بشكل مفاجئ فتحت هيئة الطيران المدني في سلطنة عمان، يوم 23 فبراير/شباط 2023، مجالها الجوي أمام جميع الطائرات التي تنطبق عليها الشروط المنظمة للعبور الجوي في الدولة الخليجية، ما سمح للطيران الإسرائيلي باستخدام المجال الجوي للسلطنة، فيما يعد ذلك واقعة غير مسبوقة.
هذا الموقف من مسقط دفع المختصين للتساؤل عن الأسباب التي دفعت الدولة الخليجية التي لديها العديد من المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية لحذو الموقف الإماراتي في قضية التطبيع مع إسرائيل؟
فلماذا وافقت سلطنة عمان على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية الإسرائيلية في هذا التوقيت؟ وما المقابل الذي حصلت عليه مسقط؟ وما علاقة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بهذا التطور؟
موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، نشر تقريراً حول هذا التطور المتمثل في إعلان غير مباشر عن فتح المجال الجوي للسلطنة الخليجية أمام شركات الطيران المدني الإسرائيلي.
ماذا تستفيد إسرائيل من هذا التطور؟
هيئة الطيران المدني في سلطنة عمان قالت إن قرار فتح المجال الجوي يأتي في إطار التزام مسقط بمعاهدة شيكاغو 1944، وعدم التمييز بين الطائرات المدنية لدول منظمة الطيران المدني الدولي، بما فيها الطائرات الإسرائيلية.
وقدم وزير خارجية إسرائيل، إيلي كوهين، الشكر لسلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد، وقال إن القرار سيقصر الطريق إلى آسيا، ويقلل التكاليف ويزيد قدرة شركات الطيران الإسرائيلية على المنافسة.
وعلى الرغم من أن سلطنة عمان لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن سلطان عمان الراحل، السلطان قابوس بن سعيد، كان قد استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2018، وكانت تلك الزيارة خطوة غير مسبوقة خليجياً حتى ذلك الوقت.
ووقتها أكد نتنياهو في أعقاب الزيارة أن السلطنة مستعدة لفتح مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية الإسرائيلية، لكن ذلك لم يحدث على مدى نحو 5 سنوات. وحتى في ذلك الوقت، لم يكن فتح المجال الجوي للسلطنة أمام الطائرات الإسرائيلية ذا أهمية تقريباً، وذلك لعدم السماح لطائرات إسرائيل بالتحليق فوق المملكة العربية السعودية.
لكن الآن، وبعد قرار الرياض، في يوليو/تموز 2022، فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، فإن موافقة عُمان على مرور الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي تفتح ممراً للطائرات التجارية الإسرائيلية عبر شبه الجزيرة العربية تجاه دول مثل الهند والصين وأستراليا، حيث سيختصر أوقات الرحلات بما يصل إلى ساعتين لبعض هذه الطرق.
فمنذ أن بدأت مسيرة التطبيع بين الدول العربية وبين إسرائيل، أو اتفاقات إبراهيم التي رعاها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونتج عنها إقامة الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية، تغيرت الأوضاع بصورة جذرية، وأصبحت الأجواء العربية مفتوحة بصورة شبه كاملة أمام الطائرات المدنية الإسرائيلية.
ما دور إدارة بايدن في فتح المجال الجوي للسلطنة؟
في اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان غير المباشر عن فتح المجال الجوي أمام شركات الطيران المدني الإسرائيلي، شهدت مسقط انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين سلطنة عُمان والولايات المتحدة الأمريكية.
وجرى على هامش تلك الاجتماعات توقيع مذكرة تفاهم مع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي "إكسيم"، لتقديم تسهيلات مالية لإقامة مشاريع صناعية، من بينها معدات الاتصالات اللاسلكية وشبكة الجيل الخامس والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والزراعة ومعالجة المياه.
