الإمارات وإيطاليا.. ماذا يعني رفع مستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/13 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/13 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا/ رويترز

أعلنت الإمارات وإيطاليا رفع مستوى العلاقات بينهما إلى الشراكة الاستراتيجية، مع التركيز على مجالي الطاقة والدفاع، فماذا تطمح روما إلى تحقيقه من هذا الارتقاء بمستوى العلاقات؟ وما أهداف أبوظبي؟

موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي نشر تقريراً حول اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وإيطاليا، الذي تم الإعلان عنه يوم 4 مارس/آذار 2023، وما يطمح كل منهما إلى تحقيقه من تلك الشراكة.

وجاء الإعلان عن هذا التحول الاستراتيجي في علاقات البلدين خلال اجتماع بين رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، في قصر الشاطئ في أبوظبي.

ما الذي تسعى إيطاليا إلى تحقيقه؟

تأتي هذه الاتفاقية في سياق جهود إيطاليا لتوسيع علاقاتها الاستراتيجية في منطقتي البحر المتوسط والشرق الأوسط المرتكزة على تأمين إمدادات الطاقة من جهة، وملف الهجرة من جهة أخرى.

ومنذ تولي رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، منصبها نهاية العام الماضي، قامت الحكومة الإيطالية بسلسلة من الزيارات الرفيعة لدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تستهدف التعاون في مجال الطاقة، منها على سبيل المثال؛ توقيع إيطاليا في يناير/كانون الثاني الماضي صفقة غاز بقيمة 8 مليارات دولار مع ليبيا.

كما وقعت إيني عملاق النفط والغاز الإيطالي مع الجزائر عدة صفقات لزيادة صادرات الجزائر من الغاز إلى إيطاليا، وكذلك تواصل إيني زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من مصر.

وتستهدف إيطاليا، على المدى القصير، التخلص من واردات الغاز الروسي، وفي المدى المتوسط تصدير فائض الغاز المستورد إلى أوروبا، والتحول إلى مركز إمدادات الغاز للقارة، الأمر الذي يمنح روما مكاسب اقتصادية وجيوسياسية في الاتحاد الأوروبي.

كانت قضية الغاز قد أثارت الذعر في جنبات القارة الأوروبية منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وهو ما تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية" خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر". إذ كانت أوروبا تعتمد بشكل أساسي على واردات الغاز الروسي.

نورد ستريم أوروبا أمريكا روسيا
خط أنابيب نورد ستريم لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا/ رويترز

إذ كانت روسيا تغطي 40% من إمدادات الغاز المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي قبيل الحرب، وكانت غالبية إمدادات الغاز تصل عبر شبكةٍ من خطوط الأنابيب. وعاشت حكومات الاتحاد الأوروبي كابوساً حقيقياً خلال سعيها لتأمين بدائل للغاز الروسي، في ظل الحاجة أولاً لتطوير شبكة خطوط أنابيب القارة لاستقبال الواردات من الدول المصدرة القريبة الأخرى، ثم تأمين الإمدادات نفسها في ظل ارتفاع الأسعار وشح المعروض.

وفي هذا السياق تسعى كل دولة أوروبية، ومنها إيطاليا بطبيعة الحال، إلى تأمين مصادر مستدامة للغاز كبديل للغاز الروسي. وإيطاليا مرشحة بقوة إلى لعب دور البطولة في هذا المجال، نظراً لموقعها الجغرافي القريب من مصادر الغاز الطبيعي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط من جهة، وإمكانية تطوير البنية التحتية لديها لنقل فائض الغاز إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي.

ملف الهجرة الهاجس الأكبر لحكومة جورجيا ميلوني

الملف الآخر الرئيسي على أجندة حكومة ميلوني اليمينية هو ملف الهجرة. فجورجيا ميلوني، أول سيدة تحكم إيطاليا، تقود تحالفاً من اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين بشكل عام.

وتزامن فوز التكتل اليميني في إيطاليا بالانتخابات البرلمانية مع مرور قرن على استيلاء الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني على السلطة، وحزب "إخوة إيطاليا"، بقيادة ميلوني، ترجع أصوله إلى الحركة الاجتماعية الإيطالية التي أسسها فاشيون سابقون في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولسياساته المعادية بشدة للهجرة. ولا يزال رمز الحزب يحتوي على شعار الحركة (الشعلة ثلاثية الألوان)، وكان بعض أحفاد موسوليني من بين مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة.

وفي هذا السياق، يأتي ملف الهجرة، أو بمعنى أدق منع الهجرة غير الشرعية، على رأس أولويات حكومة ميلوني. وبحسب الإحصائيات الأوروبية والإيطالية، يأتي نحو ثلث تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من السواحل الليبية، وهو ما يطرح تساؤلاً بشأن علاقة التحالف الاستراتيجي المعلن عنه بين إيطاليا والإمارات وبين ملف الهجرة.

