زلزال تركيا وسوريا.. ما هو بروتوكول الإنقاذ؟ وكيف يتم تنفيذه في أوقات الكوارث الطبيعية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/13 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/13 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
إنقاذ امرأة من تحت أنقاض زلزال تركيا/ رويترز

بعد 160 ساعة من وقوع زلزال تركيا وسوريا، تمكنت فرق الإنقاذ من إنقاذ رجل من تحت الأنقاض، فما هو البروتوكول المتبع للإنقاذ في حالات الكوارث الطبيعية؟

وتسابق فرق الإنقاذ الزمن بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض في زلزال تركيا وسوريا المدمر، الذي ضرب البلدين فجر الإثنين 6 فبراير/شباط، بينما ارتفعت حصيلة قتلى الزلزال الأعنف منذ عقود إلى أكثر من 34 ألف شخص، بحسب إحصائيات صباح الإثنين 13 فبراير/شباط.

وبعد مرور أسبوع على وقوع الكارثة المدمرة، يصبح اتخاذ قرار التوقف عن عمليات البحث عن ناجين عالقين تحت الأنقاض هو القرار الأصعب على الإطلاق، وهو قرار تحكمه عدة عوامل، منها ما يخص احتمالات وجود عالقين لا يزالون على قيد الحياة، ومنها ما يخص إعادة توجيه جهود فرق الإنقاذ نحو إغاثة الناجين من الكارثة.

ما هو بروتوكول الإنقاذ المتبع في الزلزال؟

في حالات الكوارث الطبيعية الضخمة، كما هو الحال في زلزال تركيا وسوريا، تسارع دول العالم بإرسال المساعدات بجميع أنواعها إلى المناطق المنكوبة، وتكون فرق الإنقاذ والبحث عن ناجين تحت الأنقاض أحد أبرز عناصر تلك المساعدات.

ونظراً لأن فرق الإنقاذ والبحث عن الناجين تهرع إلى المناطق المنكوبة من شتى أنحاء العالم، كان لا بد من وجود بروتوكول عالمي متفق عليه لتنسيق وتنظيم عمل تلك الفرق، حتى لا تتداخل أو تتضارب عملياتها فتفقد جزءاً كبيراً من فاعليتها وتكون النتيجة ضياع وقت ثمين للغاية، فالثانية قد تمثل الفارق بين الحياة والموت بالنسبة للعالقين تحت الأنقاض.

وفي هذا السياق، تم التعارف على خطوات محددة تتبعها فرق الإنقاذ والبحث عن الناجين تحت أنقاض الزلازل، ومن المهم جداً اتباع تلك الخطوات بترتيبها المتعارف عليه.

وتتم تلك العملية من خلال مركز أو مراكز عمليات خاصة بالتنسيق بين فرق الإنقاذ وتوجيهها إلى المناطق المنكوبة بأسرع وقت ممكن، حيث غالباً ما تكون الطرق والمطارات قد نالها نصيب من التدمير أيضاً، وهو ما حدث بالفعل في زلزال تركيا وسوريا. وتسمى هذه المرحلة بإدارة المشهد العام للكارثة.

الخطوة التالية تكون عملية التقييم: عندما تصل فرق الإنقاذ إلى إحدى المناطق المنكوبة تكون الخطوة الأولى هي تقييم حالة المبنى أو المباني التي سيبحثون فيها عن ناجين تحت الأنقاض. وتشمل عملية التقييم هذه الاستماع إلى أي أصوات بشرية أو صراخ يكون مصدره تحت الركام.

ويكون دور الكلاب المدربة جوهرياً في عملية التقييم هذه، حيث إن الكلاب تقوم من خلال حاسة الشم بالبحث عن وجود أحياء بين الحطام، وتستطيع الكلاب تغطية مسافات أكبر بسرعة.

زلزال تركيا
إنقاذ سيدة من تحت أنقاض مبنى، بعد 166 ساعة على الزلزال في ولاية "أدي يامان" جنوب شرقي تركيا/ الأناضول

ثم يأتي الدور على تقييم حالة المبنى نفسه، الذي ثبت وجود أحياء تحت أنقاضه، حتى يتم تحديد الأسلوب والأدوات المتبعة في إزالة الأنقاض أو عمل فتحات فيها بأسرع وقت ممكن للوصول إلى الناجي أو الناجين.

