"دبلوماسية الزلازل"، منذ وقوع الكارثة بدأت مظاهر التطبيع العربي مع النظام تزداد بشكل غير مسبوق، وآخرها زيارة وزير الخارجية المصري لدمشق، وقبلها بساعات زيارة وفد من الاتحاد البرلماني أعقبت استقبال سلطان عمان هيثم بن طارق لرئيس النظام السوري بشار الأسد في مسقط، فهل يعني ذلك اقتراب عودة سوريا للجامعة العربية؟
ومنذ وقوع الزلزال، ورغم الانتقادات الغربية والأممية لنهج الأسد في التعامل مع الكارثة، ظهرت مؤشرات على استفادة النظام منها؛ حيث علقت العقوبات الأمريكية على النظام لإتاحة الفرصة، لوصول المساعدات الإنسانية، كما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً هو الأول من نوعه مع الأسد للتعزية وإبداء التضامن، كما تدفقت المساعدات العربية لسوريا، كثير منها عبر دمشق، رغم أن المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال تقع خارج سيطرة النظام.
واللافت كذلك تلقَّى الأسد اتصالاً هاتفياً للمرة الأولى منذ 2011، من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وهو أقرب حلفاء الرياض، إضافة إلى اتصالات لم تكن الأولى من رؤساء الأردن والإمارات وعُمان، لكنهم وجدوا في الزلزال فرصة لتعزيز جهود التطبيع مع الأسد بعد الزلزال، وخصوصاً الأردن، الذي أرسل وزير خارجيته أيمن الصفدي إلى دمشق، في أرفع زيارة يُجريها مسؤول أردني إلى سوريا، منذ 2011.
وكتب الصحفي السوري إبراهيم حميدي في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية اليومية "الدول العربية التي تطبيع أو تريد التطبيع ترى في هذه الكارثة منصة لتسريع جهودها عبر المكالمات الهاتفية والزيارات".
لماذا تحمل زيارة الأسد لسلطنة عمان مغزى كبيراً؟
في 20 فبراير/شباط 2022، في زيارة لافتة، استقبل سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق رئيسَ النظام السوري بشار الأسد، في أول زيارة رسمية للأخير إلى السلطنة منذ أكثر من عقد على اندلاع الحرب في سوريا، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية العُمانية.
ومع أن سلطنة عمان هي من أكثر دول الخليج اتصالاً مع نظام الأسد ومعروف عنها الحياد في الصراعات لدرجة أنها لم تقطع علاقتها بإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، أو مع القاهرة بعد المقاطعة العربية لمصر؛ إثر اتفاق السلام في نهاية السبعينيات.
ولكن وصول الأمر لاستقبال السلطنة للأسد، يؤشر لعدم ممانعة غربية أو خليجية للتطبيع مع الأسد في ظل علاقة مسقط ومصالحها المتشابكة مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة مع دول الخليج، خاصة أن سلطنة عمان لها علاقة وثيقة بالسعودية وقطر تحديداً.
وعرفت سلطنة عمان بسياسة الحياد الإيجابي التي تتبعها، ودورها كوسيط كتوم في الأزمات، ولذا فإن سياستها الخارجية بمثابة مؤشر يظهر بشكل مسبق اتجاهات السياسة في المنطقة، باعتبارها في كثير من الأحيان تقوم بدور الوسيط في حلحلة الأزمات في المنطقة مثل الدور الذي لعبته في استضافة بعض المحادثات التي مهَّدت للاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى عام 2015.
كيف تعامل وزير خارجية مصر مع سؤال عن عودة سوريا للجامعة العربية؟
كما وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى سوريا، اليوم الإثنين 27 فبراير/شباط 2023، لأول مرة منذ نشوب الثورة السورية عام 2011، وذلك ضمن جولة تشمل تركيا لتقديم واجب العزاء في ضحايا الزلزال، ونقل رسالة دعم ومؤازرة للدولتين الشقيقتين في المحنة الإنسانية الراهنة، حسب المتحدث باسم الخارجية المصرية.
ورفض وزير الخارجية المصري سامح شكري الرد على سؤال حول عودة سوريا للجامعة العربية، وقال إن الهدف من زيارته سوريا إنساني في المقام الأول، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، اليوم الإثنين 27 فبراير/شباط 2023.
