باتت احتمالات الحرب بين إيران وأمريكا وإسرائيل أقرب من أي وقت مضى، في ظل أكبر مناورات بين واشنطن وتل أبيب في تاريخ البلدين، فهل تستطيع أمريكا وإسرائيل منع طهران الوصول للقنبلة النووية عسكرياً، أم تتجهان لإسقاط النظام.
وتصاعدت التوترات بشدة في الأشهر الستة الماضية بشأن برنامج إيران النووي، وذلك بعد أن تعرقلت المحادثات النووية، وتقديم إيران طائرات مسيّرة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا، ثم حملة القمع التي شنَّتها على المتظاهرين في البلاد.
وفي الوقت نفسه، فقد صارت طهران مقتنعةً بأن الغرب يبذل وسعه لدعم أجندة تغيير النظام الحاكم.
وربما كان الطرفان يأملان في تجنُّب التصعيد- بالاعتماد على تفاهم بلا اتفاق واضح وبلا أزمة في البرنامج النووي في الوقت نفسه- لكن هذا الاحتمال ما انفكت فرصه تتناقص، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Foreign Policy الأمريكية.
إيران اقتربت من العتبة النووية
وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها عثرت في منشآت إيرانية على آثار لجزيئات يورانيوم عالي التخصيب، بنسبة تصل إلى 84%. وهذه أقرب نسبة بلغتها إيران في سبيل الوصول إلى عتبة 90% المطلوبة لإنتاج الوقود النووي المستخدم في صنع الأسلحة.
وأثارت تقارير غربية مخاوف من أن هذا المستوى من اليورانيوم قد يعني أن طهران قد اقتربت على الأقل من قدرة تجميع قنبلة نووية بدائية، يمكن أن تُحمل على طائرة وليس صاروخاً، علماً أن قوة إيران الرئيسية الهجومية تكمن في ترسانتها الصاروخية، وليس سلاحها الجوي.
وفي المقابل، أوردت الأخبار أن الحكومة الإسرائيلية تختبر القدرة على شن ضربات عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، وتسعى إلى استمالة الولايات المتحدة للمشاركة في الهجوم على إيران. وتشير سلسلة الهجمات التي شنَّتها إسرائيل الشهر الماضي إلى أنها عازمة على المضي قدماً في مساعي التصعيد.
وشنت إسرائيل مؤخراً هجوماً على منشآة عسكرية في مدينة أصفهان الإيرانية، وذلك بعد انتهاء أمريكا و"إسرائيل" من مناورة سميت "جونيبر أوك 2023″، هي الأكبر تاريخياً بين الجانبين، والتي امتدت لأسبوع، وشملت استخدام القاذفات بعيدة المدى، والاستهداف الدقيق، والتزود بالوقود في الجو، كما شملت التدريب على تطوير القدرات الهجومية ذات الصلة بالبنية التحتية النووية لإيران.
والعديد من القدرات التي تم عرضها في المناورات كانت مشابهة بشكل لافت للنظر لتلك التي قد تحتاجها إسرائيل لشن ضربات بعيدة المدى على المواقع النووية الإيرانية، كما أشار محللون عسكريون ومسؤولون أمريكيون سابقون.
لكن المواجهة العسكرية ستكون كارثية، ولذلك يجب تجنُّبها قبل فوات الأوان، فالحرب عواقبها وخيمة، وتداعياتها ستطال الغرب وإسرائيل وجيران إيران والشعب الإيراني، حسب مجلة The Foreign Policy الأمريكية التي تقول إنه مع ذلك، وعلى خلاف من السوابق التي تراجع الغرب فيها بحزم عن التصعيد في عام 2009 وعام 2012، فإن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية تبدو هذه المرة أقل عزماً على تجنب المسار الذي قد يفضي إلى الحرب.
وقالت إسرائيل مراراً إنها لن تقبل بحيازة إيران أسلحةً نووية، وتزايد حديثها عن توجيه ضربة لإيران قبل فوات الأوان. والظاهر علناً أن إدارة بايدن لا تكبح إسرائيل عن مسارها.
وصرح السفير الأمريكي في إسرائيل، الشهر الماضي، بأن "إسرائيل تستطيع وينبغي لها أن تفعل ما تريد" للتصدي لإيران، ونحن "نُساندها" في ذلك.