كما تضمنت المذكرة خطة أولية لتقديم قروض وضمانات لتمويل صادرات أمريكية إلى عُمان. وبالتالي فإن هذا القرار يعتبر مؤشراً على التطبيع التدريجي الواقعي الذي يستند إلى إغراءات اقتصادية، وهو الأمر الذي يظهر في تزامن القرار مع جولة الحوار الاستراتيجي بين مسقط وواشنطن، والتي ركزت على تعاون اقتصادي بالأساس يفتح المجال للاقتصاد العماني لاستفادة أكبر من برامج تمويل أمريكية.
ومن الواضح هنا أن إدارة بايدن كانت حاضرة في قلب المفاوضات التي استمرت عدة أشهر قبل موافقة مسقط، لذلك وجّه وزير خارجية إسرائيل الشكر للرئيس الأمريكي ولوزير خارجيته، في إشارة لهذا الدور.
ويتفق هذا التوجه مع تقديرات المحللين والمراقبين بشأن كون مسألة توسيع "اتفاقيات إبراهيم" أصبحت سياسة أمريكية راسخة لا ترتبط بهوية الإدارة الأمريكية، وأن الاختلاف بين إدارة بايدن وإدارة ترامب هو اختلاف في نهج تطبيق هذه السياسة وليس في مدى الالتزام بها.
والدليل على هذا التوجه هو أن الخلافات العلنية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو الحالية بشأن ممارسات الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل تجاه الفلسطينيين لم تمنع واشنطن من مواصلة تقديم "إغراءاتها" لتسهيل استمرار مسار التطبيع. فحكومة نتنياهو كانت قد تحدت إدارة بايدن وأعلنت عن توسيع الاستيطان بعد أيام من زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن لتل أبيب وطلبه التوقف عن مثل تلك الإجراءات.
لماذا وافقت سلطنة عمان؟
أما من الجانب العماني، فلا تمثل الخطوة العمانية مفاجأة، حيث تحرص سلطنة عمان على مد خطوط سياستها إلى كافة المحاور. فاستقبلت مسقط مؤخراً وزير الخارجية الإيراني، كما أجرى الرئيس السوري بشار الأسد زيارة نادرة إلى مسقط قبل أيام من القرار، وهي رسالة مقصودة أن السلطنة متمسكة بنهجها التاريخي القائم على تجنب سياسة المحاور، وعدم الانخراط في التنافس الجيوسياسي الإقليمي.
ولا شك أن إيران ستكون غير راضية عن وجود طائرات إسرائيلية قريبة جداً من مجالها الجوي، لكن من غير المرجح أن تفعل أي شيء رداً على ذلك في ظل العلاقات الوثيقة مع سلطنة عمان.
ومن جهة أخرى تعزز خطوة فتح المجال الجوي من علاقات إسرائيل مع محيطها العربي، وتتناغم مع خطوات دمج إسرائيل في المنظومة الإقليمية من خلال علاقات اقتصادية وأمنية ذات طابع استراتيجي، ودون ارتباط بمدى التقدم في حل القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، تمر علاقات إسرائيل ومحيطها العربي بتقدم غير مسبوق، يعيد تعريف العلاقة من مجرد التطبيع والعلاقات السرية، إلى "التحالف" والعلاقات الاقتصادية والأمنية ذات الطابع الاستراتيجي، وقد يفتح هذا المجال لإسرائيل كي تمارس دوراً إقليمياً محورياً، يستند إلى طبيعة الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، والذي يضمن لها تفوقاً عسكرياً في المنطقة، بالإضافة إلى تفوقها التكنولوجي وخبراتها الأمنية التي تأمل بعض دول المنطقة الاستفادة منها.
لكن على الرغم من سعي الإدارة الأمريكية وبعض الدول في المنطقة، مثل الأردن ومصر، إلى نزع فتيل التوتر الخطير الناتج عن تصرفات حكومة نتنياهو وتصعيدها ضد الفلسطينيين، إلا أن فرص نجاح تلك المساعي، وآخرها اجتماع العقبة، لا تبدو مبشرة.