بين أهات الفرحة بإنقاذ طفلة، والبكاء على أُسر بأكملها ماتت، تسابق فرق الإنقاذ الزمن في سوريا وتركيا، لانتشال عائلات بأكملها من تحت أنقاض المباني، ويعيد ذلك للأذهان مآسي شهدها العالم، ومجموعة من أشهر عمليات الإنقاذ في التاريخ الحديث، والتي تقدم دروساً وإلهاماً للأسر المتلهفة على أبنائها في سوريا وتركيا، وكذلك العاملين بفرق الإنقاذ.
وقفز الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا إلى أكثر من 10 آلاف شخص في البلدين، في الوقت الذي يعمل فيه رجال الإنقاذ ضد الوقت في ظروف الشتاء القاسية؛ لانتشال الناجين من أنقاض المباني المنهارة.
وأرسلت المكسيك المعرّضة للزلازل بشدة 16 كلباً للبحث والإنقاذ مشهورة لديها إلى تركيا للمساعدة في البحث عن الأشخاص المدفونين تحت الأنقاض في أعقاب زلزال يوم الإثنين، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
في هذا التقرير نعرض عدداً من أشهر عمليات الإنقاذ في التاريخ، وكذلك عدد من أشهر الفرق العاملة في هذا المجال.
أطفال الكهف الذين بقوا لأسبوعين تحت الماء
في 23 يونيو/حزيران 2018، ذهب 12 صبياً للاستكشاف في مقاطعة شيانغ راي في تايلاند مع مدربهم لكرة القدم – وانتهى بهم الأمر محاصرين في أعماق كهف تحت أحد الجبال.
ما حدث خلال الأسبوعين التاليين هو دراما عن الصداقة والتحمل البشري -الذي سيظهره بعض الناس لإنقاذ هؤلاء الأطفال، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
سار الأطفال مع مدربهم عبر حقول الأرز على دراجاتهم، وصعودوا إلى التلال الحرجية التي غطتها الأمطار مؤخراً، حيث إن وجهتهم كانت "كهف ثام لوانغ"، المكان المفضل للأولاد، الذين أحبوا استكشاف الزوايا والشقوق في سلسلة الجبال الشاهقة فوق ماي ساي.
يبدو أن الفريق ومدربهم الشاب غامروا بالتعمق في كهف ثام لوانغ لمسافة تصل إلى 8 كيلومترات؛ ليكتبوا أسماءهم على جدار أحد الكهوف.
في أعماق الكهف، وجد الأطفال أنفسهم في ورطة. كانت السماء تمطر في الأيام القليلة الماضية، وامتلأ كهف ثام لوانغ بالمياه بسرعة.
تشير إحدى الروايات الأولية من الأولاد إلى أنهم فوجئوا بفيضان مفاجئ. كانوا بحاجة إلى الخروج، ولكن بدلاً من ذلك لم يكن لديهم خيار سوى الاندفاع أكثر داخل الكهف.
لم يكن لديهم طعام – لكن لديهم إمدادات مياه صالحة للشرب على شكل رطوبة، تقطر من جدران الكهف، وكانت معهم مشاعلهم. كان هناك أيضاً ما يكفي من الهواء لفترة من الوقت – لأن الحجر الجيري المسامي والشقوق في الصخور تعني أن الهواء يمكن أن يمر.
كانت لديهم الظروف المناسبة للبقاء على قيد الحياة لفترة قصيرة.
بعد اكتشاف محنتهم، بدأت عملية إنقاذ شاملة أخذت طابعاً دولياً، حيث استدعت السلطات النخبة في البحرية التايلاندية والشرطة الوطنية وفرق الإنقاذ الأخرى بعد اكتشاف آثارهم، كما شارك المتطوعون المحليون.
كان استكشاف الكهف تحدياً – فمعظم الغواصين في البحرية لم يكن لديهم سوى القليل من الخبرة في الغوص في الكهوف. وكان الطقس قاسياً – فقد أدى هطول الأمطار الغزيرة إلى استمرار ارتفاع منسوب المياه، مما أدى إلى إغراق الغرف وعزل رجال الإنقاذ عن أجزاء من الكهف.
