تعاني تركيا وشمال غرب سوريا من أسوأ الزلازل التي ضربتها منذ نحو 100 عام. وبعيداً عن الكارثة المباشرة، غالباً ما يُنظر إلى الزلازل على أنها بوادر للتغيير السياسي، أو الاضطرابات في أماكن ودول، وعلامات لنهاية السلالات الحاكمة في أماكن أخرى.
زلزال الصين.. كيف تُحدث الزلازل ثورة تغييرات سياسية؟
مثل زلزال 6 فبراير/شباط في تركيا، ضرب زلزال بقوة 7.8 درجة، مدينة تانغشان، في شمال شرق الصين، في الساعة 3.42 صباحا يوم 28 يوليو/تموز 1976، حيث دمر الزلزال القوي المدينة التي كان مليون إنسان فيها نائمين وقت وقوعه، مما أسفر عن مقتل أكثر من 240 ألف شخص، وكان ذلك ثاني أكثر الزلازل فتكاً في القرن العشرين.
في أعقاب هذه الكارثة، توقع العديد من الصينيين تغييرات كبيرة في السياسة الصينية، حيث كان ماو تسي تونغ بالفعل على فراش الموت، وتوفي بعد 6 أسابيع في 9 سبتمبر/أيلول؛ وسرعان ما تبع ذلك سقوط "عصابة الأربعة" التي كانت تسيطر على أجهزة السلطة في الحزب الشيوعي الصيني، وانتهت الثورة الثقافية.
ويقول تقرير لموقع MEE البريطاني، إنه كان هناك وعي بين الحكام الشيوعيين في الصين وأنه في المعتقد الصيني التقليدي، تعتبر الكوارث الطبيعية اضطرابات في النظام الطبيعي لـ"الجنة" (تيان)، والتي تعني فقدان شرعية "ولاية الجنة" للحكومة.
و"ولاية الجنة" هو مفهوم فلسفي صيني قديم، نشأ خلال عهد أسرة تشو (1046-256 قبل الميلاد)، يحدد التفويض ما إذا كان حاكم الصين لديه شرعية وقدرة للحكم بما فيه الكفاية.
هذا الاعتقاد الراسخ يتتبع التحليلات السياسية الحديثة للكوارث الطبيعية. كما قال أحد المؤلفين: "تشير الأدلة القصصية إلى أن الديناميكيات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تم تداولها في وقت الكوارث" الطبيعية " تخلق ظروفاً للتغيير السياسي المحتمل، غالباً على أيدي مجتمع مدني ساخط".
تعرضت الصين لزلزال هائل آخر عام 2008، في سيتشوان، مما أسفر عن مقتل 87 ألف شخص وتشريد الملايين. وكانت مشكلة البناء غير المطابق للمواصفات قضية رئيسية بعد الزلزال، ومن المعروف أن مئات المدارس انهارت أثناء جلوس الطلاب في الفصل، مما تسبب في كرب وغضب لعدد لا يُحصى من العائلات. وتعرض السكان المحليون الذين حاولوا التحقيق في الفساد الرسمي الذي ربما سمح ببناء دون المعايير، للضغط أو الاعتقال كما يقول الموقع البريطاني.
زلزال بام في إيران والنقمة التي قادت أحمدي جاد للسلطة
ربما يكون زلزال بام المدمر في إيران، الذي وقع في ديسمبر/كانون الأول 2003 قد شكل خيبة أمل نهائية من شرعية الجمهورية الإسلامية بين قطاعات واسعة من السكان.
وقد لخصت افتتاحية إيران ديلي المزاج العام حينها بالقول: "يموت الرجال والنساء والأطفال بالآلاف فقط؛ لأن أجهزة الدولة كانت غير مهيأة للكوارث الطبيعية، إنه أمر لا يتصوره العقل".
وأعرب الإيرانيون عن مزيج من الحزن والغضب الشديدين لفقدان أكثر من 30 ألف شخص في زلزال 26 ديسمبر/كانون الأول 2003. وقال مواطن إيراني محبط لوكالة أنباء محلية حينها: "حكومتنا لا تقدم لنا سوى الشعارات، لكنها لا تقدم لنا قوانين البناء المناسبة".
أعرب الكثيرون عن غضبهم من أن المباني الرئيسية، مثل مستشفيات بام، انهارت بسهولة، مع وجود أدلة على رشاوى استُخدمت للتحايل على لوائح البناء. وكان الشعور المنتشر بالفساد وانتهاك القواعد عنصراً أساسياً في الحملة الانتخابية للشعبوي محمود أحمدي نجاد، الذي حقق فوزاً مفاجئاً في الانتخابات الرئاسية بعد 18 شهراً بسبب أزمة الزلزال.
تأثير الكوارث في الصراعات والنزاعات
بصرف النظر عن التأثير على شرعية الحكومة، يمكن أن تؤثر الكوارث الطبيعية أيضاً على النزاعات طويلة الأمد، كما يقول موقع MEE. وشوهد هذا في أكثر موجات تسونامي تدميراً في القرن الحادي والعشرين حتى الآن، والتي ضربت شواطئ المحيط الهندي في 26 ديسمبر/كانون الأول 2004.
