منذ أن فاز الجمهوريون بالسيطرة على مجلس النواب الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وعد زعيم الأغلبية، كيفن مكارثي، ببذل جهوده لإقصاء النائبة الديمقراطية المسلمة إلهان عمر. واليوم يقول مكارثي: "أتذكر ما قالته (إلهان عمر) عن إسرائيل، لقد وعدت العام الماضي بأنها لن تكون في لجنة الشؤون الخارجية بعد الآن. أنا اليوم أفي بهذا الوعد".
هذا ما حدث بالفعل، حيث أطاح مجلس النواب الأمريكي، الخميس، 2 فبراير/شباط 2023، بإلهان من لجنة الشؤون الخارجية، بسبب تعليقات سابقة حول إسرائيل، والتي تم وصفها في واشنطن باعتبارها "معادية للسامية"، بحسب ما قالته صحيفة The New york times الأمريكية. فما الذي حدث؟ ولماذا تسبب إلهان عمر منذ سنوات صداعاً للجمهوريين وغيرهم من الداعمين لإسرائيل؟
من هي إلهان عمر؟
إلهان عمر سياسية أمريكيّة مسلمة من ولاية مينيسوتا، وهي من أصل صومالي. قبل نحو عقدين من الزمن بدأت حكايتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، حينما تمكنت مع عائلتها من الفرار من الحرب الأهلية في الصومال، إلى مخيم اللاجئين في كينيا، حيث مكثت 4 سنوات قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تبلغ الآن 41 عاماً.
اعتبرت عمر أصغر نائبة في الكونغرس، وأول مشرعة ترتدي الحجاب في هيئة تشريعية عبر التاريخ. بدأ اسم إلهان عمر يتردد بشكل كبير في الأوساط الأمريكية منذ عام 2016، وذلك أثناء انتخابها عضوة في مجلس نواب مينيسوتا عن الحزب الديمقراطي، ممّا جعلها أول صومالية-أمريكية تُنتخب في هذا المنصب في الولايات المتحدة.
وزادت شهرة عمر على المستوى العالمي حينَما ترشحت للمنافسة على عضويّة مجلس النواب الأمريكي عن مينيسوتا في الانتخابات النصفيّة يوم 14 أغسطس/آب من عام 2018، ثمّ انتُخبت رسمياً في 6 نوفمبر/تشرين الثاني من نفسِ العام؛ لتكون بذلك أول صومالية-أمريكية تُنتخب في كونغرس الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع الأمريكية من أصول فلسطينية رشيدة طليب.
ولم تسلم إلهان من اعتداءات الكراهية والإسلاموفوبيا باعتبارها مسلمة، فقد تعرضت للضرب من قبل 7 إلى 8 أشخاص في تجمع حزبي عام 2014، حسبما ذكرت لصحيفة الغارديان البريطانية في 2016.
وقبيل الانتخابات التي حصلت خلالها على مقعد في مجلس نواب ولاية مينيسوتا عام 2016، نقلت "الغارديان" عن عمر قولها: "لدي الكثير مما سيشكل عائقاً أمامي. أنا أرتدي الحجاب، وسيكون ذلك مشكلة، لكن يمكن لشخص ما قادر على خوض التحدي، أن يتيح للآخرين أن يطلقوا العنان لأحلامهم، أيضاً".
4 سنوات من المواجهة المفتوحة مع ترامب
ذاع صيت إلهان عمر بعد مواجهاتها داخل مجلس النواب وانتقاداتها المتكررة لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الهجرة والإسلاموفوبيا ودعم إسرائيل وغيرها من القضايا.
وقبل أيام من الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ترامب، وانتخاب إلهان عمر لمجلس نواب ولاية مينيسوتا عام 2016، توعد ترامب بوقف تدفق اللاجئين الصوماليين، الذين وصفهم بـ"الإرهابيين المحتملين"، إلى البلاد. لكن إلهان عمر ردت على ترامب في إحدى تصريحاتها لاحقاً بالقول "أنا أمل أمريكا وكابوس الرئيس (ترامب)".
وأثار ترامب خلال سنوات رئاسته الأربع "العداوة والعنصرية"، ففي معظم تجمعاته الانتخابية أصبح اسم "إلهان عمر" ملازماً له، ومليئاً بالانتقادات والتعليقات العنصرية.
وطالب ترامب إلهان عمر في أكثر من مرة أن تغادر أمريكا وتعود إلى بلادها (الصومال). وعلقت عمر في 2018 على ذلك بالقول: "حدث أنني أجسد عدة هويات مهمشة، أنا امرأة، أنا سوداء، أنا لاجئة، أنا مسلمة، أرتدي الحجاب وكلها هويات قام اليمين بتشويهها واستخدمها ترامب كسلاح".
وعرفت إلهان عمر إلى جانب رشيدة طليب وإلكسندرا أوكاسيو- كوريتز وأيانا بيرسلي، باسم "الفرقة" وأصبحن هدفاً لترامب. وفي وقت قصير أصبحت "الفرقة" قائدة للجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي.
