كيف تخطط أمريكا لكسر قبضة الصين على المعادن الإفريقية النفيسة وتدارك ما خسرته هناك؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/01 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/01 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
عمال في أحد مناجم تعدين الكوبالت في جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية، رويترز

عُقد مؤتمر التعدين الإفريقي "إندابا" لعام 2023، والذي استضافته كيب تاون في جنوب إفريقيا، خلال الفترة من 6 إلى 9 فبراير 2023، بمشاركة واسعة للعديد من كبار الرؤساء التنفيذيين للشركات الصناعية في الصين وأمريكا والشرق الأوسط، حيث يُعد هذا الحدث أكبر مؤتمر للتعدين في إفريقيا الغنية بالمعادن النفيسة، والتي تهيمن عليها الصين بشكل لافت.

واستقطب المؤتمر، أكبر وفد أمريكي على الإطلاق، بينهم مسؤولون من البيت الأبيض ووزارات الخارجية والتجارة والطاقة. ويعكس حجم الحضور الأمريكي لمؤتمر التعدين الإفريقي جوع أمريكا إلى 50 "معدناً مهماً" تعتبرها ضرورية لتقليل انبعاثات الكربون، وخلق وظائف في قطاع الطاقة النظيفة كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية.

أمريكا ترى في إفريقيا فرصة كبيرة في التحول نحو الطاقة النظيفة

مؤتمر التعدين الأفريقي إندابا لعام 2023، كيب تاون، رويترز
مؤتمر التعدين الأفريقي إندابا لعام 2023، كيب تاون، رويترز

على الرغم من أن عمليات البحث الأمريكية عن المعادن الحرجة عالمية، فإن إفريقيا تُعد موطناً أصيلاً لأكثر من 30% من الموارد المعدنية في العالم، وهي جزء مهم من صناعات الطاقة النظيفة اليوم. 

ومن خلال التعهد بالقيام بالتعدين بشكل مختلف، تقول أمريكا إنها ستساعد في "تحويل الاقتصادات الإفريقية لفرص"، حيث يقول عاموس هوشستين، مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن لجميع الأمور المتعلقة بأمن الطاقة: "إن تحول الطاقة النظيفة عالمياً هو فرصة كبيرة لإفريقيا".

ويرى المسؤولون الأمريكيون أن إفريقيا تساعد في حل مشكلتين، الأولى هي النقص العالمي في المعادن، التي ستكون ضرورية إذا كان العالم يريد تحقيق أهدافه المناخية بالتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث تعتقد وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2040، سيحتاج صانعو تقنيات الطاقة النظيفة إلى الليثيوم 40 مرة أكثر من عام 2020، و25 ضعفاً من الغرافيت، وحوالي 20 ضعفاً من النيكل والكوبالت. 

وقد يكون الطلب على العناصر الأرضية النادرة – المعادن الموجودة في الأجزاء الباطنية المستخدمة في كل شيء، من مغناطيسات توربينات الرياح إلى الطائرات المقاتلة، أعلى بـ7 مرات بحلول نهاية العقد المقبل.

المشكلة الثانية، التي ستحلها إفريقيا -على الأقل بالنسبة للغرب- هي تأثير الصين الضخم على سلاسل التوريد، حيث تقوم الصين بتكرير 68% من النيكل في العالم، و40% من النحاس، و59% من الليثيوم، و73% من الكوبالت، وفقاً لتقرير صدر في يوليو عن معهد بروكينغز، وهو مؤسسة فكرية أمريكية. 

كيف تخطط أمريكا لكسر قبضة الصين على المعادن الإفريقية النفيسة؟ 

حول ذلك، يقول بريان مينيل، الرئيس التنفيذي لشركة TechMet، وهي شركة معادن أمريكية، لمجلة إيكونومست: "لقد كان للصين حرية التصرف لمدة 15 عاماً في معادن إفريقيا، بينما كان بقية العالم نائماً"، حسب تعبيره.

وترى أمريكا معدن الكوبالت النادر، الذي يستخدم في صناعة بطاريات أيون-الليثيوم القابلة لإعادة الشحن والمستخدمة في المركبات الكهربائية، كما يُستخدم في صناعة العديد من أنواع الإلكترونيات، كحكاية تحذيرية لخطورة نقص الإمدادات وتحكم الصين بها. 

ففي الكونغو، التي تُعد مصدراً لحوالي 70% من الإنتاج العالمي من الكوبالت، تمتلك الكيانات الصينية حصصاً في 15 من أصل 19 منجماً لإنتاج الكوبالت اعتباراً من عام 2020. 

