أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تفاصيل اتفاق أوكوس لتزويد أستراليا بغواصات نووية، بينما أصدر رئيس وزراء بريطانيا، من أمريكا، تصريحات هي الأكثر عدائية تجاه الصين، فإلى أين يتجه هذا التصعيد؟
الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أعلنوا الثلاثاء 14 مارس/آذار، تفاصيل خطة لتزويد أستراليا بغواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية، في خطوة رئيسية على طريق المواجهة مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
وفي اليوم ذاته، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطاباً بمناسبة بدء ولايته الثالثة، تعهد فيه بتحويل الجيش الصيني إلى "سور عظيم من الصلب"، وهي العبارة التي وضعتها شبكة CNN عنواناً رئيسياً لتغطيتها لخطاب شي، فماذا يحدث؟ وهل أصبحت المواجهة، التي يبدو أن واشنطن تسعى إليها، وشيكة؟
ما قصة الغواصات النووية لأستراليا؟
هذا التجمع لزعماء الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا هدف إلى الكشف عن تفاصيل خطة لتزويد أستراليا بغواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية، وذكر بيان مشترك أن بايدن وألبانيزي وسوناك صدقوا على خطط من أجل ما يسمى مشروع "أوكوس"، في قاعدة سان دييغو البحرية بولاية كاليفورنيا، الميناء الرئيسي للأسطول الأمريكي في المحيط الهادي.
وأضاف البيان أن الولايات المتحدة تعتزم أن تبيع لأستراليا بموجب الاتفاق ثلاث غواصات أمريكية، تعمل بالطاقة النووية، من فئة فرجينيا، التي تنتجها شركة جنرال ديناميكس في أوائل العقد الثالث من القرن الحالي، مع إمكانية شراء غواصتين أخريين إذا لزم الأمر.
وقال البيان المشترك أيضاً إن المشروع متعدد المراحل سيُتوج بإنتاج بريطانيا وأستراليا وتشغيلهما فئة جديدة من الغواصات من طراز إس.إس.إن-أوكوس، وهي غواصة "من تطوير الأطراف الثلاثة"، تعتمد على تصميمات الجيل التالي البريطانية، وسيتم إنتاجها في بريطانيا وأستراليا، مع تزويدها بتقنيات أمريكية "متطورة".
وشدد بايدن في الحفل الذي أقيم في سان دييغو على أن الغواصات ستعمل بالطاقة النووية، لكنها لن تكون مزودة بأسلحة نووية، وقال "هذه الغواصات لن تحمل أسلحة نووية من أي نوع".
وبحسب ألبانيزي وبيان صدر من بريطانيا، ستتسلم بريطانيا أول غواصة من طراز إس.إس.إن-أوكوس، في أواخر العقد الثالث من القرن الحالي، في حين ستتسلم أستراليا أولى غواصاتها في أوائل العقد الرابع. وقال البيان البريطاني إن الغواصتين ستكونان من إنتاج شركتي بي.إيه.إي سيستمز ورولز رويس.
"أوكوس" هي شراكة أمنية ودفاعية بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، هدفها غير المعلن هو حصار الصين، وإن اعتبرتها فرنسا "طعنة في الظهر"، والسبب صفقة الغواصات التي خسرتها باريس وفازت بها واشنطن ولندن.
واتفاقية أو مبادرة "أوكوس" هي اختصار للبلدان الثلاثة- أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- باللغة الإنجليزية AUKUS، وتم الإعلان عنها من جانب قادة تلك الدول مساء الأربعاء، 15 سبتمبر/أيلول 2021، وهي عبارة عن شراكة دفاعية وأمنية جديدة، قالوا إن هدفها "حماية مصالحهم" في المحيطين الهندي والهادي.
ورغم أنه عندما تم الإعلان عن "أوكوس" أول مرة، لم تأتِ بياناتها على ذكر الصين بالاسم، وكان الغضب الفرنسي هو العنوان الأبرز وقتها، لدرجة أن باريس هددت وقتها بالانسحاب من الناتو، والسبب بطبيعة الحال هو تراجع أستراليا عن صفقة الغواصات الفرنسية، واستبدالها بغواصات أمريكية وبريطانية، إلا أن بكين حذرت وقتها من عقلية الحرب الباردة، معتبرة أن تلك الاتفاقية موجهة إليها بالأساس.
تصعيد بريطاني تجاه الصين
عندما وقعت اتفاقية أوكوس عام 2021، كان بوريس جونسون رئيساً لوزراء بريطانيا، ولم تصدر تصريحات عدائية تجاه الصين، وإنما ركز على الجانب الاقتصادي للصفقة، وكيف أنها توفر آلافاً من فرص العمل للشركات البريطانية، لكن ريشي سوناك بدا وكأنه يقرع طبول الحرب ضد الصين بصورة لافتة.
إذ قال رئيس الوزراء البريطاني في مقابلة مع برنامج (نايتلي نيوز)، على قناة إيه.بي.سي الأمريكية، بثت الإثنين 13 مارس/آذار، إن الصين تمثل "أكبر تهديد تمثله دولة لمصالحنا الاقتصادية"، وأضاف "إنه تحد عام للنظام العالمي".
تزامنت تصريحات سوناك مع وجوده في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، مع نظيره الأسترالي والرئيس الأمريكي جو بايدن، للكشف عن تفاصيل خطة تزويد أستراليا بالغواصات الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية.