وقد زاد من حدة تصريحاته المماثلة خلال الأيام الماضية، ثم إن تكثيف المشاورات العسكرية بين الولايات المتحدة والخليج يوحي بتزايد الاستعداد للصراع مع إيران.
يتناقض هذا النهج تناقضاً تاماً مع نهج الرئيسين الأمريكيين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، اللذين اجتهدا لعرقلة العمليات العسكرية الإسرائيلية التي خاطرت بجرِّ واشنطن إلى صراع مباشر آخر في المنطقة. أما الدول الأوروبية، فعلى الرغم من دورها الممتد في النأي بواشنطن وإسرائيل عن حافة الصراع مع إيران، فإنها مالت إلى الصمت عن مخاطر الضربات العسكرية الإسرائيلية خلال الشهور الماضية.
فهل ترد أمريكا بمحاولة إسقاط النظام الإيراني؟
يبدو هذا الخيار مستبعداً، لأن أمريكا أصبحت لديها عقدة من إسقاط الأنظمة عسكرياً، فقد بدا إسقاط نظام صدام حسين بعد الغزو الأمريكي غير الشرعي للعراق سهلاً، واستغرق الأمر ثلاثة أسابيع منذ بداية العمليات العسكرية لتدخل القوات الأمريكية بغداد، في التاسع من أبريل/نيسان 2003.
وفي أول مايو/أيار 2003، ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش خطاباً شهيراً، أعلن فيه: "المهمة أنجزت"، واعتبر أن هذه الحرب هي واحدة من أنجح الحملات العسكرية في التاريخ، والحقيقة أنها كانت بداية واحدة من أكثر حروب أمريكا تكلفة وإخفاقاً، حيث اندلعت مقاومة واسعة أغلبها سنية، وجزء منها شيعية، وسلمت أمريكا العراق لإيران عبر تولية الأحزاب الشيعية السلطة، ثم انسحب الأمريكيون عام 2011، لتشهد البلاد فتنة طائفية مدمرة، ويظهر تنظيم داعش، الذي هدد الأمن العالمي.
والحقيقة أنه منذ الغزو الأمريكي للعراق لم يستقر الشرق الأوسط، وامتدت آثار هذه الاضطرابات للعالم كله، فيما كانت إيران أكثر بلد مستفيد.
ولذا فإن محاولة مماثلة لإسقاط النظام في إيران قد تكون أسوأ، فعدد سكان إيران أكبر من العراق بنحو مرتين ونصف، وهي بلد جبلي يعد من أكثر بلدان العالم وعورة ومساحته كبيرة، وشواطئه واسعة ومحاطة بالجبال والصحاري، ومدنه الرئيسية بعيدة عن السواحل، والعراق الذي يفترض أن تحاول واشنطن اتخاذه قاعدة لمهاجمة إيران تابع لها فعلياً، كما أن جبال زاجروس الشاهقة تحمي إيران من الجانب العراقي.
وإيران أكثر تنوعاً من الناحية الإثنية من العراق، ما يفتح الباب لأزمات أسوأ، مع روح قومية ومذهبية حادة، قد تختلف مع النظام، ولكن غزواً خارجياً من شأنه استنفارها.
إذن.. هل تكتفي أمريكا وإسرائيل بتوجيه ضربة قاصمة للبرنامج النووي الإيراني؟
وبالنظر إلى أن هناك مؤشرات على أن هدف الضربات العسكرية المحتملة للغرب وإسرائيل لن يشمل مسار التغيير الشامل للنظام، فإن العمل العسكري قد يقتصر هدفه على تدمير البرنامج النووي الإيراني، وقدرات طهران على الرد.
قد تنجح الضربات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في تعطيل برنامج إيران النووي على المدى القصير، لكن تواصل النجاح في ذلك أمر مشكوك فيه، فقد زادت إيران من الاعتماد على منشآت نووية ممتدة على عمق كبير تحت الأرض لتجنُّب عمليات التخريب.
وأهم من ذلك أن الهجمات العسكرية سترجِّح كفة المؤيدين للتسليح النووي في إيران، وتعزز موقف المتشددين في الحرس الثوري الإيراني، ممن يرون أن النموذج الباكستاني النووي أنجع وسيلة لضمان السيطرة العسكرية على البلاد، وفقاً للمجلة الأمريكية.