من بين فرق الإنقاذ الدولية، جاء متخصصون في الإنقاذ من القوات الجوية الأمريكية، وغواصي الكهوف من المملكة المتحدة، وبلجيكا، وأستراليا، والدول الإسكندنافية، والعديد من البلدان الأخرى، كان البعض قد جاء متطوعاً بينما آخرون جاءوا بناء على استدعاء السلطات التايلاندية.
في يوم الأحد، 1 يوليو/تموز – بعد أسبوع من اختفاء الأولاد – أحرز رجال الإنقاذ بعض التقدم. وصلوا إلى كهف كبير أُطلق عليه فيما بعد "الغرفة الثالثة"، ويعمل كقاعدة رئيسية للغواصين.
ثم توغل غواصان بريطانيان في ممرات الكهف الضيقة والمظلمة لعدة أيام، وعلى بُعد بضع مئات من الأمتار، وجدوا جيباً هوائياً.
سرعان ما أضاءوا ضوء شعلة ليجدوا الأطفال "كلهم أحياء"!
وبهذا انضم إلى الصبية ومدربهم مسعف عسكري وغواصون من البحرية الأمريكية سيبقون معهم لنهاية الأزمة.
شرع رجال الإنقاذ في اكتشاف كيفية إخراج 13 شخصاً – بعضهم لا يستطيع السباحة – من الكهوف المتعرجة التي غمرتها المياه بطول 4 كيلومترات.
كان هناك شيء آخر يدعو للقلق أيضاً – على الرغم من الجهود المبذولة لتجديد الهواء، انخفضت مستويات الأوكسجين في الغرفة إلى 15%، أي أقل من النسبة المعتادة البالغة 21%.
ولكن في 6 يوليو/تموز، قام رجال الإنقاذ بتزويد الأوكسجين، وفي اليوم التالي فجأة، أعلنت السلطات التايلاندية أنها ستسحب الأولاد – الآن، لأن الأمطار توقفت، مما منح رجال الإنقاذ فرصة نادرة.
شارك في عملية الإنقاذ ما يقرب من 100 غواص تايلاندي وأجنبي.
تم نقل الأطفال من الحافة الصخرية التي يقفون عليها إلى الكهف المسمى الغرفة الثالثة – حيث شق رجال الإنقاذ طريقهم لساعات عبر المياه الباردة في بعض الأحيان، كان عليهم التنقل في أقسام ضيقة بالكاد تسمح بمرور الجسم.
تم إعطاء كل صبي قناع هواء يغطي وجهه بالكامل؛ لضمان قدرته على التنفس.
تم ربط أسطوانة في مقدمة كل طفل، بينما تم ربط مقبض بظهورهم- وتم تعليقهم على وجوههم لأسفل لضمان جريان الماء بعيداً عن وجوههم.
في الأقسام الضيقة، اضطر رجال الإنقاذ إلى فك خزانات الهواء.
كان الأمر مرعباً للغواصين ذوي الخبرة، ناهيك عن الأطفال، وتقول عدة مصادر لـ"BBC" إن الأطفال تم تخديرهم للتأكد من أنهم لن يصابوا بالذعر.
بمجرد وصولهم إلى الغرفة الثالثة، كان على رجال الإنقاذ رفع الأولاد إلى منحدر حاد باستخدام بكرة. في بعض المناطق الصخرية، شكلوا سلسلة بشرية، يمررون الأولاد يداً بيد، بينما في مناطق أخرى قاموا بزلقهم فوق أنابيب تضخ المياه.
ولكن بدأت مستويات المياه في الارتفاع مرة أخرى، بسرعة تصل إلى 30 سم في ساعة واحدة.
وأثناء خروج الأولاد، كان هناك أشخاص لا يزالون على الحافة الصخرية في أعماق كهف ثام لوانغ – وهم الغواصون والمسعفون الذين أنقذوا الأطفال، حيث كادوا أن يقعوا في مشكلة بعد إنقاذ آخر طفل، إثر توقف مضخة فجأة عن العمل.
إذ اندفعت مياه الفيضانات إلى الداخل، مما أدى إلى فرار العمال الذين يقومون بتطهير الموقع.
