ما زالت المفاوضات حول صفقة طائرات إف 16 التركية مستمرة دون نتيجة نهائية، رغم أن أنقرة قدمت الطلب بشأنها منذ عام 2021، بسبب محاولات من قبل أعضاء بالكونغرس فرض شروط على الصفقة، عبر ربطها بضرورة موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي الناتو.
وأعلنت أنقرة رسمياً رفضها لهذا الربط، واشترطت وفاء الدولتين بتعهداتهما باستئصال العناصر الإرهابية التي تستهدف تركيا من أراضيهما.
وصفقة طائرات الإف 16 التركية تتضمن طلب أنقرة شراء 40 مقاتلة جديدة، ومجموعة تحديث لـ79 طائرة موجودة لديها.
ووسط هذه التجاذبات تثور أسئلة بشأن أسباب حرص تركيا على إتمام صفقة المقاتلات والعقبات التي تواجهها، وتأثير رفض واشنطن إتمامها على العلاقات بين البلدين.
ويأتي هذا الجدل في ظل حاجة تركيا لهذه الطائرة، كمرحلة انتقالية لتحديث أسطولها إلى حين انتهاء مشروع طائرة الجيل الخامس التركية الشبحية، التي قد تستغرق بعض الوقت.
لماذا تكتسب هذه المقاتلة كل هذه الأهمية لتركيا؟
تُعد المقاتلات الأمريكية "إف 16" العنصر الرئيس في سلاح الجو التركي، وتشكل القوة الضاربة الرئيسية لقواته، إذ اشترت أنقرة بين عامي 1987 و2012 ما مجموعه 270 طائرة F16 من واشنطن، تم تجميع بعضها في المصانع التركية، بما في ذلك أجزاء المحركات.
وحالياً، تُعد تركيا الدولة الأولى التي تمتلك أكبر عدد من طائرات "إف 16" بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، لتصبح من أكثر المستخدمين الفعليين لهذا الطراز من الطائرات المقاتلة.
وتعتمد أنقرة على الطائرة، بسبب المشاكل الأمنية خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، ما يعني أن قواتها المسلحة امتلكت خبرات تشغيلية مهمة لهذه الطائرة المقاتلة التي أصبحت الخيار الأكثر منطقية بالنسبة لقيادة القوات الجوية.
ولذا، تتطلع تركيا إلى توريد مجموعة طائرات جديدة من طراز F16 لتحديث وتجديد مخزونها الحربي، لا سيما أن معظم أسطولها من هذه المقاتلات دخل الخدمة بين عامي 1987 و1995، حسب ما قاله رفعت أونجل، الباحث في شؤون الدفاع في مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات، في تحليل لوكالة الأناضول".
هذا يعني أن تطوير وتحديث القوات الجوية التركية بات ضرورة بالنسبة لوزارة الدفاع كمرحلة انتقالية ضرورية، لحين دخول المقاتلة التركية الشبحية من الجيل الخامس التي هي قيد التطوير الخدمة.
تركيا لديها تاريخ طويل في تجميع وصيانة الإف 16 بما في ذلك تصديرها لمصر
للصناعات الدفاعية التركية تاريخ طويل مع مقاتلة F16، إذ نفذت شركات تركية برامج تحديث هيكلي وإلكتروني عليها خلال السنوات الأخيرة.
وبهذه الطريقة، جرى تمديد العمر الافتراضي لطائرات F16 في تركيا وتجهيزها بمعدات أكثر حداثة، إضافة إلى أن 160 من الطائرات التي اشترتها أنقرة بين عامي 1987 و1995 وأنتجت في تركيا.
كما أن طائرات F16 الـ46 التي جرى تصديرها إلى مصر بين عامي 1993- 1995 أنتجت أيضاً في تركيا، إضافة إلى تحديث أنقرة طائرات F16 الباكستانية والأردنية في السنوات العشرين الماضية.
لهذه الأسباب وغيرها، تسعى تركيا لتوريد 79 مجموعة تحديث لطائرات F16، بالإضافة إلى الطائرات الجديدة الأحدث من الطراز نفسه، من أجل تحديث أسطولها من المقاتلات الأمريكية.
