تبادلت السودان و"إسرائيل" خلال الأسبوعين الماضيين زيارات رفيعة المستوى من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية تطبيع العلاقات بينهما، حيث أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين زيارة إلى الخرطوم في 2 فبراير/شباط 2023، حيث التقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. فيما أجرى في 15 من فبراير/شباط 2023، وفد سوداني يتكون من عسكريين ومدنيين، برئاسة مسؤول ملف العلاقات مع "إسرائيل"، اللواء متقاعد مبارك عبد الله بابكر، زيارة غير معلنة إلى تل أبيب، لمناقشة خطوات استكمال عملية التطبيع، خاصة القضايا المتعلقة بالملف الأمني والعسكري.
تطبيع العلاقات بين السودان و"إسرائيل".. ماذا يريد كل طرف من الآخر؟
اتفق الطرفان على التوقيع الرسمي في واشنطن بعد تشكيل حكومة سودانية مدنية خلال العام الجاري، وشدد كوهين خلال لقائه بالبرهان على أن "إسرائيل" ستساعد السودان بعد التوقيع على الاتفاق في كل المجالات، بعد أن اختار السودان الانفتاح على الغرب والتخلي عن دعم حركة حماس.
فيما أعلن مجلس السيادة بحث الطرفين إرساء علاقات مثمرة، وتعزيز التعاون مع "إسرائيل" في مجالات الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم، مع التركيز على المجالات الأمنية والعسكرية. وذكرت تقارير أن نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، التقى بالوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم، لكنّه نفى صحة هذه الأنباء، قائلاً إنه لم يكن على علم بالزيارة.
السودان نحو مزيد من الاندماج في ترتيبات اتفاقيات أبراهام
يقول تقرير لـموقع أسباب المتخصص بالتحليلات السياسية والاستراتيجية، إن مسار تطبيع السودان مع إسرائيل بدأ في فبراير/شباط 2020، عندما التقى البرهان مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في أوغندا بشكل سري، في محاولة لفك العزلة الدولية، حيث ربطت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، بالتطبيع العلني مع إسرائيل.
وفي 23 أكتوبر/تشرين أول 2020، أعلن ترامب عن بدء تطبيع العلاقات بين الجانبين، وتدشين علاقات اقتصادية وتجارية تركز في البداية على مجال الزراعة، حتى تضمن الولايات المتحدة وإسرائيل الاندماج الكامل للسودان في المجتمع الدولي، وأعقب ذلك رفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب في ديسمبر/كانون أول 2020، والاستجابة لطلب قادة الجيش السوداني بمنحهم حصانة من المسؤولية القانونية عن الأفعال التي ارتكبت في عهد الرئيس عمر البشير. وفي يناير/كانون ثاني 2021، وقع السودان على إعلان اتفاقيات أبراهام برعاية أمريكية، ولحق بالإمارات والبحرين والمغرب.
ومنذ الإعلان عن التطبيع لم تنقطع زيارات الوفود الأمنية من كلا البلدين للتنسيق في عدد من الملفات، أبرزها توقيع كوهين، بصفته وزيراً للاستخبارات، مع وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، في الخرطوم يناير/كانون ثاني 2021، اتفاقية للتعاون الاستخباري بين البلدين، وكان على رأس الملفات التي ناقشها كوهين الوصول إلى أرشيف جهاز المخابرات السوداني حول نشاط الفصائل الفلسطينية في السودان.
في المقابل، لم يتحقق أي تقدم في التطبيع السياسي؛ حيث أبطأت إطاحة الجيش بالحكومة في أكتوبر/تشرين أول 2021 مسيرة التطبيع؛ فبينما امتنعت إسرائيل عن إدانة الخطوة للحفاظ على العلاقة الجيدة مع البرهان والقيادات الأمنية، أدانت الولايات المتحدة سيطرة الجيش على السلطة ورفضت تطوير العلاقات مع وزراء تسيير الأعمال الذين عينهم الجيش، وبصورة خاصة رفضت واشنطن دعوة السودان للترتيبات اللاحقة المرتبطة باتفاقيات أبراهام خاصة "منتدى النقب".
كما يواجه التطبيع مع إسرائيل رفضاً شعبياً من كل القوى الإسلامية في السودان، وهو ما يضيف تحديات داخلية لقادة الجيش، يصعب معه تحويله إلى خطوات ملموسة على الأرض. لذا، فإن من المتوقع أن تظل العلاقات مع إسرائيل واحدة من ملفات التوتر والانقسام السياسي الداخلي في السودان، ومن ثم تظل دائماً احتمالات أن تتأثر وتيرة ومستوى تطور العلاقات مع إسرائيل بالتطورات السياسية المحلية في السودان.
