عندما فجّر انتحاري مسجداً داخل مجمع للشرطة في مدينة بيشاور الشمالية الغربية في باكستان، يوم الإثنين 30 يناير/كانون الثاني 2023، توجهت الشكوك على الفور إلى حركة طالبان الباكستانية، المعروفة أيضاً باسم "تحريك إي طالبان باكستان" (TTP). وفي تغريدة على تويتر، أعلن قائد الجماعة سربكاف مهمند مسؤوليته عن واحدة من أعنف الهجمات التي استهدفت قوات الأمن في الأشهر الأخيرة.
لكن عقب أكثر من 10 ساعات، نأى المتحدث باسم الحركة، محمد خراساني بالجماعة عن التفجير، قائلاً إنَّ سياستها ليست استهداف المساجد أو المواقع الدينية الأخرى، مضيفاً أنَّ أولئك الذين يشاركون في مثل هذه الأعمال قد يواجهون إجراءات عقابية بموجب سياسة الحركة. ولم يتطرق بيانه إلى سبب إعلان قائد حركة طالبان باكستان المسؤولية عن التفجير.
وجاء نفي حركة طالبان باكستان أيضاً بعدما أدانت وزارة الخارجية الأفغانية الهجمات على المصلين، باعتبارها تتعارض مع تعاليم الإسلام.
ما هي حركة طالبان باكستان (TTP)؟
تعتبر حركة طالبان باكستان أو ما يُعرف اختصاراً بـ"TTP" جماعة طلابية إسلاموية بشتونية مسلحة، ومنظمة جامعة للعديد من الجماعات الطلابية المسلحة المتمركزة على طول خط ديورند. في ديسمبر/كانون الأول من عام 2007، اتحدت نحو 13 جماعة إسلامية مسلحة تحت قيادة بيت الله محسود، لتشكّل حركة طالبان باكستان.
تشن حركة طالبان الباكستانية تمرداً مسلحاً في البلاد منذ 15 عاماً، لكن تعود جذور حركة طالبان باكستان كمنظمة إلى عام 2002، حين شنّ الجيش الباكستاني عمليات توغل في المناطق القَبلية لمحاربة المسلحين الأجانب (أفغان وعرب ووسط آسيويين)، الفارّين من الحرب في أفغانستان إلى المناطق القبلية المجاورة في باكستان، بحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية في عام 2004.
لماذا تخوض حركة طالبان الباكستانية تمرداً مسلحاً ضد الدولة؟
بدافع الغضب من تعاون باكستان مع واشنطن في الحرب على الإرهاب، أسس مسلحون باكستانيون في عام 2007 "تحريك إي طالبان باكستان" رسمياً، عندما وافقت مجموعات مختلفة خارجة عن القانون على العمل معاً ضد باكستان، ودعم حركة طالبان الأفغانية، التي كانت تقاتل القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويقول تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية، إن "حركة طالبان باكستان" تسعى إلى تطبيق أكثر صرامة للقوانين الإسلامية، والإفراج عن أعضائها المحتجزين لدى الحكومة، وتقليص الوجود العسكري الباكستاني في أجزاء من خيبر باختونخوا، المقاطعة المتاخمة لأفغانستان التي لطالما استخدمتها الحركة كقاعدة.
وصعّدت حركة طالبان باكستان هجماتها على الشرطة والجنود الباكستانيين، منذ نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أنهت من جانب واحد وقف إطلاق النار مع الحكومة، بعد فشل شهور من المحادثات التي استضافها حكام طالبان الأفغان في العاصمة كابول. وحذرت حركة طالبان باكستان مراراً الشرطة من المشاركة في عمليات ضد مقاتليها في بيشاور، عاصمة خيبر بختونخوا.
ما العلاقة بين طالبان باكستان وطالبان الأفغانية؟
حركة طالبان باكستان منفصلة عن حركة طالبان الأفغانية، لكنها حليف وثيق لها كما تقول وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، وقد شجع استيلاء تلك المجموعة على أفغانستان، في أغسطس/آب 2021، حركة طالبان باكستان، التي تشارك الجماعة أيديولوجيتها.
واعتاد مقاتلو حركة طالبان باكستان على الاختباء في المناطق القبلية شمال غربي باكستان، ولديهم أيضاً ملاذ في أفغانستان، لكنهم عاشوا حياة الهاربين في الغالب.
ومع ذلك، بدأت حركة طالبان الأفغانية في إيواء حركة طالبان باكستان علناً عندما وصلت إلى السلطة. كما أطلقت حركة طالبان الأفغانية سراح قادة ومقاتلي حركة طالبان باكستان، الذين اعتقلتهم الإدارات السابقة في كابول.
وصرحت طالبان مراراً بأنها لن تسمح لأي شخص، بما في ذلك حركة طالبان باكستان، باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد أية دولة، ومنها باكستان، لكن المسؤولين الباكستانيين يقولون إنَّ هناك انفصالاً بين أقوال حركة طالبان الأفغانية وأفعالها، التي يمكنها منع حركة طالبان الباكستانية من شنّ هجمات داخل البلاد، لكنها تفشل في فعل ذلك.
وقال عبد الله خان، المحلل الدفاعي البارز والمدير الإداري للمعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن في إسلام آباد، إنَّ حركة طالبان الباكستانية أعربت عن ولائها لرئيس حركة طالبان الأفغانية، لكنه أردف أنَّ طالبان باكستان لديها أجندتها واستراتيجيتها الخاصتين.
وقد استهدفت عمليات حركة طالبان باكستان إلى حد كبير القوات الباكستانية، مشابهة للأجندة التي تتبناها طالبان الأفغانية لطرد القوات الأجنبية من البلاد. ويخشى خان أن تشهد باكستان تصعيداً في عنف المتشددين في الأسابيع والأشهر المقبلة.
لماذا تصاعد العنف مؤخراً في باكستان؟
شهدت باكستان هجمات مسلحة لا حصر لها في العقدين الماضيين، لكن كان هناك تصعيد منذ نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أنهت حركة طالبان باكستان اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة الذي استمر لعدة أشهر.
وتنفذ حركة طالبان الباكستانية بانتظام عمليات إطلاق نار أو تفجيرات، خاصة في معقلها السابق في منطقة شمال غرب باكستان الوعرة والنائية.
وأثارت أعمال العنف مخاوف السكان من عملية عسكرية محتملة في المنطقتين القبليتين السابقتين، شمال وزيرستان وجنوب وزيرستان، واللتين صارتا الآن تابعتين لخيبر باختونخوا.
بعد ساعات من تفجير المسجد يوم الإثنين، 30 يناير/كانون الثاني، قالت وزيرة الداخلية رنا سناء الله خان لقناة Geo News المستقلة، إنَّ حكام طالبان الأفغان يجب أن يتمسكوا بتعهدهم للمجتمع الدولي، بعدم السماح لأي شخص باستخدام أراضيهم لشنّ هجمات ضد دولة أخرى. وأضافت: "يجب عليهم الوفاء بوعودهم".