يبدو أن الزمن قد عفا على مقياس ريختر لقياس قوة الزلازل، رغم شهرته الإعلامية، وأصبحت هناك مقاييس أكثر حداثة ودقة يعتمد عليها العلماء، فأين يقع زلزال تركيا على مقاييس شدة الزلازل الحديثة والأكثر دقة؟ الإجابة قد تكون صادمة.
وبلغت قوة زلزال تركيا وسوريا، الذي وقع الأحد، 6 فبراير/شباط الجاري، 7.8 درجة بمقياس ريختر، وقالت البروفيسور جوانا فور ووكر، رئيس معهد الحد من المخاطر والكوارث في يونيفرسيتي كوليدج لندن: "إنه من بين أكثر الزلازل فتكاً، وكان زلزالان فقط في السنوات الـ10 الماضية بنفس القدر، و4 في السنوات الـ10 السابقة، حسبما نقل عنها تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
وفي الواقع ضرب تركيا وسوريا، عدة زلازل وليس واحداً فقط، كان الزلزال الأول كبيراً – فقد سجل 7.8، وهو مصنف على أنه "كبير" على المقياس الرسمي للقوة. وانكسر على طول حوالي 100 كيلومتر (62 ميلاً) من خط الصدع، مما تسبب في أضرار جسيمة للمباني القريبة من الصدع، كما حدث آخر بقوة 7.5 ريختر.
لماذا لا يُعد مقياس ريختر دقيقاً؟
يرتبط الدمار والخسائر في الأرواح ارتباطاً مباشراً بتركيز المناطق الحضرية؛ حيث يحدث الزلزال ووقت اليوم. وقع الزلزال الأخير في حوالي الساعة الرابعة صباحاً عندما كان كل ساكن في المنطقة ينامون في المنزل تقريباً.
وأشد زلزال تدميراً في التاريخ الحديث، كان أضعف حسب مقياس ريختر من زلزال تركيا وسوريا الأخير، حيث وقع في تانغشان (الصين) في عام 1976، والذي بلغت قوته 7.6 درجة فقط، ولكنه ضرب مناطق مكتظة بالسكان في الصين، وكانت البلاد آنذاك، بلد فقيراً وشبه معزول والحكم فيه شيوعي منغلق، كان أقل تقدماً من الاتحاد السوفييتي، ناهيك عن الغرب.
وفقاً للأرقام الرسمية، قُتل في هذا الزلزال 242769 شخصاً، وأصيب 164851 آخرون. ولكن وفقاً لبيانات مستقلة، يمكن أن يكون هذا الزلزال قد أدى لوفاة ما يصل إلى 655000 شخص.
بينما زلزال ألاسكا الكبير عام 1964، أقوى زلزال في الولايات المتحدة، وثاني أقوى زلزال مسجل في التاريخ، بلغت قوته 9.2 درجة، لكنه قتل 131 شخصاً فقط، إذا حدث نفس الزلزال، على سبيل المثال، في نيويورك، فإن عدد الضحايا قد يصل إلى مئات الآلاف من الناس في المدينة الأمريكية المكتظة، بينما آلاسكا التي شهدت هذا الزلزال ولاية تقع على الدائرة القطبية وكثافتها السكانية متدنية جداً.
وكان أقوى زلزال تم تسجيله هو الزلزال الذي ضرب تشيلي بقوة 9.5 درجة في مايو/أيار 1960.
لقد قد عفا عليه الزمن
تم اختراع مقياس ريختر عام 1935 بواسطة Charles F. Richteras، وهو عبارة جهاز رياضي لمقارنة حجم الزلازل.
يستخدم مقياس ريختر لتقييم حجم الزلزال، أي كمية الطاقة المنبعثة أثناء الزلزال.
مقياس ريختر هو مقياس لوغاريتمي ذو قاعدة 10، مما يعني أن كل ترتيب من حيث الحجم يكون مكثفاً 10 مرات أكثر من السابق.
هو أكثر فعالية في قياس الزلازل الإقليمية التي لا تزيد قوتها على 5 درجات.
كيف يحسب قوة الزلازل؟ ولماذا يعتبره العلماء مضللاً أحياناً؟
يتضمن مقياس ريختر قياس السعة (الارتفاع) لأكبر موجة مسجلة على مسافة محددة من المصدر الزلزالي.
ولكن المشكلة أن مقياس ريختر لا يقيس الضرر الناتج عن الزلزال.
فمقياس ريختر له حدود. فهزة واحدة حادة أقوى على مقياس ريختر من زلزال شديد طويل جداً. ومع ذلك، هذا أمر مضلل لأن الزلزال الأطول يطلق المزيد من الطاقة. الزلازل التي تطلق المزيد من الطاقة من المرجح أن تسبب مزيداً من الضرر. نتيجة لذلك، كانت هناك حاجة إلى مقاييس أخرى.