إلى أين وصلت صفقة إف 16 التركية؟
في أكتوبر/تشرين الأول 2021 قدّمت أنقرة طلباً إلى الولايات المتحدة لشراء 40 مقاتلة من طراز (F-16 Block 70) و79 مجموعة تحديث، إلا أن الإخطار غير الرسمي للكونغرس بشأن العملية لم يتم إلا قبل أسابيع من اليوم.
ورغم اعتراضات الكونغرس، ومطالب بجعل عملية البيع مشروطة، دفعت حرب روسيا ضد أوكرانيا الرئيس الأمريكي جو بايدن للموافقة على الصفقة، كما جرى شطب الاعتراضات بموجب قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023.
ولكن صرح 29 من أعضاء مجلس الشيوخ في رسالة بعثوا بها إلى بايدن، بأنهم لن يوافقوا على بيع الطائرات المقاتلة ومعدات التحديث حتى توافق تركيا على طلبات السويد وفنلندا لعضوية الناتو.
وبعد أن قدّمت الإدارة الأمريكية إخطارها غير الرسمي إلى الكونغرس، دخلت عملية المفاوضات بين الإدارة الأمريكية والكونغرس حيز التنفيذ، في عملية تستغرق ما بين 20 – 40 يوماً.
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الاعتراضات المختلفة التي يقدمها الكونغرس تبقي العملية برمتها في حالة من عدم اليقين، ما يعني أن الإدارة الأمريكية قد تمتنع عن تقديم الإخطار الرسمي للكونغرس، وتعليق عملية البيع، حسب الباحث التركي رفعت أونجل.
صفقة إف 35 اليونانية تغضب أنقرة
ما يثير غضب أنقرة أيضاً أن الكونغرس وافق على صفقة طائرات إف 35 الخفية لليونان، حسب الباحث التركي.
إذ أعلن الكونغرس الموافقة على بيع الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة "إف 35" (F-35) إلى أثينا، ما يعني منح الولايات المتحدة اليونان، ولأول مرة في التاريخ، التفوق التكنولوجي العسكري، حسب رفعت أونجل.
ويمثل هذا انحيازاً سافراً، من قبل واشنطن لأثينا في تنافسها مع تركيا، رغم وزن أنقرة الكبيرة الاستراتيجي والجغرافي، والذي ازدادت أهميته مع الحرب الأوكرانية، حيث تتحكم في مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يربطان البحر الأسود بالبحر المتوسط، وفعلت اتفاقية مونتري التي تنظم الملاحة في المضائق التركية، ومنعت مرور السفن الحربية الروسية، وهو خيار تمنحه الاتفاقية لأنقرة، ويمكن لها أن تتخلى عنه.
هل تقبل تركيا بعضوية السويد في الناتو دون التزامها بشروط مكافحة الإرهاب؟
وتطالب تركيا فنلندا والسويد، بوقف أنشطة حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا وأوروبا وأمريكا، وسبق أن تورّط في أعمال إرهابية في بلدان أوروبية، بما في ذلك تهديد لأعضاء سابقين به مقيمين في السويد.
ووقعت البلدان على اتفاقيات مع تركيا في هذا الشأن بعد تقدمهما بطلب للانضمام للناتو، ولكن أنقرة تقول إن السويد تحديداً لم تلتزم، وزاد الطين حرق نسخة من المصحف في السويد، ورفع دمية للرئيس التركي أمام سفارة أنقرة.
وتلمح تركيا لإمكانية قبولها عضوية فنلندا وحدها، وهو أمر يبدو أن الأخيرة مستعدة له.
وتشير تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأخيرة (مطلع فبراير/شباط المنصرم) إلى أن تركيا لن توافق، خاصة على المدى القصير، على عضوية السويد في الناتو وربط ذلك بعملية بيع "إف 16".
ونوه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، مؤخراً بدعم إدارة بايدن لـ"صفقة إف 16 التركية"، إلا أنه قال خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخراً، مع نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن في العاصمة التركية أنقرة إن تركيا لا يمكنها شراء مقاتلات أمريكية من طراز F16 "وفق شروط تقييدية".
ورغم أن تركيا أعربت رسمياً عن رأيها على لسان الرئيس أردوغان، لكن كما هو الحال مع أي صفقة مبيعات أسلحة كبيرة، يبقى هذا النوع من القضايا رهن التجاذبات السياسية، حسب الباحث التركي رفعت أونجل.
