أعلنت أغلب دول العالم تضامنها ودعمها استجابة للزلزال المدمر في تركيا وسوريا، في مؤشر واضح على تكاتف الدول في مواجهة الكوارث الطبيعية، فهل تنجح دبلوماسية النكبات دائماً في تخفيف التوترات؟
وتواصل فرق الإنقاذ جهود البحث عن ناجين تحت أنقاض المباني التي تهدمت بفعل زلزال سوريا وتركيا، الذي أودى بحياة أكثر من 5 آلاف شخص مع توقعات بتضاعف الأعداد، حيث كان الزلزال، الذي ضرب تركيا وشمال غرب سوريا فجر الإثنين 6 فبراير/شباط، هو الأسوأ الذي تشهده تركيا خلال القرن الجاري، وتلاه زلزال آخر كبير عند الظهيرة بقوة 7.7 درجة.
وتسببت عوامل متعددة في مضاعفة حجم الكارثة، أبرزها قوة الزلزال وشدته وقرب مركزه من سطح الأرض؛ إذ ضرب على عمق نحو 18 كيلومتراً، إضافة إلى برودة الطقس ووقوع الزلزال في وقت متأخر من الليل والناس نيام في بيوتهم.
المساعدات والدعم لتركيا وسوريا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ما حدث كارثة تاريخية وأسوأ زلزال يضرب تركيا منذ عام 1939، لكنه أضاف أن السلطات تبذل كل ما في وسعها: "قلوبنا وأرواحنا جميعاً مع الجهود المبذولة لكن الشتاء وبرودة الطقس وحدوث الزلزال خلال الليل صعّب الأمور".
وأعلنت تركيا تحذيراً من الدرجة الرابعة يناشد مساعدة دولية، وعلى الفور سارعت أغلب دول العالم بتضامنها، وبادرت العديد من الدول العربية بإنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة، ومن هذه الدول قطر ومصر والإمارات والكويت والبحرين والجزائر وغيرها.
وكان لافتاً أن تعلن إسرائيل أنها سترسل مساعدات إلى سوريا. بينما قال مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان الإثنين إن الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي فعّلت آلية الاستجابة السياسية المتكاملة للأزمات بهدف تنسيق إجراءات دعم الاتحاد الأوروبي لتركيا وسوريا اللتين ضربهما الزلزال المدمر.
وتعزز الآلية قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات سريعة في مواجهة أزمات كبرى تتطلب استجابة على مستوى دول الاتحاد. فمن خلال هذه الآلية، تنسق رئاسة المجلس الأوروبي الاستجابة السياسية للأزمات عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى.
وقالت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور إن الولايات المتحدة شرعت في نشر فريق من المتخصصين في التعامل مع الكوارث بعد الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 5000 شخص في تركيا وشمال غرب سوريا.
وأضافت باور في بيان أن فريق الاستجابة للمساعدة في حالات الكوارث "سيعمل بالتنسيق الوثيق مع السلطات التركية على الخطوط الأمامية، وكذلك مع شركائنا على الأرض والوكالات التابعة للحكومة الأمريكية"، بحسب رويترز. وقال البيان إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بصدد نشر فريقين للبحث والإنقاذ في المناطق الحضرية من فرجينيا وكاليفورنيا.
نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قال أيضاً إن الوزير أنتوني بلينكن أبلغ نظيره التركي مولود جاويش أوغلو بأن عليه أن "يرفع سماعة الهاتف ويخبرنا" بما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتقديم المساعدة بعد الزلزال القوي الذي ضرب البلاد.
وتحدث بلينكن إلى نظيره التركي هاتفياً في أعقاب الزلزال، وقال برايس: "كان من المهم للغاية بالنسبة للوزير (بلينكن) أن يتحدث إلى نظيره (التركي مولود) جاويش أوغلو لتقديم التعازي في المقام الأول وليوضح… أننا سنقدم لتركيا كل ما تحتاجه وليس عليهم سوى رفع سماعة الهاتف وإبلاغنا (بما يحتاجونه)".
وأضاف برايس أن بلينكن طلب من كبار موظفيه صباح اليوم تحديد التمويل الذي قد يكون متاحاً لمساعدة تركيا والمنظمات غير الحكومية العاملة على الأرض في سوريا. وقال إن القنصلية الأمريكية في مدينة أضنة بجنوب تركيا ستستضيف أيضاً أشخاصاً آخرين من المشاركين في جهود الإنقاذ.
