تتجه العديد من الدول والحكومات والشركات المالية حول العالم خلال السنوات الأخيرة إلى استخدام التكنولوجيا لتعديل أو تحسين أو أتمتة الخدمات المالية للشركات أو المستهلكين. وتتضمن بعض الأمثلة الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وخدمات الدفع الإلكتروني وتحويل الأموال من محفظة إلكترونية إلى أخرى، أو عبر منصات تداول للعملات الأساسية أو تلك المشفرة، وهذا ما يقودنا إلى مفهوم "نظام الفنتك أو FinTech الذي بات يُتداول بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خاصة في دول الخليج.. فما هو الفنتك؟
ما هو الفنتك FinTech؟
يُعتبر نظام "الفنتك Fintech" أحد أهم وأبرز المصطلحات التكنولوجية التي بتنا نسمع بها مؤخراً، وهو مصطلح مختصر من الكلمتين Financial وTechnology، أي "التقنية المالية" أو استخدام التكنولوجيا الجديدة في الخدمات المالية.
ويشير مصطلح الفنتك إلى البرامج وتطبيقات الهاتف المحمول والتقنيات الأخرى التي تم إنشاؤها لتحسين وأتمتة أشكال التمويل التقليدية للشركات والمستهلكين على حد سواء. ويمكن أن يشمل الفنتك كل شيء من تطبيقات الدفع المباشرة عبر الهاتف المحمول إلى شبكات بلوكتشين المعقدة التي تحتوي على المعاملات المشفرة.
ويُمكن تطبيق التكنولوجيا المالية على أي ابتكار فيما يتعلق بكيفية تعامل الأفراد مع الأعمال، مثل: اختراع أموال جديدة كعملة "البيتكوين"؛ حيث يُسهم نظام Fintech في القضاء على عادات التمويل القديمة، والتي تقتضي اتجاه المستثمر نحو البنك وتقديم طلب الحصول على قرض أو حتى سحب أموال. كما أن هذا النظام يُبطل العادات المتعلقة بقبول بطاقات الائتمان من جانب الشركات، والتي كانت تتطلب حساباً مع مزود ائتماني كبير.
ما أهمية الفنتك؟
تعمل الفنتك على تبسيط المعاملات المالية للمستهلكين أو الشركات، مما يجعل الوصول إليها أكثر سهولة وبأسعار معقولة بشكل عام. يمكن أن تنطبق أيضاً على الشركات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتكنولوجيا blockchain المشفرة لتسهيل المعاملات عالية الأمان بين الشبكة الداخلية.
لعل أحد أبرز الأمثلة على تطبيقات تقنية الفنتك Fintech التي نستخدمها في حياتنا اليومية؛ هو التسوق الإلكتروني والدفع عن طريق شبكة الإنترنت، أو عندما تخرج أنت وأصدقاؤك من دون تخطيط وتنسى محفظتك في المنزل، وتتذكر أنه بإمكانك الدفع عبر المحافظ الرقمية، أو عندما تبدأ في تنفيذ مشروعك الصغير وتنتهي من دراسة المشروع وتكتشف احتياجك للتمويل، فتتجه لمنصات التمويل الجماعي.
لذا يُمكننا القول إن نظام الفنتك يتمثل في شركة مالية متكاملة، يُمكن حملها في أي مكان، وتنجز من خلالها جميع أمورك المالية بكل سهولة ويُسر. ويتميز نظام الفنتك بأنه يدخل في الدفع الإلكتروني عن طريق الهاتف المحمول، وتحويل الأموال وتحويل القروض وجمع التبرعات وإدارة الأصول والأملاك.
بالإضافة إلى أنه يعمل على تسهيل جميع الإجراءات المالية للعملاء، ويُمكنهم دفع فواتير الشراء من خلال شبكة الإنترنت عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني على الهواتف المحمولة.
تطور نظام الفنتك، وفي هذا الصدد يتوقع عدد من الخبراء والمتخصصين أن التكنولوجيا المالية أو نظام الفنتك سيشهد نمواً كبيراً خلال السنوات العشر المُقبلة، خاصة بعد ظهور العديد من الطرق الحديثة والخدمات المصرفية التي تتوافق مع التكنولوجيا المالية، مثل إطلاق التداول وتقديم الخدمات المصرفية عبر الهواتف المحمولة، وإنشاء المحافظ الإلكترونية مثل: محفظة جوجل ومحفظة أبل، ومحافظ شبكات الاتصال.
يعتمد نظام الفنتك على تقنيات حديثة مثل: الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة وتوقّع السلوك التحليلي والتطبيقات التي تهدف لتغيير سلوك المستخدم في اتخاذ قراراته المالية كمساعدته في الادخار عن طريق تقنيات الألعاب "Gamification".
