تأتي جولة وزير الدفاع الأمريكي في الشرق الأوسط وسط أجواء مفعمة بالتوتر، في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وعبر المنطقة، فماذا يريد أوستن من زيارته للأردن ومصر وإسرائيل؟
بدأ لويد أوستن، الأحد 5 مارس/آذار، جولته في المنطقة بزيارة الأردن، ووصل إلى مصر الأربعاء، بعد أن قام بزيارة لم تكن معلنة للعراق، تزامناً مع مرور عشرين عاماً على الغزو الأمريكي لبغداد، ويختتم جولته في الشرق الأوسط بزيارة إسرائيل.
وقال مسؤولون أمريكيون إن زيارة وزير الدفاع لويد أوستن للشرق الأوسط تهدف بشكل أساسي إلى التأكيد للحلفاء الرئيسيين على الالتزام الأمريكي تجاه المنطقة، على الرغم من تركيز واشنطن في الآونة الأخيرة على روسيا والصين.
ماذا يريد أوستن من زيارة الأردن؟
خلال زيارته لمركز تدريب مشترك بالقرب من العاصمة الأردنية عمّان، قال أوستن للصحفيين: "لقد أثبتنا مراراً أن بإمكاننا زيادة القدرات بسرعة في أي جزء من العالم عند الحاجة، خاصة هنا في الشرق الأوسط، لأننا نعمل هنا منذ أكثر من 20 عاماً".
وقال جنرال مشاة البحرية الأمريكية المتقاعد فرانك ماكنزي، الذي ترأس القوات الأمريكية في الشرق الأوسط حتى العام الماضي، لـ"رويترز"، إن المنطقة مهمة للولايات المتحدة جزئياً بسبب دور الصين المتنامي.
وأضاف ماكنزي، الذي يرأس الآن معهد الأمن القومي والعالمي التابع لجامعة ساوث فلوريدا: "أعتقد أن هذه الرحلة مثال ممتاز لفرصة مواصلة إبلاغ الناس في المنطقة أنهم ما زالوا مهمين بالنسبة لنا".
وكانت الولايات المتحدة، التي لطالما كانت فاعلاً مهماً في الشرق الأوسط، قد انشغلت بالمسائل الدولية الأخرى خلال إدارة الرئيس جو بايدن، بما في ذلك الهجوم الروسي على أوكرانيا والقلق بشأن النشاط العسكري الصيني بالقرب من جزيرة تايوان ذاتية الحكم.
ونشرت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية تقريراً ذكرت فيه أن وزير الدفاع الأمريكي سيناقش الملابس الإيراني والأوضاع بالضفة الغربية المحتلة، والصين خلال زيارته لإسرائيل.
كما ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أنَّ أوستن ناقش مخاوفه بشأن تصاعد التوترات في الأراضي الفلسطينية، خاصةً الضفة الغربية والقدس المحتلتين، خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يوم الأحد 5 مارس/آذار.
فمع اقتراب شهر رمضان وعيد الفصح، سعى الوسطاء الأجانب إلى تخفيف التوترات التي تصاعدت بعد أن عاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى السلطة على رأس ائتلاف يميني هو الأكثر تشدداً في تاريخ الدولة العبرية.
والأردن حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وشهدت مدينة العقبة الأردنية مؤخراً اجتماعاً أمنياً، شارك فيه مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون وأردنيون ومصريون مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية، بغرض تهدئة التوترات، لكن الواضح أن تلك الاجتماعات لم تحقق أياً من أهدافها، في ظل إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة إجراءاتها "الاستفزازية" بحق الفلسطينيين.
فمنذ أن تولت حكومة إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو وعضوية وزراء ينتمون إلى المستوطنين ولهم مواقف متطرفة معلنة من أمثال إيتمار بن غفير وبلتسئيل سموتريتش وغيرهما، اقتربت الأمور من حافة الانفجار وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال.
ورغم انشغالها عن المنطقة بصراعات القوى الكبرى سواء مع روسيا أو الصين، سارعت إدارة بايدن بإرسال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة؛ في محاولة لاحتواء الموقف، وتكررت زيارات المسؤولين الأمريكيين أيضاً والهدف واحد، ويعتبر أيضاً جزءاً من أهداف زيارة أوستن للمنطقة.