ويعد موقف الوزير المصري مؤشراً على أن مسألة عودة سوريا للجامعة العربية لم تحسم بعد.
ووفد برلماني عربي رفيع المستوى يلتقي بالأسد
وقبل ذلك بساعات زار وفد من الاتحاد البرلماني العربي برئاسة رئيس مجلس النواب العراقي الحلبوسي يضم ثمانية رؤساء برلمانات عربية دمشق، لأول مرة؛ حيث التقى برئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي وصف الزيارة بأنها تعني الكثير.
ويضم الوفد إضافة لرئيس الاتحاد محمد الحلبوسي، رؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، وكذلك رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي، حسب موقع قناة الميادين الموالية لإيران والنظام السوري التي تتخذ من بيروت مقراً لها.
وجاء قرار تشكيل الوفد، في نهاية أعمال الدورة الـ41 للاتحاد البرلماني التي عُقدت في العاصمة العراقية بغداد السبت، "للتأكيد على دعم الشعب السوري"، بحسب وكالة الأنباء العراقية (واع).
وخلال البيان الختامي لمؤتمر اتحاد البرلمان العربي الذي يضم كل رؤساء البرلمانات العربية السبت، طالب الحلبوسي، بأن "تتبنى الدول العربية على كل المستويات البرلمانية والحكومية قراراً نهائياً بعودة سوريا إلى محيطها العربي"، إضافة إلى "ممارسة دورها العربي والإقليمي والدولي بشكل فاعل، والعمل الجاد لاستقرارها وإعادة تأهيل بناها التحتية وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم".
إنها زيارة من الاتحاد البرلماني العربي وليس البرلمان العربي، فما الفارق؟
ويجدر الانتباه إلى أن الزيارة البرلمانية العربية، هي زيارة الاتحاد البرلماني العربي عبر وفد يضم ثمانية رؤساء أو رؤساء وفود، وليس أعضاء كل الاتحاد الـ21.
كما أن الاتحاد البرلماني العربي يختلف عن البرلمان العربي، فالثاني يعد بمثابة برلمان عربي شامل يعتبر نظرياً ممثلاً للشعوب العربية برمتها مثل البرلمان الأوروبي ويتكون من 4 أعضاء من كل دولة، يتم ترشيحهم من قِبل كل برلمان، ثم تجرى انتخابات لاختيار رئيس البرلمان (حالياً النائب البحريني عادل العسومي) ونوابه.
ورغم أن البرلمانات العربية في الأغلب تابعة للسلطة التنفيذية في الدول العربية وهو ما ينطبق على الاتحاد البرلماني العربي والبرلمان العربي على السواء، ولكنّ هناك اختلافاً بين الكيانين في التوجهات والدول الأكثر نفوذاً، بل إن هناك صراعاً خفياً للنفوذ بين البرلمان العربي والاتحاد البرلماني العربي.
فالاتحاد البرلماني العربي ممثل لقيادات البرلمانات العربية، وهو اتحاد بنفَس مصري شامي قوي، فتاريخياً كان لرؤساء برلمانات مصر والأردن ولبنان تأثير كبير عليه.
على العكس، فإن البرلمان العربي كان دوماً به نفوذ خليجي قوي منذ نشأته، نظراً إلى أن لدول الخليج الست 24 عضواً به، ويمثلون أكثر ربع أعضاء البرلمان خاصة بعد غياب سوريا.
وكان لافتاً في هذا الصدد أن رئيس البرلمان العربي الحالي النائب البحريني عادل العسومي لم يعلن عن مشاركته في زيارة وفد الاتحاد البرلماني العربي لدمشق، رغم وجوده في بغداد لحضور مؤتمر الاتحاد البرلماني.
كما أنه يجدر الانتباه لعدم مشاركة أي وفود خليجية في الوفد الذي ذهب لدمشق، باستثناء الإمارات وسلطنة عمان، حيث إن الدولتين موقفهما من نظام الأسد مختلف عن بقية دول الخليج.
ويؤشر ذلك إلى أن دول الخليج لا تتصدر فورة التطبيع العربي مع الأسد، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تعارضها.