ولكن لحسن الحظ تم إنقاذهم، وبعد أسبوعين مؤلمين، خرج أولاد الكهوف التايلانديون ومدربهم أخيراً سالمين.
عمال مناجم بتشيلي بقوا 68 يوماً خلف 770 ألف طن من الصخور
في أغسطس/آب 2010 في تشيلي، ناضل 33 من عمال المناجم التشيليين للبقاء على قيد الحياة أكثر من شهرين تحت الأرض، بعد انهيار منجم النحاس الذي عملوا فيه في كوبيابو، تشيلي، حسبما ورد في موقع History.
كان الرجال عالقين خلف 770 ألف طن من الصخور، بينما كانت عائلاتهم تنتظر بفارغ الصبر، وكثير منهم في معسكرات الخيام على السطح، لإعلامهم بأنهم نجوا.
عندما اجتمع عمال المناجم في غرفة أطلقوا عليها اسم "الملجأ"، تمكنوا من التواصل مع العالم الخارجي من خلال بئر حفرته أطقم الإنقاذ. تواصل الرجال المحاصرون لفترة وجيزة مع عائلاتهم من خلال الحفرة، حتى أن وكالة ناسا نصحتهم بمعلومات عن الطب والتغذية والآثار النفسية لقضاء الكثير من الوقت تحت السطح. بعد عملية حفر مطولة، بدأت عملية الإنقاذ، وتم سحب جميع الرجال الثلاثة والثلاثين إلى مكان آمن. بعد سنوات، لا يزال عمال المناجم ومنقذهم يواجهون الاضطرابات العاطفية لما بعد الصدمة.
طفلة تقضي 58 ساعة في قاع البئر
في أكتوبر/تشرين 1987، سقطت طفلة تدعى جيسيكا مكلور، وتبلغ من العمر 18 شهراً في بئر ماء مهجور في منزل خالتها في ميدلاند بولاية تكساس الأمريكية، حيث علقت على عمق 6.7 متر، وظلت محاصرة في البئر لمدة يومين ونصف، بينما كافح عمال الإنقاذ لتحديد أفضل السبل لاستخراجها.
أثناء تداول وسائل الإعلام، نظر عمال الإنقاذ في عدد من الخطط، وتخلوا عنها قبل أن يقرروا حفر بئر أخرى بجوار البئر، ثم إنشاء نفق بين الفتحتين. تم إجراء عملية الإنقاذ على الهواء مباشرة، مما أثار اتهامات بأن الأمر بات سيركاً إعلامياً.
وعانت "الطفلة جيسيكا"، كما تُعرف الآن، من إصابات طفيفة فقط، بما في ذلك فقدان إصبع القدم بسبب الغرغرينا بعد الإنقاذ. اليوم، هي أم وتعيش في تكساس.
الطفل ريان الذي شغل العالم العربي
شغلت مأساة الطفل المغربي ريان لأيام بعد سقوطه في 2 فبراير/شباط 2022، في بئر بعمق 32 متراً اهتمام العالم، وبقي عالقاً 5 أيام وسط محاولات حثيثة لإنقاذه.
وبينما حزن العالم العربي لوفاة ريان حدثت مفارقة رزقت أسرته في ذكرى وفاته الأولى بطفل جديد.
"أكثم" المصري عاش ما يقرب من 4 أيام على شرب بوله
تعرّضت مصر في أكتوبر/تشرين عام 1992، لزلزال مدمر، ومع أن قوته البالغة 5.8 درجة بمقياس ريختر، كانت متوسطة، ولكن كان تأثيره مدمراً بالنظر لقلة تعرض البلاد للزلازل وكثرة المباني القديمة، والكثافة السكانية المرتفعة في البلاد، إضافة لقرب مركز الزلزال من القاهرة.
ومن أشهر العقارات التى انهارت فى زلزال 92 عمارة ميدان هليوبوليس بمصر الجديدة، او عمارة الحاجة كاملة، التي انهارت بالكامل في قلب ميدان هليوبوليس بحي مصر الجديدة الراقي، وتحولت لأنقاض في أقل من دقيقة.
