في سوريا، التي لم تتعافَ بعد من آثار الحرب الأهلية، كانت المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، هي تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث كان حجم الكارثة التي حلّت بهذه المناطق مروّعاً.
كارثة أخرى كانت تنتظرهم بعد خروجهم من تحت الأنقاض
يقول محمد غزال (34 عاماً)، المواطن الحلبي، لموقع Middle East Eye البريطاني، إنه وعائلته أحسوا بوقوع الزلزال في منتصف الليل، وقال: "في حوالي الساعة 4.30 صباحاً، استيقظنا والمنزل يرقص بنا حرفياً… أتعرف هذا الشعور؟ أتمنى ألا يكتبه الله على أحد مرة أخرى".
وقال غزال: إن انهيار المنزل من حولهم خلال لحظات صعقه هو وعائلته: "نطقنا الشهادتين. وظننت أننا متنا، وكانت ابنتي وزوجتي معي، أمسكت بهما. وفي ثوانٍ معدودة كنا تحت الأنقاض". وتمكنت العائلة في النهاية من الخروج من تحت الأنقاض.
وقال غزال: "لقد ساعدونا في الخروج، وظننت أنها النهاية. لكن المأساة كانت بعد ذلك، كنا في ساعات الصباح الأولى، وكان الناس في الشوارع على حالهم، حفاة، ونساء بلا حجاب، ورجال يرتدون ملابس النوم، وبعضهم شبه عارٍ".
وقال: "كان الناس يصرخون ويبكون، كانت مأساة. وفي اليوم الأول كان الجو بارداً وممطراً، ولا وقود ولا بطانيات. أمضيناه في الشارع على التراب".
وبعد نجاتهم بأعجوبة، وجدت العائلة مأوى في ملعب الحمدانية في حلب، الذي تحول إلى مركز إيواء مؤقت، بعد أن أصبحت العودة إلى المنازل مستحيلة.
الناجون من زلزال سوريا أمام كارثة إنسانية كبرى
ساعد نديم عيسى، لاعب كرة السلة السوري، في إنشاء مركز إيواء في ملعب كرة سلة في حلب، كانت التبرعات تذهب إليه. لكن متطوعيه يفتقرون إلى الدعم الدولي الكافي الذي هم في أمسّ الحاجة إليه، ويستقبلون الطعام والحفاضات وحليب الأطفال من أجزاء أخرى من سوريا.
وقال عيسى لموقع MEE: "نحتاج إلى المساعدات، هذه كارثة، كارثة إنسانية. من الضروري أن يُرفع الحصار عن سوريا، ونحصل على مساعدات من جميع الدول. الوضع على الأرض مأساوي".
وأضاف: "الناس ينامون على الأرض بلا ملابس، وبلا شيء، في الشتاء القاسي هذا العام، الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى حدّ التجمّد، ولا نجد وقوداً".
ويقول عيسى: "نحتاج إلى حظائر أو ملاجئ على المدى الطويل؛ لا يزال الناس ينامون في العراء في المستشفيات والمساجد والمباني غير الآمنة. هذه كارثة طويلة الأمد، وهؤلاء الناس لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، رأينا الكثير من الألم والمعاناة".
والوضع مروّع لدرجة أن أفضل مأوى يجده البعض يكون الحدائق والملاعب المفتوحة. الناجون ينامون في الحدائق، وجميعهم بلا ملابس، وبلا أحذية. قال عيسى: "لا بطانيات، والموارد تنفد بسرعة. نحتاج إلى معدات ثقيلة. انظروا إلى البلدان التي هبّت لنجدة تركيا، والدول التي حاولت مساعدتنا".
"أصوات بكاء وعويل لم نتمكن من الوصول إليها"
وكانت منطقة جبلة، المطلة على البحر المتوسط، والموجودة في مدينة اللاذقية الساحلية، من المدن الأخرى التي تعرضت لأضرار جسيمة، حيث سويت مبانٍ بأكملها بالأرض.
وعلى الأرض، بُذلت جهود محمومة لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض على مدار الساعة، بموارد محدودة، وغياب للدعم يعيق عمليات الإغاثة.
وخلال الليالي الأولى بعد الزلزال، أبلغ الناس في جبلة عن سماعهم صراخاً وعويلاً من تحت الأنقاض. وكانت هذه الأصوات تتردد طوال الليل، والكثير منها مضى دون استجابة.
وقال سامي خضور، المتطوع الذي يساهم في جهود الإنقاذ في المدينة، لموقع MEE: "نبذل قصارى جهدنا بما لدينا". وقال: "نرحب بأي مساعدة. في الأيام القليلة الأولى، لم يكن لدينا أضواء أو أجهزة بروجيكتور، ولذلك كنا نواجه صعوبة بالغة في البحث. كنا نبحث عن الناس على نور هواتفنا، ولم نتمكن من الوصول إلى كثيرين".
وينشر السوريون نداءات على الإنترنت عمن يحتاجون إلى المساعدة، على أمل أن يساعد ذلك في إنقاذهم. وحرص نادي تشرين لكرة القدم في اللاذقية على تزويد ملعبه بالطعام والشراب والبطانيات لإغاثة المتضررين. وكان من بين الضحايا لاعب كرة القدم السوري الدولي السابق، نادر جوخدار، الذي توفي في منزله في جبلة.
أزمة اقتصادية خطيرة
يأتي هذا الزلزال المدمر في وقت تشهد فيه البلاد ضائقة اقتصادية خطيرة، حيث يحتاج 70% من السوريين إلى مساعدات إنسانية في وقت يحاولون فيه اجتياز شتاء قاسٍ آخر، في ظل نظام صحي أنهكته الكوليرا وجائحة كوفيد-19.
ويعتمد كثيرون في البلاد على مواطنيهم السوريين، وليس الدعم الخارجي. وكانت مريم المحمود، وهي من سكان دمشق، واحدة من مئات فتحوا منازلهم للناجين من الزلزال.
وقالت للموقع البريطاني: "بيتنا ومنازل أهل دمشق مفتوحة لأي عائلة أو شخص مصاب لا مكان له. وأي شخص يعرف عائلة لا تعرف أين تذهب، فليخبرني، منزلنا مفتوح".
ولخص الناشط السوري، أمجد زرقا، الشعور السائد في البلاد في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه: "يوم كئيب، تكرار فجّ وعنيف لحقيقة أن الحياة هشة جداً. أنت موجود في الثالثة والربع، أنت غير موجود في الثالثة والثلث. الشعور الأوّلي قد يكون اللا جدوى والعبث والفوضى، لكن بشوية تدقيق ممكن الشعور يتحول إلى هدوء وانزياح الأعباء. الموضوع فعلاً أكبر مننا كلنا".