لماذا يطالب بعض الإيرانيين بالسير على النهج الباكستاني؟
ويرى هذا الفصيل الإيراني أن باكستان، وإن دفعت ثمناً قصير المدى مقابل برنامجها النووي، فإن حصولها على الأسلحة النووية مكَّنها في النهاية من ترسيخ هيمنة الجيش على حماية الأمن في البلاد.
ويذهب بعض المسؤولين في القيادة الإيرانية إلى أن البلاد قد دفعت بالفعل الثمن السياسي والاقتصادي لامتلاك برنامج نووي كامل، ومن ثم يجب المضي قدماً إلى التسلح لحصد المكاسب.
والغالب أن تؤدي الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية إلى تسريع التحرك الإيراني نحو التسلح النووي، حسب مجلة The Foreign Policy الأمريكية.
ولذا فإن الضربات العسكرية من المرجح أن تعزز قبضة الحرس الثوري الإيراني على السلطة، وأن تعجِّل من مساعي الهيمنة الأمنية المكثفة على الدولة. ويشابه هذا المسار ما حدث أثناء الحرب الإيرانية العراقية، التي تذرعت بها الجمهورية الوليدة بعد الثورة لتكثيف قمعها للاحتجاجات والأصوات المعارضة لها، حسب المجلة الأمريكية.
عقيدتها العسكرية تجعلها أكثر قدرة على امتصاص الضربات.. وأوكرانيا باتت نموذجاً
كما أن عقيدة إيران العسكرية مختلفة عن عراق صدام حسين وأغلب دول المنطقة.
من الناحية النظرية القوة العسكرية أقل من عراق صدام حسين، ومن تركيا وإسرائيل ومصر، وحتى السعودية وبطبيعة الحال من أمريكا، من حيث عدد الطائرات والسفن والدبابات الحديثة.
في مواجهة التفوق الأمريكي الساحق والحصار الغربي، والجفاء الصيني الروسي، عمد الإيرانيون لاعتماد عقيدة عسكرية يُطلق عليها الحرب غير المتماثلة، حسبما يقول خبير عسكري لبناني لـ"عربي بوست".
وتعتمد هذه العقيدة على مجموعة معقدة من الاستراتيجيات، والنموذج الواضح لهذه العقيدة ما قام به حزب الله في حروبه مع إسرائيل، وخاصة حرب 2006، حيث يتم تجنب المواجهة المباشرة، ولا يتم إدخال الدبابات والمدرعات في مواجهة مباشرة مع عدو أكثر تفوقاً.
ولكن يلاحظ أنه في تجربة حزب الله مع إسرائيل، أن نجاح الحزب في الأساس تحقق في الحرب الدفاعية، التي خاضها بطريقة حرب العصابات، من خلال نصب الكمائن للقوات الإسرائيلية في أرض جنوب لبنان الوعرة.
تقوم هذه العقيدة على عدم التركيز على القوة العسكرية التقليدية التي يمكن ضربها بسهولة، ولكن اللجوء لخليط من حرب العصابات في المدن والمناطق الوعرة، وإخفاء القوة العسكرية الأساسية في أنفاق وخنادق، مع استخدام القوة الصاروخية كوسيلة للردع، عبر استخدامها ضد الأهداف ذات القيمة المدنية والاقتصادية الكبيرة، وليس الأهداف العسكرية في الأغلب.
وكما يظهر من تجربة حزب الله، تعتمد العقيدة على اختلاط القوات العسكرية مع سكان المدن، واستخدام الأنفاق لإخفاء الأسلحة، في ظلِّ التفوق الجوي الساحق للخصوم، مع محاولة الانتقام عبر القصف الصاروخي الذي لا يهزم الخصم، ولكن يؤثر على معنويات المدنيين لديه.
حتى عام مضى، كان ينظر لهذه العقيدة بأنها صالحة بالأساس لحروب العصابات التي تخوضها الميليشيات، ولكن حرب أوكرانيا أثبتت أنه يمكن لجيش متوسط مثل الذي لدى كييف خوض حرب غير متماثلة أو شبه حرب عصابات مع جيش دولة عظمى مثل روسيا، عبر خليط من الأنظمة الصاروخية المتوسطة وكذلك المحمولة على الأكتاف المضادة للطائرات والدبابات، وهي أسلحة تنتجها إيران محلياً.