من أوقف مسار التطبيع العربي مع سوريا حتى الآن؟
سوريا لم يتم تجميد أو إيقاف عضويتها بالجامعة العربية، بل تم تجميد أنشطتها، أي مشاركة لوفودها في اجتماعات أو أنشطة الجامعة العربية، وصدر هذا القرار في اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية، وهي مبادرة شكلت بها الجامعة العربية وفداً من خبراء عسكريين وميدانيين لضمان وقف إطلاق النار بين جيش النظام والمعارضة في بداية الثورة (أغلب المعارضين في ذلك الوقت كانوا نشطاء محليين أو منشقيين عن الجيش السوري رفضوا أوامر قمع المتظاهرين).
وطالب القرار آنذاك "الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق"، لكنه اعتبر ذلك "قراراً سيادياً لكل دولة"، كما اتفق الوزراء على "توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية" على الحكومة السورية.
وتردد مراراً، خلال السنوات الماضية بعد هزيمة ثورات الربيع العربي بما فيها الثورة السورية الحديث عن ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية، وازداد ذلك بشكل كبير مع عقد القمة العربية الأخيرة في الجزائر، حيث ثارت تكهنات بأنها سوف تشهد الإعلان عن عودة سوريا للجامعة؛ بل حتى مشاركة الأسد بالقمة في ظل أن الجزائر هي من أكثر الدول العربية اتصالاً مع نظام الأسد، كما أنها دولة كبيرة وغنية تناوئ كثيراً من المواقف الدول الغربية والخليجية ولديها القدرة على مواجهة ضغوطهما.
ولكن عكس هذه التكهنات لم تشهد قمة الجزائر التي عقدت في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عودة سوريا للجامعة العربية، في مؤشر على وجود فيتو خليجي ولاسيما سعودي قوي، وقالت الجامعة العربية في ذلك الوقت إن السبب هو عدم تحقق التوافق على هذا القرار، ولعدم التزام دمشق بالشروط العربية بتنفيذ مقررات اتفاقات جنيف بما فيها إشراك المعارضة في السلطة ووضع دستور ديمقراطي يتيح لأن يكون للمعارضة المشاركة في الحكم.
ويعتقد أن الدولتين الأكثر اعتراضاً على عودة نظام الأسد لسوريا بالجامعة العربية هما السعودية وقطر وبصورة أقل الكويت، وأن كثيراً من الدول العربية لا تضغط في اتجاه عودة سوريا للجامعة العربية تجنباً لإغضاب الرياض تحديداً.
العديد من الدول العربية كانت تدعم المعارضة السورية، ولكن الوضع مختلف الآن
وبينما يقدم الحديث عن ضرورة الحوار مع المعارضة وتعديل الدستور على أنه السبب المعلن لعدم عودة سوريا للجامعة العربية، فإن الواقع أن أغلب الأنظمة العربية الحالية تعارض الحوار مع المعارضة الداخلية لديها، وبات قمع المعارضة على أنواعها هو السلوك السائد في المنطقة، كما يزداد قلق الأنظمة العربية من المعارضة السورية تحديداً، سواء لوجود فصائل إسلامية معتدلة أو متطرفة فيها أو علاقتها مع أنقرة أو استمرار قطاعات منها في المطالبة بإسقاط النظام أو تطلعها للديمقراطية المكروهة من قِبل أغلب أنظمة المنطقة.
والمعارضة السورية كان لها علاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية في السابق مثل الأردن ودول الخليج، حيث كانت كل من السعودية وقطر والإمارات والأردن تدعم فصائل بعينها من المعارضة بما في ذلك الدعم المالي والعسكري.
ولكن هذا الوضع انتهى، فقد تغيرت أجندة أغلب هذه الدول، بعد أن كانت تؤيد في بداية الربيع العربي بعض الثورات جزئياً في مواجهة إيران ونظام الأسد ونظام القذافي، أصبحت كلها باستثناء الدوحة تناصب الربيع العربي العداء.
فلقد أوقفت الإمارات دعمها المحدود لبعض فصائل المعارضة السورية مبكراً، وأصبحت داعماً للنظام، أما السعودية التي كانت داعماً كبيراً للمعارضة، فما حدث أن أغلب الفصائل التي كانت تدعمها كانت تتواجد في محيط دمشق، خاصة غوطة دمشق، مثل جيش الإسلام، وهي مناطق سيطر عليها النظام تماماً بمساعدة إيران وحزب الله وروسيا ، وينطبق الأمر على الأردن الذي كان داعماً لمعارضة الجنوب السوري، وهي المناطق التي شهدت مصالحات أو اتفاقات جزئية بين المعارضة والنظام بوساطة روسية، وبتوافق أردني.