ولكن يعد إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إتمام صفقة شراء صواريخ إس 400 من روسيا قبل عامين رغم اعتراض واشنطن، والذي جعلته مبرراً لإخراج تركيا من برنامج إف 35، مؤشراً على سياسة أنقرة في هذا الشأن، وأنها قد تصرّ على موقفها بعدم الربط بين انضمام السويد للناتو وبين صفقة الإف 16 التركية.
كيف سيؤثر رفض واشنطن الصفقة على علاقات البلدين؟ أنقرة ما زالت لديها أوراق ضغط
يقول الباحث التركي رفعت أونجل، باختصار، فشل البيع ليس لصالح تركيا، لكنه لا يخدم المصالح الأمريكية أيضاً، فطائرة F16 تعتبر المؤشر الوحيد للشراكة الأمنية والدفاعية التركية الأمريكية، التي تشهد تجاذبات في قضايا عدة أبرزها دعم أمريكا وأوروبا للإدارة الكردية الذاتية بشمال سوريا، التي تقول أنقرة إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني.
وبالمثل، فإن مبيعات الأسلحة بشكل عام وصفقة طائرات F16 التركية بشكل خاص، تنعكس على الاستقرار التاريخي والتأثير الدبلوماسي لواشنطن في نزاعات تركيا واليونان، لا سيما أن المقاتلات نفسها تشكل عماد سلاح الجو اليوناني، حسب الباحث التركي.
لذا، فإن فشل عملية البيع سيشكل تراجعاً حقيقياً في زخم العلاقات التركية الأمريكية، وانخفاضا للنفوذ الدبلوماسي للولايات المتحدة في الشطر التركي من بحر إيجة وشرق البحر المتوسط.
وسوف يشكل تعطيل صفقة الإف 16 التركية عامل لتجديد التوترات بين واشنطن وأنقرة بعد إخراج الولايات المتحدة تركيا من برنامج إف 35، التي كانت تشارك في تصنيعها وكانت من أكبر مشتريها المنتظرين، إضافة لكونها كانت ستستضيف المركز اللوجسيتي الرئيس للطائرة في أوروبا.
وقد ينعكس ذلك ليس فقط على الدور التركي في الأزمة الأوكرانية؛ حيث تكاد تكون الوسيط الوحيد بين موسكو وكييف، إضافة لأنها الوسيط في صفقة تصدير قمح البحر الأسود، ولكن قد ينعكس ذلك على دور تركيا في العمل على توفير الطاقة لأوروبا من أذربيجان وآسيا الوسطى، وهو الدور المناوئ لحد كبير للمصالح الروسية.
كما قد ينعكس التوتر على التنسيق بين أمريكا وأنقرة في شمال سوريا والعراق.
بالطبع قد ترد واشنطن في حال استخدام تركيا أوراق الضغط السابقة، ولكن هذا سيدخل البلدين الشريكين في الناتو في موجة من ردود الفعل، في وقت واشنطن أحوج ما تكون للتركيز على الأزمة الأوكرانية والتنافس مع الصين والملف النووي الإيراني.
خيارات تركيا العسكرية البديلة
عرض روسي سخي بشأن السوخوي، فهل مازال ممكناً؟
كانت طائرات سوخوي الروسية، سواء طائرة الجيل ونصف سوخوي 35، أو الطائرة الشبحية سوخوي 57 خياراً محتملاً لأنقرة، لم تستبعده هي نفسها، وعرض روسيا بما في ذلك الشراء والتصنيع أو توفير تقنيات منه لطائرة تركيا من الجيل الخامس.
ولن ينسى المسؤولون الغربيون على الارجح، مشهد اصطحاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي عام 2019، لمعاينة مقاتلة سوخوي 57 في معرض قرب موسكو.
في هذا اللقاء سأله أردوغان بوتين هل هي معروضة للبيع، فأجاب الأخير "نعم يمكنكم التعاقد عليها"، ثم اصطحبه لشراء الآيس كريم بعد ذلك.
ولكن هذا الخيار أصبح مستبعداً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؛ لأنه سيكون استفزازاً للغرب، في ظل حصاره لروسيا وفرضه عقوبات غير مسبوقة في التاريخ عليها، رغم أن تركيا أبرمت مع روسيا لبناء أول محطات طاقة نووية بنظام البناء والتشغيل، وحولت موسكو مليارات الدولارات اللازمة لبناء المحطة لتركيا.
