يبدو أن كوريا الجنوبية قد أوشكت على الانضمام لنادي المقاتلات الشبحية، الذي لا يضم سوى ثلاث دول ليست بينها واحدة أوروبية، فكيف حققت سيول هذا الإنجاز، وما إمكانيات طائرة الشبح الكورية KF-21 "بوراما"، ولماذا يعتبرها البعض ليست شبحية، وما علاقة إندونيسيا وتركيا بالمشروع؟
حققت الطائرة الكورية KF-21 خطوة شديدة الرمزية والأهمية في عالم الطيران باختراقها حاجز الصوت في اختبار تحليق، حيث قامت بأول رحلة أسرع من الصوت.
وتعد إندونيسيا شريكاً أصغر ومتقلباً في مشروع تطوير وإنتاج الطائرة، ولكنها جددت التزامها بالمشروع بعد جدل لسنوات مع الشريك الكوري.
وتمتلك سيول 80% من الأسهم في المشروع، بينما تمتلك إندونيسيا 20%.
وتمت الرحلة التجريبية التي حلّقت فيها الطائرة أسرع من الصوت في شهر يناير/كانون الثاني 2022، حيث حلّق النموذج الأولي في الجو لمدة 34 دقيقة، ونظراً إلى أن الرحلة كانت تهدف فقط إلى اختبار قدرات استقرار الطائرة في الرحلة الأولى، فقد تم تشغيل الطائرة بواسطة طيار واحد، رغم أنها مجهزة لطيار وملاح.
يأتي هذا النجاح بعد أكثر من 80 رحلة تجريبية للطائرة "بوراماي" في السنوات الأخيرة.
الرحلة التجريبية الأخيرة لـ"بوراماي" تجعل سيول ثامن دولة تنتج مقاتلة أسرع من الصوت. وسيساعدها هذا الإنجاز في تعزيز موقفها أمام بيونغ يانغ وبكين.
وأوضحت إدارة برنامج اقتناء الدفاع الكورية الجنوبية أن "هذا النموذج الأولي من المقرر أن يقيّم قدرات الطيران في الطائرة، ونظام الرادار AESA (المصفوفة المرحلية النشطة إلكترونياً) واختبار إلكترونيات الطيران".
مواصفات الطائرة الأساسية
الطول: 16.9 متر.
الوزن الفارغ: 11800 كغم
الوزن الإجمالي: 17200 كغم
أقصى وزن للإقلاع: 25400 كغم (55997 رطلاً).
المحرك: 2 من نوع جنرال إلكتريك الأمريكي F414-GE-400K توربوفان بقوة 57.8 كيلو نيوتن لكل منهما في حالة الدفع الجاف، و97.9 كيلو نيوتن مع حارق لاحق.
السرعة القصوى: 1.81 ماخ.
المدى: 2900 كم.
هل يمكن أن يطلق عليها طائرة الشبح الكورية؟
هذه الطائرة من حيث الحجم والقوة يمكن تصنيفها ضمن الفئة المتوسطة مثل يوروفايتر الأوروبية ورافال الفرنسية وميغ 29 الروسية، وهي أقرب للحد الأعلى من هذه الفئة، لتقترب في حجمها من إف 18 سوبر هورنيت الأمريكية التي تعد طائرة كبيرة الحجم.
ما زالت هذه الطائرة لا تصنف كطائرة جيل خامس، بل مقاتلة من الجيل 4.5.
فالطائرة KF-21 هيكلها من الجيل الرابع، ولكن لديها قدرات للتهرب والتخفي من الرادارات مثل قدرات طائرات الجيل الخامس، مما يجعلها تستحق جزئياً لقب طائرة الشبح الكورية.
في العام الماضي، قالت إدارة برنامج اقتناء الدفاع في كوريا الجنوبية إن طائرة KF-21 كانت أول مقاتلة يتم تطويرها في المقام الأول باستخدام التكنولوجيا المحلية.
بالطبع هي ليست محلية بالكامل، ويصعب على أي دولة أن تنتج طائرة محلية بالكامل، ومن يقترب من نسبة 100% من الإنتاج المحلي للطائرة، دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وبصورةٍ أقل فرنسا، ولكن حتى بريطانيا وألمانيا السويد تنتج طائراتها بنسب استيراد من الخارج ليست بالقليلة.