ولمصر بعض العلاقات مع ما يعرف بمعارضة الداخل السورية مثل هيئة التنسيق الوطني، والتي توصف من قبل معارضة الخارج بأنها تابعة واقعياً لروسيا وللنظام أو مقبولة منه على الأقل.
وبالتالي ما تبقى من فصائل المعارضة النشطة يتركز وجوده في الشمال السوري في جيبين، ولقد توقف الدعم الخليجي والغربي لهذه الفصائل خلال المرحلة الأخيرة للثورة، مع ظهور داعش ودخول الروس، وأصبحت هذه الفصائل تعتمد على الدعم التركي والقطري، بل باتت تعتمد أحياناً على الحماية المباشرة للجيش التركي وتنسيقه مع الروس مثلما حدث في حرب إدلب عام 2019، حينما دخل الجيش التركي في مواجهة مباشرة مع جيش الأسد المدعوم من روسيا.
ويعني كل ما سبق أنه باستثناء قطر، لم يعد هناك دعم عربي للمعارضة السورية وأنه لأسباب أيديولوجية وواقعية لم يعد انتصار المعارضة أو تقوية دورها هدفاً لمعظم الدول العربية، إن لم يكن حتى مرفوضاً
ولكن الواقع أن ما يعرقل عودة سوريا للجامعة العربية ثلاثة عوامل، هي: رغبة قطرية في دور للمعارضة وتقليل معاناة اللاجئين السوريين وعودتهك، ثم قلق وغضب سعودي من وضع الأسد كتابع لإيران، واستفادة الأخيرة من سيطرتها على سوريا لتعزيز نفوذها بالمنطقة خاصة لبنان والعراق، وأخيراً: قلق بعض الدول العربية من إغضاب الغرب الذي ما زال يرفض التطبيع مع الأسد، وخاصة في ظل صرامة قانون القيصر الأمريكي الذي يفرض عقوبات حازمة على أي علاقات مع نظام الأسد، لاسيما اقتصادية.
دور مصر لافت في التطبيع هذه المرة
كان نظام الأسد من أبرز المحتفين بمظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي اعتبره داعماً للثورة السورية، رغم أنه كان دعماً معنوياً فقط في ظل انشغال حكومة مرسي بالأزمات الداخلية والبعد الجغرافي لمصر عن سوريا.
ولكن على عكس مع تمنى نظام الأسد، لم يحدث تطبيع مصري مع سوريا، بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة، حتى لو كان الإعلام الحكومي يهاجم الثورة السورية ضمن هجومه على كل ثورات العربي.
وبدت العلاقة بين الطرفين غزلاً صريحاً من قِبل نظام الأسد لحكم الرئيس السيسي في مصر، في مقابل امتناع الأخير عن التقدم بخطوات إيجابية قوية تجاه دمشق باستثناء ما تردد عن إرسال عسكريين مصريين بشكل رمزي لسوريا قبل أعوام حسب مصادر النظام السوري، وحديث قديم عن دعم لبعض الدول العربية من بينها مصر والإمارات للأكراد المسيطرين على شمال شرق سوريا المناوئين لأنقرة، والذين تحالفوا في بعض الأوقات مع نظام الأسد، وهي مسألة كانت مرحلية ويبدو أنها انتهت.
بل إن المسؤولين المصريين سبق أن قللوا من احتمالات عودة سوريا للجامعة العربية، وربطوها بحدوث توافق أو إجماع عربي وضرورة تقدم الحوار بين النظام والمعارضة ووضع دستور سوري توافقي.
كان واضحاً أن القاهرة غير متحمسة للتطبيع مع الأسد لأسباب خارجية بالأساس، خوفاً من إغضاب الداعمين الخليجيين لاسيما السعودية، وكذلك الغرب، وخاصة أن مثل هذا التطبيع لن يكون مفيداً كثيراً لدمشق ولا القاهرة، فلا الأسد لديه شيء يقدمه لمصر، وموقع مصر وظروفها لن تجعلها قادرة على تقديم دعم عسكري أو مادي للأسد، إضافة للتوجس المصري التقليدي من إيران وحزب الله.