كما أن إيران باتت قوة منتجة ورئيسية في الطائرات المسيرة، التي استخدمتها كييف بنجاح ضد القوات الروسية في بداية الحرب، حتى لو كانت مسيراتها أقل تطوراً من بيرقدار التركية التي بحوزة أوكرانيا.
لا يعني ذلك أن إيران قادرة على منع قصف أمريكي لأراضيها، ولكن هذه الاستراتيجية تجعل الجزء الأكبر من القوة العسكرية الإيرانية يصعب استهدافه، ويمكن استخدامه حتى لو تعرَّضت البلاد لقصف مدمر أو للاحتلال.
الحرب بين إيران وأمريكا ستشمل قوى مثل حزب الله والحوثيين
في مثل هذه الحرب ستكون حروب العصابات الخارجية جزءاً أساسياً من المعركة.
فالضربات العسكرية الإسرائيلية (أو الأمريكية) ستؤدي إلى توسيع الرد الإيراني. وقد تبدأ طهران خطوات الرد بالاعتماد على وكلائها في سوريا ولبنان، لاستهداف إسرائيل المجاورة لها، أو تستأنف الهجمات المباشرة على طرق الشحن الرئيسية والمنشآت النفطية في دول الخليج، لتعطيل إمدادات الطاقة العالمية.
وستعتمد الاستراتيجية على ما يمكن تسميته بحرب عصابات بحرية، في مواجهة التفوق البحري الأمريكي الساحق، بهدف عرقلة الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر عبره جزء كبير من تجارة النفط العالمية، وسيتضافر كل ذلك مع قيام حلفاء إيران وأذرعها بالمنطقة بإشعال الوضع، كلٌّ في حيّزه الجغرافي، مثل حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي العراقي، وقد تشمل هذه التحركات تنفيذ هجمات في مناطق خارج الشرق الأوسط.
ويمكن فهم تأثير هذه العقيدة على دول الخليج، التي ستستضيف في الأغلب أي قوة أمريكية في حال تنفيذ هجوم أمريكي ضد إيران.
فإطلاق الصواريخ الإيرانية على الخليج لن يدمر هذه الدول أو يتسبب في هزيمة جيوشها كما يظن البعض، ولكنه يمثل عبئاً ثقيلاً على اقتصادات هذه الدول ونمط حياة سكانها.
لا تستطيع هذه الاستراتيجية هزيمة أمريكا على الإطلاق أو حتى إسرائيل، ولكنها تجعل انتصار واشنطن مكلفاً لها، ومكلفاً أكثر لحلفائها في المنطقة، الأمر الذي يجعلهم يفكرون كثيراً قبل إقدامهم على خيار الحرب أو غزو إيران.
وقد تلجأ إيران أيضاً إلى تقويض الهدوء الهش في العراق، أو استثارة الأعمال العدائية في اليمن.
لكن الأمر الأكثر ترجيحاً هو أنَّ إيران ببساطة قد تنتظر وفق منطق أنَّ الرأي الدولي المعارض للحملة الأمريكية سيتراكم باطراد إلى النقطة التي لا تبقى واشنطن عندها قادرة على مواصلة حربها.
كما أن كل ذلك قد يوفر لطهران الوقت لتطوير السلاح النووي، في ظل ما يعتقد بأن أغلب منشأتها النووية محمية جيداً.
دول الخليج باتت أكثر تحفظاً على نهج التصعيد
ومن المفارقات أن الجهات الفاعلة الإقليمية التي كانت متشددة في موقفها من إيران، صارت الآن أكثر حذراً من تطور الأمور إلى الصراع.
فدول الخليج العربية تدرك كلفة التصعيد، ومن ثم تريد استقرار الإقليم. وفي سياق التعليق على الهجمات الإسرائيلية داخل إيران، في يناير/كانون الثاني، قال دبلوماسي إماراتي بارز إن التصعيد "ليس في مصلحة المنطقة ولا مستقبلها"، و"لا بديل عن الحوار".
