التحضير لمعركة الربيع.. روسيا تدفع بمزيد من القوات، وأوكرانيا تنتظر الدبابات، فمن أقرب لتحقيق الهدف؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/31 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/31 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش
بوتين على متن سفينة تابعة للبحرية الروسية (أرشيف)/ رويترز

استبدل الرئيس فلاديمير بوتين القائد الأول لقواته في أوكرانيا للمرة الثالثة منذ بدأت الحرب، بينما تنتظر كييف وصول الدبابات الغربية، فكيف يسير التحضير لمعركة الربيع؟ وهل تحقق روسيا أهدافها هذه المرة؟

فقد تولى الجنرال فاليري جيراسيموف، الذي يصفه الغرب بأنه مهندس الحرب في أوكرانيا، مسؤولية الإدارة اليومية للجهود الحربية الروسية خلفاً للجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي تولى المنصب لمدة ثلاثة أشهر فقط. وأعلن وزير الدفاع، سيرغي شويغو، عن خطط كبرى تهدف إلى زيادة أعداد قوات الجيش الروسي بصورة لافتة.

على الجانب الآخر، تنتظر أوكرانيا وصول الدبابات الغربية، وأبرزها أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية، فيما يبدو أنه تحضير لمعركة كبيرة خلال فصل الربيع، فمن يبدو في موضع أفضل لحسم تلك المعركة لصالحه؟

زيلينسكي يحذر من تأخر وصول الدبابات

وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية تبدو في حالة تجمد خلال الشهرين الماضيين بسبب فصل الشتاء، فإن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قال الإثنين 30 يناير/كانون الثاني إن روسيا بدأت "انتقامها الكبير من المقاومة الأوكرانية"، بينما أعلنت القوات الروسية تحقيق سلسلة من المكاسب الإضافية في الشرق؛ حيث إقليم دونباس.

ويحذر زيلينسكي منذ أسابيع من أن موسكو تهدف إلى تصعيد هجومها على أوكرانيا بعد نحو شهرين من الجمود الفعلي على الجبهة الممتدة في جنوب البلاد وشرقها، ورغم عدم وجود مؤشر على وقوع هجوم جديد أوسع نطاقاً على الحدود، قال دينيس بوشيلين، الحاكم الذي نصبته روسيا على الأجزاء التي تسيطر عليها من منطقة دونيتسك، إن القوات رسخت موطئ قدم لها في فوليدار، وهي مدينة لتعدين الفحم كانت أطلالها معقلاً أوكرانيا منذ بداية الحرب، بحسب تقرير لرويترز.

وقال يان جاجين، وهو مستشار لبوشيلين، إن قوات من مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة سيطرت جزئياً على طريق إمداد يؤدي إلى مدينة باخموت التي كانت موضع تركيز للهجمات الروسية على مدى شهور.

وذكر رئيس المجموعة، أمس، أن مقاتليه سيطروا على قرية بلاهوداتني الواقعة إلى الشمال من باخموت. وقالت كييف إنها صدت هجمات على بلاهوداتني وفوليدار، ولم يتسنّ لرويترز التحقق من الأوضاع هناك؛ لكن مواقع القتال تكشف عن مكاسب روسية واضحة تحدث بشكل تدريجي.

زيلينسكي
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي – رويترز

وقال زيلينسكي إن روسيا تشن هجمات في الشرق لا هوادة فيها، على الرغم من الخسائر الفادحة التي مُنيت بها، معلقاً على ذلك بأن موسكو تثأر من نجاح أوكرانيا في طرد القوات الروسية من العاصمة والجنوب الشرقي والجنوب في مرحلة سابقة من الصراع.

وأضاف: "أعتقد أن روسيا تريد حقاً أن يكون انتقامها كبيراً. أعتقد أنهم بدأوا ذلك (بالفعل)". وقال للصحفيين في مدينة أوديسا الساحلية الجنوبية: "كل يوم إما يجلبون المزيد من قواتهم النظامية أو نشهد زيادة في عدد قوات فاغنر".

وتقع فوليدار جنوبي باخموت، بالقرب من المكان الذي يحمي فيه خط المواجهة الشرقي خطوط السكك الحديدية التي تسيطر عليها روسيا، والتي تزود قوات موسكو في جنوب أوكرانيا بالمؤن والعتاد. وقال ميكولا سالاماخا، وهو كولونيل ومحلل عسكري أوكراني، لإذاعة (إن.في) الأوكرانية إن هجوم موسكو هناك باهظ التكلفة.