المرحلة التالية هي اختيار المعدات التي سيتعين استخدامها، بناء على تضاريس المنطقة نفسها وكيفية الوصول إليها وآليات إزالة الركام وانتشال الضحايا. ثم تأتي مرحلة التأكد من مسارات البنية التحتية في المنطقة والمباني، وخصوصاً احتمالات تسرب الغاز وحتمية تحييد ذلك الاحتمال حتى لا تحدث أضرار خلال عملية الإنقاذ.

وبعد الوصول إلى هذه المرحلة، يأتي الدور على مرحلة "المراقبة"، وفيها يتم الحفر لإدخال كاميرا في الفراغات للنظر داخلياً، والتواصل مع العالقين. ثم تأتي عملية الإنقاذ نفسها، حيث يحدد المهندسون وخبراء المباني الطريقة الأفضل للوصول إلى الضحايا، ومن ثم تقدم الإسعافات الأولية للناجين فوراً. أما المرحلة الأخيرة فتتمثل في نقل الناجين، الذين يتم انتشالهم، بواسطة سيارات الإسعاف إلى المستشفى إذا لزم الأمر.

متى يتخذ قرار وقف البحث عن ناجين تحت الأنقاض؟

وفي الوقت الذي يسابق فيه رجال الإغاثة الزمن في محاولة للعثور على ناجين لا يزالون عالقين تحت الأنقاض، يصبح السؤال الأكثر تردداً: كم طول المدة التي يمكن للأشخاص الصمود فيها تحت أنقاض زلازل؟

ويقول الخبراء إنَّ معظم عمليات الإنقاذ تحدث في أول 24 ساعة بعد وقوع الكارثة، لكن الأمر يصل إلى 72 ساعة تكون فيها فرص نجاة العالقين تحت الأنقاض في أن يتم إنقاذهم أحياء كبيرة إلى حد ما، ثم تنخفض فرص النجاة مع مرور كل يوم؛ إذ يكون العديد من الضحايا قد أصيبوا بجروح بالغة أو دُفِنوا بسبب سقوط الحجارة أو غيرها من الحطام.

فالإصابات وكيف يكون الأشخاص عالقين في الحطام، إضافة إلى الظروف الجوية كلها عوامل حاسمة في تحديد الفترة التي يمكن أن يظل فيها الأشخاص العالقون تحت الأنقاض على قيد الحياة.

ويعتبر الوصول إلى الماء والهواء من العوامل الحاسمة، إلى جانب الطقس. فقد أضافت الظروف الشتوية في سوريا وتركيا مزيداً من الصعوبات على جهود الإنقاذ، خصوصاً مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.

وبشكل عام تتبع فرق الإنقاذ والبحث عن الناجين بما يعرف بـ"قاعدة الأربعة"، وهي تشير إلى إمكانية بقاء العالقين تحت الأنقاض على قيد الحياة بدون هواء لمدة "4 دقائق"، وبدون ماء لمدة "4 أيام" وبدون طعام لمدة "4 أسابيع".

وهذه القواعد المتعارف عليها ضمن بروتوكول الإنقاذ في الكوارث الطبيعية، وبخاصة الزلازل، تعتبر جوهرية في اتخاذ أصعب قرار ممكن، وهو قرار إيقاف عمل فرق البحث عن ناجين.

وهذا القرار الصعب تتخذه هيئة تنسيق أعمال الإغاثة التابعة للأمم المتحدة وحكومة البلد الذي تعرض للكارثة الطبيعية، أي الحكومة التركية في هذه الحالة، وحكومة النظام السوري برئاسة بشار الأسد في المناطق الخاضعة لسيطرتها أو الجماعات المعارضة في المناطق الأخرى.

ينام كثيرون في العراء بسبب زلزال تركيا وسوريا المدمر- رويترز

وعادة ما يتم وقف عمليات البحث والإنقاذ بعد مرور 5 إلى 7 أيام من وقوع الزلزال، إذا مر يوم أو يومان متتاليان دون العثور على أحياء تحت الأنقاض، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

لكن هذه المدة قد تطول في حالة زلزال تركيا وسوريا، في ظل العثور الأحد 12 فبراير/شباط، على أحد الناجين. إذ قالت وزارة الطوارئ الروسية إن فرق إنقاذ من روسيا وقرغيزستان وروسيا البيضاء انتشلت رجلاً على قيد الحياة من تحت أنقاض مبنى منهار بعد 160 ساعة من الزلزال الذي ضرب تركيا.