وإليك نسبة الإنتاج المحلي
يتم إنتاج ما يقرب من 65% من أجزاء KF-21 محلياً، وهو إنجاز كبير لكوريا الجنوبية، حسب تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
الطائرة السويدية "غريبين" تبلغ نسبة الإنتاج المحلي فيها نحو الثلث، والباقي أوروبي أو أمريكي.
لكن واحداً من أهم الأجزاء في الطائرة وهو المحرك سوف يكون أمريكياً، حيث تعتمد الطائرة على محركين من المحرك: 2 × جنرال إلكتريك F414-GE-400K توربوفان قوته.
وهو المحرك المستخدم في الطائرة الأمريكية الشهيرة إف 18 سوبر هورنيت والسويدية غريبين، والهندية هيل تيجاس، وهو مشهور بجودته العالية.
لماذا يُظهر تاريخ المشروع حجم الإنجاز الكوري؟
كان المشروع يعرف سابقاً باسم برنامج KF-X، وقد بدأ في عام 2001 من قبل الرئيس الكوري الجنوبي آنذاك كي داي جونغ، لإنتاج هيكل طائرة بقدرات أكثر تقدماً من مقاتلة KF-16 الحالية.
ثم أطلق المشروع بشكل عملي، في عام 2015، بتكلفة مقدرة تبلغ 6.9 مليار.
وهي فترة قصيرة نسبياً أن تصنع دولةٌ طائرةً بمثل هذا التقدم، في نحو عقدين من الزمن.
على سبيل المقارنة منحت الهند الترخيص التشغيلي النهائي للمقاتلة هيل تيجاس رسمياً بعد نحو 35 عاماً من انطلاق المشروع و60 عاماً من بدء الفكرة.
يهدف المشروع إلى بناء مقاتلة أسرع من الصوت لتحل محل أسطول كوريا الجنوبية القديم من المقاتلات الأمريكية F-4 وF-5.
ستدخل الطائرة مرحلة الإنتاج الضخم في عام 2026، وتعتزم القوات الجوية الكورية الجنوبية شراء 120 طائرة من طراز KF-21 بحلول عام 2032.
حتى مع نسبة المكون الأجنبي التي تعادل الثلث، فإن اختبارات الطيران للنماذج الأولية تمثل إنجازاً جديراً بالملاحظة لدولة لها تاريخ موجز في إنتاج الطائرات، حسب وصف موقع Eurasian Times الهندي.
أمريكا منحتها عدداً من تقنيات الـ"إف 35″ ومنعت بعضها الآخر
خلال تطوير المشروع، وافقت شركة لوكهيد مارتن الأمريكية على نقل عشرين تقنية من طائراتها الشبحية F-35A كجزء من صفقة شراء كوريا للطائرة الأمريكية.
ومع ذلك، منعت الحكومة الأمريكية نقل أربع تقنيات حيوية، هي: رادار AESA، والبحث بالأشعة تحت الحمراء والمسار (IRST)، وجراب الاستهداف الكهروضوئي (EO TGP)، وتقنية تشويش التردد اللاسلكي (RF التشويش).
وبالتالي كان مطلوباً من كوريا الجنوبية تطوير هذه التقنيات محلياً، قدَّر تدقيق عام 2015 أنَّ 87% من تقنيات المشروع قد تم تأمينها.
وتم الانتهاء من التصميم الأوّلي في منتصف عام 2018. وفي سبتمبر/أيلول 2019، فحصت مراجعة نقدية للتصميم مجموعة بيانات فنية وأكدت أن الطائرة التي كانت تسمى KF-X، كافية لمتطلبات القوات الجوية الكورية.
لا شك في أنَّ تطور صناعات الإلكترونيات الكورية الجنوبية ساعد سيول على تطوير الطائرة بهذه السرعة والكفاءة، خاصةً الرادار وغيره من المعدات الإلكترونية.
لماذا ما زالت تصنَّف كطائرة جيل 4.5 وليس خامساً؟
تفضّل سيول أن تشير إلى مقاتلتها KF-21 باعتبارها مقاتلة من الجيل 4.5.
إحدى النقاط التي تنقص من قدرات الطائرة الشبحية ومواصفات الجيل الخامس، غياب حاويات الخزانات الداخلية للأسلحة، اللازمة لتجنُّب كشف الطائرة في حال تعليق الأسلحة بهيكل الطائرة الخارجي.