لم ينجُ من العمارة سوى خمسة أشخاص فقط.
ولكن اشتُهر رجل مصري يدعى أكثم، وأصبح أحد رموز هذه المأساة، بعد أن طالت عملية إنقاذه وإخراجه من تحت الأنقاض بعد 82 ساعة وأكثر أي بعد نحو 3 أيام ونصف.
وكان ما حمى أكثم من الموت هو عمود خرساني، منع سقوط السقف عليه مما حال دون أن تُسحق دماغه.
لم يكن في بداية المأساة وحيداً، بل كان بصحبته: "والدته، زوجته وابنته سميرة"، كانوا يتحدثون جميعاً حتى ساد الصمت، فعلم أكثم وقتها أن رفض أسرته ووالدته شُرب "البول" مثله، كان سبباً على الأرجح سبباً لكي يلقوا مصرعهم بجواره.
لم يظهر أكثم عبر شاشات التلفاز سوى فى حوارٍ واحد مُقتضب للتليفزيون المصري، وذلك عقب الحادث مباشرة، وصفته مانشيتات الجرائد بالمعجزة البشرية، الصحفيون كتبوا وتغزلوا فيه بأبيات الشِعر، وتقدمت بعض النساء لتطلب خطبة الرجل الذي فقد أسرته وظل اسماً عالقاً في أذهان المصريين لسنوات.
فرقة ميامي للإنقاذ المرموقة تعيش مأساة قرب مقر عملها
يقع مقر أحد أفضل فرق البحث والإنقاذ في مقاطعة ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية، وهو فريق البحث والإنقاذ الحضري.
فلقد سافرت فرقة النخبة هذه حول العالم في أعقاب الزلازل وانفجارات المباني وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض. ولكن الفريق وجد نفسه يعمل قرب مقره بعد انهيار مبنى سكني مُطل على المحيط في سيرفسايد بولاية فلوريدا الأمريكية
في غضون ساعات من انهيار المبنى كان عمال البحث والإنقاذ يحفرون بالفعل عبر الأنقاض في مرآب الطابق السفلي ويقومون بالمهمة التي تم تدريبهم على القيام بها.
بين نحو 160 مفقوداً توفي 98 شخصاً، قال أعضاء فرقة العمل مثل فرانك جارسيا، إنهم ما زالوا يكافحون مع ما رأوه.
في مارس/آذار 2022، تم تكريم أعضاء الفرقة؛ لتفانيهم وشجاعتهم في أثناء الاستجابة لانهيار العمارات في منطقة Surfside.
عمليات الإنقاذ بواسطة الروبوتات تحمي الإطفائيين وبعضها يقلد الثعابين
أصبح من الشائع استخدام الروبوتات في عمليات الإنقاذ، ومنها روبوت يطلق عليه EMILY وهي اختصار لمصطلح حبل Hyrodnalix المتكامل في حالات الطوارئ لإنقاذ الأرواح، وهو روبوت يبلغ طوله 1.2 متر يتم التحكم فيه عن بُعد ويعمل بمثابة قارب نجاة عائم هجين.
اشتهر هذا الروبوت عام 2016، عندما ورد أنه ساعد في إنقاذ مئات من طالبي اللجوء قبالة سواحل اليونان خلال أزمة المهاجرين الأوروبية. ساعد إميلي أكثر من 240 لاجئاً في أول 10 أيام من عمله.
كما طور علماء الروبوتات أدوات مساعدة تشبه "الثعابين" للبحث تحت أنقاض المباني الناجمة عن الزلازل غير القابلة للملاحة.
ولكن روبوتات مكافحة الحرائق هي الأكثر انتشاراً، فإدارة حرائق طوكيو، على سبيل المثال، تضم عشرات الأنواع المختلفة من الروبوتات بين صفوفها.
من أشهر الروبوتات العاملة في مجال الحرائق، كل من الروبوت Thermite RS1 والروبوت RS3. ويعمل كلاهما بمحركات ديزل بقوة 24 حصاناً، ويتم التحكم فيها عن بُعد، ويمكنهما تسلق المنحدرات حتى 70 درجة. وهي قادرة على ضخ ما يصل إلى 2500 غالون من الماء والرغوة في الدقيقة، تم تصميم الروبوتات خصوصاً للتعامل مع الحرائق الصناعية الكبرى مثل حرائق مصافي النفط.