وتقول الإيكونومست إن قرار أمريكا بالتنازل ببيع أحد أكبر مناجم النحاس والكوبالت في الكونغو إلى الصينيين في عام 2020، يُنظر إليه الآن في واشنطن على أنه عمل غبي هائل. حيث مثّل بيع شركة تعدين أمريكية عملاقة في الكونغو إلى تكتل صيني بداية النهاية لأي وجود أمريكي كبير في مجال تعدين الكوبالت بالدولة الإفريقية. 

وأبرمت شركات تصنيع البطاريات الصينية بعد ذلك اتفاقيات مع شركات التعدين لتأمين إمدادات ثابتة من المعدن. وتلقت الشركات في الكونغو ما لا يقل عن 12 مليار دولار في شكل قروض وتمويلات أخرى من مؤسسات مدعومة من الدولة الصينية، ومن المرجح أن تكون قد استقطبت مليارات أخرى.

ويعلق مسؤول أمريكي للإيكونومست على ذلك بالقول: "لا يمكننا أن نسمح الآن للصين بأن تصبح منظمة أوبك من حيث المعادن المهمة".

حفار ينزل إلى منجم كوبالت، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو المعدن الذي يدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية الحديثة/ Getty

ما خطط واشنطن لاستعادة ما خسرته مع الصين بإفريقيا؟

بحسب الإيكونومست، من الممكن تحديد ثلاثة طرق في نهج أمريكا بإفريقيا الآن: 

الأول، هو جهد متعدد الأطراف يضم حلفاء غربيين لاكتشاف معادن القارة السمراء. في يونيو 2022، أطلق أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، شراكة أمن المعادن (msp)، التي تضم 13 عضواً من جميع دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، حيث تتطلع هذه البلدان إلى تأمين مزيد من المعادن النادرة لصناعاتها. 

والشراكة هذه التي تقودها الولايات المتحدة هي عمل مستمر، ولكن يبدو أن الدول الأعضاء ستدعم شركاتها الخاصة التي تقترح مشاريع تعدين تلبي معايير بيئية واجتماعية وحوكمة عالية (esg). وقد يشمل هذا الدعم الضغط لبناء منجم، أو تمويل مشاريع محلية، أو المساعدة في جذب الاستثمار الخاص لتلك الدول الإفريقية. 

ولا تقتصر الشراكة الأمريكية الغربية هذه على مشروعات في إفريقيا، لكن ممثلين من الكونغو وموزمبيق وناميبيا وتنزانيا وزامبيا حضروا اجتماعاً لمناقشة الأمر في نيويورك العام الماضي. وأثناء انعقاد الجلسة، سلط بلينكن الضوء على منجم الغرافيت في موزمبيق، الذي تلقى مالكه قرضاً من الحكومة الأمريكية، مما يقلل ظاهرياً من مخاطر الصراع في المنطقة من خلال توفير الوظائف للسكان المحليين. 

المسار الثاني، يشتمل على مشروعات "إزالة المخاطر" الأمريكية والاستثمار في البنية الأساسية في الدول الإفريقية هذه، عبر وكالاتها التنموية، كما فعلت في الزراعة أو قطاع الطاقة على سبيل المثال في أماكن مختلفة. 

وبالإضافة إلى بنك التصدير والاستيراد الأمريكي، الذي يقدم التمويل التجاري، هناك مؤسسة تمويل التنمية الدولية (dfc) التي ضاعفت إدارة ترامب سقف الإقراض الخاص بها إلى 60 مليار دولار عام 2018. وعلى الرغم من أن dfc لديها استثمار مباشر واحد فقط في التعدين، فإنها حريصة على إضافة المزيد.

المسار الثالث من الخطة الأمريكية، هو دبلوماسية أكثر نشاطاً في أفريقيا. 

منذ أن استضاف بايدن أكثر من 40 من القادة الأفارقة في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2022، قام العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، بزيارة القارة. ومن المتوقع أن يزور بايدن عدة دول إفريقية هذا العام. 

وكانت فكرة التجديد الأمريكي لخط السكة الحديد التي يمكن أن تنقل النحاس من الكونغو وزامبيا إلى ميناء لوبيتو في أنغولا موضع نقاش منذ وقت طويل. وسيكون طريقاً للخروج من وسط إفريقيا أسرع بكثير من الرحلة المعتادة عن طريق البر إلى ميناء ديربان في جنوب إفريقيا. 

لكن التقدم بهذا المشروع توقف حتى انضمام رؤساء جدد في البلدان الإفريقية الثلاثة المعنية (جواو لورينسو في أنغولا في عام 2017، وفيليكس تشيسكيدي في الكونغو في عام 2019، وهاكايندي هيشيليما في زامبيا في عام 2021). يتمتع الثلاثي بعلاقات أفضل من بعض أسلافهم مع أمريكا ومع بعضهم البعض، وهم أقل ميلاً للصين. وفي العام الماضي، تغلب تحالف صناعي غربي على الشركات الصينية في عقد إعادة بناء خط السكة الحديد، حيث يرى الدبلوماسيون الأمريكيون الذين شجعوا على المشروع في ذلك نجاحاً دبلوماسياً أمريكياً.