بالنظر إلى الصعوبات لتصميم طائرة شبحية بالكامل واستغراقه وقتاً وتكلفة كبيرة، لجأت كوريا الجنوبية لحل انتقالي وهو تصميم طائرة بقدرات جيل 4.5، مع جعل الهيكل قابلاً للتطوير ليصبح في تصميمات لاحقة أكثر شبحية، وضمن ذلك تعديلها لتضم حاويات أسلحة داخلية.
وحتى مع تصنيفها كطائرة جيل رابع ونصف يمكن تسميتها بـ"طائرة الشبح الكورية الأولى"، حيث إن قدراتها على التهرب من الرادار تجلبها إلى ساحة المنافسة مع المقاتلات الشبحية إلى جانب طائرات F-35 الأمريكية والصينية J-20، حسب تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
إليك أبرز نقاط قوتها
ربما يكون اثنان من أهم مكونات طائرة الشبح الكورية، هما متتبع الأهداف بالأشعة تحت الحمراء، ورادارها الإلكتروني الذي يعتمد على تقنية "إيسا" المتطورة التي تجعله أكثر دقة وأقل قدرة على أن يتم تتبُّعه واختراقه من رادرات "بيسا" الأقدم، وتقنية "إيسا" لم تستطع دولة مثل روسيا، دمجها بعد في مقاتلاتها.
وكلتا التقنيتين تم تطويرها من قبل أنظمة شركة هانوا التي تتخذ من سيول مقراً لها.
وقدرات الطائرة على حمل الذخائر مثيرة للإعجاب للغاية حتى بدون حاويات حمل الأسلحة الداخلية المميزة للطائرات الشبحية، حسب الموقع الأمريكي.
فمن المتوقع أن يحمل هيكل الطائرة بوراما- بلوك 2، صواريخ كروز تطلق من الجو مصممة محلياً، وضمن ذلك صواريخ جو-جو بعيدة المدى البصري، إضافة إلى قنابل موجهة بدقة.
وستمكّن صواريخ كروز الطائرة من ضرب أهداف خارج نظام الدفاع الجوي للعدو.
وفقاً للخبراء في موقع "1945" الأمريكي العسكري، ستزوَّد المقاتلة أيضاً بنظام آلي لتجنب الاصطدام. وتعمل ميزة السلامة هذه على تحسين احتمالات البقاء على قيد الحياة للطيارين الذين يستسلمون للمناورات عالية.
يعتقد أن الطائرة تتسم بقدرات عالية في المناورة والقتال الجوي التلاحمي.
في المستقبل، سيتم تجهيز القوات الجوية الكورية الجنوبية بمزيج من طائرات F-35 لعمليات القصف للأهداف الأرضية، وطائرات KF-21 للقتال والدفاع الجويين.
ويعتقد الخبراء أن هذا النهج سيعالج بعض أوجه عيوب الطائرة F-35 الأمريكية، المصممة بشكل أفضل للهجمات الأرضية مع شكوك في قدرتها على القتال الجوي، بينما تم تصميم KF-21 بالأساس للمهام الجوية القتالية ضد الطائرات الأخرى.
ستكون KF-21 قابلة للتشغيل المتبادل مع الصواريخ الأمريكية والأوروبية مثل AIM-120 AMRAAM و AIM-9X Sidewinder و MBDA Meteor، على عكس نظيراتها الروسية والصينية.
الطائرة الكورية لديها تطلعات كبيرة، وفقاً للمتخصص العسكري أبراهام أيت. حتى إنه يتوقع أنه خارج الولايات المتحدة والصين ستكون أنجح برامج مقاتلات الجيل الخامس.
تأمل سيول أن تبدأ بيعها في عام 2028 مقابل 65 مليون دولار لكل وحدة، وهذا سعر أرخص كثيراً من طائرات رافال وتايفون الأوروبية.
لن تصل الطائرة في شبحيتها لقدرات إف 35 الأمريكية، ولكنها قد تتفوق على تايفون ورافال، على الأرجح في هذا المجال، خاصة إذا أدخلت تعديلات الجيل الخامس عليها، كما هو مخطط، وستظل نقطة التميز الكبرى للمقاتلة الكورية على الأرجح في التكلفة (وهو ما يجعلها منافساً قوياً للمقاتلات الروسية)، إضافة لتميزها في النواحي القتالية كما تفيد التقارير.