كيف تتوسع صناعة "الفنتك"؟
على مر السنين، نمت التكنولوجيا المالية وتغيرت استجابة للتطورات في قطاع التكنولوجيا الأوسع. في عام 2022، تم تحديد هذا النمو من خلال العديد من الاتجاهات السائدة:
- أصبح الوصول إلى الخدمات المصرفية الرقمية أسهل من أي وقت مضى. يدير العديد من المستهلكين أموالهم بالفعل، ويطلبون القروض ويدفعونها ويشترون التأمين من خلال البنوك الرقمية الأولى. من المرجح أن تؤدي هذه البساطة والراحة إلى نمو إضافي في هذا القطاع، حيث من المتوقع أن ينمو سوق منصة الخدمات المصرفية الرقمية العالمية بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 11.5% بحلول عام 2026.
- Blockchain: تسمح تقنية Blockchain بالمعاملات اللامركزية دون مشاركة كيان حكومي أو منظمة خارجية أخرى. نمت تكنولوجيا Blockchain وتطبيقاتها بسرعة لسنوات، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تحول مزيد من الصناعات إلى تشفير البيانات المتقدم.
- الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML): لقد غيّرت تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي كيفية توسيع شركات الفنتك، مما أعاد تعريف الخدمات التي تقدمها للعملاء.
يمكن للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة القيمة المقدمة للعملاء واكتشاف الاحتيال. ونظراً لأن هذه التقنيات أصبحت ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها بشكل أكبر، يتوقع أن تلعب دوراً كبيراً بشكل متزايد في التطور المستمر للفنتك – لا سيما مع تحول المزيد من البنوك التقليدية إلى رقمية.
ما التقنيات التي تدعم الفنتك؟
التكنولوجيا المالية الحديثة مدفوعة أساساً بالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتكنولوجيا blockchain – وكلها أعادت تعريف كيفية قيام الشركات بنقل العملة الرقمية وتخزينها وحمايتها. على وجه التحديد، يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي رؤى قيّمة حول سلوك المستهلك وعادات الإنفاق للشركات، مما يسمح لهم بفهم عملائهم بشكل أفضل.
ويمكن أن تساعد تحليلات البيانات الضخمة الشركات على التنبؤ بالتغيرات في السوق وإنشاء استراتيجيات عمل جديدة قائمة على البيانات. البلوكتشين على سبيل المثال تسمح بالمعاملات اللامركزية دون مدخلات من طرف ثالث.
في الوقت نفسه، يتم استخدام الفنتك لأتمتة الاستثمارات والتأمين والتجارة والخدمات المصرفية وإدارة المخاطر حول العالم. وأصبح المستشارون الآليون هم فئة من المستشارين الماليين الذين يقدمون المشورة المالية أو إدارة الاستثمار عبر الإنترنت مع تدخل بشري متوسط إلى ضئيل. ويقدم هؤلاء المشورة المالية الرقمية بناءً على القواعد أو الخوارزميات الرياضية، وبالتالي يمكن أن يوفروا بديلاً منخفض التكلفة للمستشارين البشريين.
ما مدى أمان الفنتك؟
تحظى شركات التكنولوجيا المالية بثقة المستهلكين بشكل عام، ووفقاً لمجلة فوربس الأمريكية، فإن 68% من الأشخاص على استعداد لاستخدام الأدوات المالية التي طورتها المؤسسات غير التقليدية. ومع ذلك، فإن العديد من تطبيقات التكنولوجيا المالية جديدة نسبياً، ولا تخضع حالياً لنفس لوائح السلامة مثل البنوك. هذا لا يعني أنه لا ينبغي للمستهلكين الوثوق بشركات التكنولوجيا المالية بأموالهم – لكن يعني فقط أن توخي الحذر يمكن أن يكون مفيداً، وبالنسبة لمعظم المستهلكين، تفوق فوائد العمل مع شركة التكنولوجيا المالية المخاطر المتصورة.
ما حجم الاستثمار في صناعة الفنتك؟
زاد الاستثمار العالمي في الفنتك أو التكنولوجيا المالية بأكثر من 12000% من 930 مليون دولار في عام 2008 إلى 121.6 مليار دولار في عام 2020. وشهد عام 2019 ارتفاعاً قياسياً؛ حيث بلغ إجمالي الاستثمار العالمي في الفنتك 215.3 مليار دولار، منها الربع الثالث وحده، الذي يمثل 144.7 مليار دولار في استثمار بهذه الصناعة.
وفي النصف الأول من عام 2021، بلغ حجم صفقات التكنولوجيا المالية 2456 صفقة تمثل استثمارات بقيمة 98 مليار دولار. وشهدت الأمريكتان حوالي 51.4 مليار دولار من الاستثمار في الفنتك في النصف الأول من عام 2021، حيث مثلت الولايات المتحدة وحدها 42.1 مليار دولار.