وظل الجهد المصري المتقطع الرئيسي في الملف السوري، جهداً بسيطاً يتم بالتعاون أحياناً مع الإمارات وروسيا لتعويم ورفع قيمة ما يمكن تسميته بمعارضة الطريق الثالث، وهي المعارضة الناصرية والعشائرية المقبولة من النظام في محاولة لتقديمها كمنافس للمعارضة السورية الرئيسية المتحالفة مع أنقرة.
ولم تنخرط القاهرة على عكس الإمارات وكذلك الأردن التي تتشابه مع مصر في طبيعة علاقتها مع دول الخليج في أنشطة التطبيع مع الأسد، وقد يكون مرجع ذلك لمجاورة الأردن لسوريا وحاجته لهذا التطبيع لتنظيم الوضع في الجنوب السوري الملاصق للأردن والذي يشبه تكوينه القبلي شمال الأردن.
ولكن من الواضح أنه عكس المرات السابقة، فإن هناك دوراً مصرياً كبيراً في التطبيع مع الأسد هذه المرة؛ حيث قال رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي في تصريح للوكالة السورية الرسمية "سانا" من مطار دمشق إن سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية والبيت العربي، وإن هذه الزيارة هي لدعمها قيادة وحكومة وشعباً، بمواجهة تداعيات الزلزال.
وأكد حنفي جبالي على الرباط التاريخي بين مصر وسوريا، ومُتمنياً لسوريا الشقيقة وشعبها الصامد المناضل كل الازدهار والرفاهية والرخاء، حسب ما ورد في وسائل إعلام مصرية.
لا يمكن حتى معرفة هل الدور المصري النشط المستجد، في التطبيع مع الأسد مرتبط بالخلاف السعودي المصري الأخير حول تطبيق شروط الاتفاق مع صندوق النقد وما يترتب عليها من تراجع دور الجيش في الاقتصاد لضمان تدفق الاستثمارات الخليجية؟
أم أن هذا الدور مرجعه تداعيات الزلزال القاسية، وتراجع التحفظ الغربي وكذلك الخليجي على التطبيع مع الأسد، وقد يكون مرتبطاً بما تشهده المنطقة من تهدئة ومصالحات بما في ذلك التحسن في العلاقات المصرية – التركية.
هل رفعت السعودية الفيتو عن عودة سوريا للجامعة العربية؟
رغم عدم مشاركة السعودية أو قطر في الوفد البرلماني العربي لدمشق، ولكن هناك مؤشرات على رضا سعودي عن الزيارة وغيرها من مظاهر التقارب العربي مع نظام الأسد أو على الأقل عدم ممانعة.
وظهر ذلك في اتصال ملك البحرين بالأسد، واحتفاء الإعلام السعودي بالزيارة البرلمانية رفيعة المستوى؛ حيث عنونت صحيفة الشرق الأوسط السعودية موضوعاً لها عن الزيارة بعنوان "البرلماني العربي" يُنعش آمال عودة سوريا إلى "الجامعة"، كما أبرز موقع "إيلاف" السعودي دعوة الوفد لرفع ما وصفه بالحصار على سوريا واجتماعه مع الأسد.
لكن التحول الأبرز في الموقف السعودي، عبّرت عنه الرياض، بإرسال مساعدات إلى مناطق النظام، فضلاً عن تحدث وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان قبل أيام، عن اتفاق عربي لحل الأزمة السورية عبر "الحوار مع دمشق".
وأصر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في مؤتمر ميونيخ للأمن، على أن "الوضع الراهن غير عملي" ، وأن العالم سيحتاج إلى التعامل مع دمشق "في مرحلة ما" بشأن قضايا مثل اللاجئين والمساعدات الإنسانية.
ولدى سؤاله عما إذا كان يعتزم زيارة سوريا، قال الوزير السعودي إنه لن يقبل "شائعات"، ويأتي هذا السؤال، في ظل تسريبات استخباراتية نقلها موقع "إنتلجنس أون لاين" الفرنسي، عن وجود عملية تطبيع سرية بين الرياض والنظام، وأن بن فرحان سيزور دمشق، في وقت قريب.
وإذا نجحت دبلوماسية الزلازل التي يتبعها الأسد في تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، فإن الطريق إلى التطبيع العربي وعودة سوريا للجامعة العربية سيكون مفتوحاً على مصراعيه، حسبما ورد في تقرير لموقع al-Monitor الأمريكي.
