“نفايات السماء”.. قصة المناطيد والأشياء التي تسقط يومياً من الفضاء، ومن أين تأتي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/15 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/15 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
من عملية اسقاط المنطاد الصيني الذي رصدته الولايات المتحدة فوق أراضيها - رويترز

كيف يمكن أن تفسر ظاهرة "نفايات السماء" الجدل الذي أثاره إسقاط أمريكا عدداً من الأجسام المجهولة؟ ولماذا قد لا يكون لاتهام الصين، كما تقول واشنطن، بالتجسس أساس علمي؟

كانت قصة المناطيد قد بدأت من واشنطن، حيث تحدثت إدارة الرئيس جو بايدن عن اخترق منطاد صيني ضخم المجال الجوي الأمريكي. ومنذ اللحظة الأولى، كان هناك إصرار أمريكي على أن المنطاد الصيني، الذي كان يحلق على ارتفاعات شاهقة تبلغ 60 ألف قدم، هو أداة تجسس صينية متقدمة، لكن بكين نفت الرواية الأمريكية، وقالت إن المنطاد لرصد الطقس ولا علاقة له بالتجسس.

لكن فجأة تم الإعلان عن رصد وإسقاط عدد من "الأجسام الطائرة المجهولة"، التي اخترقت الأجواء الأمريكية والكندية، وتحدث جنرال أمريكي عن احتمال أن تكون تلك الأجسام "من خارج كوكب الأرض"، لتتخذ الأمور مساراً غير متوقع.

ما قصة "نفايات السماء"؟

في ظل الغموض الذي لا يزال محيطاً بأحدث الأجسام الطائرة التي أسقطتها الولايات المتحدة فوق شمال ولاية ألاسكا، وبحيرة هورون في ميشيغان، وإقليم يوكون بوسط كندا، الأسبوع الماضي، اكتسب الحديث عن "أطباق طائرة" قادمة من الفضاء، المفضل لدى أصحاب نظريات المؤامرة بشكل عام، زخماً واضحاً.

فعلى عكس المنطاد الصيني، الذي وصفته واشنطن بأنه لأغراض تجسس، والذي أُسقِط قبالة سواحل كارولينا الجنوبية، في 4 فبراير/شباط، كانت السلطات الأمريكية غير راغبة في الغالب في التكهن بمكان نشأة الأجسام الثلاثة الأخيرة، أو حتى تحديد ماهيتها.

ومع ذلك، وفقاً لمراسل الأمن القومي المخضرم في شبكة CBS، ديفيد مارتن، يبدو أنَّ المسؤولين لم يستبعدوا ما إذا كانت بعض هذه الأجسام الجوية المجهولة على الأقل هي في  الحقيقة ما تُسمَى بـ"نفايات السماء"، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وتشمل نفايات السماء- مثل نفايات الفضاء- مجموعة متنوعة من الأشياء داخل طبقة الستراتوسفير، في أي مكان من 8 كيلومترات إلى 40 كيلومتراً فوق رؤوسنا.

جوناثان ماكدويل، عالم الفلك في مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية، قال للغارديان: "أُطلِقَت جميع أنواع الأشياء في السماء على مر السنين. وعادةً ما تسقط إلى الأرض، لكن بعضها يتراكم".

منطاد تجسس صيني كندا أمريكا
منطاد – صورة توضيحية – جيتي

وتُستخدم هذه الأجسام- التي تكون في الغالب مناطيد- لمراقبة الطقس وإجراء الأبحاث العلمية التي لا يمكن إجراؤها على الأرض، أو للتحقق من الأشياء التي لا يمكن رؤيتها بواسطة القمر الصناعي.

براد تاكر، عالم الفيزياء الفلكية وعالم الفلك بالجامعة الوطنية الأسترالية، قال للصحيفة البريطانية: "الحقيقة البسيطة هي أنَّ إطلاقها أرخص من الأقمار الصناعية؛ لذا يمكنك إرسال الكثير منها… وجودتها أفضل لأنها أقرب إلى الأرض".

وتُطلِق الحكومات ومجموعات البحث العلمي والشركات الخاصة في جميع أنحاء العالم هذه المناطيد.