رسالة أوستن إلى الحكومة الإسرائيلية
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يضغط أوستن، الذي يصل إسرائيل الخميس 9 مارس/آذار، على القادة الإسرائيليين لتهدئة التوترات في الضفة الغربية. وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير لوكالة Reuters، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "سيتحدث [أوستن] أيضاً بصراحة تامة مع القادة الإسرائيليين عن مخاوفه بشأن دوامة العنف في الضفة الغربية، ومشاوراته بشأن الخطوات التي يمكن للقادة الإسرائيليين اتخاذها لاستعادة الهدوء الهادف قبل الأعياد القادمة".
ويمكن تلخيص ما تقوم به الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل في عدة محاور أساسية، أولها التوسع في الاستيطان بالقدس الشرقية والضفة الغربية، وهو انتهاك صارخ ومباشر للقانون الدولي. أما المحور الثاني فهو إطلاق العنان للمتطرفين من المستوطنين، الذين وصفهم مسؤول إسرائيلي بارز هو يائير لابيد (رئيس الوزراء السابق) بأنهم "إرهابيون يهود"، كي ينكلوا بالفلسطينيين ويحرقوا منازلهم، وكل ذلك في حماية شرطة وجيش الاحتلال. أما المحور الثالث فهو الإسراع بعمليات تهويد القدس من خلال تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، مثل حي الشيخ جراح وسلوان وغيرهما.
غرانت روملي، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال للصحيفة الإسرائيلية: "آمل أن تعكس هذه الزيارة فهماً بأنَّ المنافسة مع الصين وروسيا لا تقتصر فقط على المحيط الهادئ وأوروبا، لكنها تحدث بالفعل في المنطقة. لذلك، فإنَّ الظهور على مثل هذا المستوى الرفيع بالمنطقة مهم في دحض الرواية القائلة إننا نحول تركيزنا بعيداً عن الشرق الأوسط".
من جانبه، أعرب برادلي بومان، كبير مديري مركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، عن توقعاته بأن "يستمر الإسرائيليون في فعل ما كانوا يفعلونه لبعض الوقت، وهو تسليط الضوء على إيران، وكيف أنها تقترب أكثر فأكثر، من امتلاك قدرة أسلحة نووية".
وقال بومان: "ويتساءل كل من الشركاء العرب والإسرائيليين عمّا إذا كانت الولايات المتحدة جادة في قولها إنها لن تسمح لإيران أبداً بامتلاك سلاح نووي، وعند أية نقطة ستكون طهران قد تجاوزت الحد الذي يضطرنا إلى اتخاذ إجراء؟ لذلك أتوقع أنَّ أوستن سيتلقى حديثاً مطولاً من الإسرائيليين بشأن هذه المسألة".
وتابع بومان: "أظن أنَّ الإسرائيليين سيؤكدون أيضاً أنهم بحاجة إلى مزيد من طائرات إف-35، وتسليم طائرات إف-15 إي إكس وبوينغ كيه سي-46 في أسرع وقت ممكن. وهم يحتاجون إلى أن تدمج الوحدات الأمريكية في قوامها طيارين إسرائيليين ومراقبين ورؤساء طواقم المُدرَبين على بوينغ كيه سي-46، وإلى نشر بوينغ كيه سي-46 الأمريكية بالتناوب في إسرائيل؛ حتى يتمكن الإسرائيليون من البدء في الاستعداد لها. وسيجادلون على الأرجح بأنهم يريدون مزيداً من الذخائر المُوجَّهة بدقة في المخزونات الأمريكية المُخزَّنة مسبقاً في إسرائيل. وهذه بعض القضايا الخاصة بالدفاع، التي أظن أنَّ الوزير أوستن سوف يسمع عنها".
ويتوقع بومان أيضاً أن يعطي أوستن جواباً صادقاً بالقول إنَّ "الولايات المتحدة تواجه بعض تحديات القاعدة الصناعية الدفاعية. ولأننا نحاول في الوقت نفسه إجراء التحديث الأهم منذ 40 عاماً في الولايات المتحدة بينما نحاول تقوية وضعنا في المحيطين الهندي والهادئ، أثناء تسليح أوكرانيا، بينما نسعى لإحباط محاولات السيطرة على تايوان. لذا سيقول إننا ننظر في تسريع معالجة ذلك. والحقيقة هي أنَّ أمريكا في خضم أزمة قاعدة صناعية دفاعية لنا ولحلفائنا. وسيتطلب الأمر وضع قاعدتنا الصناعية الدفاعية على عتبة زمن الحرب للبدء في معالجة بعض من هذا".