خلاف الرياض مع الأسد أصبح مرتبطاً بنقطة مركزية تكاد تكون واحدة
وكانت العلاقة بين دمشق والرياض غالباً متقلبة حتى قبل الربيع العربي 2011 بعقود، حيث كان نظام الأسد نظاماً جمهورياً وراثياً طائفياً تقوده أقلية علوية، بينما السعودية الملكية هي معقل الإسلام السني المحافظ، وكانت دمشق تتبنى خطاباً قومياً عربياً اشتراكياً، والسعودية تقدم خطاباً إسلامياً أممياً عابراً للقوميات بتوجه رأسمالي، وكانت دمشق أقرب حلفاء الاتحاد السوفييتي بالمنطقة، والسعودية أهم حلفاء واشنطن.
ولكن أكبر مشكلة كانت دوماً علاقة نظام الأسد بإيران التي تحولت تدريجياً لما يشبه التبعية، ولكن ذلك لم يمنع وجود تنسيق وعلاقات قوية بين دمشق والرياض (تحولت أحياناً لمحور الرياض القاهرة دمشق)؛ حيث وجدت الرياض ودمشق أرضية مشتركة أحياناً، كالعداء لنظام صدام حسين مثلما حدث في حرب تحرير الكويت عام 1992، أو التنسيق السوري السعودي وتقاسم النفوذ في لبنان الذي أسفر عن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية بداية التسعينيات وحقبة من السلام والازدهار في لبنان بقيادة حليف السعودية رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري الذي عرف بقدرته على إرضاء رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد.
ولكن خلاف نجله بشار مع رفيق الحريري واغتيال الأخير عام 2005 الذي تُتهم به دمشق وحزب الله اللبناني كان نقطة مفصلية أدت لتدهور غير مسبوق في علاقات دمشق والرياض وصل ذروته في فترة الثورة السورية، حينما كانت السعودية من أكبر داعمي المعارضة.
ولكن ولت تلك الأيام منذ فترة طويلة، ورغم ذلك المملكة حافظت على مقاطعتها الدبلوماسية لنظام الأسد.
وعلى الرغم من أن القادة السعوديين لم يعودوا يتوقعون تغيير النظام، فإن الرياض تجد العلاقة الوثيقة بين دمشق وطهران حبةً يصعب ابتلاعها، حسب وصف تقرير موقع al-Monitor الأمريكي.
وأشار مصطفى شلش، في صحيفة الأخبار اللبنانية الموالية لإيران، إلى أن الرياض ودمشق لا يزال أمامهما طريق طويل قبل أن تتمكنا من الوصول إلى نقطة التطبيع.
ولكن هناك مؤشرات على تغيير في النهج السعودي والتركيز على التهدئة والمصالحات في المنطقة عموماً، بدءاً من مصالحة قوية مع تركيا وتهدئة لم تصل لمصالحة مع إيران داعم الأسد الرئيسي.
وتعلم الرياض أن الأسد لا يمكن التخلي عن حلفه مع إيران التي أنقذت عرشه، وأنه لا يستطيع لو أراد على الأرجح تقليص النفوذ الإيراني في سوريا؛ حيث إن الميليشيات الشيعية الموالية لطهران لها نفوذ في مناطق سورية كثيرة أكبر مما لدى النظام نفسه، وخاصة أن الانشغال الروسي بحرب أوكرانيا يزيد حاجة الأسد لطهران، ويفاقم ضعفه أمامها.
ولكن السعودية تتوقع إيماءات من النظام بالاستقلال الشكلي عن طهران، خاصة في الملف اللبناني، مثلما كان الحال في فترة التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين، حينما كانت دمشق حليفاً لإيران وصديقاً للرياض، وهو نموذج يحدث الآن في العراق، الذي تهيمن عليه طهران فعلياً، ولكن القوى الحاكمة في بغداد، لاسيما في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، حريصة على تعزيز العلاقة مع الرياض.
كما أن الأسد بدوره يحتاج لدعم عربي وسعودي لتقوية موقفه أمام داعميه المتنمرين إيران وروسيا، اللتين تتعاملان معه باعتباره أحد الأطراف السورية وليس رئيس البلاد.
وفي الأغلب الكرة ستكون في ملعب الأسد، وهل هو على استعداد ليقدم مؤشرات على خلق مساحة تبعده ولو قليلاً عن إيران، أم بات غير قادر على ذلك؟