خططها لتعزيز استثماراتها في السعودية.

اتجاهات عام 2023 التقنية في السعودية

تعرضت القطاعات الصناعية الحيوية في السعودية لسيلٍ من الهجمات السيبرانية خلال السنوات الأخيرة. وأشارت إحدى التقديرات إلى تعرُّض 54% من المنظمات السعودية لحوادث أمنية أثرت على أعمالها التجارية، بينما تعرضت أكثر من 56% من منظمات البلاد لهجمات برمجيات الفدية في عام 2021. 

وتتجاوز نسبة غير السعوديين الـ50% داخل القوى العاملة بقطاع تقنية المعلومات السعودي، بينما تركز الرياض على تشجيع الجامعات للاستثمار المكثف في مناهج تعليمية تُزود الطلاب بالمهارات السيبرانية اللازمة. كما شهد العقد الماضي توظيف وتدريب السعوديين داخل الشركات العالمية الكبرى، فضلاً عن تشجيع السياسات الحكومية اليوم لتوظيف المواهب المحلية بكل قوة. 

علاوةً على توقيع الحكومة السعودية لاتفاقية مع المنتدى الاقتصادي العالمي من أجل استكشاف التعاون في مجال الأمن السيبراني، بالإضافة إلى اتفاقٍ مع الأمم المتحدة لتمكين الأطفال في المجال السيبراني.

وبدأت الرياض تحوُّلها إلى مركز اقتصادي للتقنيات العالمية المتنافسة، بفضل تماسكها الاستراتيجي القوي على الساحة الداخلية. وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي، أكّد وزير المالية السعودي على أن بلاده يُمكنها أن تمثل قناة اتصال بين الصين والولايات المتحدة، في خضم تصعيد التوترات الجيوسياسية. 

وتُعَدُّ الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً قديماً للسعودية، لكن الصين وقعت اتفاقية شراكة استراتيجية مع الرياض في ديسمبر/كانون الأول عام 2022. ووصف وزير الخارجية الصيني الاتفاقية بأنها "إنجاز سيُغير مجرى تاريخ العلاقات الصينية العربية". وتتمتع شركة هواوي باختراقٍ واسع النطاق للمنطقة، مما يزيد الصعوبات على الوافدين الجدد. لكن الشراكة الجديدة المبنية على أطر العمل التقني مع الولايات المتحدة قد تساعد في تعويض تقدم الصين.

ومن الواضح أن هناك 3 دول تسعى لتطوير وتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الرياض. وربما تُعزز الولايات المتحدة والهند شراكتهما الثنائية ضمن إطار مبادرة التقنيات الحرجة والناشئة، لكننا سنرى ما إذا كنا سنشهد إطاراً لشراكة استراتيجية ثلاثية بين الهند والولايات المتحدة والسعودية. أما في الوقت الراهن، فيبدو أن جميع الطرق التقنية تُؤدي إلى الرياض.

تحميل المزيد