كما يعتقد أنه بينما يركز على قوة الزلزال التي تحدث في العمق الذي يختلف حسب الزلزال، ولكنه غير معبر بشكل كافٍ عن تأثير ضحالة الزلزال وشدة تأثيرات موجات الزلزال على السطح، والمسافة التي تصل الموجات القوية إليها.
مع تركيب مزيد من محطات قياس الزلازل في جميع أنحاء العالم ، أصبح من الواضح أن الطريقة التي طورها ريختر كانت صالحة تماماً فقط لنطاقات تردد ومسافة معينة.
من أجل الاستفادة من العدد المتزايد من محطات قياس الزلازل الموزعة عالمياً، وتطور أجهزة الكمبيوتر، تم تطوير مقاييس شدة الزلازل جديدة، ولكن درجاتها موازية لريختر، حسب موقع Science For Changing World الحكومي الأمريكي.
ورغم تعدد مقاييس الزلازل، فإنه لسوء الحظ، لا توفر العديد من المقاييس، مثل مقياس ريختر، تقديرات دقيقة للزلازل الكبيرة الحجم.
كيف كانت قوة زلزال تركيا وفقاً لمقياس Mercalli الذي يحدد الخسائر؟
هناك طريقة أخرى لقياس قوة الزلزال، وهي استخدام ملاحظات الأشخاص الذين عانوا من الزلزال، ومقدار الضرر الذي حدث، لتقدير شدته.
وبناء على ذلك، تم تصميم مقياس Mercalli الذي اخترعه Giuseppe Mercalli عام 1902، للقيام بذلك، وتم تعديله بواسطة Harry Wood وFrank Neumann في عام 1931؛ ليصبح ما يُعرف الآن باسم مقياس كثافة Mercalli المعدل (MMI)، وللمساعدة في تمييزه عن مقاييس الحجم، يستخدم مقياس MMI الأرقام الرومانية.
ويقيس مقياس Mercalli شدة الزلزال عن طريق تحديد تأثيره على سطح الأرض. كما يقيس شدة الزلزال بناءً على ردود الفعل البشرية والأشياء الطبيعية والهياكل من صنع الإنسان.
يتراوح المقياس بين 1 و12، حيث يشير 1 إلى أنه لم يتم الشعور بأي شيء و12 يشير إلى الدمار الكامل. نظراً لأن المقياس يعتمد أكثر على تقارير الشهود، فإنه يعتبر أقل علمية من مقياس ريختر.
وقدرت شدة زلزال تركيا وفقاً لمقياس Mercalli بقوة 7.7 في أشد المناطق تضرراً، الأمر الذي يجعله زلزالاً عنيفاً، وفقاً لهذا المقياس، ويقترب من الدرجة القصوى أو المتطرفة.
على الرغم من أن مقياس Mercalli لا يستخدم معدات علمية لقياس الموجات الزلزالية، فإنه كان مفيداً جداً لفهم الأضرار التي تسببها الزلازل الكبيرة. كما تم استخدامه على نطاق واسع للتحقيق في الزلازل التي حدثت قبل وجود أجهزة قياس الزلازل.
بعض العوامل التي تؤثر على مقدار الضرر الذي يحدث هي:
- حجم الزلزال.
- المسافة من مركز الزلزال.
- عمق الزلزال.
- تصميم المبنى (أو أي هيكل آخر).
- نوع مادة السطح (صخر أو تراب) التي ترتكز عليها المباني.
تصمد تصميمات المباني المختلفة بشكل مختلف في حالة وقوع الزلزال، وكلما كنت بعيداً عن الزلزال، قل الضرر الذي ستراه عادةً. سواء تم بناء المبنى على صخرة صلبة أو رمال، فإن ذلك يُحدث فرقاً كبيراً في مقدار الضرر الذي يلحق به. عادة ما تهتز الصخور الصلبة بدرجة أقل من الرمل، لذلك لا ينبغي أن يتضرر المبنى المبني فوق صخرة صلبة كما لو كان جالساً على قطعة أرض رملية.
بناء على مقياس Mercalli، سنجد أن زلزال تركيا سوريا يعتبر عنيفاً ويقارب المتطرف، وقد وقع هذا الحادث في الساعات الأولى من الصباح، عندما كان الناس في الداخل نائمين، مما قلل من فرض خروجهم من المباني، إضافة إلى أن هذه المنطقة أفقر من منطقة بحر مرمرة ولم تتعرض مثلها لزلزال منذ فترة قريبة.