وفي الوقت نفسه، تساند السعودية المساعي الغربية لفرض المزيد من العقوبات على إيران، لكنها حذرة من المواجهة، ولذلك استأنفت الحوار المباشر مع طهران للحيلولة دون تفاقم الصراع. أما قطر وسلطنة عمان، فتواصلان مساعي التوسط الحثيثة لمنع التصعيد. وفي الجملة، تدرك هذه القوى الإقليمية أن الصراع العسكري من شأنه عرقلة تركيزها الحالي على التنمية الاقتصادية.
من جهة أخرى، فإن المواجهة العسكرية مع طهران ستؤدي إلى تقوية العلاقة بين إيران وروسيا، وقد تتساهل موسكو في دعم مسيرة إيران نحو التسلح النووي، وتساعدها في الدفاع عن نفسها أمام الهجمات الأمريكية والإسرائيلية بتعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي.
المشكلة أن التلويح بالتصعيد قد يهدد باندلاع حرب رغم إرادة الطرفين
يجادل بعض الخبراء بأن التشدد الإسرائيلي والغربي هو الوسيلة الوحيدة لحمل إيران على التراجع، وأن المقصد هو تحذير إيران وتخويفها، وليس الانجرار إلى الصراع، لكن هذه المناورة قد تتفاقم مع الوقت، وقد تؤول إلى مسار شديد الخطورة، خاصة إذا لم يكن هناك مخرج سياسي قابل للتطبيق.
والحال كذلك، تتوقف الكثير من الأمور على موقف إيران، التي قد تلجأ أيضاً إلى مناورة التصعيد بزيادة تخصيب اليورانيوم لتحملَ الغرب على التخفيف من تشدده، لكن الأولى بطهران أن تتراجع، وتوقف عمليات الإعدام بحق المعارضين، وتنصرف عن الدعم العسكري لروسيا في أوكرانيا.
وفي غضون ذلك، يجب على الجانب الغربي أيضاً أن يتخذ بعض الخطوات المهمة لتجنُّب التصعيد؛ حسب مجلة The Foreign Policy الأمريكية.
أولاً: يجب أن تتراجع الولايات المتحدة تراجعاً واضحاً عن الإشارات التي توحي بعمل عسكري وشيك، وأن تضغط على إسرائيل خصوصاً لتهدئة وتيرة عملياتها ضد إيران. ثانياً: ينبغي الإقرار بأن الحوار هو الحل إذا أرادت الأطراف المعنية تجنُّب الصراع ومنع التصعيد النووي. ومن ثم يجب على حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، ممن لديهم سفارات وتواصل دبلوماسي متواصل مع إيران، أن يتقدموا للتوسط من أجل تهدئة التصعيد، والابتعاد عن الإجراءات التي تقطع قنوات الاتصال من أجل مكاسب قصيرة الأمد.
ثالثاً: يجب أن ينصرف الاهتمام الغربي بعد ذلك إلى تكثيف السعي من أجل التوصل إلى اتفاقات صغيرة تمنع تفاقم الأزمة الحالية إلى أزمة أشد وطأة. وينبغي أن يتضمن ذلك ترتيبات للحد من التخصيب النووي الإيراني، وتوسيع نطاق عمليات التفتيش الدولية. وكذلك إطلاق سراح المعتقلين الأوروبيين والأمريكيين في إيران. وأن تسمح الولايات المتحدة في المقابل بتخفيف اقتصادي محدود للعقوبات الاقتصادية عبر الغرب أو دول الخليج لإقناع إيران بمسار التفاوض.
لن يحل هذا المسار الأزمة برمتها، ولن يوفر للنظام الإيراني الدعمَ الاقتصادي الذي تخشى المعارضة الإيرانية استخدامه لقمعها، وتعزيز قبضة النظام على السلطة، لكنه قد يخلق متنفساً يسمح بمعالجة بعض القضايا، بعيداً عن المسارات المفضية إلى الحرب.
وتقول المجلة إن الخلاصة هي أن الضغط المحسوب والعقوبات المستهدفة والردود السياسية أمور ضرورية للرد على تجاوزات إيران في الداخل والخارج، لكن تواصل الخطوات الحالية من الغرب وإيران يعني السير بثبات على مسار الضغط المكثف، الذي قد تؤدي بعض خطوات التصعيد البسيطة فيه إلى أزمات خطيرة، ومن ثم فقد حان الوقت لكبح القطار الجامح قبل أن يفوت الأوان.