نجاح آخر محتمل هو مذكرة التفاهم التي وقعتها أمريكا والكونغو وزامبيا في يناير 2023. تقول أمريكا إنها ستساعد أكبر مصدري النحاس في إفريقيا على القيام بأكثر من مجرد تصدير المعدن في حالته الأولية. وافقت أمريكا بموجبه على مساعدة البلدين الإفريقيين في بناء سلاسل التوريد لمعالجة المعادن الخام في "سلائف بطاريات" للسيارات الكهربائية.

يستقبل السياسيون الأفارقة مذكرة التفاهم الأمريكية بترحيب حذر، حيث يقول سيتومبيكو موسوكوتواني، وزير المالية في زامبيا، إنه يعلم أن الدول الغربية لا يمكنها إدارة شركاتها الخاصة. لكن "لا يزال بإمكانهم تقديم المساعدة من خلال الحديث عن المخاطر المتصورة لإفريقيا".

شركات التعدين الصغيرة في إفريقيا هدف لأمريكا

في الوقت نفسه، تُعد شركات التعدين الصغيرة هدفاً لمشاريع واشنطن، وهي تستجيب لإشاراتها بحسب الإيكونومست. وقال مسؤول تنفيذي غربي باع مناجم معادن في إفريقيا لشركات صينية، إنه يستكشف الآن مشاريع في دول تتمتع بعلاقات جيدة مع أمريكا، مثل زامبيا.

ويأمل عمال المناجم الصغار الآخرون في أن يؤدي تعطش الغرب لمشاريع التعدين الصديقة للبيئة في تقديم مقترحات استثمارية أكثر جاذبية لهم. ويستشهد الكثيرون بمثال Lifezone Metals، وهي شركة تعدين من المقرر إدراجها في نيويورك، والتي تخطط لاستخراج النيكل من منجم في تنزانيا باستخدام تقنيات حديثة. وفي العام الماضي حصلت شركة bhp، على أول استثمار كبير في إفريقيا منذ عدة سنوات. 

هل تترجم طموحات الغربية هذه إلى أمر واقع قريباً؟

مع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت طموحات الغرب الجيوستراتيجية ستُترجم إلى زيادة هائلة في الاستثمار. ومن المتوقع أن يرتفع الإنفاق الرأسمالي من قبل 20 من كبار عمال المناجم بنحو 12% في عام 2023، وفقاً لشركة Mining Technology. 

وهذا أقل من تقديرات المحللين لما هو مطلوب للغرب لتحقيق أهداف المناخ. ويقول دنكان وانبلاد، الرئيس التنفيذي لشركة Anglo American، إن هناك عدداً قليلاً جداً من المشاريع القابلة للتمويل قيد التطوير حالياً. 

فيما يقول مسؤول تنفيذي آخر إن "النية الأمريكية حول معادن إفريقيا حقيقية، لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون". غالباً ما لا تكون الأولويات الأفريقية أولويات أمريكية. يقول رئيس تنفيذي آخر: "ما يقلقني هو أن نصف الوفد الأمريكي يؤمن بهرائه" ، مضيفاً: "لا يكفي أن تكون أمريكا فقط".

يرحب سامح شنودة، المدير التنفيذي لمؤسسة أفريكا فاينانس، وهي صندوق إفريقي مقره في نيجيريا، بالاهتمام الغربي المتجدد بالتعدين في إفريقيا، لكن لديه قلقين. الأول هو أن المشاريع ستستغرق وقتاً طويلاً لتبدأ بسبب البيروقراطية الأمريكية. والثاني هو أن دفع أمريكا للتحالف مع الاستثمار الصديق للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في التعدين لن يستمر في ظل حكم رئيس جمهوري.

ويظهر المسؤولون الأمريكيون أحياناً على أنهم "متبرعون" عندما يحذرون الأفارقة من إبرام صفقات مع الصين. ويقول مستشار سابق لرئيس إفريقي: "الأمريكيون جاهلون تماماً بما يدور في سياستنا".  وترغب العديد من الحكومات الإفريقية في مزيد من التدخل الأمريكي في القارة، لكنها ليست في عجلة من أمرها للتخلي عن الصين. يقول بول كابوسوي، وزير المناجم في زامبيا: "تأخذ زامبيا الدول على حدة بما يناسب مصلحتها".

تحميل المزيد