كيف تستمر روسيا في تصدير النفط وجمع الأموال بعد عام كامل من العقوبات الغربية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/02/12 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/13 الساعة 05:16 بتوقيت غرينتش
النفط الروسي – توضيحية / Getty Images

بعد عام كامل من فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، هل آتت العقوبات أُكلها وفشلت روسيا في تصدير النفط والغاز؟ كلا، وهذه هي الأسباب.

كانت الدول الغربية، بقيادة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد فرضت عقوبات على روسيا، ربما لم تتعرض لها دولة أخرى، ولا حتى كوريا الشمالية، خلال فترة زمنية قصيرة، والهدف معاقبة موسكو وإجبارها على وقف الهجوم على أوكرانيا.

لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي يصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يعتبره الغرب "غزواً غير مبرر" لا يزال مستمراً، منذ 24 فبراير/شباط 2022، ولا يبدو أن الحرب قد تتوقف قريباً، ما يشير إلى أن العقوبات الغربية لم تحقق هدفها حتى الآن.

صادرات روسيا من النفط هدف العقوبات الغربية

تناول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، عنوانه "كيف تنجو روسيا من القبضة المُحكمة على عائداتها النفطية؟"، كيف تمكنت روسيا، العام الماضي، من إعادة توجيه صادراتها النفطية القوية إلى آسيا، وحشدت أسطولاً من الناقلات غير المقيدة بالعقوبات الغربية، وتكييف خطط التهرب التي أتقنتها في السابق دول مثل إيران وفنزويلا.

نجحت الاستراتيجية، حيث لم يحتفظ الرئيس فلاديمير بوتين فحسب بالأموال من صادرات الطاقة، بل زادها، وفقاً للبيانات الرسمية، وربما جلب المزيد من الأموال، التي جُمِعَت في ظل تجارة النفط، التي يمكن أن تساعد في المجهود الحربي.

لكن ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان روسيا الاستمرار في التفوق في مثل هذه المناورات. هناك دلائل على أن الضوابط الغربية التي دخلت حيز التنفيذ، في ديسمبر/كانون الأول، الحظر المفروض على معظم المبيعات إلى أوروبا، والحد الأقصى لأسعار مجموعة الدول السبع على الخام الروسي المباع إلى دول أخرى، بدأت في التأثير بشكل عميق على أرباح الطاقة.

بدأت جولة أخرى من العقوبات لكسر صندوق الحرب الروسي، يوم الأحد 5 فبراير/شباط، عندما بدأ سريان الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على وقود الديزل والبنزين الروسي ومنتجات النفط المكرر الأخرى. ومثل عقوبات النفط الخام، كانت مصحوبة بسقوف أسعار لمجموعة السبع على الديزل الروسي ومنتجات النفط الأخرى، التي تُباع في أماكن أخرى.

التصعيد التدريجي للعقوبات النفطية، والتي تهدف إلى خفض عائدات تصدير النفط الروسي تمثل سياسةً هشة يقول محللون إنها قد تستغرق سنوات حتى تؤتي ثمارها، فبعد مرور سنة كاملة على اندلاع الحرب، تمكنت روسيا من الحفاظ على تدفق نفطها.

على مدار عام 2022 بأكمله، تمكنت روسيا من زيادة إنتاجها النفطي بنسبة 2% وزيادة عائدات تصدير النفط بنسبة 20%، إلى 218 مليار دولار، وفقاً لتقديرات الحكومة الروسية ووكالة الطاقة الدولية، وهي مجموعة تمثل مستهلكي الطاقة الرئيسيين في العالم.

سفينة تحمل النفط الروسي / Getty Images

وقد ساعد ارتفاع أسعار النفط بشكل عام بعد اندلاع الحرب وزيادة الطلب، بعد عمليات الإغلاق على خلفية جائحة كوفيد على أرباح روسيا، واستفادت من هذه الاتجاهات أيضاً شركات النفط الغربية العملاقة، مثل إكسون موبيل وشل، اللتين أعلنتا عن أرباح قياسية لعام 2022. وحصدت روسيا أيضاً 138 مليار دولار من الغاز الطبيعي، بزيادة تقارب 80% عن عام 2021، حيث عوضت الأسعار القياسية التخفيضات في التدفقات إلى أوروبا.

