أيام من الحفر الخطير لإيجاد صوت تحت الركام.. ما الصعوبات التي تواجه فرق الإنقاذ بجنوب تركيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/14 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/14 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
البحث عن حياة بين الركام بالفؤوس والمناشير والمجارف.. صعوبات كبيرة يواجهها عمال الإنقاذ في جنوب تركيا/ AA

لليوم التاسع على التوالي من وقت وقوع كارثة الزلزال المدمر في تركيا وشمال سوريا، لا تزال المعجزات تتحقق، حيث نجحت فرق البحث والإنقاذ التركية بإخراج شاب من تحت الأنقاض بولاية أدي يمان، وإخراج شقيقين من تحت الأنقاض بولاية كهرمان مرعش، يوم الثلاثاء 14 فبراير/شباط 2023.

لكن خلف عمليات الإنقاذ البطولية هذه توجد الكثير من قصص المعاناة والصعوبات الخطيرة خلال الحفر بين الركام والحطام، على أمل إيجاد صوت ما، ناهيك عن حالة الإنهاك الجسدي والنفسي، هذه الفرق التي مطلوب منها الاستمرار بالحفر لأطول وقت ممكن، حيث لا يغادر أهالي الكثير من المنكوبين مناطق الدمار حتى التأكد من إيجاد أقربائهم.

فرق الإنقاذ تبحث عن حياة بين الركام بالفؤوس والمناشير والمجارف

وتروي صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية حجم الصعوبات التي تعترض طريق فرق الإنقاذ المحلية والدولية في جنوب تركيا، حيث عايش مراسل الصحيفة ساعات من البحث عن ناجية تركية تدعى أوزليم يولمز، بالغة من العمر 33 عاماً، في كهرمان مرعش.  

ففي تمام الساعة 10.41 مساءً يوم الجمعة 10 فبراير/شباط 2023، بعد ما يقرب من خمسة أيام قضتها تحت ركام مبنى شقتها المنهار، نجحت فرق الإنقاذ في إخراج السيدة يولمز، وسارع رجال الإنقاذ إلى تغطيتها بغطاء حراري فضي ونقلوها إلى سيارة إسعاف.

وبدأ الأمر بكلب إنقاذ اكتشف رائحة بشرية في جزء من الأنقاض. ثم قال جندي تركي إنه يسمع صوتاً من الداخل. وخلال الساعات العشر التالية، بدأت مجموعة من عمال مناجم الفحم الأتراك في إزالة الركام بالفؤوس والمناشير والمجارف. 

وبعد حوالي ساعتين، تمكنوا أيضاً من سحب ابنتة السيدة يولميز، التي تدعى زليخة (6 سنوات)، حيث كانت ساقها محشورة تحت لوح خرساني، ووجهها مغطى بالغبار، وشاخصة البصر.

تؤكد عملية يوم الجمعة، كم المخاطر التي قد تحيق بعمليات الإنقاذ من الزلزال ومدى صعوبة علاج إصابات الناجين. وكان عمال المناجم جزءاً من مجموعة كبيرة من المتطوعين الذين كانوا يشتبكون أحياناً مع عمال الإغاثة الأجانب الذين يحاولون المساعدة أيضاً.

الإنهاك النفسي ومخاطر البحث تزيد اختلافات فرق الإنقاذ

تقول الصحيفة إنه في يوم الجمعة، اختلف عمال المناجم الأتراك مع الفريقين الفرنسي والأمريكي على كيفية إخراج الأم وابنتها، باستخدام فؤوس تعدين أم بمعدات أكثر تطوراً قادمة من الخارج. وثارت خلافات أيضاً حول السماح للفرق الطبية بمعالجة الضحيتين قبل إخراجهما. إذ إن إصابات السقوط تحت المباني المنهارة تتطلب طرق علاج خاصة لتفادي حدوث عدم انتظام في ضربات القلب والفشل الكلوي.

يقول الخبراء إن فرص العالقين الذين تنقذهم فرق مدربة في النجاة تكون مرتفعة بينما يموت من يساعدهم الهواة في أغلب الأحيان بعد بضع ساعات أو يصابون بأمراض مزمنة. وذلك لأن السموم التي تتراكم في عضلات الجسم بعد أيام من الخمول تدخل بسرعة إلى مجرى الدم حين يبدأ الضحية في التحرك مرة أخرى.

وقال رجال الإنقاذ إنه حين انهار المبنى المكون من ستة طوابق، بعد أن وقع الزلزال الأول، صبيحة يوم الإثنين، اختفت السيدة يولمز وابنتها عن الأنظار، لكن التجويف الذي سقطتا فيه أمدهما بالدفء رغم درجات الحرارة المتجمدة طوال الليل. 