كم عدد المناطيد الموجودة في السماء؟

يقول تاكر: "أعتقد أنَّ هناك الكثير منها في السماء، وقد تكون أي شيء أُطلِق عن قصد: من مناطيد إلى طائرات بدون طيار على ارتفاعات عالية، أو نفايات محاصرة في التيارات، مثل الأكياس البلاستيكية وبالونات الحفلات".

لنأخذ مثالاً واحداً فقط: يُطلَق 1800 منطاد للطقس يومياً في جميع أنحاء العالم، وفقاً لخدمة الطقس الوطنية الأمريكية، 92 منها في الولايات المتحدة وحدها. وكل واحد منها يحمل أداة لقياس الضغط ودرجة الحرارة والرطوبة النسبية. ومن بين عشرات الآلاف التي تُطلَق كل عام، يُسترَد 20% فقط من هذه الأدوات.

والشركات الخاصة مسؤولة أيضاً عن إطلاق آلاف المناطيد في الفضاء. حتى عام 2021، أطلقت شركة جوجل مئات المناطيد ذاتية التنقل بحجم ملاعب التنس في السماء، لنقل الإنترنت إلى المناطق الريفية والنائية.

وحقق المشروع بعض النجاحات: ففي عام 2017، استُخدِمت المناطيد لتوصيل الإنترنت إلى 100 ألف شخص في بورتوريكو في الأسابيع التي أعقبت وقوع كارثة طبيعية، لكن كان هناك أيضاً عدد من حوادث التفجير بعد خروج المناطيد عن مسارها وتحطمها في المزارع أو خطوط الكهرباء.

هل يمكن لأي شخص أن يرسل المناطيد إلى السماء؟

مع وجود خطر محتمل على الطائرات، يقول الخبراء إنَّ هذه الممارسة منظمة جيداً؛ وهو ما يجعل هذه الأمثلة الحديثة غير عادية للغاية.

وفقاً لماكدويل، كان المنطاد الصيني يحلق على ارتفاع يزيد عن 20 كيلومتراً، وكان قريباً من ارتفاع معظم المناطيد العلمية والمتعلقة بالطقس، موضحاً: "طائرات الخطوط الجوية تطير على ارتفاع بين 10 كيلومترات إلى 12 كيلومتراً؛ لذا فإنَّ ارتفاعها أقل بكثير من المنطاد".

لكن الأجسام الأكثر حداثة- التي أُسقِطَت خلال الأسبوع الماضي- كانت على ارتفاع أقل. يقول عالم الفيزياء الفلكية براد تاكر: "كانت على ارتفاع أقل كثيراً عند حوالي 15 كيلومتراً، وهو علو قريب جداً".

أجسام طائرة غريبة
تزايد البلاغات حول مشاهدات أجسام طائرة مجهولة – صورة تعبيرية – Istock

وأشار تاكر إلى أنَّ الأجسام الثلاثة الأخيرة ربما كانت مناطيد قديمة فقد شخص ما السيطرة عليها، أو مناطيد تجريبية أو شيء أكثر ضرراً.

وتلتزم كل دولة بمعايير الاتحاد الدولي للنقل الجوي، بما في ذلك إطلاق المناطيد. وتغطي هذه المعايير كل شيء من ظروف الإطلاق إلى الارتفاع الذي يُسمَح لها بالتحليق عليه.

ويقول تاكر: "إما أنَّ هذه لم تلبِّ تلك المعايير لأنه سُمَح لها بذلك، أو كانت تعمل خارج البروتوكول العادي".

لماذا لم ينتشر الحديث عنها قبل الآن؟

يمكن تفسير جزء من الفورة المفاجئة من الأجسام من خلال زيادة اليقظة لدى الدفاعات الجوية الأمريكية، فمنذ اكتشاف المنطاد العملاق، أجرى البنتاغون مزيداً من التدقيق في الارتفاعات العالية، وصار نظام الرادار أكثر حساسية.

قال ديفيد مارتن في برنامج Face the Nation على قناة CBS: "في الماضي لم تهتم الولايات المتحدة كثيراً بهذه البالونات، لكن هذا المنطاد الصيني كان عاملاً في تغيير قواعد اللعبة، والآن لا تشعر إدارة بايدن بالتأكيد أنها يمكنها ببساطة السماح لهذه الأجسام الأخرى بالمرور عبر المجال الجوي الأمريكي".