ولعبت "الفرقة" دوراً كبيراً في حملة الحزب الديمقراطي لاختيار المرشح الرئاسي، حيث دعمت 3 منهن بيرني ساندرز، وفي النهاية اختار ناخبو الحزب الديمقراطي جوزيف بايدن، ورفضت عمر الاعتراف بأن فوز بايدن هو هزيمة للتيار التقدمي بالحزب، وقالت: "أعرف من النتائج الأولية للانتخابات أن الناس دعموا السياسات التي ندافع عنها: التأمين الصحي للجميع، وأمور مثل إلغاء دين الطلاب والصفقة الخضراء ومعالجة مشكلة السكن ونظام هجرة إنساني حظيت بدعم عالٍ".
انتقاداتها لإسرائيل ودعمها للقضية الفلسطينية
بدأت معركة إلهان عمر الحقيقية مع المحافظين حينما أشارت في خريف عام 2019 إلى أن "اللوبي الإسرائيلي يشتري ذمم داعميه في الولايات المتحدة الأمريكية"، لتتلقى وابلاً من الهجوم والانتقادات حتى من الديمقراطيين، بل حتى العديد من التهديدات بالقتل من قبل أنصار اليمين المتطرف.
وفي صيف عام 2021، وخلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، شددت عمر على "أهمية العدالة والمساءلة في مواجهة جرائم الحرب، سواء كان من ارتكبها الولايات المتحدة، أو حماس، أو إسرائيل، أو أفغانستان، أو طالبان"، حسب تعبيرها.
لتفتح بعد ذلك مباشرة موجة عنيفة من الهجوم على عمر وزميلاتها في "الفرقة"، حيث نواب جمهوريون بإدانتهن، متهمين إياهن بـ"الدفاع عن منظمات إرهابية، والتحريض على هجمات معادية للسامية والولايات المتحدة الأمريكية"
وأصدرت نانسي وفريق قيادتها بالكامل الأسبوع الماضي بياناً مشتركاً نادراً يهدف إلى تهدئة الجدل المتزايد، وأضافت أن "عقد مقارنات خاطئة" بين دول ديمقراطية و"جماعات تمارس الإرهاب"، في إشارة إلى حماس وطالبان، "يثير التحيز ويقوض التقدم نحو مستقبل من السلام والأمن للجميع".
كما رحّبت نانسي لاحقاً ببيان توضيح صادر عن إلهان عمر، قالت فيه إنها لم تقصد مطلقاً مقارنة الولايات المتحدة وإسرائيل بحماس وطالبان، لكنها أرادت فقط إبراز أهمية مساءلة الجميع دون تمييز.
ولطالمَا انتقدت إلهان سياسات دولة الاحتلال، مشيرةً إلى أنها عبارة عن "نظام فصلٍ عنصري"، داعيّة جموع الشعب الأمريكي والعالمي إلى عدم إغفال القصف الجوي الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين، والذي وصفتهُ "بفعل الأشرار".
وسبق أن أوصلت إلهان عمر جامعة مينيسوتا في ولايتها بسحب الاستثمارات والسندات من إسرائيل، منتقدةً القانون الذي يهدفُ إلى منع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
وبسببِ نشاطها في هذا المجال؛ اتُهمت إلهان عمر بمعاداة السامية من قبلِ بعض اليمينيين، لكنّها ردت بالقول "إنّ انتقاد الحكومة الإسرائيلية لا يعني بأي حال كراهية الشعب اليهودي"، ثمّ واصلت: "هذه الاتهامات دون جدوى، فهي متجذرة بسبب نمطيّة الاعتقاد الغربي بخصوص المسلمين".
الإقصاء من لجنة الشؤون الخارجية
بعد وصول مكارثي لرئاسة مجلس النواب الأمريكي، أراد أول شيء فعله هو تحقيق وعده والإطاحة بإلهان عمر من لجنة الشؤون الخارجية بسبب تصريحات سابقة حول إسرائيل، ليصوّت مجلس النواب، الخميس، 2 فبراير/شباط، لمصلحة عزل عمر من اللجنة بتأييد 218 نائباً جمهورياً، بينما عارضه جميع النواب الديمقراطيين، البالغ عددهم 211.
وقبيل التصويت، قالت النائبة عمر في خطاب أمام البرلمان إنها "مسلمة ومهاجرة من إفريقيا، فهل تفاجأ أحد منكم أنني مستهدَفة؟ وهل تفاجأ أحد منكم أنني بطريقة ما لا أستحق التحدث عن السياسة الخارجية الأمريكية؟". وأضافت: "صوتي لن يخفت إذا لم أكن عضوة في هذه اللجنة لولاية واحدة، بل سيصبح صوتي أعلى وأقوى".
وبعد قرار العزل، علقت إلهان بالقول "إن القرار لن يغير من انتقادها لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية أو سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين".
وكتبت إلهان عمر عبر حسابها بموقع تويتر، الجمعة، 3 فبراير/شباط 2023، متحدية القرار: "لن يتغير انتقادي لسياستنا الخارجية أو سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، أو سياسة أي دولة أجنبية، كشخص عانى ويلات الحرب والاضطهاد، فإن مناصرتي ستكون دائماً لأولئك الذين يعانون بسبب تصرفات الحكومات".