مشاركة مضطربة لإندونيسيا في الطائرة ولكن ماذا عن تركيا؟
وإندونيسيا شريك رسمي صغير في الطائرة، رغم حدوث بعض الخلافات وتأخرها في دفع نصيبها من التمويل أحياناً، ولكنها أكدت مؤخراً التزامها بالبرنامج، وقالت إنها إضافة إلى سداد المدفوعات المتعلقة بحصتها البالغة 20% من البرنامج في عام 2022، فإن شركة الطيران الإندونيسية أرسلت 37 مهندساً واثنين من طياري الاختبار إلى كوريا الجنوبية.
لم تذكر وزارة الدفاع الإندونيسية مقدار الأموال التي دفعتها جاكرتا في عام 2022، لكن التمويل كان قضية خلافية بين الشريكين لعدة سنوات.
وأفادت تقارير بأن الجانبين قد توصلا إلى اتفاق بشأن التمويل، حيث ستدفع جاكرتا 30% من حصتها عبر "مدفوعات عينية"، وقبل نحو عام أشارت وسائل الإعلام الكورية الجنوبية إلى أن جاكرتا متأخرة عن حصتها بمقدار 800 مليار دولار.
وتأمل جاكرتا اكتساب القدرة على إنتاج مكونات رئيسية من الطائرة مثل الجناح والذيل والأبراج، إضافة إلى التجميع النهائي محلياً.
وفي 9 ديسمبر/كانون الأول 2022، أعربت بولندا عن نيتها الانضمام إلى برنامج KF-21، وذلك في ظل تعاون غير مسبوق بينها وبين كوريا الجنوبية في المجال العسكري، حيث أبرمت وارسو اتفاقاً ضخماً لاستيراد الأخيرة وتجميع نحو ألف من الدبابة الكورية الحديثة المعروفة باسم النمر الأسود (K2 Black Panther).
وتعد تركيا شريكاً مقرباً لكوريا الجنوبية في مجال تصنيع الأسلحة، حيث استخدمت تكنولوجيا دبابة النمر الأسود الكورية في تطوير الدبابة التركية ألتاي.
وأعربت أنقرة عن اهتمامها الكبير بـ KF-21 Boramaet قبل عقد من الزمن، وأثير من كثير الحديث الإعلامي حول تعاون محتمل بين برنامج المقاتلة الكورية وبرنامج الطائرة التركية الشبحية الأكثر طموحاً والذي مازال أبعد في مداه الزمني.
ولكن أنقرة تريد مشاركة كاملة، حيث تريد الاعتماد على الذات بشكل كبير في إنتاج مقاتلتها من الجيل الخامس، وهي مسألة يبدو أن سيول ليست مستعدة لها.
وقد يكون البديل عملية تبادل للتكنولوجيا مع بقاء كل مشروع منفصلاً على غرار التعاون بين مشروعي الدبابة الكورية K2 Black Panther والتركية ألتاي، ويمكن أن تشتري أنقرة عدداً من الطائرات KF-21 الكورية كبديل للنسخ القديمة من الإف 16 الخاصة بها، ويكون ذلك ثمناً لنقل التكنولوجيا الكورية لمشروع الطائرة التركية الشبحية.
لكن واشنطن التي أخرجت تركيا من برنامج المقاتلة الشهيرة إف 35 قد تعترض على التعاون بين كوريا وأنقرة، خاصةً أن الطائرة الكورية تعتمد على تقنيات أمريكية بشكل كبير.
وتورّد أنقرة بالفعل بعض التقنيات للمشروع الكوري، حيث توفر شركة التكنولوجيا التركية Space and Defense Technologies بعض التقنيات والأجزاء في طائرة الشبح الكورية، من بينها نظام رابط محاكاة للمشروع خلال مرحلة النموذج الأولي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Daily Sabah التركية.
وقال المدير العام للشركة عمر كوروكوت، لوكالة الأناضول، إن الشركة حققت أحد أهم صادراتها من خلال توفير نظام رابط بيانات محاكاة للذراع للطائرة المقاتلة، وتوقع 120 طلباً إضافياً لمنتجاتهم اعتباراً من عام 2024.
وقال: "من المهم بالنسبة لنا أن نكون قادرين على توفير أنظمة فرعية لطائرات مقاتلة من الجيل الخامس مثل التي نقدمها لكوريا الجنوبية".