تعافت أحجام تصدير النوع الرئيسي من الخام الروسي بعد انخفاض في ديسمبر/كانون الأول، بسبب فرض سقف أسعار مجموعة السبع والحظر الغربي على الخام الروسي المنقول بحراً.

في الأسبوع الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن سقف سعر النفط، الذي يبلغ حالياً 60 دولاراً للبرميل، من غير المرجح أن يؤثر على أحجام صادرات النفط الروسية، وإنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 0.3% هذا العام بعد انكماشه بنسبة 2.2% في عام 2022. ويفوق ذلك توقعات الصندوق بالنسبة للاقتصادين البريطاني والألماني.

فقد خففت روسيا من تأثير الإجراءات الغربية من خلال إعادة توجيه صادرات النفط الخام إلى الصين والهند وتركيا، مستغلة وصولها إلى موانئ النفط في ثلاثة بحار مختلفة، وخطوط أنابيب واسعة النطاق، وأسطول كبير من الناقلات، وسوق رأس مال محلية كبيرة محمية من العقوبات الغربية.

في هذه العملية، كان الكرملين قادراً على إعادة هندسة أنماط تجارة النفط العالمية على مدى عقد من الزمن. على سبيل المثال، نمت صادرات النفط الروسية إلى الهند ستة عشر ضعفاً منذ بداية الحرب، بمتوسط 1.6 مليون برميل يومياً في ديسمبر/كانون الأول.

ويشير هذا بوضوح إلى فشل ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على الهند لتخفيض أو توقف عمليات استيراد النفط من روسيا، حيث كانت واشنطن قد لوحت بورقة "حقوق الإنسان" على خلفية قمع حكومة ناريندرا مودي للمسلمين في الهند.

فقد جاء هذا الانتقاد النادر من واشنطن، خلال أبريل/نيسان الماضي، تزامناً مع سعي إدارة بايدن للضغط على حكومة مودي، كي تتوقف الأخيرة عن شراء النفط من روسيا واستبداله بالنفط الأمريكي، في ظل موقف نيودلهي فيما يتعلق بالهجوم الروسي على أوكرانيا، وهو الموقف الذي سعت إدارة بايدن لتغييره. إذ قال مسؤولون أمريكيون إن بايدن قال لمودي إن شراء المزيد من النفط الروسي ليس في مصلحة الهند، ويمكن أن يعرقل رد الولايات المتحدة على الحرب في أوكرانيا.

هل تأثرت صادرات النفط الروسية؟

لكن حتى مع استمرار روسيا في إنتاج حوالي 10 ملايين برميل من النفط يومياً- ما يجعلها ثالث أكبر منتج في العالم، بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية- أدى حظر النفط الأوروبي والحد الأقصى للسعر الذي تم تبنيه في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى تقليص الأموال التي تستمدها خزانتها من صادراتها. في ديسمبر/كانون الأول، بلغت عائدات تصدير النفط الروسي 12.6 مليار دولار، أي أقل بنحو 4 مليارات دولار عن العام السابق، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. 

ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن شركات النفط الروسية تضطر إلى تقديم خصومات كبيرة بشكل متزايد لمجموعة المشترين المتقلصة. ويبدو أن الاتجاه نفسه مستمر، إذ قالت وزارة المالية الروسية، الإثنين 6 فبراير/شباط، إن إيرادات الحكومة الروسية من إنتاج وصادرات النفط والغاز تراجعت، في يناير/كانون الثاني، بنسبة 46%، مقارنةً بالشهر ذاته من العام الماضي.