كانت دولتان من أكثر البلدان تضرراً، وهما سريلانكا وإندونيسيا، وفي خضم نزاعات طويلة الأمد بين حكومتيهما وجماعات متمردة مسلحة تسعى إلى الحكم الذاتي أو الاستقلال – نمور التاميل في سريلانكا، وحركة أتشيه الحرة في إندونيسيا.
وفي حالة سريلانكا، بعد مرور عام على كارثة تسونامي، تصاعدت الحرب، ووصلت إلى نتيجة دموية بتدمير نمور التاميل في الهجوم الأخير للجيش السريلانكي على شبه جزيرة عام 2009.
على النقيض من ذلك، في أتشيه، في أعقاب الكارثة، بدأت عملية السلام. وفي غضون عام أنهت أزمة 30 عاماً من التمرد ونزع سلاح حركة جام المتمردة. وكتب كبير مفاوضي الحكومة الإندونيسية: "لقد ساعد تسونامي عام 2004 في تركيز كلا الجانبين على مساعدة الضحايا بدلاً من القتال، وفرض ضغوط دولية على جام للدخول في محادثات".
زلزال أدى لتسريع الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
في أرمينيا خلال الحقبة السوفييتية، يجادل بعض المحللين بأن الزلزال الهائل عام 1988 أدى إلى تفاقم التوترات في منطقة ناغورنو كاراباخ، مما أدى إلى تسريع الصراع مع أذربيجان، حيث فقد النظام السوفييتي قبضته على جمهوريات القوقاز.
واندلعت الاشتباكات العرقية بين الأذريين والأرمن بعد أن صوت برلمان منطقة ناغورنو كاراباخ المتمتعة بالحكم الذاتي في أذربيجان على الاتحاد مع أرمينيا في فبراير/شباط 1988. ووقعت الكارثة بعد 10 أشهر؛ حيث فرضت أذربيجان حصاراً على أرمينيا، وتصاعدت الحرب.
مع تدمير جميع المراكز الطبية تقريباً بسبب الزلزال، فتحت جهود المساعدات الدولية غير المسبوقة أرمينيا على الغرب بطريقة لم تشهدها منذ عقود عديدة، وساعدت في تسريع رحلتها نحو الاستقلال عام 1991.
زلزال باكستان وتهميش المجتمع المدني
أشارت دراسة عن تأثير الزلازل على النزاعات داخل الدول من خلال تحليل إحصائي لـ185 دولة، من 1975 إلى 2002، إلى أن الزلازل "لا تزيد من احتمالية نشوب صراع فحسب، بل إن آثارها تكون أكبر بالنسبة للزلازل ذات القوة العالية التي تضرب أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في البلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض، بالإضافة إلى النزاعات الموجودة مسبقاً".
وقال مؤلف الدراسة Dawn Brancati: "على الرغم من أن العديد من العلماء وواضعي السياسات ومنظمات الإغاثة يقترحون أن الكوارث الطبيعية تجمع المجموعات معاً وتحدّ من النزاعات، فإن الزلازل يمكن أن تحفز في الواقع الصراع داخل الدول من خلال إحداث ندرة في الموارد الأساسية، لا سيما في البلدان النامية، حيث المنافسة على ندرة الموارد هي الأكثر كثافة".
ويتضح هذا في حالة زلزال باكستان عام 2005، حيث لعب الجيش دوراً رائداً في تنسيق جهود الإنقاذ، لكن رده تعرض لانتقادات واسعة النطاق بسبب تهميش المجتمع المدني، والطريقة التي سمح بها للجماعات المسلحة بلعب دور رئيسي في جهود الإنقاذ.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية إنه بقبول دور رئيسي للجماعات المسلحة المحظورة في جهود الإغاثة الإنسانية، ساعدت سياسات الحكومة المسلحين على تعزيز وجودهم في المناطق المتضررة من الزلزال في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي وكشمير التي تديرها باكستان. سرعان ما وجدت باكستان نفسها في حرب مع حركة طالبان الباكستانية استمرت سنوات، وأودت بحياة عشرات الآلاف.
تركيا إلى أين بعد الزلزال؟
إذن ما الدروس المستفادة من هذه الكوارث الكبرى لتركيا، في أعقاب أسوأ كارثة لها منذ 100 عام؟
كان آخر زلزال كبير شهدته تركيا منذ ما يقرب من ربع قرن، في عام 1999. ورأى بعض المحللين أنه بمثابة ناقوس موت للأحزاب السياسية العلمانية التي هيمنت على تركيا لعقود من الزمان، وكشف عن سوء الإدارة والإهمال الذي أدى إلى وفيات ومعاناة لا داعي لها.
ولم تهز الزلازل صفيحة الأناضول التكتونية فحسب، بل هزت أيضاً ثقة الأتراك في النخب العلمانية التي كانت في السابق تحظى بشعبية، فبعد الزلازل بوقت قصير، خسرت لفشلها في الاستجابة في الوقت المناسب للهزات المدمرة.
وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية في 2000-2001، صوت الأتراك ضد هذه النخب التقليدية، واستبدلوها بحزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، والذي يحكم البلاد منذ ذلك الحين.
لكن يقول موقع MEE إنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الكارثة الحالية ستشكل تغييراً كبيراً في السياسة التركية. وذلك على الرغم من اتهام المعارضة العلمانية حزب أردوغان بالاتهامات التي كانت تلاحقهم عام 1999، مثل فشل تطبيق لوائح البناء، وبطء وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى المناطق الأكثر تضرراً.