“فرنسا تتخلى عن المغرب لصالح الجزائر”.. ماذا وراء تقلّبات ماكرون الأخيرة في شمال إفريقيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/04 الساعة 10:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/04 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجزائر، أرشيفية/ رويترز

قبل أكثر من عام بقليل، رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر، التي استعمرتها فرنسا لوقت طويل، باعتبارها "نظاماً مستهلكاً" من وجهة نظر باريس، وخفض عدد التأشيرات الصادرة لمواطنيها. واستدعت الجزائر سفيرها بعنف، ومنعت القوات الجوية الفرنسية من سمائها. 

لكن منذ ذلك الحين، سعت فرنسا بشغف إلى التقارب من الجزائر مجدداً، وانقلب الحال كما يقول تقرير لمجلة The Economist البريطانية. في 23 يناير/كانون الثاني 2023، استضاف ماكرون الجنرال السعيد شنقريحة، أعلى جنرال جزائري رتبةً وأقوى رجل في البلاد، تبعه وفد فرنسي كبير إلى الجزائر، حيث كانت هناك "ديناميكية استثنائية"، كما يقول دبلوماسي ساعد في تنظيمها للمجلة البريطانية. 

"فرنسا تتخلى عن المغرب لصالح الجزائر"

مع ازدهار علاقات فرنسا مع الجزائر، فإن العلاقات مع المغرب، ربيبها السابق وخصمها اللدود للجزائر، قد تذبل. زار ماكرون المغرب آخر مرة في 2018، وقام منذ ذلك الحين برحلة إلى الجزائر. قضى ملك المغرب محمد السادس أربعة أشهر على الأقل في باريس، العام الماضي، لكنه لم يلتقِ الرئيس الفرنسي. 

في 19 يناير/كانون الثاني، ساعد حزب النهضة الذي يتزعمه ماكرون في تمرير قرار في البرلمان الأوروبي، يدين انتهاكات المغرب لحقوق الإنسان، دون توجيه انتقادات متزامنة للجزائر، التي يعتبر سجلها كئيباً على الأقل. يقول جيف بورتر، الخبير الأمريكي في شؤون الجزائر: "اعتقد المغاربة أنهم كانوا أفضل مكانةً من الجزائر في أوروبا والولايات المتحدة، فجأة أصبحت الجزائر أكثر أهميةً وأقل إشكالية". 

الغاز كلمة السر

في ظل الحرب في أوكرانيا، فإن وفرة الغاز في الجزائر هي السبب الرئيسي للتقارب مع فرنسا وأوروبا. زارت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، الجزائر وليبيا مؤخراً لمناقشة الاستثمارات في الطاقة. 

وتعتمد إيطاليا الآن على الجزائر في 40% من احتياجاتها من الغاز، ارتفاعاً من 30% قبل الحرب الأوكرانية. وانخفضت حصة الغاز الروسي في إيطاليا من 40% إلى 10%. على النقيض من ذلك، فإن المغرب لا يملك تقريباً أي مواد هيدروكربونية ليقدمها. 

كانت روسيا لسنوات المورّد الرئيسي للأسلحة للجزائر، لذلك كان من اللافت أن الجنرال شنقريحة ناقش مبيعات الأسلحة مع الشركات الفرنسية خلال رحلته. وما يسر الأوروبيين أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون علّق زيارته المقررة إلى موسكو إلى أجل غير مسمى. 

هل تخلَّت أوروبا عن المغرب؟

تقول المجلة البريطانية إن "المغرب هو المسؤول جزئياً عن تراجع العلاقة مع فرنسا. غالباً ما يكون الملك محمد غائباً، ويبدو أن سياسة المغرب الخارجية تنحرف. لم يُستَجَب لمطالبة البلاد التي لا هوادة فيها بضرورة قبول أوروبا لسيادتها على الأراضي المتنازع عليها في الصحراء الغربية. ويُزعم أن ممثليه عُرِفَ مؤخراً أنهم يضغطون على نواب أوروبيين بالرشاوى (نفى المغرب أي دور في فضيحة فساد ورفض مزاعم سعيه للتأثير على الوضع المتنازع عليه في الصحراء الغربية). 

واتُّهِمَ المغرب باستخدام برامج تجسس إسرائيلية "بيغاسوس" للتنصت على هواتف حلفائه في السابق، بما في ذلك ماكرون. على أية حال، يبدو أن المغرب يدير ظهره لما يسميه "أوروبا القديمة". وفي المقابل يتطلَّع بصورة متزايدة إلى إسرائيل وأمريكا للدفاع عنه، على حد وصف الإيكونوميست.

وبعد أن أصدر البرلمان الأوروبي قراره، الذي يدين المغرب لسجله في مجال حقوق الإنسان، صوَّت البرلمان في الرباط بالإجماع على مراجعة العلاقات مع النظير الأوروبي. وينتقد السياسيون المغاربة الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين، للتدخل الاستعماري. 

في غضون ذلك، تزدهر صداقة المغرب مع إسرائيل، ومن المتوقع أن يستضيف المغرب وزير خارجية إسرائيل، إلى جانب نظرائه من أمريكا والإمارات، للاحتفال بالذكرى الثانية لاتفاقات أبراهام، التي أدت إلى تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. ومن المقرر أن ينعقد التجمع في ميناء الداخلة في الصحراء الغربية. 

التوتر بين المغرب والجزائر

كل هذا بينما يتصاعد التوتر مرةً أخرى بشكل خطير على طول الحدود الجزائرية المغربية، كانت العلاقات بين الاثنين، التي تعرضت لضربة قاتلة آخر مرة في عام 1963، متوترة منذ فترة طويلة. يخشى المغرب من أن الجزائر قد تقدِّم طائرات مسيَّرة لجبهة البوليساريو، الحركة التي سعت منذ فترة طويلة إلى استقلال الصحراء الغربية. من جهتها، تخشى الجزائر من أن تساعد إسرائيل المغرب في التخطيط لضربة إلكترونية ضد حقول نفطها. 

وسبق أن لعبت فرنسا دور الوسيط لحل الأزمة بين الجارتين المغاربيتين على خلفية قضية الصحراء الغربية، والتي بلغت حد قطع العلاقات الدبلوماسية، في 24 أغسطس/آب 2021.

واستغل المغرب في العقد الماضي خمول الدبلوماسية وشلل النظام السياسي الجزائريين لتعزيز مصالحه، غالباً على حساب الجزائر. وأدت صحوة الدبلوماسية الجزائرية مجدداً وقرارها للتصدي لما تعتبرها "أعمالاً عدائية" مغربية إلى القطيعة الأخيرة، كما يقول تقرير سابق لموقع The Conversation الأسترالي.

تحميل المزيد