وعلّق ماكدويل: "قبل شهر كان من الممكن أن ينظروا إلى هذه الأشياء ويقولون هذا ممل، فلنتجاهلها".

لماذا لم تُسمَّ هذه الأجسام بـ"المناطيد"؟

قال الجنرال غلين فانهيرك، المُكلَّف بحماية المجال الجوي لأمريكا الشمالية، يوم الأحد 12 فبراير/شباط، إنَّ الجيش لم يتمكن من تحديد ماهية أحدث ثلاثة أجسام، وكيف بقيت طافية عالياً، أو من أين أتت.

وقال إنها سُميت "أجساماً، وليس مناطيد لسبب ما". يقول ماكدويل: "ربما بدافع الحذر. قد نستنتج أنه منطاد، لكن لا تعرف على وجه التحديد، من الصعب معرفة ما يمكن أن تكون حقيقته أيضاً".

وأثار الجنرال فانهيرك الدهشة أيضاً عندما سُئِل عمّا إذا كان قد استبعد وجود كائنات فضائية؛ إذ أجاب: "سأدع مجتمع الاستخبارات ومجتمع الاستخبارات المضادة يكتشفان ذلك، ولم أستبعد أي شيء".

فيوم الجمعة 10 فبراير/شباط، قامت الطائرات الحربية الأمريكية بإسقاط "جسم طائر" آخر اخترق الأجواء الأمريكية فوق ألاسكا، بحسب بيان للجيش الأمريكي قال إن "الجسم الطائر كان يحوم فوق الأجواء والمياه الإقليمية الأمريكية"، وقال مسؤولون في البنتاغون إن الجسم الطائر "لم تكن لديه أية أنظمة سيطرة أو توجيه ظاهرة"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن – رويترز

ويوم السبت 11 فبراير/شباط، أسقطت طائرة أمريكية إف-22، بناء على أوامر مشتركة من كندا والولايات المتحدة، "جسماً طائراً يحلق على ارتفاعات شاهقة"، فوق منطقة يوكون الكندية، على بُعد نحو 160 كيلومتراً من الحدود الأمريكية. وقالت السلطات في البلدين إن الجسم الطائر كان يمثل "خطورة على حركة الطيران المدني في المنطقة".

والأحد 12 فبراير/شباط، أمر الرئيس جو بايدن، الطائرات الحربية بإسقاط "جسم طائر مجهول" فوق بحيرة هورون في ولاية ميشيغان "على سبيل الاحتياط"، بحسب ما قاله مسؤول كبير في الإدارة لصحيفة الغارديان. ووصف مسؤول كبير ذلك الجسم الطائر بأنه ثُماني الأبعاد، مع وجود خيوط تخرج من تلك الأبعاد، مضيفاً أنه لم يكن "يمثل تهديداً عسكرياً لأي شيء على الأرض، لكنه كان يمكن أن يمثل خطراً على حركة الطيران المدني، لأنه كان يحلق على ارتفاع نحو 20 ألف قدم (6 آلاف متر تقريباً).

لكن الخبراء استبعدوا نظرية أن تكون تلك الأجسام من خارج كوكب الأرض. ويرجح تاكر أنَّ "الكثير من التقارير عن الأجسام الطائرة المجهولة يمكن أن تكون مجرد نفايات السماء التي نتحدث عنها".

ومع ذلك لا تزال نظرية الكائنات الفضائية والأطباق الطائرة تجد من يروج لها، ومن يستمع إليها ويصدقها، لذلك أجرت إدارة بايدن اجتماعاً مع حكام الولايات الأمريكية، للتأكيد على أن تلك الأجسام المجهولة هي نتاج لنفايات السماء، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.

"لا توجد أطباق طائرة مجهولة، هذا ليس غزواً فضائياً"، بحسب ما أكدت عليه مستشارة الأمن الوطني، ليز شيرود-راندال، في اجتماعها الافتراضي مع حكام الولايات، مضيفة: "أعني أن الأمر قد يكون مسلياً، لكنه ليس كذلك، لأن الناس يتداولون تلك الأحاديث على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يخلق حالةً من الخوف لا يريدها أحد".

تحميل المزيد