بريطانيا الدولة الأوروبية الأقرب.. ولكن
هناك تعاون تركي بريطاني في مشروع الطائرة التركية الشبحية، ففي أوائل عام 2017، أبرمت المملكة المتحدة وتركيا صفقة، من شأنها أن تشارك شركة BAE Systems في مشروع الطائرة الشبحية التركية من الجيل الخامس.
ولكن هذا التعاون يتسم بالبطء لأسباب تتعلق باشتراط الأتراك نقل كامل للتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية.
في مطلع عام 2020، قال عثمان أوكتاي، رئيس مجلس الأعمال التركي البريطاني ونائب رئيس مجلس إدارة مجموعة Kale المتخصصة في صناعة الطائرات، إنه "بصفتنا مجموعة Kale أحد الشركاء في مشروع الطائرة الشبحية التركية، فإننا نلاحظ أن الشركات البريطانية تعمل على القيام بدور نشط في مشروع الطائرة الشبحية التركية".
وقال "هناك عرض قدمناه مع Rolls-Royce لمحركات الطائرة المقاتلة والمحادثات مع الحكومة التركية مستمرة بشأن هذا العرض".
وأضاف "نحن نرى نهجاً بناءً بشكل كبير من جانب المملكة المتحدة بشأن هذه المسألة أيضاً".
ورداً على سؤال بشأن التقارير بأن شركة Rolls-Royce البريطانية تخطط للانسحاب من المشروع قال "لم يكن لدى رولز رويس أي خطط للانسحاب، ولا يوجد أي تراجع على الإطلاق. عندما تتحدث عن إنتاج محرك نفاث، فهذه مشاريع طويلة المدى. من الطبيعي أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً".
وأفادت تقارير لاحقة بأن الجانبين يحاولان حل الخلاف حول حقوق الملكية الفكرية للمشروع الخاص بتصنيع المحرك المقترح للطائرة التركية، حيث طلب مسؤولو الدفاع الأتراك من شركة Rolls-Royce نقل البيانات التكنولوجية الحساسة إلى شركة TR Motor التركية المصنعة للصناعات الدفاعية.
وتريد تركيا أن تكون لها حقوق الملكية الفكرية، وهو جوهر العمل بالنسبة، إذ يقول المسؤولون الأتراك "نهدف إلى أن نكون شركة تصنيع دفاعية مستقلة. لا نريد أن نخضع لقيود الأجانب".
ويعتقد عثمان "أن البريطانيين متحمسون للغاية لتعزيز التعاون مع أنقرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويتوقع أن التعاون في صناعة الدفاع بين تركيا والمملكة المتحدة سيستمر في النمو.
وحول تأثير صفقة الصواريخ الروسية على العلاقات الدفاعية بين البلدين أشار عثمان إلى أنه قد مر أكثر من عامين منذ توقيع عقد شراء تركيا لصواريخ إس 400، واستمرت العلاقات الدفاعية البريطانية التركية دون أن تشهد أي تطور سلبي، وقال يستمر العمل على التصميم المشترك للطائرة المقاتلة مع شركة BAE البريطانية، وتتواصل مفاوضاتنا مع شركة Rolls-Royce مع الحكومة التركية، ولم يتم التطرق إلى هذه القضية مطلقاً.
يمكن أن يكون أحد خيارات تركيا عقد صفقة لشراء طائرات يوروفايتر الأوروبية من بريطانيا الشريك الرئيسي في المشروع، مع اشتراط تقديم لندن دعماً فنياً أكبر وأقل صرامة في شروط نقل التكنولوجيا لمشروع الطائرة التركية الشبحية.
من عراقيل هذا الخيار أن تايفون، رغم أنها واحدة من أفضل طائرات الجيل الرابع ونصف، فإنها غالية الثمن باهظة التكلفة في الصيانة، ولديها مشكلات في الموثوقية وتأخر في دمج قدرات القصف الأرضي التي تحتاجها أنقرة.
كما أن شراء تركيا عدد قليل منها سيمثل مشكلة لوجستية للقوات الجوية التركية التي لديها خبرة بالأساس في الطائرات الأمريكية.