وطوال فترة ظهيرة يوم الجمعة، حاول عمال المناجم إزالة الخرسانة الثقيلة وحديد التسليح بحثاً عن ناجين. ولكن اعترض طريقهم حطام سرير طفل معدني بطابقين، لا تزال شراشفه الوردية ظاهرة. وأمضوا أكثر من ساعة في تقطيع سوست المرتبة، وفي النهاية استخدموا كابلاً لربط ما تبقى منها.

وتجمع حشد من أكثر من 100 شخص للمشاهدة، وتزاحموا حول عمال المناجم الذين كانوا يطلبون منهم التزام الصمت من حين لآخر ليتمكنوا من التقاط أي أصوات أحياء.

عقبات كبيرة تزيد من خطورة عمليات البحث

وبينما كان العمال يتعمقون في الحفر، كانوا يضعون دعامات من الخشب المقطوع من أشجار الصنوبر القريبة لمنع انهيار الركام عليهم أثناء نزولهم إلى الداخل. وأزالوا في طريقهم آثار الحياة الطبيعية، مثل أكواب شاي زجاجية، وقطع أثاث مكسورة، وأحذية بكعوب عالية. وكان المتطوعون ينثرون المياه المعبأة في الحطام للتخفيف من شدة الغبار.

وقبل الساعة 7 مساءً بقليل، نجح عمال المناجم أخيراً في التواصل مع السيدة يولمز التي كانت مستلقية على وجهها ورأسها بعيد عن الحفرة. وأخبرتهم أن زليخة قريبة، وأن طفلاً آخر مات بالفعل. لكنهم كانوا لا يزالون عاجزين عن رؤيتها.

وجهز المسعفون الأتراك نقالة ومجموعة إسعافات أولية ودعامة للرقبة. وأقنع الأمريكيون عمال المناجم بالسماح لاثنين من مسعفيهم بالدخول إلى النفق لتقييم حالة السيدة يولمز.

وقال باو فينه نغوين، خبير الإنقاذ، لفريقه بعد صعوده: "ذهبت إلى هناك ولمستها. المكان الذي توجد فيه لا يبعد أكثر من نصف متر، وهذه الكتلة الكبيرة تكاد تكون فوقها".

وعرض الفريق الأمريكي مساعدة الأتراك على تخطي العوائق الخرسانية وأية عقبات أخرى، وقال إنهم يستطيعون الوصول إليها في ظرف دقائق. وقال مارك كامبيت، الضابط في فرقة الإنقاذ الأمريكية: "يمكننا الوصول إليها أسرع من هذا بكثير. لأن المعدات التي يعملون بها ستأخذ ساعات".

وطلب غريغ وود، المتخصص في المعدات الثقيلة، من فريقه إحضار معدات خاصة مثل المولدات والمناشير الآلية. وقال: "إذا استخدمنا هذه المعدات، فسنصل إليها ونخرجها".

لكن عمال المناجم رفضوا السماح للأمريكيين بالتدخل. وقال كامبيت: "هذا بلدهم وسنتبع رغباتهم"، وأشار إلى أنه من منظور تقني، فعمال المناجم يحافظون على السلامة الهيكلية للنفق بشكل صحيح. وقال: "لدينا خبرة ونود مساعدتهم".

من جهته، حاول الطبيب الأمريكي مرتضى شاكولاهي أن يشرح لعمال المناجم أنه في حال إخراج الضحية قبل معالجتها من إصاباتها، فقد تلقى حتفها في ظرف ساعات.

وطلب من متطوع أن يترجم للأتراك قوله: "رأينا ذلك بالفعل في عمليات إنقاذ أخرى هنا في هذه المدينة. ولا نريد إلا الدخول ومعالجة المريضة".

وأقنع الدكتور شاكولاهي عمال المناجم بالسماح لطبيب تركي بإدخال قسطار وريدي مركزي في قدم السيدة يولمز، الجزء الوحيد الذي أمكن الوصول إليه من جسدها. وقال: "ليس من الضروري أن ندخل نحن، أدخلوا أي شخص آخر".

واستأنف عمال المناجم العمل، وبعد أقل من 20 دقيقة أخرجوا السيدة يولمز من تحت الأنقاض. وبعد قضائها ليلة في المستشفى المحلي، نُقلت هي وابنتها على متن طائرة طبية إلى أنقرة.

يشار إلى أن عدد قتلى الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فجر 6 فبراير/شباط 2023، ارتفع إلى أكثر من 34 ألفاً، ويبدو أنه قابل للزيادة مع تضاؤل فرص العثور على ناجين.

تحميل المزيد