خلال أول زيارة علنية له يقوم بجولة على الدمار الذي أحدثه الزلزال المميت الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الإثنين، 6 فبراير/شباط 2023، شن رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الجمعة، 10 فبراير/شباط، من مدينة حلب المدمرة، هجوماً على الغرب لتجاهله بلاده، ووصف ذلك بالعار.
الأسد يريد تحويل الكارثة إلى فرصة
يقول تقرير لوكالة AFP الفرنسية إن رئيس النظام السوري يرى في الكارثة، التي حطمت جزءاً كبيراً من شمال سوريا، على أنها فرصة كبيرة للضغط على المجتمع الدولي من أجل تخفيف عزلة بلاده – إن لم يكن من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين فرضا عقوبات على مدى سنوات على نظامه بسبب ارتكابه جرائم وحشية بحق شعبه.
وقال الأسد لمجموعة من الصحفيين، أثناء زيارته لحلب التي دمرها الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، إن "الغرب أعطى الأولوية للسياسة على الوضع الإنساني، من الطبيعي أن يقوموا بتسييس الوضع، لكن لا توجد إنسانية لديهم، لا الآن ولا في الماضي".
وجاءت جولة الأسد المصممة بعناية بعد 5 أيام من وقوع الزلزال، على عكس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يزور المناطق المنكوبة في تركيا منذ بداية وقوعه، فيما وجه ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي هجوماً شديداً على الأسد بسبب "توزيعه الابتسامات والضحك" خلال تفقد المناطق المنكوبة بالزلزال.
الزلزال يفاقم الأزمة الاقتصادية بسوريا
أصيبت سوريا بالشلل بسبب أزمة اقتصادية دفعت 90% من سكانها إلى الفقر. وقدرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن ما يصل إلى 5.3 مليون شخص قد تشردوا الآن في سوريا بسبب الكارثة.
وخفت حدة القتال الرئيسي في الحرب المستمرة منذ 12 عاماً قبل سنوات، لكن السوريين رأوا الأوضاع تزداد سوءاً. كان كثير منهم يكافحون بالفعل لشراء الطعام والوقود للتدفئة.
وأثار الإحباط المتزايد احتجاجات نادرة وأصوات منتقدة ضد الأسد في المناطق التي يسيطر عليها النظام لأول مرة منذ عقد. وقد يؤدي عدم تقديم المساعدة أو التعافي من الزلزال إلى زيادة استياء الرأي العام.
وتسبب الزلزال، الذي قُتل فيه أكثر من 25 ألف شخص حتى الآن، في دمار واسع النطاق في جميع أنحاء جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، سواء في آخر جيب تسيطر عليه المعارضة في الشمال الغربي أو في أجزاء من الأراضي التي تسيطر عليها النظام، ولا سيما مدينة حلب.
يزعم مسؤولون في نظام الأسد أن العقوبات الأمريكية والأوروبية تعرقل وصول المساعدات إلى سوريا، وتبطئ عمليات البحث والإنقاذ لإنقاذ العائلات التي لا تزال محاصرة تحت الأنقاض.
"الأسد يريد إعادة تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي"
في السياق، تقول لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، لوكالة أسوشيتيد برس الأمريكية: "يحاول الأسد استغلال الزلازل للخروج من العزلة الدولية". وأضافت أن "دعوة نظامه لرفع العقوبات هي محاولة للتطبيع الفعلي مع المجتمع الدولي".
وقال الاتحاد الأوروبي إن سوريا لم تطلب المساعدة بشكل رسمي إلا بعد 3 أيام من وقوع الزلزال، وأن 6 دول أعضاء ترسل المساعدة عبر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بالفعل، وأن العقوبات الدولية لا تشمل المساعدات الإغاثية.
وقالت الولايات المتحدة إنها رفعت مؤقتاً العقوبات التي من شأنها أن تعرقل جهود الإغاثة من الزلزال، ولم يعلق الأسد والمسؤولون السوريون على ذلك.
لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أوضحا أنهما لن ينهيا العقوبات المفروضة على حملة الأسد ضد المعارضة وأساليب قواته الوحشية ضد المدنيين في الحرب الأهلية.
والأسد نفسه لم يطالب برفع العقوبات منذ الزلزال، وقالت الخطيب إنها تتوقع ألا يفعل ذلك؛ لأنه سيجعله يبدو ضعيفاً أمام شعبه بعد سنوات من الخطاب المتشدد ضد الدول الغربية.
لكن الأسد يرى الأمل في الدول العربية
أرسل أقرب حلفاء الأسد، روسيا وإيران والصين، المساعدات بعد الكارثة، كما فعل الحلفاء العرب الرئيسيون للولايات المتحدة ذلك، لا سيما الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والجزائر.
وعادت الدول العربية التي ابتعدت عن سوريا منذ 2011 إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية ببطء مع دمشق، فيما دعا عدد متزايد من الدول العربية إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وقال نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، وهي مؤسسة فكرية: "هذه الديناميكيات موجودة بالفعل، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، ويمكن أن يؤدي الزلزال إلى تسريعها".
وأضاف لوكالة AP أن "الزلزال يسمح للدول العربية بالعمل بشكل غير مثير للجدل بسبب الضرورة الإنسانية الملحة، كما يوفر مساحة لتحقيق هذا التقارب".
وأدى التأخير في إيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، إلى تجديد الجدل حول نظام الأمم المتحدة القائم بالفعل لتقديم المساعدة الإنسانية للمنطقة. ولا يمكن تسليم مساعدات الأمم المتحدة إلا من خلال معبر حدودي واحد من تركيا؛ لأن روسيا منعت استخدام المعابر الأخرى.
ودعا الأسد وروسيا إلى أن يتم تسليم المساعدات إلى الشمالي حصرياً عبر دمشق، وهو ما تعارضه وكالات الأمم المتحدة والدول الغربية، خوفاً من سرقة المساعدات. لكن الخبراء يقولون إن الزعيم السوري وموسكو قد يستغلان إلحاح الموقف للضغط من أجل التغيير. وهناك حاجة ماسة الآن لمزيد من المساعدة، قال نديم حوري: "يجب أن يكون هناك حل لا يتم تسييسه، وفي نفس الوقت لا يصبّ في مصلحة النظام".