وشكّل الحريق الذي دمر كاتدرائية نوتردام الفرنسية في عام 2019، خسارة فادحة من نواحٍ كثيرة. ولكن كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير لولا الروبوت الفرنسي Colossus الذي تم استدعاؤه من قبل فرقة الإطفاء في باريس بعد أن أصبحت الأوضاع شديدة الخطورة، بالنسبة لهم.
تمكن الروبوت Colossus من ضخ 660 غالوناً من الماء في الدقيقة، وقال قائد لواء الإطفاء، جان كلود جاليت، لاحقاً، إن الروبوت العملاق أنقذ حياة طاقمه.
"الخوذ البيضاء" تعمل في أسوأ الأوضاع، ولكنها حققت إنجازات مذهلة
تعد منظمة الخوذ البيضاء واحدة من أشهر فرق الإنقاذ في العالم والتي تعمل في واحد من أكثر الأوضاع صعوبة من الناحية الفنية والأمنية والسياسية.
وتأسست هذه المنظمة الإنسانية عام 2013، تحت شعار "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
يضعون خوذاً بيضاء على رؤوسهم ولذلك عُرفوا بهذا اللقب. قتل منهم المئات من جراء الضربات الجوية الروسية، بينما كانوا ينفذون مهمة إسعاف الضحايا وتبديد آثار ما خلّفته الصواريخ والقنابل العنقودية. ولم يتوقف ذلك عند هذا الحد ليكونوا هدفاً بين تصريح وآخر، بتهمة "تمثيل مسرحيات واستفزازات"، وفقاً للرواية الروسية.
وثقوا جرائم الأسد وروسيا وكانوا شهوداً على مجزرة الكيماوي
ويتركز عمل "الدفاع المدني السوري" بشكل أساسي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري. وقبل نشاط فرقه بالشمال السوري، كانوا في محافظة درعا وريف محافظة حمص وسط البلاد، وإلى الشرق من العاصمة دمشق، حيث الغوطة الشرقية.
وبينما ينحصر هذا العمل في عمليات الإسعاف الفوري لضحايا القصف ونقل المصابين إلى المشافي الميدانية، يرتبط جزء آخر منه بـ"سياق توثيقي" للجرائم الحاصلة، ومؤخراً في المشاريع الخاصة بـ"التعافي المبكر".
وكان متطوعو "الخوذ البيضاء" شاهدين على القصف الكيماوي الذي استهدف الغوطة الشرقية عامي 2013 و2018، إضافة إلى القصف بالغازات السامة على مدينة خان شيخون بريف إدلب في 2017، والكثير من حوادث القصف التي تم تنفيذها بأسلحة أخرى في سوريا.
وتم توثيق أغلب "الاستجابات" عبر كاميرات مثبتة على خوذ المتطوعين، وبالتالي تمتلك المنظمة الإنسانية توثيقاً لأغلب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها روسيا حليفة النظام السوري.
ولطالما قادت موسكو "حرباً إعلامية" ضد هذه المنظمة في سوريا، ولا تزال مستمرة حتى الآن، لكن ومنذ فبراير/شباط الماضي كان لافتاً اتجاه المسؤولين الروس لاستنساخ هذه الدعاية بأوكرانيا، لاسيما في المحطات التي راح فيها ضحايا مدنيون، ولاحت فيها رائحة "جرائم حرب".
وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن "الخوذ البيضاء" في سوريا أبدوا استعدادهم لمساعدة أوكرانيا.
وتحدث مدير "الخوذ البيضاء"، رائد الصالح، عن أن "الحرب الإعلامية التي شنتها روسيا على مؤسستهم بدأت تظهر بشكل واضح مع تبلور دورها وتحوُّلها إلى مؤسسة في نهاية عام 2014".