واتسع الفارق بين أسعار خام برنت، وهو معيار نفطي عالمي، وسعر الأورال، النوع الرئيسي من الخام الروسي المُصدَّر، إلى حوالي 40 دولاراً للبرميل، في يناير/كانون الثاني، وفقاً لشركة بيانات الطاقة أرغوس ميديا، بينما كانت تلك الفجوة بضعة دولارات فقط قبل الحرب.

وأقرت وزارة المالية الروسية بتراجع عائدات النفط، قائلة الأسبوع الماضي إن متوسط سعر الأورال في يناير/كانون الثاني بلغ 49.50 دولار للبرميل، أي ما يقرب من نصف سعره قبل عام. وتستخدم الوزارة سعر الأورال لحساب الضرائب التي تحصل عليها من صادرات النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

بالنسبة لمؤيدي عقوبات النفط الروسية، فإن قدرة الكرملين على الاستمرار في بيع النفط مقابل أموال أقل هي النتيجة المقصودة من الحد الأقصى للسعر، إذ إن الفكرة الرئيسية هي تجنب النقص الذي قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

ومع ذلك، يقول بعض خبراء النفط إن التخفيضات الحادة على النفط الروسي يمكن أن تكون في جزء منها مجرد وهم. حيث قالت تاتيانا ميتروفا، خبيرة النفط الروسية في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن هذه الإيرادات لن تعود مباشرة إلى الحكومة الروسية كضرائب، لكن لأن المصدرين الروس ربما لديهم علاقات وثيقة مع الكرملين، فقد تظل بعض الأموال تدعم المجهود الحربي، على حد قولها.

لماذا تفشل العقوبات الغربية على روسيا؟

ويتفق الخبراء على أنه على المدى الطويل، فإن مستقبل عائدات النفط الروسي ستقرره قوى اقتصادية عالمية خارجة عن سيطرة منفذي العقوبات الغربيين والمتهربين الروس. ويقولون إن أسعار النفط العالمية ستظل أكبر عامل محدد لمقدار الأموال التي سيجمعها الكرملين من برميل النفط الخام المُصدَّر، رغم تزايد غموض تجارته.

ومصير هذا السعر يعتمد إلى حد كبير على حليف روسيا، الصين، التي بدأ اقتصادها للتو في الخروج من سنوات من قيود كوفيد الصارمة. ففي ديسمبر/كانون الأول، بلغت واردات الصين من النفط الخام مستوى قياسياً بلغ 16.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لتقديرات Kpler، وهي شركة تتعقب شحن الطاقة. إذا استمر هذا الاتجاه فسوف يجهد إمدادات النفط العالمية ويفيد الكرملين.

الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والنستشار الألماني أولاف شولتز/رويترز

إضافة إلى الضغط التصاعدي على أسعار النفط، قالت أوبك بلس، وهي تحالف لروسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الأربعاء الماضي، إنها ستحافظ على أهداف الإنتاج المقيدة للعام الماضي، وهو ما قد يجهد إمدادات النفط إذا زاد الطلب.

فيليكس تود، المحلل في أرغوس ميديا، قال لنيويورك تايمز إنه بعد عام من الاستعدادات، يبدو أن روسيا قادرة على استيعاب التأثير الفوري لعقوبات النفط الغربية على الإنتاج. ويقول الخبراء إن روسيا يمكنها سد أي فجوات في تمويل النفط في السنوات القليلة المقبلة باستخدام صندوق الثروة الوطني، الذي جمعته من أرباح الطاقة المفاجئة في الماضي، وتبلغ قيمته حوالي 150 مليار دولار.

وقالت ألكسندرا بروكوبينكو، المحللة الاقتصادية الروسية والمستشارة السابقة في البنك المركزي الروسي، إن الحكومة الروسية قامت أيضاً بحماية إنفاقها الدفاعي والاجتماعي من تخفيضات الميزانية، ما يعني أنه حتى الانخفاض الحاد في عائدات النفط لن يضر بجهودها الحربية في المستقبل المنظور.

تحميل المزيد