عام 2015 قال الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، خلال تعليقه على الاتفاق النووي آنذاك، إنه كان الخيار الأفضل والبديل الأحسن لصراع عسكري قد يؤدي إلى اضطرابات كبرى في الاقتصاد العالمي.
لم يكن هذا التصريح بتلك الأهمية في ذلك الوقت، إلا أن الظروف الراهنة أعادت التصريح إلى سياقه الحقيقي، وفقاً لمجريات الأحداث الحالية، خاصة مع فشل إحياء الاتفاق النووي الإيراني وتهديد مسؤولين إسرائيليين عدة بقصف البنية التحتية النووية في إيران إذا وصلت لحد القدرة على تصنيع الأسلحة النووية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وضع انحياز إيران نحو خط الصين وروسيا في مواجهة المزيد من مخاطر التدخل المسلح بفتح جبهات جديدة للصراع.
التهديدات الغربية
التهديدات الغربية بتوجيه ضربات استباقية لإيران عادت من جديد مع تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها عثرت في منشآت إيرانية على آثار لجزيئات يورانيوم عالي التخصيب، بنسبة تصل إلى 84%. وهذه أقرب نسبة بلغتها إيران في سبيل الوصول إلى عتبة 90% المطلوبة لإنتاج الوقود، ما قد يوحي بأن طهران قد اقتربت على الأقل من قدرة تجميع قنبلة نووية بدائية، علماً أن قوة إيران الرئيسية الهجومية تكمن في ترسانتها الصاروخية، وليس سلاحها الجوي.
لا يمكن ربط التوتر القائم بين الغرب وإيران بالقدرات النووية التي وصلت إليها طهران في الآونة الأخيرة، فقد وصلت العلاقات بين الغرب وإيران إلى أدنى مستوياتها، وتصاعدت التوترات بشكل حاد في الأشهر الستة الماضية، في وقت تعثرت فيه مفاوضات إحياء الاتفاق النووي والتي ذهبت في مهب الريح.
ناهيك عن تعامل السلطات الإيرانية مع احتجاجات داخلية تقول طهران إن أيادي غربية وإقليمية تحركها، ما عزز نظرية طهران التي أصبحت مقتنعة تماماً بأن الغرب يريد تغيير نظام الحكم حسب الرواية الإيرانية.
ومما سبق لم يتم الانجرار وراء سيناريو المواجهة المباشرة، لكن هذا الاحتمال يتضاءل مع استمرار البرنامج النووي الإيراني، رغم التهديدات الغربية بتقديم ضربات استباقية، وهو ما بات مرجحاً بقوة، خاصة مع الصمت الذي تلتزمه الدول الأوروبية جراء الصراع القائم في المنطقة والتي لطالما عملت على إخراج الولايات المتحدة وإسرائيل من حافة الصراع المباشر مع إيران، إلا أنها اختارت الصمت هذه المرة بشأن مخاطر الضربات العسكرية المحتملة.
إيران وأزماتها الداخلية والخارجية
إيران اليوم وبالرغم من الأزمات التي تتخبط فيها داخلياً وخارجياً، إلا أنها استطاعت تحقيق تقدم يقلق الغرب كثيراً في ملفها النووي، وبعد أن أظهرت قدرتها على كبح ومواجهة الاحتجاجات التي تعم المحافظات الإيرانية.
ناهيك عن الترسانة الضخمة للأسلحة، لتنتقل بذلك إلى مرحلة مختلفة تماماً جعلتها تؤمِّن سماءها بمنظومة صاروخية غاية في الدقة وتجنب بلادها مخاطر هجومات جوية عسكرية.
لكن ما سبق لا ينفي أن إيران فتحت المجال أمام المزيد من الخطر المقلق الذي يجر المنطقة نحو صراع لا يمكن توقع نتائجه ليس فقط على الأطراف المعنية به؛ بل يتعدى تأثيره إلى الدول المجاورة كسوريا، والتي تتلقى ضربات بين الحين والآخر، الغاية منها استهداف مواقع عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية.
ومع فشل إحياء الاتفاق النووي الإيراني والذي يعتبر أحد أهم المؤشرات على انتهاء الحلول السلمية، ما يجعلنا نتذكر ما فعلته أمريكا من قبل مع العراق؛ حينما دخلت في مفاوضات مطولة مع العراق استمرت لمدة عام؛ للتغطية على استعدادها العسكري ثم أعلنت فشلها لاحقاً ونفذت ضربتها.
لكن أمريكا تعي جيداً أن إيران ليست العراق ولا يمكن مقارنة قوة البلدين فالفرق شاسع، خاصة أن إيران قدمت ما قيل إنها تنازلات، أبرزها السماح بإعادة تركيب كاميرات مراقبة سبق نزعها في مواقع نووية عديدة.
وفقاً لما قاله مندوب إيران لدى الوكالة الذرية "محسن نذيري"، والذي أكد التزام طهران بمد الوكالة بالمعلومات التي تحتاج إليها ضمن الأطر الملزمة قانونياً، غير أن هذه التطمينات لم تدُم طويلاً.
فقد خرج وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" بتصريح آخر قال فيه إن العقوبات الأحادية الجانب على بلاده فقدت تأثيرها وتحولت إلى سلاح مهترئ، بحسب تعبيره، ما يرجح فرضية كون إيران تساير الغرب، لكن لن ترضخ له، وأنها ماضية في مشروعها النووي رغم كل العراقيل.
إلى ذلك وعكس سابقيها تتعامل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن بشكل مغاير تماماً عن أسلافها الرئيسين السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما، اللذين سعيا خلال فترة حكمهما لعرقلة العمل العسكري الإسرائيلي الذي هدد بجر واشنطن إلى مواجهة إقليمية مباشرة أخرى مع إيران.
بالرغم من أن بايدن لم يهدد إيران مباشرة فإنه قال علانية إنه سيحرر إيران، وهي التصريحات التي فتحت الباب على مصراعيه لمزيد من التأويلات إلى ما ينوي إليه بايدن تجاه إيران.
ورغم خطورتها يمكن أن تنجح الضربات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في تأخير برنامج إيران النووي، لكنها ستكون ذات تأثير ضعيف بالنظر إلى أن أهم منشآت إيران النووية أصبحت موجودة تحت الأرض لتجنب التخريب.
كما أن تقرير المخابرات الأمريكية أفاد بأنه غير قادر على معرفة المواقع النووية الإيرانية بشكل تام فكثير منها سري، والظاهر منها محمي بالدفاع الجوي الإيراني، لتبقى بذلك مسألة توجيه ضربة استباقية لإيران رهن المستجدات، ولا يمكن توقع ما يمكن حدوثه بين اللحظة والأخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.