وسبق أن هدد رئيس النظام السوري بشار الأسد، في حوار مع وسائل إعلام روسية، بتصفية متطوعي جماعة "الخوذ البيضاء" الإغاثية؛ حيث يتهمهم النظام السوري وأنصاره بأنهم "أداة" في أيدي المانحين الدوليين الذين يقدمون الدعم لهم منذ سنوات، وبالانضواء في صفوف الجهاديين. وتعليقاً على "الخوذ البيضاء"، قال الأسد: "إما أن يلقوا الأسلحة في إطار العفو الساري منذ أربع أو خمس سنوات، وإما ستتم تصفيتهم كبقية الإرهابيين".
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عثر بإسطنبول على جثة جيمس لو ميسورير الضابط السابق في المخابرات الحربية البريطانية الذي شارك في تأسيس وتدريب الخوذ البيضاء.
وكانت الملكة إليزابيث الراحلة قد كرمته على عمله مع جماعة الدفاع المدني المعروفة باسم "الخوذ البيضاء" في سوريا.
أنقذوا أكثر من 125 ألف شخص وقُتل من فريقهم 300
وتتألف كوادر "الخوذ البيضاء" من 3 آلاف متطوع، وأنقذت حسب تعريفها، أكثر من 125 ألف شخص من تحت الأنقاض أثناء القصف الجوي، بينما فقدت 297 فرداً من كوادرها خلال أداء واجبهم.
وقد قتل أكثر من نصفهم في ضربات استهدفتهم "عمداً"، وتقول المنظمة إنها "تؤمن بأنه لا سلام مستداماً في سوريا من دون مساءلة وعدالة"، ولذلك تعمل على "توفير وثائق انتهاكات حقوق الإنسان؛ لاستخدامها في عمليات المساءلة".
تم ترشيح الخوذ البيضاء لجائزة نوبل، ولكن لم يحصلوا عليها.
ولكن في عام 2016 مُنحت جائزة نوبل البديلة الخاصة بحقوق الإنسان، وبعد عام حصل فيلم يحكي قصتها على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير، خلال الدورة 86 لجوائز الأوسكار.
كما صُنف مديرها الصالح وفق مجلة "تايم" الأمريكية، نهاية أبريل/نيسان 2017، كأحد أكثر 100 شخصية تأثيراً حول العالم.
وتتلقى المنظمة التمويل من عدد كبير من الدول والجهات المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا.
وخضع أفرادها لدورات تدريب على عمليات البحث والإنقاذ والإجلاء في تركيا.
والآن يشكون تجاهل العالم لمأساة شمال سوريا
وأعلنت الخوذ البيضاء السورية، والمعروفة أيضاً باسم الدفاع المدني السوري، أن شمال غربي سوريا "منطقة منكوبة" بسبب الزلزال.
واشتهرت عملية إنقاذ طفلة سورية من قبل الخوذ البيضاء شهرة كبيرة وأعطت أملاً لجهود الإنقاذ، حيث نشر حساب منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" مقطع فيديو لعملية إنقاذ طفلة من تحت أنقاض منزلها المدمر في مدينة سلقين غربي محافظة إدلب شمالي سوريا، إثر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر الإثنين 6 فبراير/شباط 2023.
لا يوثق المقطع المصور عملية الإنقاذ فحسب، بل يسجل حواراً مؤثراً يفطر القلوب بين الطفلة ليلاس، التي تقول ببراءة بين ركام الحجارة، إنها دخلت في سن العاشرة، ليرد عليها أحد رجال الإنقاذ: "ما شاء الله"، لعلّه يمسح عنها قليلاً من الصدمة التي تعيشها.
وقال منير مصطفى نائب مدير الدفاع المدني السوري بشمال إدلب، في لقاء مع قناة الجزيرة، إن هناك 2800 متطوع من أفراد الخوذ البيضاء يعملون لمواجهة الكارثة باستخدام 40 آلية، لكن الوضع أكبر من الإمكانيات الموجودة، في شمال غربي سوريا، حيث إن 400 بناء مهدم بالكامل وأكثر من ألف مدمر بشكل جزئي، وعمليات الإجلاء جرت من آلاف الأبنية، كما أن السكان يعانون من البرد، وانتقد تأخير المساعدات الدولية.