"إسرائيل" في إفريقيا: أبعد من السودان و"اتفاقيات أبراهام"
يقول موقع أسباب إن زيارة كوهين للسودان أظهرت شخصية محورية في جهود إسرائيل الاستراتيجية لبناء علاقات واسعة وعميقة في إفريقيا، وهو رونين ليفي، المدير العام المعين حديثاً في وزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي عمل سابقاً كشخصية بارزة في جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك)، حيث شارك ليفي في جهود التقارب الكبير بين إسرائيل وإفريقيا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك التقارب بين المغرب وتشاد والسودان.
والآن؛ يقف ليفي في قلب فريق السياسة الإفريقية، ويتمتع بثقة نتنياهو الكاملة لإحياء سياسة خارجية غير محدودة، من حيث تأثيرها وطموحاتها في إفريقيا، كما يعمل ليفي بعيداً عن الأضواء، ويركز على الاستفادة من سمعة إسرائيل القوية في المجال الأمني لإحياء نشاطها الدبلوماسي في القارة.
من هذه الزاوية؛ لا تأتي الخطوة الإسرائيلية نحو السودان فقط ضمن مسار "اتفاقيات أبراهام"، ولكنّها تتكامل أيضاً مع تحرك استراتيجي واسع ونشط تجاه إفريقيا، حيث تزامنت زيارة كوهين للخرطوم مع افتتاح الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، سفارة بلاده في تل أبيب.
أما رئيس غينيا بيساو، عمر المختار سيسكو إمبالو، فيخطط لزيارة إسرائيل خلال شهر مارس/آذار 2023، وهي زيارة تكتسب أهميتها نظراً لموقع إمبالو كرئيس للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وضمن نفس الجهود الإسرائيلية، ستفتتح شركة العال رحلة لاغوس – أبوجا – تل أبيب في 9 مارس/آذار، مع احتمالية أن يشارك وزير الخارجية النيجيري "جيفري أونياما" في مراسم الاحتفال بالحدث.
في هذه الأثناء؛ فإن المفاوضات جارية مع مالي منذ عدة أشهر لتطبيع العلاقات بين البلدين، حيث تسعى النخبة العسكرية الحاكمة بقيادة الرئيس المؤقت الكولونيل "أسيمي غويتا" افتتاح سفارة في "إسرائيل" مقابل الوصول إلى أنواع معينة من المعدات العسكرية.
كما تعمل "إسرائيل" على إحياء علاقاتها مع موريتانيا، التي استمرت من 1999 إلى 2009. وفي إفريقيا الوسطى، يعزز نتنياهو روابطه القوية بالفعل مع عواصم المنطقة الرئيسية، ففي 1 شباط/فبراير، سافر الدبلوماسي الإسرائيلي، إيدو مؤيد، سراً إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية لتسليم رسالة شكر من نتنياهو إلى الرئيس فيليكس تشيسكيدي، على تصويته ضد القرار الفلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 ديسمبر/كانون أول، الذي دعا محكمة العدل الدولية إلى تحديد قانونية الاستيطان واحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية.
هل تؤثر حالة عدم الاستقرار السياسي في السودان على وتيرة اتفاقية التطبيع مع "إسرائيل"؟
وقع السودان إعلان اتفاقية أبراهام 2021، وتستهدف خطوة التوقيع على "اتفاق سلام" بنهاية العام الحالي إعادة الزخم لمسار "اتفاقيات أبراهام" لاعتبارات داخلية تخص حكومة نتنياهو التي تسعى للتأكيد على أن سياساتها اليمينية لن تضر بالعلاقات مع الدول العربية، كما يفيد قادة الجيش في السودان في تعزيز أسهمهم لدى القوى الغربية؛ حيث جاءت هذه الخطوة بعد توقيع الاتفاق الإطاري المدعوم من الغرب.
لذلك؛ من المحتمل أكثر أن توجَّه الدعوة للسودان للمشاركة في اجتماع منتدى النقب في المغرب الشهر القادم، وبالتالي انخراط الخرطوم في الترتيبات الأمنية والاقتصادية الإقليمية مع إسرائيل، لكنّ وتيرة التقدم في مجمل العلاقات ستتأثر بين الحين والآخر بالتطورات المحلية في السودان، في ظل عدم الاستقرار السياسي، ورفض كل القوى السياسية الإسلامية لاتفاقية التطبيع.
ويأتي تطور العلاقات مع السودان ضمن سياسة إسرائيل الواسعة تجاه تعزيز مصالحها في إفريقيا وبناء علاقات استراتيجية في مجمل القارة، وعلى الرغم من أن مساعي تل أبيب لنيل صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي قوبلت بمقاومة حادة، فإن خطوات إسرائيل النشطة تجاه القارة تحرز تقدماً لافتاً، وهو ما تجلى مؤخراً في تراجع نسبي لدعم دول القارة للقرار الفلسطيني في الأمم المتحدة ضد الاستيطان، على الأقل من خلال الامتناع عن التصويت.