وقد تشتري تركيا عدداً كبيراً منها مع تجميع وتصنيع أجزاء محلياً، ولكنه خيار باهظ التكلفة، وقد يتطلب محاولة خلق مشروع كبير بالتعاون مع حلفاء تركيا المقربين مثل قطر وأذربيجان (أو باكستان لو قبلت لندن)، بحيث تصدر أنقرة الطائرات لهم مثلما فعلت مع الإف 16 المصرية وتتولى عمليات الصيانة لهذه الدول.
وتظل بريطانيا الدولة الغربية الأكثر احتمالاً أن تتعاون مع أنقرة في مشروع طائراتها الشبحية، وخاصة أن الدولتين يعانيان من سياسات الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا.
ولكن تبقى أكبر مشكلة في الخيار البريطاني احتمالات الاعتراض والتعطيل الأمريكي، خاصة مهما كانت علاقة أنقرة ولندن قوية، فإن الأخيرة دوماً تنتظر ضوءاً أخضر أمريكي للقيام بأي مهمة حساسة.
باكستان خيار تعرقله الصين
يمكن أن تكون الطائرة المقاتلة الباكستانية JF-17 خياراً انتقالياً للقوات الجوية التركية.
تركيا وباكستان حليفتان مقربتان تريدان توسيع وتعزيز تعاونهما العسكري. تركيا بصدد تصنيع طرادات من فئة Ada لباكستان بينما الأخيرة، بمساعدة صينية، يمكن أن تساعد أنقرة في برنامج تحديث F-16.
وتحاول كل من أنقرة وإسلام آباد تطوير وبناء طائرات مقاتلة من الجيل الخامس. تمتلك تركيا مشروع TAI TF-X، بينما تعمل باكستان على مشروع AZM PAC PF-X "عزم".
اقترح المؤلف والمحلل والطيار السابق في القوات الجوية الباكستانية كايزر توفيل، في عام 2018، أن تركيا وباكستان يمكنهما بناء طائرة انتقالية "بدلاً من القفز مباشرة إلى مقاتلة من الجيل الخامس كاملة القدرات، عبر تطوير طائرة انطلاقاً من المقاتلة "JF-17 Thunder التي طورتها باكستان بدعم كبير من الصين.
ورغم الانتقادات الموجهة لهذه الطائرة باعتبارها تصميماً قديماً تعود جذوره للطائرة السوفييتية الشهيرة والعتيقة ميغ 21، فإن ظهور النسخة المطورة JF-17 Block-3، قد أثار اهتماماً عالمياً، وأصبح ينظر لهذه الطائرة باعتبارها منصة رخيصة، ولكن تتمتع بقدر من الكفاءة.
تتضمن JF-17 Block-3 راداراً صينياً متطوراً من طراز (AESA)، وهي ميزة مهمة لأي طائرة نفاثة حديثة من الجيل 4.5، وتفتقدها كل الطائرات الروسية على سبيل المثال.
يمكن أن تتكامل القدرات الصناعية بين البلدين، تركيا بخبراتها المكتسبة من إنتاج الطائرة إف 16 أشهر طائرات الجيل الرابع عالمياً والإف 35، مع قدرات باكستان التي اكتسبتها من الصين في إنتاج JF-17، هذا التكامل يمكن أن يحاول أن يغطي النقص لدى البلدين، كما أنه قد يتسم بالسرعة.
مشكلة هذا التعاون في أنه ستكون له علاقة بالصين، الأمر الذي قد يثير حفيظة الولايات المتحدة، كما أن الصين نفسها قد تتحفظ على نقل حليفتها باكستان، التكنولوجيا الخاصة بها لتركيا، رغم أن علاقات أنقرة وبكين جيدة، ولكنها ليست تحالفاً، كما أن تركيا إحدى الدول الإسلامية القليلة التي سبق أن انتقدت ممارسات الصين تجاه مسلمي الإيغور، وهي تستضيف أعداداً من اللاجئين الإيغور.
ثاني مشكلات مشاركة تركيا في تطوير المقاتلة الباكستانية JF-17، هي المحرك، إذ تعتمد الطائرة الباكستانية حالياً على محركات روسية وصينية، الأولى يمكن أن تعرض تركيا لنقمة واشنطن، والثانية هناك شكوك حول كفاءتها، وقد تسبب غضباً أمريكياً أيضأً.