وفي حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، قال سوناك: "جاءت زيادة التمويل للقوات المسلحة البريطانية، لأن العالم أصبح أكثر تقلباً، وارتفعت حدة التهديدات لأمننا".
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني أيضاً أن الإنفاق الدفاعي في البلاد سيرتفع بنحو خمسة مليارات جنيه إسترليني خلال العامين المقبلين، لكنه لم يقدم إطاراً زمنياً يتفق مع بقائه في مركزه، لزيادة الإنفاق إلى 2.5% من الدخل القومي.
وقال سوناك أيضاً: "الصين دولة ذات قيم مختلفة اختلافاً جذرياً عن قيمنا، وتمثل تحدياً للنظام العالمي، ولهذا السبب من الصواب أن نكون متيقظين لذلك، ونتخذ خطوات لحماية أنفسنا… الدفاع عن قيمنا وحماية مصالحنا".
وأضاف أن الحكومة أخذت على عاتقها "التحدي" الذي تمثله الصين على محمل الجد، موضحاً أن المملكة المتحدة اتخذت إجراءات بما في ذلك منع الاستثمار الصيني في القطاعات الحساسة، مثل مشروع أشباه الموصلات.
ثم عاد سوناك للحديث عن كيف أنه، عندما كان مستشاراً للحكومة، قد قام بالإشراف على "أكبر زيادة في الإنفاق الدفاعي منذ نهاية الحرب الباردة"، وأن الحكومة "زادت الإنفاق كل عام منذ ذلك الحين"، مضيفاً: "نحن من أكبر المنفقين على الدفاع في أي دولة في العالم، والأكبر في أوروبا، وسيظل الحال كذلك".
لكن لدى الضغط عليه بشأن ما إذا كان الطموح لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الدخل القومي لا معنى له دون تحديد إطار زمني، قال رئيس الوزراء: "ينبغي الحكم على الحكومة بناء على أفعالنا".
حزب العمل المعارض أشار، من جانبه، إلى أن الإنفاق الدفاعي لم يصل إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، منذ أن ترك الحكومة في عام 2010. وتهدف المملكة المتحدة حالياً إلى إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع كل عام، وفقاً لأحدث الأرقام. ووصف وزير خارجية حكومة الظل ديفيد لامي الطموح بأنه "وعد آخر بلا معنى"، و"بلا خطة ولا جدول زمني".
كما أعرب بعض النواب من حزب المحافظين عن قلقهم بشأن مستوى الاستثمار في القوات المسلحة، إذ قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم، توبياس إلوود: "إن المملكة المتحدة كانت أعلى ميزانية وقت السلم، في وقت كان العالم ينزلق نحو حرب باردة جديدة".
ماذا عن رد فعل الصين؟
على الجانب الآخر، تزامن هذا الإعلان الغربي عن زيادة الاستعدادات لمواجهة باتوا يرونها قريبة على ما يبدو، مع الخطاب الأول للرئيس الصيني شي جين بينغ، بعد بداية ولايته الثالثة رسمياً، وقد جاء الخطاب متحدياً هو الآخر.
قال شي، خلال الجلسة الختامية لاجتماعات البرلمان: "لا بد أن نرفع من قدرات جيش التحرير الشعبي، ليتحول إلى سور عظيم من الصلب، قادر على حماية السيادة الوطنية والأمن ومصالح التنمية"، بحسب تغطية شبكة CNN للخطاب.
وحذر شي مما وصفها بالمخاطر التي تتعرض لها الصين، وقال أمام نحو ثلاثة آلاف نائب تجمعوا في قصر الشعب في بكين: "الأمن هو أساس التنمية، في حين أن الاستقرار شرط أساسي للازدهار".
كما انتقد الزعيم الصيني "القوى الخارجية" التي تتدخّل في تايوان، وهو الملف الأكثر سخونة في العلاقات بين واشنطن وبكين. فالصين تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها بموجب سياسة "الصين الواحدة"، وتقول بكين إن الأمر الأكثر حساسية وأهمية في علاقاتها بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تقوم سياسة الولايات المتحدة على الاعتراف بأن "الصين واحدة"، ولا تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع تايوان.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها منذ عقود، منذ وصل بايدن إلى البيت الأبيض.
إذ إن بايدن هو أول رئيس أمريكي يحدث تغييراً جذرياً في سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان، وهي السياسة التي تحمل عنوان "الغموض الاستراتيجي"، أي أن واشنطن لا تكشف عن نواياها في حالة إقدام بكين على ضم تايبيه بالقوة، وهو ما تشير إليه الصين بإعادة التوحيد، بينما تصفه الولايات المتحدة بالغزو.
فالرئيس الأمريكي كرر أكثر من مرة أن واشنطن سوف تتدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان في حالة إقدام الصين على محاولة إعادتها لبر الصيني الرئيسي بالقوة، وهو ما تراه بكين "لعباً بالنار"، لكن الواضح الآن أن ملف تايوان، على خطورته، لم يعد النقطة الساخنة الوحيدة بين أمريكا والصين، فالحرب الباردة بينهما أصبحت حديث العالم، فهل تتحول إلى مواجهة عسكرية أخرى بينما لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا تعصف بحياة أغلب البشر؟