وأشار كبير مديري مركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أنَّ التعاون بين روسيا وإيران سيكون من القضايا الأخرى محل النقاش.
وأوضح بومان: "صارت إيران وروسيا حالياً أقرب مما كانتا عليه في الذاكرة الحديثة، ولا تقدم طهران أسلحة لموسكو لاستخدامها في أوكرانيا بدافع الصدقة. ستطلب جمهورية إيران الإسلامية أشياء ملموسة في المقابل من موسكو، بما في ذلك القدرات العسكرية. وهذا من شأنه جعل إسرائيل والولايات المتحدة وشركائها العرب متوترين للغاية، ونأمل تسريع الجهود لبناء هيكل أمني إقليمي مشترك فعال".
وفي هذا الصدد، قال الرئيس والمدير التنفيذي للمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي مايك ماكوفسكي: "من الواضح أنهم سيتحدثون عمّا يحدث في الضفة الغربية والعنف هناك. لكني أعتقد أنَّ القضية الأهم بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ستكون قضية إيران".
وأضاف ماكوفسكي: "أعتقد أنَّ قضية التهديد الإيراني هذه تحجبها جميع التغطيات عن الإصلاحات القضائية لحكومة نتنياهو. وهذا أمر مفهوم، لكنني أعتقد أنه من وجهة نظر استراتيجية، فإنَّ قضية إيران واليورانيوم المُخصَّب بدرجة 84% هي الأكثر إلحاحاً، التي تهُم إدارة بايدن كثيراً أيضاً".
وأعرب ماكوفسكي عن اعتقاده أيضاً أنَّ "الإدارة الأمريكية قلقة للغاية بشأن احتمال أن تقرر إسرائيل شن هجوم على إيران. وأعتقد أنه في النهاية، تفضل إدارة بايدن قبول إيران نووية على الهجوم لمنع إيران نووية".
ماذا يريد وزير الدفاع الأمريكي من مصر؟
أما في القاهرة، التي وصل إليها أوستن الأربعاء، فقد تحدثت مصادر أمريكية عن أن أوستن يستعد لتوصيل رسالة واضحة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول ضرورة احترام حقوق الإنسان، في تأكيد لقلق واشنطن بشأن هذه القضية. وقال المسؤول الدفاعي الأمريكي لـ"رويترز": "أتوقع تماماً أن يتحدث (وزير الدفاع) عن حقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية".
وهناك حملة منذ فترة طويلة على المعارضة السياسية، شملت المنتقدين الليبراليين والإسلاميين، خلال حكم السيسي، وحجبت الولايات المتحدة قدراً صغيراً من المساعدات العسكرية للقاهرة، مشيرة إلى التقاعس عن تلبية شروط حقوق الإنسان. وقد دفعت جماعات حقوق الإنسان إلى حجب المزيد.
بينما يقول الرئيس المصري إن أمن مصر له الأولوية وإن الحكومة تعزز حقوق الإنسان من خلال توفير الاحتياجات الأساسية مثل الوظائف والمساكن.
وتقدم الولايات المتحدة لمصر منذ فترة طويلة، مساعدات عسكرية وغيرها من المساعدات، منذ أن وقعت أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979. وظلت القاهرة حليفاً وثيقاً لواشنطن في المنطقة.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي لـ"رويترز": "لا ينبغي أن تحصل مصر على حرية مطلقة في التصرف من الولايات المتحدة بينما تواصل انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، وآمل أن ينتهز وزير الدفاع أوستن هذه الفرصة لإيصال تلك الرسالة إلى الرئيس السيسي".
وتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بوضع حقوق الإنسان في قلب سياسته الخارجية، وضغط مدافعون عن الحقوق على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر صرامة في التعامل مع السيسي.
لكن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين يقولون إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخذ سوى خطوات محدودة ضد مصر وحلفاء آخرين بشأن قضايا حقوق الإنسان إذا أرادت تجنب اكتساب قوى منافسة نفوذاً على الساحة.
وأوضح مايكل مولروي المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): "ربما ببساطة، وبدافع الضرورة، يتحركون نحو روسيا أو الصين أو أي دولة أخرى يعتبرونها بديلاً عن الولايات المتحدة، وحينها سيقل اهتمامهم بمحاولة الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان".