مع تصاعد التهديد الروسي وتعثّر الإنتاج الغربي.. لماذا قد تكتسح كوريا الجنوبية سوق الدبابات بأوروبا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/03 الساعة 09:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/03 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
جنود من الجيش البولندي يقفون أمام الدبابات الكورية الجنوبية في محطة حاويات البلطيق في غدينيا، بولندا ، في 6 ديسمبر 2022. GETTY IMAGES

يشكك مستخدمو دبابات "ليوبارد 2" الألمانية في الوقت الحالي، لا سيما من يواجهون تهديداً روسياً على حدود بلادهم، في الحكمة وراء الاعتماد على برلين للحصول على مكون رئيسي من مكونات القوات البرية بعد أزمة التردد الألماني بإرسال هذه الدبابات إلى أوكرانيا.

بالإضافة إلى أن الخطة الألمانية – الفرنسية التي تستهدف تطوير بديل لكل من الدبابة القتالية الفرنسية الرئيسية لوكلير والألمانية ليوبارد 2، تبدو أنها تتجه نحو جرها إلى بئر البيروقراطية المحبطة، مما يجعل نظام المركبة القتالية الرئيسية الفرنسي الألماني (MGCS) خياراً غير جذاب للاعتماد عليه من جانب الهياكل المستقبلية لقوات البلاد. ولكن ليست هناك خطوطٌ أخرى نشطةٌ في أوروبا لإنتاج الدبابات، مما يجعل نماذج الدبابة الألمانية ليوبارد هي الخيار الوحيد.

لماذا الدبابات الكورية هي خيار جيد بالنسبة لأوروبا؟

بيد أن هناك خط إنتاج دبابات آخر يُخطط له في أوروبا؛ حيث حصلت شركتا هيونداي روتيم وهانوا للصناعات الدفاعية في كوريا الجنوبية، على عقود تسليح ضخمة مع بولندا في عام 2022، تضمنت اتفاقاً على 1000 دبابة كيه2 القتالية الرئيسية و672 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة كيه-9.

ويقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية إنه سوف تُبنى 180 دبابة من إجمالي الدبابات داخل كوريا الجنوبية بين عامَي 2022 و 2025، بينما ستصير إمكانات الإنتاج المحلية متاحة في بولندا بحلول عام 2026، لبناء الـ 820 الأخرى في إطار الاتفاق. 

الأهم من ذلك أنه سوف تُبنى هذه الدبابات بمواصفات بولندية لتحمل اسم "كيه-2 بي إل"، وسوف يجري تحديث الـ180 دبابة الأولى لاحقاً لتصير متسقة مع معايير الدبابة بولندية الصنع المستقبلية كيه-2 بي إل. 

وترى وارسو أن الاتفاق مع كوريا الجنوبية يستهدف الحصول على الدبابات بصورة أسرع من قدرة شركة راينميتال الألمانية على الإمداد، وبسعر تنافسي، لكنه أيضاً يحقق رغبات بولندا التي تستهدف نقل التكنولوجيا لتعزيز صناعاتها الدفاعية المحلية.

دبابات ليوبارد-ألمانيا
قلق من قرار إرسال ألمانيا دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا/ رويترز

هل تكتسح كوريا الجنوبية سوق الدبابات في أوروبا؟

تبدو الرغبة في توطين الإنتاج العسكري مألوفة بالنسبة لكوريا الجنوبية، التي بدأت برنامج إكس كيه-2 في عام 1995، في إطار جهودها الرامية إلى النأي ببرنامج الدبابات الكوري عن منصات مشتقات النماذج الأمريكية. وصل التصميم إلى مرحلة النموذج الأولي في 2007، وبعد إتمام تجارب وتقييمات صارمة ودقيقة، وقّعت كوريا الجنوبية على عقد لأولى دباباتها كيه-2 في 2014. 

وتقول "فورين بوليسي": صحيحٌ أن بعض الأطراف لم تحبذ دبابات كيه-2 الكورية، واصفين إياها بأنها تقليد أقل تطوراً من دبابة ليوبارد 2 الألمانية، لكنها تبقى دبابة قتالية ذات طراز عالمي وقدرات يمكن مقارنتها في العموم بأفضل الدبابات المُنتجة في أوروبا. 

لكن بولندا ليست وحدها؛ حيث تعد الدبابة القتالية الرئيسية التركية "ألتاي"، أحد مشتقات الدبابة الكورية كيه-2، بجانب أن بلاداً مثل سلوفاكيا تواصلت مع كوريا الجنوبية لمناقشة خيارات استبدال دباباتها السوفيتية الكلاسيكية تي-72. 

ونظراً إلى أن العديد من دبابات أوروبا الشرقية القديمة، التي تعود إلى عصر الاتحاد السوفييتي، قد أُرسلت بالفعل إلى أوكرانيا، فإن التصميمات المستندة إلى الدبابة كيه-2 قد تكون خياراً ملائماً لعديد من الدول التي تسعى إلى تطوير علاقاتها الدفاعية، وتنويعها أيضاً.

قائمة الزبائن الأوروبيين تتسع

وضعت النرويج هي الأخرى دبابة كيه-2 على قائمتها النهائية، التي فاضلت فيها بين الدبابة الكورية وبين دبابة ليوبارد 2 إيه 7، قبل التوصية التي قدمها قائد الجيش النرويجي في العام الماضي بالتخلص من الدبابات القتالية الموجودة لدى الجيش النرويجي. 

وصحيحٌ أن هذه المسألة لا تزال معلقة، لكن النرويج حذت حذو بولندا وطلبت 28 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة كيه-9 من شركة هانوا الكورية الجنوبية للصناعات الدفاعية، في إطار عقد بقيمة 180 مليون دولار، لتنضم إلى قائمة البلاد الأوروبية التي تبنت منظومة المدفعية الكورية الجنوبية في جيشها، مثل فنلندا وإستونيا.

ومن المؤكد أن أوروبا بأكملها لا يُرجح أنها سوف تجنح على الفور إلى شراء الدبابات من كوريا الجنوبية، بجانب أن هناك عثرات محتملة. تتمثل إحدى أهم هذه العثرات في الحساسيات التي لدى كوريا الجنوبية تجاه روسيا. 

الدبابة الكورية كيه 2
الدبابة الكورية كيه 2 "بلاك بانثر"/ wikimedia commons

فقد وُجهت انتقادات إلى سيول لرفضها الصريح إرسال مساعدة قتالية إلى الأوكرانيين المحاصرين في المعركة، لكن في الوقت ذاته أفادت تقارير بأنها أبدت مرونة فيما يتعلق بسياستها الصريحة من خلال الموافقة على ما يبدو على تصدير الذخيرة إلى الولايات المتحدة، التي قد تمضي في طريقها سراً نحو أوكرانيا، فضلاً عن أن كوريا الجنوبية بعيدة جغرافياً عن  أوروبا، مما قد يشكل عائقاً أمام الدول التي تفضل الشراء من جيرانها.

لكن من ناحية مبيعات المعدات، يشكل الاستعداد الكوري لنقل التكنولوجيا وتوطين الإنتاج ميزة معتبرة. يتضمن الاتفاق بين بولندا وشركتي هيونداي روتيم وهانوا الكوريتين، خطوط إنتاج محلية سوف تبدأ في إنتاج النسخة البولندية من دبابات كيه-2 (المسماة كيه-2 بي إل)، والمدفع الهاوتزر ذاتي الحركة كيه-9، بحلول عام 2026، بالإضافة إلى منشأة متطورة لصيانة وإصلاح وترميم مدافع كيه-9، التي ستكون قادرة على توفير الخدمات إلى المعدات العسكرية البولندية، وإلى القوات الأوروبية الأخرى أيضاً. 

ومع ضمان وجود الإنتاج المحلي والصيانة المحلية، ستقل نقاط الضعف أمام سياسة التحول المستقبلية المحتملة لدى العواصم الأجنبية وأمام التدفق المضمون لقطع الغيار وعمليات الإصلاح. ومع أن التصميمات الكورية ربما لا تزال تخضع لضوابط التصدير، فقد سمحت كوريا الجنوبية لعملائها بتسويق تصميماتها في الماضي بدون أية قيود، أو بقليلٍ من القيود.

الغرب يواجه عثرات في إنتاج أسلحته تزامناً مع تصاعد التهديد الروسي

بينما تواجه الصناعات الدفاعية لعديد من الدول المتقدمة، من ضمنها الولايات المتحدة، عثرات إنتاجية ضخمة في قواعد صناعاتها الدفاعية، تملك كوريا الجنوبية قدرات إنتاج صناعي ضخم تتسم بالقوة والقابلية للتطوير. فهذه القدرات الإنتاجية، جنباً إلى جنبٍ مع استعدادية سيول لتوطين الإنتاج في أوروبا، تمثل ميزة معتبرة عند مقارنتها بالشركة القومية الألمانية راينميتال، التي ربما تملك أو لا تملك قدرات كافية لتلبية الطلب على الإنتاج في وقت مناسب.

الكتلة الحرجة التي ولدت من رحم الطلبات الكبيرة لبولندا، قد تأتي أيضاً في صالح كوريا الجنوبية. ففي خضم برنامج حيوي للتوسع والتحديث الدفاعيين، يُتوقع أن تملك بولندا واحداً من أعتى الجيوش في أوروبا، مع عددٍ من الدبابات الحديثة يتجاوز أي عضو آخر في حلف الناتو، باستثناء الولايات المتحدة وتركيا. 

بل إن أسطول الدبابات البولندي سوف يتجاوز في واقع الأمر قوات المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا، مجتمعةً. بينما تشير التقديرات إلى أن عدد دبابات ليوبارد 2 التي في الخدمة في أوروبا سيصل إلى حوالي 2000 دبابة في السنوات القادمة، سيكون هناك حوالي 1000 دبابة كيه-2 في الخدمة لدى بولندا وحدها. 

والدول التي ترسل الآن دباباتها ليوبارد 2 إلى أوكرانيا، قد ترى أن امتلاك دبابات كيه-2، يجسد سبيلاً إلى تعزيز العمل البيني مع هذه الدولة التي أظهرت استعدادها لمواجهة الاعتداء الروسي بتحفظات أقل من قادة أوروبا التقليديين.

مزايا عديدة لدخول كوريا الجنوبية لسوق الأسلحة الأوروبي

قد تجد الولايات المتحدة أيضاً مزايا غير مباشرة من تشجيع كوريا الجنوبية على السعي بقوة وراء زيادة حصتها السوقية من المنتجات الدفاعية في أوروبا. بوصفها أحد الحلفاء، قد يكون لدى واشنطن مصلحة حقيقية للغاية في ضمان قوة وانتعاش الصناعة الدفاعية الكورية الجنوبية، القادرة على إنتاج أنواع من الأسلحة الحديثة الضرورية لمواجهة اعتداء كوريا الشمالية.

إن ربط الصناعات الثقيلة الكورية الجنوبية بأمن أوروبا يُقيم رابطاً قوياً بين حلفاء ومصالح الولايات المتحدة في كلا مسرحي الأحدث. فعلى سبيل المثال، سوف تتدرب القوات البولندية مع القوات الكورية الجنوبية في كلا البلدين. كذلك، مثلما أجبرت شدة الحرب الروسية الأوكرانية، الولايات المتحدة وحلفاءها على تذكر المعدل الصادم الذي استنفد به القتال -على المستوى الصناعي- المعدات والذخيرة، فمن المنطقي تطوير علاقات تجارية الآن قادرة على معالجة العثرات في الجوانب الرئيسية.

يكشف إلقاء نظرة على الموقعين على تعهد تالين في أواخر الشهر الماضي -إستونيا وبريطانيا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا والدنمارك وجمهورية التشيك وهولندا وسلوفاكيا- النقاب عن حقيقة مزعجة بشأن الدول التي يُفترض أنها قادة في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا. إنهما غائبتان. إذ إن التباين الصارخ في تصور التهديد وإلحاحه، بين وسط أوروبا من جانب ومحيطها المواجه لروسيا من جانب آخر، اتضح بصورة جلية.

وتقول "فورين بوليسي" إنه بدلاً من ترك أمن أوروبا رهينة لحذر برلين من مهاجمة موسكو، قد تلجأ مزيد من الدول إلى اتباع بولندا في خطوتها الرامية إلى صياغة علاقات دفاعية جديدة خارج الإقليم، مع الدول التي تقدم المرونة التشغيلية التي تحتاجها، فضلاً عن ميزة تعزيز اقتصادها المحلي. 

وفي ظل تأكيد الرؤساء الكوريين المتعاقبين على رغبتهم في أن تكون بلادهم طرفاً قوياً في مجال الصادرات الدفاعية -ومن ضمنهم الرئيس الكوري الجنوبي الحالي يون سوك يول الذي أعلن أن هدفه جعل كوريا الجنوبية رابع أكبر مُصدِّرٍ دفاعي بحلول عام 2027- فربما تحتل كوريا الجنوبية موقعاً جيداً يسمع لها بالاستحواذ على مزيد من الأعمال لصالح أوروبا.

تحميل المزيد