في منطقة أوروبا والشرق الأوسط، كان الاستثمار في التكنولوجيا المالية قوياً للغاية؛ حيث بلغ 39.1 مليار دولار في النصف الأول من العام 2021. وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، نما الاستثمار في التكنولوجيا المالية بين النصفين 20 و21 – حيث ارتفع من 4.5 مليار دولار إلى 7.5 مليار دولار، على الرغم من أنه كان ضعيفاً بالمقارنة مع المستويات القياسية السابقة.
توسع قطاع التكنولوجيا المالية في إفريقيا بشكل سريع، حيث كان هناك أكثر من 1000 شركة نشطة في مجال الفنتك اعتباراً من أبريل 2022، بارتفاع بنسبة 450 عن العام 2020.
ماذا عن المنطقة العربية؟
في المنطقة العربية وتحديداً الخليج، أظهرت بيانات "فنتك السعودية"، وهي إحدى مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي لتحقيق رؤية 2030 الحكومية، ارتفاع عدد شركات التقنية المالية بالمملكة بنسبة 37% في العام 2021.
أشارت البيانات إلى أن حجم الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية بلغ، في 2021، قرابة 1.3 مليار ريال (نحو 350 مليون دولار). ورصدت "فنتك السعودية" أن 74% من السعوديين استخدموا على الأقل حلاً واحداً من حلول التكنولوجيا المالية في 2021.
أما في الإمارات، فوفقاً لبيانات نشرتها وزارة الاقتصاد الإماراتية، في يونيو 2022، فإن الإمارات تقود سوق التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد أن بلغت قيمته في العام 2021 نحو 2.5 مليار دولار.
وفي يونيو 2022، كشف استطلاع جديد أجرته "Checkout"، مزوّد حلول الدفع، عن أن أكثر من نصف سكان دولة الإمارات يستخدمون المحافظ الرقمية لأول مرة. وأبدى نحو 40% من المشاركين في الاستطلاع أن ثقتهم بالمحافظ الرقمية توازي مستوى ثقتهم بالبنوك.
وكشف الاستطلاع أن نحو 83% من المقيمين في الدولة الخليجية يعتزمون مواصلة أو زيادة معدلات إنفاقهم الحالية على التجارة الإلكترونية خلال عام 2022.
الفنتك في السعودية والإمارات في موقع متقدم
بحسب تقرير لمجلة فنتك تايمز، والذي يحدد ترتيب دول المنطقة في اعتماد التكنولوجيا المالية، فقد اعتبر عام 2022 أن دولة الإمارات تحتل المركز الأول في سرعة التقدم في هذا المجال بالمنطقة، حيث تحتضن دبي وحدها 132 شركة من أصل 500 شركة تعمل بمجال الفنتك، ثم تأتي السعودية بحسب هذا التقرير تحت تصنيف "صاعد بقوة" في هذا المجال، تليها البحرين وقطر والكويت ومصر.
وقد استكمل عدد من الدول العربية منها السعودية والإمارات وقطر والبحرين وضع تشريعات وتأسيس مكاتب رسمية تتبع البنوك المركزية لترخيص وتحفيز شركات التكنولوجيا المالية "الفنتك"، والتي تعول عليها دول المنطقة لانتشالها من الترتيب المتأخر للشمول المالي، والذي أبعد ما يزيد على نصف سكان المنطقة من الدخول في النظام المالي المصرفي التقليدي السائد.
فحتى عام 2017، وبحسب بيانات البنك الدولي للشمول المالي، فقد تبين أن الدول العربية لا تزيد نسبة الشمول المالي فيها على 51%، وتتصدر لبنان الترتيب العربي، تليها عمان، ثم الكويت، ثم قطر، ثم الأردن، وقد تأخر ترتيب الدول العربية الثرية مثل الإمارات (33.9%) والسعودية (25.86).
وتصنف كل من مصر والمغرب ضمن أكثر 10 دول في العالم اعتماداً على النقد الورقي، طبقاً لبيانات "ميرشنت ماشين"، وذلك بسبب ارتفاع نسبة غير المتعاملين مع البنوك لمستوى يتجاوز 67% في السوق المصري، فيما يصل في السوق المغربي إلى 71%، وهو المعدل الأعلى ضمن القائمة.
وتتسارع الخطوات في كلا البلدين لخلق بيئة عمل مناسبة للتكنولوجيا المالية عبر إقرار مشروعات قوانين ترخص مشاريع الفنتك، أو تأسيس صناديق للاستثمار في التكنولوجيا المالية بمليارات الدولارات.