يمكن أن يكون البديل للمحركات الصينية والروسية أن تسعى أنقرة وإسلام آباد للتعاون مع أوكرانيا لتطوير محركات لهذه الطائرة، ولكنها مسألة تحتاج إلى وقت.
الطائرة الكورية KF-21.. خيار طموح وهناك مثيل له بين البلدين
كانت طائرة كوريا الجنوبية KF-21 Boramae، خياراً مطروحاً بقوة بنسبة لتركيا، خاصة أن إندونيسيا أكبر دولة إسلامية شريك بنسبة 20% في مشروع الطائرة التي حلقت مؤخراً في أول رحلة أسرع من الصوت لها.
ستكون الطائرة KF-21 شبحية، لكن ستحمل أسلحتها على نقاط صلبة خارجية بدلاً من الحاويات الداخلية التي تميز معظم الطائرات الشبحية من الجيل الخامس، ما يجعلها أكثر قابلية للاكتشاف مقارنة بطائرات الجيل الخامس الأخرى، كما أنها ستعتمد على محركات أمريكية غير مخصصة للطائرات الشبحية.
ولذا، رغم أنه مشروع واعد، ولكن يُنظر له أحياناً على أنه لن يكون طائرة جيل خامس بشكل كامل بل ستنتمي أكثر للجيل 4.5، مع قابلية التصميم للتطور ليصبح جيلاً خامساً.
يتوقع أنه خارج الولايات المتحدة والصين ستكون الطائرة الكورية أنجح برامج مقاتلات الجيل الخامس، وفقاً للمتخصص العسكري أبراهام أيت.
وتأمل سيول أن تبدأ بيعها في عام 2028 مقابل 65 مليون دولار لكل وحدة، وهذا سعر أرخص كثيراً من طائرات رافال وتايفون الأوروبية.
وأعربت أنقرة عن اهتمامها الكبير بـ KF-21 Boramaet قبل عقد من الزمن، ولدى البلدين بالفعل علاقة دفاعية واسعة النطاق، فمدافع الهاوتزر T-155 Frtna التركية تعتمد على تكنولوجيا K9 Thunder.
كما تقوم تركيا أيضاً بتطوير دبابة القتال المحلية ألتاي "Altay"، والتي تعتمد بشكل أساسي على تصميم دبابة K2 Black Panther الكورية، ووافقت كوريا الجنوبية على بيع محركات لتركيا لتستخدمها في صنع دبابات "ألتاي"بعد تراجع ألمانيا عن اتفاقها مع أنقرة في هذا الشأن.
يمكن أن تكون تركيا شريكاً في مشروع الطائرة الكورية عبر دمج مشروع طائراتها الخاصة به لتستفيد سيول من خبرات أنقرة في تصنيع أجزاء الإف 16 والإف 35، ولكن أنقرة تريد مشاركة كاملة، وهي مسألة يبدو أن سيول ليست مستعدة لها.
وقد يكون البديل عملية تبادل للتكنولوجيا مع بقاء كل مشروع منفصلاً على غرار التعاون بين مشروعي الدبابة الكورية K2 Black Panther والتركية ألتاي، ويمكن أن تشتري أنقرة عدداً من الطائرات KF-21 الكورية كبديل للنسخ القديمة من الإف 16 الخاصة بها، ويكون ذلك ثمناً لنقل التكنولوجيا الكورية لمشروع الطائرة التركية الشبحية.
قد يكون أكبر عائق أمام احتمال التعاون التركي مع كوريا هي الولايات المتحدة، التي تمثل الداعم الفني الرئيسي لمشروع الطائرة الكورية، وخاصة في المحركات.
يقول البعض إنه من غير المرجح أن تعارض الولايات المتحدة والناتو تعزيز تركيا لعلاقاتها الدفاعية مع كوريا الجنوبية، بدلاً من أن تذهب أنقرة للصين أو روسيا.
يمكن أن تكون المشاركة بشكل أو بآخر في مشروع هذه الطائرة فرصة لتركيا لتعزيز قاعدتها التكنولوجية، ولكن لن تلغي الحاجة إلى مشروع الطائرة التركية الشبحية.