وأضاف سالاماخا: "البلدة واقعة فوق ربوة وأُنشئ مركز دفاعي شديد التحصين هناك… هذا تكرار للموقف في باخموت، تسحق القوات المسلحة الأوكرانية موجة تلو الأخرى من القوات الروسية".

متى تصل الدبابات الغربية إلى أوكرانيا؟

على الرغم من أن حلفاء أوكرانيا الغربيين، وبخاصة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز، قد تعهدوا خلال الأيام الماضية بإرسال المئات من الدبابات الحديثة والمركبات المدرعة لتجهيز القوات الأوكرانية في هجوم مضاد لاستعادة الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية، فإن موعد وصول تلك الأسلحة الثقيلة لا يزال غير محدد.

ويبدو أن إرسال هذه الأسلحة، وبخاصة الدبابات، قد يستغرق شهوراً على الأقل، وهو ما يعني أن القوات الأوكرانية عليها أن تقاتل بما هو متاح لديها خلال ما تبقى من فصل الشتاء، حيث تدور ما يصفه الطرفان بأنها حرب استنزاف بلا هوادة.

وأرسلت مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة آلاف المدانين المجندين من السجون الروسية إلى المعركة في أنحاء باخموت، ما يوفر الوقت لجيش روسيا النظامي لإعادة تشكيل الوحدات بمئات الآلاف من قوات الاحتياط.

وفي هذا السياق، يقول زيلينسكي إن الغرب لا بد أن يعجل بإرسال الأسلحة الموعودة ليتسنى لأوكرانيا العودة إلى وضع الهجوم.

ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، قال إن إمداد دول الغرب أوكرانيا بالأسلحة يؤدي "إلى اشتراك الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي أكثر فأكثر بشكل مباشر في الصراع، ولكن ليس لذلك قدرة على تغيير مسار الأحداث ولن يغيرها".

بينما قال معهد دراسة الحرب إن "تقاعس الغرب عن تقديم المواد اللازمة" العام الماضي كان السبب الرئيسي في تعطل كييف عن إحراز مكاسب على الأرض منذ نوفمبر/تشرين الثاني.

دبابات ليوبارد-ألمانيا
قلق من قرار إرسال ألمانيا دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا/ رويترز

وقال باحثو المعهد في تقرير إن ذلك سمح لروسيا بممارسة الضغوط على باخموت وتحصين خط المواجهة أمام هجمة أوكرانية مضادة في المستقبل، على الرغم من أن الباحثين قالوا إن أوكرانيا ما زال بوسعها استعادة الأراضي بمجرد وصول الأسلحة الموعودة، بحسب رويترز.

وفي الوقت الذي ظفرت فيه كييف بأسلحة من الغرب، اتجهت موسكو إلى حلفاء من بينهم إيران التي تقول كييف والغرب عنها إنها قدمت لروسيا مئات "الطائرات المسيرة الانتحارية" البعيدة المدى لتستخدمها في الهجوم على المدن الأوكرانية.

وقالت أوكرانيا، التي تلقت إمدادات ضخمة من الطائرات المسيرة من شركائها، إنها تخطط لإنفاق نحو 550 مليون دولار على الطائرات المسيرة هذا العام، إذ أبرمت 16 اتفاقية توريد مع مُصنّعين أوكرانيين. بينما قالت فرنسا إنها اتفقت مع أستراليا على التعاون لتصنيع "بضعة آلاف" من القذائف لأوكرانيا.

روسيا تستعد بقائد جديد ومزيد من القوات

أما في موسكو، فقد كشف الكرملين النقاب عن خطط ترمي إلى تعزيز الجيش الروسي بقرابة 350 ألف جندي، لكي يصل قوام الجيش الروسي إلى 1,5 مليون جندي.

وأرجع وزير الدفاع شويغو ذلك إلى متطلبات "الأمن العسكري الروسي" و "المناطق الجديدة"، في إشارة إلى المناطق الأوكرانية التي أعلنت روسيا عن ضمها. وأضاف شويغو أنه لا يمكن تأمين "البنية التحتية الحيوية" في روسيا إلا من خلال "تعزيز المكونات الأكثر أهمية في القوات المسلحة" في إشارة ضمنية إلى العنصر البشري، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

ونشرت صحيفة The New York Times الأمريكية تقريراً ألقى الضوء على ما يعنيه تعيين بوتين الجنرال جيراسيموف قائداً للقوات الروسية التي تحارب في أوكرانيا، ونقلت عن مسؤولين غربيين قولهم إن جيراسيموف وشويغو هاجما الموقف الدفاعي للجنرال سوروفيكين واقترحا العودة إلى "الهجوم المفرط" بهدف أولي محتمل يتمثل في الاستيلاء على مدينة كراماتورسك في الشرق، التي كان الانفصاليون يسيطرون عليها منذ عام 2014، لكن القوات الأوكرانية طردتهم خلال مرحلة مبكرة من الحرب الحالية.

