حصد الزلزال المدمر في تركيا أرواح 35 ألف مواطن على الأقل، وتسبب في إثارة جدلٍ جديدٍ داخل أنقرة حول إمكانية تأجيل الانتخابات العامة المقبلة لتاريخٍ لاحق. وتُعقد الانتخابات في تركيا، الرئاسية والبرلمانية في شهر يونيو/حزيران عادةً، لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قرر الشهر الماضي تقديم موعدها إلى مايو/أيار، ولم تُبد المعارضة اعتراضاً على ذلك.
لكن الزلزل الذي دمّر 10 محافظات تركية، يقطنها أكثر من 10 ملايين إنسان، دفعت بمسؤولي حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم إلى إعادة تقييم الوضع. فهل يمكن أن يتم تأجيل الانتخابات في تركيا؟ هذا ما يقوله الدستور.
ما احتمالية تأجيل الانتخابات في تركيا بعد الزلزال الكارثي؟
"لم تَعُد فكرة عقد الانتخابات في مايو/أيار واقعيةً الآن"، هذا ما قاله مصدرٍ تركي مطلع لموقع Middle East Eye البريطاني حول احتمالية تأجيل الانتخابات العامة، وأضاف أن "دمار البنية التحتية، وإعادة توطين الناجين من الزلزال، هي أمورٌ ربما تقتضي عقد الانتخابات في موعدها الأصلي بشهر يونيو/حزيران، أو حتى بعده".
ويدرس مسؤولو الحزب الحاكم الخيارات المختلفة للتأجيل المحتمَل، لكنهم لم يتخذوا قرارهم النهائي بعد، ولم يتخذوا أي خطوات على هذا الصعيد، في ظل تركيز جميع الجهود على الزلزال وإنقاذ الآلاف من المواطنين.
ولا شك أن أي محاولةٍ لتأجيل الانتخابات ستكون لها تداعياتها القانونية. بينما تراجع السلطات المسؤولة عن الانتخابات ما يمكنها فعله لتأجيل الموعد، وما ينص عليه الدستور قانونياً في هذا الصدد.
ما الذي يقوله الدستور حول تأجيل الانتخابات في تركيا؟
يقول عثمان كان، أستاذ القانون الدستوري البارز، للموقع البريطاني إن المادة 78 من الدستور التركي واضحة: "يستطيع البرلمان تأجيل الانتخابات لعامٍ واحد إذا كانت تركيا في حالة حربٍ فقط".
لكن أنصار التأجيل يقولون إن هناك طريقة أخرى تمر عبر المجلس الأعلى للانتخابات، الذي يُعَدُّ الحكم النهائي في النزاعات الانتخابية. ويستطيع المجلس إصدار قرارٍ بعدم جاهزيته لعقد الانتخابات في المحافظات الـ10 الأشد تضرراً، وإبان إعادة توطين الناخبين في المدن الأخرى بوتيرةٍ غير مسبوقة.
هل هناك سابقة بتأجيل الانتخابات لنفس الأسباب؟
يُذكر أن المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا حكم بإمكانية تأجيل الانتخابات المحلية عام 1966، عقب الزلزال الذي ضرب المحافظات الشرقية قبل يومين من الاقتراع، مما جعل عقد الانتخابات أمراً مستحيلاً.
بينما يقول عثمان كان إن الزلزالين المزدوجين الآن لم يخلقا الظروف نفسها على الرغم من شدتهما. حيث أوضح: "يستطيع المجلس الأعلى للانتخابات تتبع الناخبين في حالة إعادة توطينهم، نظراً لامتلاكنا منظومة تسجيل شديدة العصرية ويمكن تحديثها. والأهم من ذلك أن أمامنا أكثر من 3 أشهر قبل موعد الانتخابات، مما يعني أن لدينا فسحة من الوقت. كما أن لدينا الدستور الذي ينص على استحالة تأجيل الانتخابات، إلّا في حال استيفاء بعض المعايير المعينة".
وتحدّث الموقع البريطاني إلى خبير قانون دستوري آخر، لديه خبرة عملية في المحكمة الدستورية التركية. وقد صرح الخبير للموقع البريطاني بأنه في حال قرر المجلس الأعلى للانتخابات تأجيل الانتخابات أحادياً، فلن تكون هناك أي محكمة يمكنها نقض الحكم.
وأردف الخبير، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته: "تُعَدُّ قرارات المجلس الأعلى للانتخابات نهائية، ولا يمكن لأحدٍ الاعتراض عليها أمام المحكمة الدستورية. لكنني لا أعتقد أن أعضاء المجلس سيوقعون على قرارٍ مثير للانقسام والجدل بهذه الدرجة"، حسب تعبيره.
هل يكون التعديل الدستوري هو الحل؟
في السياق، قال مصدر مطلع على فكر المجلس، في ما يتعلق بهذه المسألة، إن القضاة يفضلون أن يتحرك البرلمان من نفسه، بدلاً من أن يضعهم في موقفٍ صعب يحمل إشكاليةً من الناحية القانونية.
وأوضح الخبير "كان" أن الطريقة المثالية لحل هذه المسألة ستأتي من خلال تعديل دستوري، حتى يمنح الحكومة سلطات مؤقتة لعلاج المشكلة. وأضاف: "ستعثر الحكومة على طريقة لحل المشكلة إذا نجحت في إقناع أحزاب المعارضة، وحصلت على دعم 400 عضو في البرلمان".
وتُثير إعادة توطين الناجين من الزلازل بعض التساؤلات حول عدد الممثلين الممكن انتخابهم للبرلمان، نظراً لأن كل محافظةٍ لها حصة من النواب تتحدد بناءً على تعداد سكان كل منها. وقال كان: "يستطيع البرلمان العثور على حلٍ لمشكلة تغيير التركيبة السكانية من خلال التعديل الدستوري نفسه".