وفي بكين، قال التلفزيون المركزي، الثلاثاء 7 فبراير/شباط، إن الصين ستقدم دفعة أولى قدرها 40 مليون يوان (5.9 مليون دولار) مساعدات طارئة لجهود الإغاثة في تركيا بعد الزلزال الكبير الذي ضرب البلاد، وأضاف أن الصليب الأحمر الصيني سيقدم مساعدة طارئة قيمتها 200 ألف دولار لكل من تركيا وسوريا.
وقالت الحكومة البريطانية إن 76 متخصصاً في البحث والإنقاذ بالإضافة إلى أربعة كلاب ومعدات إنقاذ وصلت إلى تركيا مساء الإثنين وسيقيم فريق طوارئ طبية بريطاني الوضع على الأرض. وأضافت أن لندن تتواصل مع الأمم المتحدة بشأن تقديم الدعم لسوريا.
وأرسلت باكستان، الثلاثاء، طائرتين من طراز سي-130 إلى تركيا وعلى متنهما مواد إغاثة و36 فرداً من فرق البحث والإنقاذ. وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إن هيئة الحماية المدنية الاتحادية بألمانيا ستقدم مخيمات بها ملاجئ طوارئ ووحدات لمعالجة المياه وإنها تجهز بالفعل مؤن إغاثة تشمل مولدات كهرباء للطوارئ وخياماً وأغطية بالتنسيق مع السلطات التركية.
كما أعلنت الحكومة الهندية أن فريقين من القوة الوطنية الهندية للتعامل مع الكوارث يتألفان من 100 فرد مزودين بمعدات وفرق من الكلاب المدربة بصدد التوجه إلى منطقة الكارثة للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ. وجرى تجهيز فرق طبية وإرسال مواد إغاثة بالتنسيق مع السلطات التركية.
وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا مستعدة لإرسال الدعم. وأضاف: "نحن في هذه اللحظة قريبون من الشعب التركي الصديق ومستعدون لتقديم المساعدة اللازمة". بينما قالت وزارة الطوارئ الروسية إن طائرتين من طراز آي.إل-76 تحملان 100 من رجال الإنقاذ جاهزتان للسفر إلى تركيا إذا لزم الأمر. وبعث الرئيس فلاديمير بوتين برسائل إلى تركيا وسوريا، حيث تدعم القوات الروسية الجيش السوري، معرباً عن تعازيه لرئيسَي البلدين واستعداده لتقديم الدعم لهما.
كيف أرسلت أمريكا مساعدات لإيران بعد زلزال "بم"؟
تتسبب الكوارث الطبيعية، في أغلب الأحيان، في تنحية الدول خلافاتها وعداواتها جانباً، وهو ما يعرف باسم "دبلوماسية الكوارث" أو "دبلوماسية النكبات"، وهناك عشرات الأمثلة على هذا السلوك، منها على سبيل المثال، مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم المساعدات لإيران في أعقاب زلزال كبير ضرب مدينة "بم" الواقعة شرق محافظة كرمان يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2003.
قوة زلزال "بم" بلغت 6.6 بمقياس ريختر، لكنه تسبب في دمار هائل، إذ تسبب في مقتل نحو 42.000 شخص وإصابة أكثر من 50 ألفاً آخرين وشرد أكثر من 10 آلاف شخص آخرين، بحسب الإحصائيات الرسمية، بينما كان العدد الحقيقي للضحايا أعلى مما صرحت به المصادر الحكومية، فالزلزال دمر نحو 90% من منشآت المدينة، كما دمر قلعة "بم" الأثرية، التي كان يزيد عمرها عن 2.500 سنة.
وعلى الرغم من العداء بين واشنطن وطهران، فإن إدارة جورج بوش (الابن) عرضت المساعدة على إيران ووافقت إيران على قبولها، فهبطت طائرتا شحن عسكري أمريكيتان في مطار إيراني قريب من المدينة المنكوبة، وكان ذلك يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2003، أي بعد 3 أيام من وقوع الزلزال.