ويقول المسؤولون العسكريون الأمريكيون وغيرهم من المسؤولين الغربيين إنَّ ترقية للجنرال جيراسيموف كانت تهدف إلى صرف الانتباه عن الانتقادات الموجهة إلى المجهود الحربي من المدونين العسكريين، وكذلك كبح القوة الصاعدة ليفغيني بريغوزين، رئيس مجموعة فاغنر التي قادت الهجوم الروسي الدموي في باخموت بدونباس.

وعلّق دارا ماسيكوت، كبير باحثي السياسات في مؤسسة RAND في واشنطن، قائلاً: "يبدو أنَّ التغيير الأخير في قادة المجهود الحربي كان نتيجة الاقتتال السياسي والمحسوبية".

الجنرال جراسيموف
رئيس هيئة أركان الجيش الروسي وقائد العمليات العسكرية في أوكرانيا الجنرال جراسيموف / رويترز

ويقول مسؤولون عسكريون ومحللون إنه في ظل استمرار إصرار بوتين على أن تستولي روسيا على دونباس، تتزايد التوقعات بأنَّ الجنرال جيراسيموف سيتعرض لضغوط هائلة لتنفيذ هجوم ناجح هذا الربيع.

قال مارك جاليوتي، الذي يدرس الشؤون الأمنية الروسية، في رسالة على تويتر: "يقع الأمر الآن على عاتق جيراسيموف، وأعتقد أنَّ بوتين لديه توقعات غير واقعية مرة أخرى"، واصفاً ترقية الجنرال جيراسيموف بأنها "مدسوسة بالسم".

ومنذ حل الجنرال جيراسيموف محل سوروفيكين، الذي تولى المنصب لمدة ثلاثة أشهر فقط، ركزت القيادة العسكرية الروسية على المسائل التكتيكية مثل ما إذا كان ينبغي على القوات السفر في مركبات مدنية ومخاطر استخدام هواتفهم المحمولة، بحسب مسؤولين غربيين.

لكن في حين أنَّ هذه الأمور أربكت أعضاء الخدمة بالتأكيد، لا يوجد دليل على أنَّ الجيش الروسي بدأ في معالجة مشكلاته الأساسية؛ مثل نقص الذخيرة والقوات المدربة جيداً، على الرغم من لعبة الكراسي الموسيقية التي تلعبها موسكو مع الجنرالات، حسبما يرى هؤلاء المسؤولون الذين تحدثوا إلى الصحيفة الأمريكية.

ومع وصول بوتين الآن لثالث قائد للحرب في أوكرانيا، لا تزال أهداف الرئيس الروسي لم تتحقق، فقد فشلت القوات الروسية في السيطرة على العاصمة كييف، ولا يزال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في السلطة، وصارت علاقات أوكرانيا مع الغرب أقرب من أي وقت مضى. وعلى الرغم من بوادر حدوث بعض التشققات، يظل حلف شمال الأطلسي (الناتو) موحداً، وحتى هدف روسيا المحدود المتمثل في الاستيلاء على المنطقة الشرقية بأكملها من دونباس لا يزال بعيد المنال.

لمدة 10 سنوات، كان يُعتقَد أنَّ الجنرال جيراسيموف يعمل على تحديث القوات المسلحة الروسية باعتباره رئيس الأركان العامة للجيش. وقد درس المغامرات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا ويوغوسلافيا السابقة وليبيا، وكان يهدف إلى دمج هذه الأفكار في الخطط.

الخلاصة هنا هي أن التحضير لمعركة حاسمة ومفصلية خلال الربيع المقبل يجري على قدم وساق، فروسيا تكثف من وجود قواتها على الأرض وتستعين بقائد جديد، بينما تنتظر أوكرانيا وصول الدبابات الغربية، فمن منهما سيكون أقدر على تحقيق أهدافه؟ لا أحد يمكنه توقع الإجابة بطبيعة الحال، والأيام وحدها كفيلة بتقديمها.

تحميل المزيد