فهذه منطقة لم يحدث فيها زلزال كبير منذ أكثر من 200 عام، أو أي علامات تحذيرية، وبالتالي، فإن مستوى التأهب سيكون أقل من منطقة كانت أكثر اعتياداً على التعامل مع الهزات الأرضية، حسب تقرير BBC.
مما جعلها على الأرجح أقل تأهباً.
تقول الدكتورة كارمن سولانا، القارئة في علم البراكين والتواصل بشأن المخاطر في جامعة بورتسموث: "البنية التحتية المقاومة للأسف غير مكتملة في جنوب تركيا وخاصة سوريا".
وقال كيشور جايسوال، عالم هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، بينما تم تصميم المباني الأحدث في أجزاء أخرى من تركيا (مثل إسطنبول) مع وضع معايير الزلازل الحديثة في الاعتبار، فإن المنطقة المتضررة من هذا الزلزال تضمنت مزيداً من المباني المعرضة للخطر، مثل الأنواع القديمة من الهياكل الخرسانية التي لم يتم تصميمها من الاعتبارات الزلزالية لامتصاص هذا القدر حركة الأرض".
وقال المهندس الإنشائي في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، كيشور جيسوال، لشبكة "CNN": "إن العديد من أجزاء تركيا لديها لوائح بناء إقليمية لضمان قدرة مشاريع البناء على تحمل هذه الأنواع من الأحداث، فالأكواد حديثة جداً في تركيا، وهي تشبه إلى حد كبير الأكواد الأمريكية، ولكن مرة أخرى، يعد توافق الرموز مشكلة حاولت تركيا معالجتها من خلال الإجراءات القانونية والإدارية".
ويعتقد أن العديد من المباني التي انهارت كانت على الأرجح "بُنيت قبل عام 1999 أو بأكواد قديمة، ربما كانت هناك أيضاً حالات لا تتوافق فيها بعض المباني مع الأكواد".
أبرز مقاييس شدة الزلازل الأكثر دقة.. مقياس حجم اللحظة
أكثر مقاييس شدة الزلازل دقة، والذي يستخدمه العلماء هو يُفضل اليوم مقياس حجم اللحظة Moment Magnitude Scale، والذي يختصر إلى MW، لأنه يعمل على نطاق أوسع بناء على أحجام الزلازل، وقابل للتطبيق على مستوى العالم.
مقياس حجم اللحظة: تم إطلاقه كخليفة لمقياس ريختر في عام 1979، ويقارن مقياس بين الطاقة الصادرة عن الزلزال، ويستند إلى اللحظة.
عندما يتعلق الأمر بقياس الزلازل الكبيرة، فإن مقياس Moment Magnitude يعتبر أكثر دقة من مقياس ريختر، وتستخدم هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية هذا المقياس لتقدير قوة الزلازل.
فنظراً للقيود المفروضة على جميع مقاييس الحجم الثلاثة ريختر وغيره (ML، وMb، وMs)، تم تطوير مقياس حجم اللحظة على وجه الخصوص، بالنسبة للزلازل الكبيرة جداً، حيث يعطي مقدار العزم التقدير الأكثر موثوقية لحجم الزلزال.
يمكن تقدير اللحظة من مخططات الزلازل. ثم يتم تحويل اللحظة إلى رقم مشابه لأحجام مقاييس الزلازل الأخرى بواسطة صيغة قياسية، تسمى النتيجة مقدار اللحظة.
ويعتمد مقدار اللحظة (MW) على الخصائص الفيزيائية للزلزال المستمدة من تحليل جميع أشكال الموجة المسجلة من الاهتزاز.
يتم حساب مقدار اللحظة بأمرين. الأول هو طول الصدع. والآخر هو المسافة التي تتحركها الأرض.
يتم أولاً حساب العزم الزلزالي، وهو نتاج المسافة التي قطعها الزلزال والقوة المطلوبة لتحريك الصدع، ثم يتم تحويلها إلى مقدار مصمم ليكون مساوياً تقريباً لمقياس ريختر في النطاق الذي يتداخل فيه المقياسان.
ويقيس مقياس مقدار اللحظة الإطلاق الكلي للزلزال، ويعتمد المقياس على بيانات مشتقة من تسجيلات نمذجة الزلزال في محطات متعددة.
ومقياس حجم اللحظة هو الطريقة المفضلة لقياس مقدار الزلازل.
عادة تكون تقديرات حجم العزم هي تقريباً نفس مقادير ريختر للزلازل الصغيرة إلى الكبيرة. لكن مقياس مقدار اللحظة فقط هو القادر على قياس زلزال بقوة M8.