كانت تلك هي المرة الأولى التي تهبط فيها طائرات عسكرية أمريكية في إيران منذ أبريل/نيسان 1980، عندما حاولت قوة أمريكية خاصة إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين في سفارة واشنطن بطهران، في أعقاب ثورة الخميني عام 1979 التي أطاحت بحكم الشاه المدعوم أمريكياً، والتي شهدت قطع العلاقات الدبلوماسية تماماً بين البلدين وتحولهما إلى عدوتين حتى يومنا هذا، بحسب تقرير لشبكة CNN.
لكن عندما تعرضت إيران لنكبة الزلزال المدمر، سارعت أغلب دول العالم لتقديم المساعدة، ومنها أمريكا التي أرسلت نحو 200 شخص من فرق الإنقاذ ومساعدات طبية وإنسانية أخرى. صحيح أن ذلك التواصل الإنساني بسبب كارثة الزلزال لم يؤدّ إلى تغيير جذري في طبيعة العلاقات بين البلدين، لكنه يعتبر دليلاً واضحاً على نجاح دبلوماسية النكبات في التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية.
اللافت هنا هو أن الموقف تكرر بعد نحو عامين، وإن كان بطريقة معكوسة، حيث عرضت إيران إرسال مساعدات في صورة 20 مليون برميل من النفط الخام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للتخفيف من آثار إعصار كاترينا المدمر، والذي ضرب خليج المكسيك؛ حيث تتركز صناعة النفط الأمريكية. اشترطت إيران وقتها رفع العقوبات الأمريكية حتى تتمكن من إرسال شحنات النفط، ولم توافق الإدارة الأمريكية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
كيف تسبب زلزال في إنهاء حرب أهلية؟
كان إقليم إتشيه في إندونيسيا مسرحاً لحرب أهلية مستمرة دون هوادة منذ سبعينات أخرى. وصباح يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2004، ضرب زلزال قوته 9.3 عمق المحيط الهندي، وكان مركزه السطحي قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا.
تسبب الزلزال في سلسلة من موجات تسونامي هائلة، بلغ ارتفاعها 30 متراً، نتجت عن النشاط الزلزالي تحت الماء قبالة الساحل، واتجهت تلك الأمواج الهائلة إلى الداخل متسببة في دمار المجتمعات على طول السواحل المحيطة بالمحيط الهندي. وقتلت تلك الأمواج من التسونامي أكثر من 277 ألف شخص في 14 دولة، ما يجعلها إحدى أكثر الكوارث الطبيعية فتكاً في التاريخ المسجل.
وتسببت النتائج المباشرة لتلك الكارثة الطبيعية في اضطرابات كبيرة في ظروف المعيشة والتجارة في المقاطعات الساحلية للبلدان المحيطة، بما فيها آتشيه (إندونيسيا) وسريلانكا وتاميل نادو (الهند) وخاو لاك (تايلاند)، وسجلت باندا آتشيه أكبر عدد من القتلى.
وكان هذا الزلزال ثالث أكبر زلزال مسجل على الإطلاق، وأكبر زلزال في القرن الحادي والعشرين، وكانت فترة تصدعه أطول فترة ترصد على الإطلاق، إذ تراوحت بين ثماني وعشر دقائق. تسبب في اهتزاز كوكب الأرض بمقدار 10 مم (0.4 بوصة)، كما تسبب في إحداث زلازل عن بُعد في أماكن بعيدة مثل ألاسكا.
وعلى الفور انطلقت دبلوماسية النكبات؛ إذ أدت محنة البلدان والناس المتضررين إلى استجابة إنسانية عالمية، وبلغ مجموع التبرعات أكثر من 14 مليار دولار أمريكي، لكن الموقف في إقليم آتشيه الإندونيسي، حيث الحرب الأهلية جعل من عمل فرق الإنقاذ وتوصيل المساعدات للمحتاجين إليها مهمة شبه مستحيلة، فبدأت جولات الحوار بين الانفصاليين وجاكرتا بمساعدة دولية.
وخلال وقت قصير، توصل الطرفان إلى اتفاق ألغت بموجبه جاكرتا قانون الطوارئ في الإقليم وسحبت وحدات الجيش مقابل إلقاء الانفصاليين أسلحتهم؛ ليسدل الستار على الحرب الأهلية وتنتهي تماماً، والفضل لدبلوماسية النكبات.