فالمشروع الكوري يعتمد على التكنولوجيا الأمريكية، وخاصة في المحركات، ما يجعل أنقرة رهينة لتقلبات واشنطن، قد تفضل تركيا محاولة التعاون في مجال تصنيع المحركات مع البريطانيين الذين لديهم محرك مماثل.
وتورّد أنقرة بالفعل بعض التقنيات للمشروع الكوري، ويمكن أن تكون أول مشتري خارجي للطائرة مقابل نقل التكنولوجيا لها، ولكن تظل مشكلة اعتمادها على محركات أمريكية عائقاً أمام استفادة الطائرة التركية الشبحية من تقنية الطائرة الكورية.
الخيار الأوكراني أطاح به بوتين
كان أقوى خيارات تركيا في مجال تصنيع المقاتلات محلياً، هو تعزيز تعاونها مع أوكرانيا في مجال المحركات، ولقد اشترت تركيا بالفعل ربع أسهم شركة Motor Sich الأوكرانية المصنعة للمحركات.
وهذه الشركة لديها المحرك AI-222 وهو محرك منخفض الطاقة. مع معدل قوة ما بعد الاحتراق البالغ 42 كيلو نيوتن، وليس بالإمكان استخدامه لتشغيل حتى مقاتلة خفيفة الوزن.
ولكن يطمح الأوكرانيون إلى إنتاج محرك جديد يسمى AI-9500F بدفع يبلغ 21000 رطل، أي أكثر من ضعف دفع محرك AI-222 ليكون قريباً في القوة من المحركات البريطانية والأمريكية وأقوى من محرك الرافال الفرنسية، وهي خطوة يمكن أن تكتسب زخماً بالأموال والدعم الفني التركي.
ولكن الحرب الأوكرانية، جعلت هذا الخيار مستبعداً، وحتى لو انتهت الحرب، فلقد أصبحت كييف تعتمد تماماً على الدعم الأمريكي، الأمر الذي قد يجعلها أكثر انصياعاً للفيتو الأمريكي المحتمل على التعاون مع أنقرة.
ومن الواضح أن الخيارين البريطاني والكوري هما أفضل خيارات تركيا من حيث الفوائد التقنية، ولكن إذا فرضت واشنطن فيتو على التعاون التركي الكوري البريطاني برمته، فإن خيار أنقرة البديل قد يكون التوجه لباكستان للتعاون معها في تطوير طائراتها ذات الجذور الصينية JF-17، مع التركيز على محاولة تطوير محرك محلي، وهي مسألة سوف تستغرقاً وقتاً، ولكنها الخيار الأكثر أمناً والأقل تكلفة على المدى البعيد.
تصنيع مقاتلة وسيطة بالخبرات المشتقة من الإف 16 والإف 35
قد يكون أحد الخيارات الوسيطة لتركيا، قيامها بالاستفادة من الخبرات التي اكتسبتها من المشاركة في تصنيع الإف 35 الأمريكية (التي ما زالت شريكاً تصنيعياً بها)، وخبرتها من تجميع الإف 16 أيضاً، لإنتاج طائرة جيل رابع ونصف، رغم ما قد يثيره ذلك من مشكلات خاصة بالملكية الفكرية، علماً بأن أنقرة مشهورة باحترامها لها.
وسبق أن قال تمل كوتيل، المدير العام لشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش)، إن الشركة قادرة على تصنيع مقاتلتين من نوع إف 35 في الشهر الواحد، لو توفرت لها حقوق الملكية، ليثير تساؤلاً بشأن ما إذا كانت أنقرة تلمّح إلى أنها قد تلجاً إلى إنتاج هذه الطائرة أو طائرة مماثلة لها دون موافقة أمريكية.
ويمكن أن تعالج تركيا مشكلة نقص المحركات مؤقتاً باستخدام محركات إف 16 القديمة أو محركات طائرات إف 4 فانتوم القديمة المتوفرة لها، كما يمكنها الاستعانة بعض وقف حرب أوكرانيا بمحركات من صنع كييف.
كما يمكن تعديل تصميم طائرة بحجم الإف 16 التي عادة تكون أحادية المحرك، ليتم تزويدها بمحركين من طراز AI-222 الأوكراني، لتعويض ضعف قوته وهو خيار سبق أن اتبعته تايوان في مشروع طائرة مقاتلة محلية.