وأضافت الوزارة على تطبيق تيليغرام، الإثنين 13 فبراير/شباط، أن "أعمال الإنقاذ لإخراج الرجل من تحت الأنقاض استغرقت أكثر من أربع ساعات". ونشرت مقطعاً مصوراً لرجال الإنقاذ وهم يسحبون رجلاَ من تحت الأنقاض ويحملونه بعيداَ.

كما أن هناك حالات سابقة تم فيها إنقاذ أشخاص عالقين تحت الأنقاض بعد مرور أكثر من 7 أيام على وقوع الكارثة؛ إذ تم العثور على أحد الأشخاص حياَ تحت الأنقاض بعد مرور 27 يوماً من وقوع زلزال مدمر في هايتي عام 2010. وفي عام 2013، ثم إنقاذ امرأة على قيد الحياة، بعد أن ظلت عالقة تحت أنقاض مبنى مصنع كان قد انهار في بنغلاديش، وذلك بعد أن بقيت عالقة تحت الأنقاض لمدة 17 يوماً.

لماذا يتخذ قرار إيقاف عمليات البحث؟

عمليات البحث عن ناجين معقدة للغاية ومكلفة للغاية بطبيعة الحال، وبالتالي لابد من وجود جدوى من استمرارها، خصوصاً أن المتأثرين بكارثة الزلزال، الذين كتبت لهم النجاة، يكونون أيضاَ في أمس الحاجة إلى الرعاية بكافة أنواعها، سواء طبية أو إغاثية.

وفي حالة زلزال تركيا وسوريا، من المتوقع أن يصعّب تساقط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة مساء الإثنين والثلاثاء، من وضع الأشخاص الذين شرّدوا بسبب الزلزال، وكذلك جهود المنقذين الذين يبحثون عن ناجين تحت الأنقاض. لكن في الوقت نفسه لا يزال عدد كبير جدا من الأشخاص تحت الأنقاض.

وترسم هذه الصورة العامة مدى أهمية وحسم عامل الوقت في عمليات الإنقاذ الجارية حالياً على قدم وساق سواء في المناطق المنكوبة في تركيا أو في سوريا. وفي هذا السياق، يبدو أن عمليات الإنقاذ تسير أسرع كثيراً في تركيا عن نظيرتها في سوريا، لأسباب تتعلق بالأوضاع في كلا البلدين.

فالعقبات السياسية تفاقم من صعوبة وصول المساعدات الدولية إلى محتاجيها، في ظل الإغلاقات الحدودية والعزلة السياسية والسعي لحرمان المعارضين من المساعدات؛ إذ إن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا أصابت مساحةً واسعةً من أراضي سوريا، التي تعاني بالفعل من ندوب الحرب الأهلية الممتدة لأكثر من عقد كامل.

تواصل فرق الإغاثة والإنقاذ انتشال عالقين أحياء من تحت الأنقاض جراء الزلزال- وكالة الأناضول

وتنقسم السيطرة على أراضي شمال سوريا بين حكومة بشار الأسد في دمشق وبين المعارضة، وألحقت الكارثة ضرراً بالغاً بالطريق المؤدي إلى المعبر الحدودي الوحيد المفتوح، الذي تمر عبره قوافل مساعدات الأمم المتحدة بين تركيا وسوريا.

وتسيطر جماعات المعارضة على الركن الشمالي الغربي من البلاد، على طول الحدود مع تركيا، ويقطنها حوالي 4.6 مليون شخص. وعشرات الآلاف من الأشخاص في تلك المنطقة أصبحوا مشردين مؤخراً. ومخيمات اللاجئين ممتلئة عن آخرها بالفعل جراء النزوح من مناطق الحرب، فهي تضم 2.7 مليون شخص قدموا إلى الشمال الغربي من أجزاء أخرى من البلاد.

وفي هذا السياق، دعت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي، مساء الأحد، إلى "التصويت الفوري" على السماح بإرسال مساعدات دولية إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة عبر مزيد من المعابر الحدودية من تركيا.

وقالت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، في بيان لرويترز: "في الوقت الحالي كل ساعة لها أهميتها.. الناس في المناطق المتضررة يعتمدون علينا". وأضافت: "لا يمكننا أن نخذلهم.. علينا أن نصوِّت على الفور على قرار يستجيب لدعوة الأمم المتحدة للسماح باستخدام معابر حدودية إضافية لتوصيل المساعدات الإنسانية.. حان الوقت للتحرك بإلحاح وهدف".

تحميل المزيد