إذ يتشبع مقياس ريختر حول Ms8.0، أي إنه يفقد دقته، وبالتالي يقلل من تقييم طاقة من الزلازل "الكبيرة"، مثل زلزال تشيلي 1960 وزلزال 1964 في ألاسكا. كانت قوة الزلزالين 8.5 و8.4 على التوالي بمقياس ريختر، ولكنها كانت أقوى بشكل ملحوظ وفقاً لمقياس حجم اللحظة؛ حيث كانت مقاديرهما اللحظية أقرب إلى 9.6 و9.3 على التوالي.
ولذا حل مقياس مقدار حجم اللحظة هذا محل مقياس ريختر المعروف، والذي يعتبر الآن قديماً وأقل دقة.
كيف يقيس الزلازل؟
تستخدم مقاييس الزلازل الحسابات اللوغاريتمية، بما في ذلك مقياس حجم اللحظة، وهذا يعني أن المسافة من عدد صحيح إلى التالي هي فرق بمعامل 10، أي إن زلزالاً بقوة 7.0 أقوى بعشر مرات من 6.0 وأقوى 100 مرة من 5.0.
بل إن الفرق بين الطاقة المنبعثة من الزلزال أكبر، فالطاقة الناتجة عن الزلزال بدرجة 6 أكبر بـ32 مرة من القوة الناتجة عن زلزال بقوة 7.
يبلغ الحد الأقصى لحجم أي زلزال، وفقاً لهذا المقياس، حوالي 10.6، عند مثل هذا الحجم، يجب أن تتفكك قشرة الأرض، وسنموت جميعاً.
بلغت قوة زلزال تركيا بمقياس حجم اللحظة، 7.8، أي نفس درجة القوة المسجلة بمقياس ريختر، ولكن اللافت أن قوة الزلزال تقترب من حدود القدرة القصوى لريختر على القياس بدقة.
وهناك مقياس مقدار العزم (MMS)؛ يُشار إليه صراحةً بـM أو M، ويُشار إليه عموماً باستخدام M واحد للحجم [1]) هو مقياس لحجم الزلزال ("الحجم" أو القوة) بناءً على اللحظة الزلزالية. تم تحديده في ورقة بحثية عام 1979 كتبها توماس سي هانكس وهيرو كاناموري. على غرار مقياس الحجم المحلي/مقياس ريختر (ML)، غالباً ما تقول وسائل الإعلام "مقياس ريختر" عند الإشارة إلى مقياس قوة العزم.
هناك طرق أكثر قدرة على تفسير قوة زلزال تركيا وسوريا، ولكنها تكشف حقيقة صادمة
لتسهيل الأمور، يقوم الخبراء بتحويل قوة الزلزال لمقاييس طاقة أبسط يمكن فهمها للأفراد غير المتخصصين.
فهناك صيغة لتحويل مقدار لحظة الزلزال إلى مكافئ لتفجير من متفجرات TNT التي تستخدم لقياس قوة القنابل النووية.
وفقاً لهذه الطريقة، الزلزال الأخير في تركيا كان له طاقة انفجار حوالي 15 مليون طن من مادة TNT، أو ما يعادل 1200 قنبلة، أسقطت على هيروشيما عام 1945، حسب موقع Mezha. Media.
لكن، لنتذكر، هذه هي الطاقة في مركز الزلزال، وبالتالي فالقوة التي تصل على السطح تكون أقل، وترتبط بمدى عمق الزلزال، وهنا تظهر المشكلة في زلزال تركيا، وهو أنه زلزال ضحل.
عمق زلزال تركيا وسوريا جعله استثنائياً
تحدث الزلازل، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، في القشرة أو الوشاح العلوي للأرض، والذي يتراوح من مستوى سطح الأرض إلى عمق 800 كيلومتر تقريباً.
فالزلزال حتى 60 كيلومتراً يعتبر ضحلاً نسبياً، ولكن زلزال تركيا وسوريا وقع على عمق 17.9 كلم، أي إنه زلزال شديد الضحالة، مما جعل القوة التي وصلت على السطح أكبر، كما أنها انتشرت على مساحة كبيرة.
ووصف عالم زلازل في جامعة توهوكو اليابانية هذا الزلزال، بأنه "أسوأ زلزال ضحل داخلي" في القرن الحالي، وأشار نموذج المصدر الذي أنتجته مؤسسة USGS الأمريكية الحكومية إلى أن الزلزال مزق 3 أجزاء من الصدوع.
كما وقعت بعده هزة ارتدادية بقوة 7.5 على مقياس ريختر، أي بقوة زلزال كبيرة على عمق أقل كثيراً من 10 كيلومترات (ما يزيد قليلاً على 6 أميال). نظراً لأن الزلازل ضحلة نسبياً، فإن شدة الاهتزاز تكون شديدة.