في هذا السياق، يمثل استقرار الأوضاع في ليبيا ووجود حكومة موحدة وقوية أهمية خاصة ضمن الأجندة الخارجية لحكومة ميلوني. ويتحقق ذلك من خلال استمرار دعم روما لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ومحاولة الوصول إلى أجندة دولية واحدة تجاه الأزمة الليبية.

الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية عبر سواحل البحر المتوسط نحو أوروبا/ Getty

وتأمل روما، في هذا السياق، أن يؤدي التقارب الإيطالي الإماراتي لمزيد من التعاون في الملف الليبي، لاسيما أن ثمة توافقاً نسبياً بين الجانبين إزاء الأزمة الليبية، بعد أن شهدت الشهور الماضية بعض التحولات في السياسة الإماراتية تجاه ليبيا، الأمر الذي تجلى في دور الوساطة الدبلوماسية، الذي لعبته أبوظبي بين الدبيبة والقائد العسكري خليفة حفتر ومحاولاتها لوضع ترتيبات تقاسم السلطة بين الطرفين.

ويمثل هذا التوجه الجديد تحولاً جذرياً في السياسة الإماراتية القديمة تجاه الملف الليبي، حيث كانت تتشارك الإمارات مع مصر وفرنسا في تقديم دعم غير محدود لخليفة حفتر، والعمل على تقويض حكومة الوحدة الوطنية. ويصب هذا التحول في السياسة الإماراتية تجاه الملف الليبي في مصلحة الأهداف الإيطالية فيما يتعلق بملف الهجرة.

ماذا تريد الإمارات من الشراكة مع إيطاليا؟

أما من الجانب الإماراتي، فتأتي هذه الخطوة ضمن مستهدفات أبوظبي لتنويع شراكاتها الإقليمية والدولية؛ في إطار سعي الإمارات منذ أواخر عام 2019 إلى توجيه سياستها الخارجية نحو تصفير المشاكل وإقامة تحالفات صغيرة ومتنوعة تستند على مزيج من المصالح التجارية والاقتصادية والأمنية.

وتتضمن هذه السياسة، على سبيل المثال، اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع كل من الهند وإسرائيل وتركيا، ومبادرة التعاون الثلاثي بين الإمارات وفرنسا والهند، وقبل ذلك التحالف الرباعي (I2U2) بين أبوظبي وواشنطن ونيودلهي وتل أبيب.

وتمنح استراتيجية العمل مع عدد قليل من الشركاء المختارين الإمارات القدرة على تسريع الاستثمارات الضخمة في التجارة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية ومشاريع الطاقة.

ولا تسعى الإمارات فقط من وراء سياستها المرتكزة على الاقتصاد والشراكات المتنوعة إلى تعظيم دورها كمحور إقليمي للتجارة والبنية التحتية، ولكن الأهم من ذلك ترغب أبوظبي –خاصة في سياق التنافس الاقتصادي الإقليمي مع السعودية– في التحول إلى دولة محورية تربط سلاسل الإمداد والتوريد بين القارات؛ ومن ثم تعظم دورها على المستوى الإقليمي والدولي.

الإمارات
محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات/ Getty Images

إذ كانت الإمارات ولعقدين من الزمان محط أنظار المستثمرين ورجال الأعمال عبر العالم، نظراً للتسهيلات التي تقدمها الدولة الخليجية الثرية وخاصة إمارة دبي التي يمكن أن يطلق عليها العاصمة الاقتصادية، ولكن في الآونة الأخيرة لجأت الإمارات إلى فرض بعض القرارات الاقتصادية والتي قد تحرمها بعض الامتيازات خاصة في ظل الانفتاح الذي تعيشه السعودية.

وتنذر خطة الإمارات تطبيق ضريبة خاصة بالشركات بتبديد إحدى مزايا البلد للشركات الأجنبية، في وقت تمر خلاله السعودية بمرحلة انفتاح وتحث الشركات متعددة الجنسيات على نقل مقراتها الإقليمية إلى أراضيها.

وفي حين تربط الإمارات نفسها أكثر بالاقتصاد العالمي، تستغل السعودية مكانتها كأكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد عربي لجذب رؤوس الأموال، ومنحت الشركات حتى 2024 لإنشاء مقرات إقليمية في الرياض أو المخاطرة بخسارة عقود مربحة.

وكان موقع Responsible Statecraft الأمريكي قد نشر تحليلاً عنوانه "التوترات الإقليمية المتصاعدة تسلط الضوء على توازن عمل الإمارات"، رصد كيف يسمح تعدد الأقطاب المتزايد في العالم لدولة الإمارات بالعمل على كلا الطرفين في نزاعات عديدة، ومدى فرص نجاح استدامة هذا النهج، في ظل التحديات المرتبطة بذلك التحول.

فمن خلال تعميق علاقاتها مع إسرائيل على وجه الخصوص، تمكَّنت الإمارات من تفادي الضغط الأمريكي الذي تواجهه أبوظبي بهدف فك الارتباط مع إيران وروسيا ودول أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى عزلها. إلا أنه في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وكل من إيران والفلسطينيين، قد تواجه جهود أبوظبي للسير في مسار وسطي تحديات متزايدة وصعبة للغاية.

تحميل المزيد